كتاب مطويات الألم ودموع القلم

﴿ الفصل الثاني

 

 

شبكة المنصور

حديد العربي

الفصل الثاني

الخيال الصهيوني وواقع العراق

 

قد يتصور البعض أن الربط بين بروتوكولات حكماء صهيون، زعماء الماسونية من الدرجة العليا الثالثة والثلاثين، - التي تعد من أهم المنظمات المعتنقة لكتاب الكُبالا، الذي يفرض على معتنقيه أن يمتصوا دماء إنسان في كل عام من غير اليهود ويعجن بالدقيق بإشراف الحاخام ثم يخبز ويؤكل في عيد الفصح- هذه الوثائق الخطيرة التي تمَّ الكشف عنها أول مرة عام 1901 في باريس ونشرت عام 1905م في روسيا، وبين أحداث احتلال العراق بعد مضي نحو قرن من الزمن، ضربا من ضروب الخيال، وقد تكون كذلك، لكننا حينما نضع هذه الخطط الشيطانية على أرض الواقع في العراق منذ احتلاله في نيسان عام 2003م فإننا سنجدها الخطة التي طبقتها الإدارة الأمريكية المتصهينة على أرض العراق بكل تفاصيلها، فأي صدفة هذه التي تجعلها كما لو أن حكيماً من القرن التاسع عشر وضع خلطة أعشابٍ لعلاج مريضٍ يعيش في مستهل القرن الحادي والعشرين، أو كأن الشيطان الذي وسوس لليهودي الذي أنتجها في المحفل الماسوني قبل أكثر من قرن، قد حلَّ في جسد الأمريكي الموتور بوش الابن ليطبّق فصولها بإبداع ملحوظ ودقة متناهية، وقد يرى آخرون علة أخرى لهذا الانسجام والترابط، لكن قبل أن يتسرع ليتمعن قليلاً في قول الله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} (1)، أليس هذا حال الشيطان مع ملة بوش واليهود، بلى والله لهو كذلك، وتبصر بقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ}(2)، ألم يأتهم الهدى بيناً واضحاً جليا، لكنَّ الشيطان أملى لهم أن اكفروا ولا تهتدوا، وانظر ما يريد بنا بوش واليهود وما يدفعون شبابنا إليه دفعا، وانظر معه قول الله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}(3)، و هذا ما يفعله الصهاينة وعُباد الصليب ونار المجوس مع العرب المسلمين، فهم ولا شك جند الشيطان وهم صوته وخيله ورجله.

 

فلنتصفح ما أملى الشيطان ونقارن بما فعله جنده على أرض العراق، ولنبدأ بالبروتوكول الأول لأصحاب الأفعى الصهيونية التي أرادوا حرف رأسها حتى يصلوا به إلى موقع ذنبها في القدس الشريف، وقد وصلوا، لكنهم مرعوبين خائفين متوجسين، لأنهم قطعا لم ينسوا وعد الله سبحانه: { فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا}(4).

 

ولهذا تجدهم يعملون دوما لأجل ما يبعدهم عن تحقيق هذا الوعد، وعد الله الحق، فلننظر ماذا كتبوا: (يجب أن يلاحظ أن ذوي الطبائع الفاسدة من الناس أكثر عددا من ذوي الطبائع النبيلة. و إذن فخير النتائج في حكم العالم ما ينتزع بالعنف والإرهاب، لا بالمناقشات الأكاديمية.)، وهذه وسائلهم التي بها استحوذوا على أرض العرب في فلسطين، وهنا نريد أن نؤكد على أن جوهر فكرة الصقور الجدد التي جاء بها بوش والتي تتحكم في الكرة الأرضية منذ أعوام، والتي كان اجتياح العراق أحد أهم تطبيقاتها، هي ذات المنطلق الذي ذكرناه آنفاً، وهنا أيضا يرسم الصفات التي يجب أن يتحلى بها من يتم اختياره للحكم في أي بلد من بلدان العالم، فيشترط بطالب الحكم (الالتجاء إلى المكر والرياء، فإن الشمائل الإنسانية العظيمة من الإخلاص والأمانة تصير رذائل في السياسة، و أنها لتبلغ في زعزعة العرش أعظم مما يبلغه ألد الخصوم.)، ولننظر في صفات حكام البيت الأبيض الأمريكي، ألم يمارسوا في حربهم على العراق وقبلها كل مكر الشيطان وريائه، ألم يعترفوا الآن أنهم ضللوا الرأي العام الأمريكي والعالمي بإكذوبة أسلحة الدمار الشامل في العراق، واضحوكة الديمقراطية التي حملوها في جعب علوجهم لشعب العراق فنثروها على رؤوسهم قتلا وتعذيبا وهتكا للأعراض وتدنيسا للمقدسات، وغيرها من أكاذيب تجاوزت المئات في عددها؟ وهل وقف حاكم واحد من حكام الدول الأقربين والأبعدين بوجه هؤلاء الطغاة المتجبرين، أو تصرف إزاء عدوانهم على العراق أو ذبحهم شعب فلسطين وغيرهما بموقف يوحي على الأقل بعدم الرضى!

 

البروتوكول الثاني لحكماء صهيون يركز أيضا على مفهوم الحكم وشروط اختيار الحكام فيقول: (سنختار من بين العامة رؤساء إداريين ممن لهم ميول العبيد، و لن يكونوا مدربين على فن الحكم، ولذلك سيكون من اليسير أن يمسخوا قطع شطرنج ضمن لعبتنا في أيدي مستشارينا العلماء الحكماء الذين دربوا خصيصا على حكم العالم منذ الطفولة الباكرة.)، وهذا ما يبرر تساؤلاتنا في البروتوكول الأول عن الطبيعة التخاذلية التي مارسها حكام الدول الكبرى والصغرى في تعاطيهم مع قضية فلسطين والعراق وكل قضايا الأمة العربية، أما في العراق فقد اختار بوش مستنيرا بهذا التوجيه بحذافيره حكاماً للعراق، من أرقّ العبيد وأخسهم، ومن الذين لا ولن يجيدوا إلا فن النفاق والغدر والسرقة، حتى لكأنهم قطع شطرنج حركها كرنر وبريمر ونكروبونتي وزلماي زاده بالأقدام، ويحركهم اليوم كروكر بأعقاب الأحذية، وفي أعقابهم بقية ليركلها من سيأتي بعده، سُلب كل شيء من العراق، بل سُلب العراق بكل ما فيه، وهم يصفقون لسيدهم المحتل بحماس لا نظير له، فهل حدث من قبل أن طالب أحد باعتبار يوم احتلال بلده عيدا وطنيا، أو يوم تحرير؟! وقد لا يكون غريبا أن يكون ثقل هؤلاء - الذين تحركهم الأحذية- فارسيا مجوسيا إذا علمنا أن من خصائص الفرس المتأصلة فيهم هي حب العبودية، فقد كان أسلافهم يمارسون من طقوس العبودية للأكاسرة والخضوع لسلطانهم، ما جعلهم يدمنون الذل بعد أن تطبعت أنفسهم عليها، فهي " عقيدة الحق الالهي التي كان الملك يحكم بموجبها، فلقد ساد الاعتقاد ان قراراته واحكامه انما هي وحي من الاله آهورا- مزدا " (5) فأصبحت جزءا أساسيا وفاعلا في تكوين شخصيتهم، على العكس من العربي الذي لم يألف عبودية لحاكم بحكم طبيعة البداوة وقيمها الاجتماعية وتأثيراتها النفسية، وما تؤصله في النفس العربية من اعتداد واستقلالية كبيرة.

 

أما البروتوكول الثالث ففيه مبدأ صار حقيقة ملموسة على مستوى العالم منذ زمن، وقد لا نغالي إذا قلنا أن الصهيونية الآن تقود العالم برمته من خلال وسائل الإعلام المُسيطر عليها بالكامل، سواء كان بالتملك أو بالتبعية، أو بالترغيب أو الترهيب: (أن الصحافة التي في أيدي الحكومة القائمة هي القوة العظمية التي بها نحصل على توجيه الناس. فالصحافة تبين المطالب الحيوية للجمهور، و تعلن شكاوي الشاكين، و تولد الضجر أحيانا بين الغوغاء. و أن تحقق حرية الكلام ولد في الصحافة، غير أن الحكومات لم تعرف كيف تستعمل هذه القوة بالطريقة الصحيحة، فسقطت في أيدينا، و من خلال الصحافة أحرزنا نفوذا، و بقينا نحن وراء الستار، و بفضل الصحافة كدسنا الذهب، و لو أن ذلك كلفنا أنهار من الدم)، وقد استثمرت إدارة بوش هذا الجانب بمبالغة كبيرة، فقد روجت وسائل الإعلام من الأكاذيب ولسنين عديدة ما جعلت من العراق وقيادته وكأنه الطوفان الذي يتهدد العالم في أية لحظة، وغيب عن أذهان هذه الشعوب أن العراق يقع في الطرف الآخر من الأرض التي يقبعون بها، وأنه ليس بجار لهم ولا يملك الوسائل التي يمكن أن يوصل أذاه إليهم عن طريقها، واستهترت بعقولهم المتعفنة لدرجة أن الصحافة تتناوب يوميا على نشر صور الشهيد صدام حسين وتصفه بهتلر العصر، دون أن تفسح مجالا لأحد منهم لكي يتساءل عن طبيعة الأضرار التي ألحقها هتلر بهم على أراضيهم، في الحرب العالمية الثانية، سوى أنهم هم ذهبوا إليه لحربه، أما في العراق بعد احتلاله فقد أصبحت الصحف فيه لاتُعرف أسماؤها ولا تحصى أعدادها، وقد تصدر صحيفتين باسم واحد من كثرتها، لاتتفق على شيء سوى الولاء للمحتل والسعي المحموم لخدمة مخططاته وتحقيق أهدافه وتشويه صورة المقاومة الباسلة، أما القنوات الفضائية فهي تفوق بعددها مجموع القنوات الفضائية التي تملكها الدول العربية مجتمعة، فهي تربو الآن على الخمسين ناعقة، والحبل على الجرار، وكلها تنعق في مسار الاحتلال والعملاء، وتروج لأكاذيبه وأضاليله، أو تصب في مجراه، وقد نستثني واحدة أو اثنتين ليس إلا.

 

كل هذه الوسائل تروج لما يبغي المحتل حتى لو كان ذلك من أجل ذبح الفئة التي تمثلها، وبعلم العاملين فيها أو باستغفالهم، فهم في الغالب كالشرطي الأمي الذي لا يجيد كتابة اسمه ليجد نفسه قائدا في جيش أو شرطة عملاء الاحتلال أو يجد نفسه حاكما مدنيا لمحافظة تعداد سكانها يربو على المليون، والغريب أن المحتل يعلم بحالهم هذا ويدعم وجودهم بهكذا مواقع.

 

الرابع من هذه البروتوكولات يحتوي على هذا النص: (يحتم علينا أن ننتزع فكرة الله ذاتها من عقول المسيحيين، و أن نضع مكانها عمليات حسابية و ضرورات مادية)، وقد فعلوا، فلم تعد المجتمعات الغربية تملك ذرة من إيمان، بل مُسخت إلى عوالم مغرقة بلذة المادة وبهرجها، بعد أن أفرغوا هذه المجتمعات من أية نفحة روحية، رغم أن نزع مخافة الله من قلوب المسيحيين، ما كان الهدف منه إلا لتسخيرهم في ذبح العرب والمسلمين، فوجدوا الأرض غرقى بعصيان بعض أهلها، تنبت كل ضار وخبيث، فأشاعوا فيهم الفواحش والخبائث، وأوغلوا صدور بعضهم على بعض بأعاصير من الأحقاد والضغائن، وغلفوها بأكفان طائفية، فصاروا يقرؤون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا "(6) ويفهمون معانيه لكنهم يتخذون قبور من هم دون الأنبياء منزلة، مساجدا، ويتوسلون بهم ماهو من اختصاص خالقهم دون سواه من مخلوقاته بما فيهم الأنبياء، فقط لأن اليهود والصليبيين والمجوس أوحوا لهم أنها دلائل حب وإخلاص بالإضافة إلى مواردها المادية، فأفرغوا قيمة هؤلاء الصالحين من معانيها الكبيرة، فجعلوا التعبير عن الحب والإقتداء بهم عن طريق مظاهر لاتجدي إلا بمزيد من غضب الله وفرقة الصف الإسلامي، على العكس مما أُريد لهم من تذكر تاريخ أسلافهم العظام بالاقتداء بهم في العبادة والعمل، اللذين بهما حازوا على مجدهم وعزهم، فجبان خائن يدعي حب شجاع مخلص لله ولأمته، وسارق مخادع يتبجح بولاية من كان يقطع يد السارق، وفاحش يدعي الإخلاص لمن كان يوزن كلامه بموازين الذهب، وغيرها الكثير من المفارقات التي يكاد لايستوعب دوافعها من تغيب عن عقله أحابيل اليهود والمجوس ليدرك أنها نتاج متراكم لفعل الدسائس الخفية المقنعة لهؤلاء الذين أشهروا قرون غدرهم وغلهم مذ بدأت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمروا ينطحون بها وجه الإسلام وعقول المسلمين حتى يومنا هذا، فمسخت الكثير من القيم التي كان العربي المسلم يقف عندها ولا يتجاوزها قيد أنملة، فأضحى الجهاد في سبيل الله إرهابا ونوازع دموية، وصار تحرير الأوطان من غاصبيها، والدفاع عنها والتضحية في سبيل عزها، أمرا يتناقض مع ضرورات الحياة ومتعها، وسبل الكسب وظروفه، وبهذا مسخت عقول ونفوس من تجند في صف المحتل مما يربو عددهم على النصف مليون شرطي في العراق هم من ثمار هذه الطفيليات الضارة الخبيثة المنشأ والثمر، فكانوا وما زالوا اليد القذرة التي يبطش بها الأمريكان والصهاينة وأعوانهم بشرف العراق وتاج عزه وذخر شدته، بدلا من التدافع بالمناكب من أجل مجاهدة المحتل الكافر، لو كانوا فعلا يحبون من يدعون حبه، ممن لم يسجل لهم التاريخ إلا الثمين النفيس من الوقفات البطولية في صولات الجهاد، والغالبية من هؤلاء كان هدفهم المكاسب المادية التي يبذلها الغزاة لمن يواليه ليس إلا، فهم رعاع لا يملكون أدنى وعي ديني أو سياسي.

 

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر"(7). وهذا الحديث الشريف من معجزاته صلى الله عليه وسلم، فما " أشبه زماننا هذا بهذا الوصف، الذي ذكره صلى الله عليه وسلم، فإنه ما بقي من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، إيمان ضعيف، وقلوب متفرقة، وحكومات متشتتة، وعداوات وبغضاء باعدت بين المسلمين، وأعداء ظاهرون وباطنون، يعملون سراً وعلناً للقضاء على الدين، وإلحاد وماديات، جرفت بخبيث تيارها وأمواجها المتلاطمة الشيوخ والشبان، ودعايات إلى فساد الأخلاق، والقضاء على بقية الرمق. ثم إقبال الناس على زخارف الدنيا، بحيث أصبحت هي مبلغ علمهم، وأكبر همهم، ولها يرضون ويغضبون، ودعاية خبيثة للتزهيد في الآخرة، والإقبال بالكلية على تعمير الدنيا"(8)

 

ولننتقل إلى الخامس من هذه البروتوكولات لنجد أن سياسة المحتل في العراق لم تستبدل من الفقرة التالية سوى مفردة الأمميين والتي يعني الصهاينة بها كل الأجناس سوى اليهود: (لقد بذرنا الخلاف بين كل واحد و غيره في جميع أغراض الأمميين الشخصية والقومية، بنشر التعصبات الدينية والقبلية خلال عشرين قرناً)، فلينظر أحدنا كيف حولوا المسلمين مشروع خلافات لا تنتهي إلا بأمرٍ من الله تعالى، بل وصلوا حدا جعلهم يفرقون الفصيل الواحد إلى فصائل كثيرة، وعلى سبيل المثال فإن منظمة حماس في فلسطين من الأخوان المسلمين، تُحاصر وتضرب من اليهود والعرب والغرب على حدٍّ سواء، فيما الأخوان المسلمين في العراق بحزبهم الإسلامي صاروا من أخلص عملاء الصهيونية والأمريكان، ومن أعزِّ عبيدهم، والقاعدة ومسمياتها سلفية والحكم السعودي سلفي لكن السيف بينهم قاطع، وشيعة في العراق تذبحهم شيعة أخرى، وغيرها الكثير الكثير مما يصدق معه الصهاينة في القول بين كل واحد وغيره، وفي كل أقطار الوطن العربي، فجعلوا عيدهم أعيادا ورمضان صومهم يتقدم ويتأخر أياما.

 

و حينما يدعي الصهاينة أن عملهم يمتد على مساحة كبيرة من الزمن، فليسوا مغالين، فمع بداية القرن الثاني الهجري استغلوا خبث الأعاجم وصلفهم وتأصل الشرك فيهم بعدما دخلوا في الإسلام مرغمين وتحت راية دولة العرب، ليحشروا مفردات لغاتهم في لسان العرب، ليشوهوا اللغة العربية، التي نطق بها وحي الله، ونزل بها القرآن الكريم، وتكلم بفصيحها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهي لغة أهل الجنة، حتى هوجمت العربية بعاميات لا تشابهها إلا بالرسم، مع إن الحرف لم يسلم أيضا من التشويه، فقلبت حروف وحذفت أخرى وأعجمت بعضها.

 

وقد شهد القرن العشرين هجوما شعوبيا كبيرا على لغة القرآن ولسان العرب، انسجاما مع الخطط الصهيونية التي أفصح عنها أحد أركان الكيان الصهيوني عام 1964 بقوله:(إننا لن نسمح بوجود لغة واحدة، وشعب واحد، ودين واحد في الشرق الأوسط)،(9) وهي التسمية التي راحوا يفرضونها كبديل لتسمية الأمة العربية، بعد أن رفع حكام الكراسي رايات الصهيونية على هاماتهم واعترفوا بكيانهم في قلب الأمة كأمر واقع.

 

فكانت الدعوات الشعوبية المروجة للهجات العامية بما يجعلها اللغات البديلة للعربية وبما يجعل الحرف اللاتيني بديلا لحروف القرآن الكريم، تحت ذرائع شتى، فتارة بحجة صعوبة اللغة العربية، وتارة بحجة الموروث الشعبي، وأخرى بحجة أن اللاتينية اندثرت بعد أن حلت محلها اللغات الأوربية المولدة من لهجاتها، وقد كان رائد هذه الحملة الجديدة، الصهيوني البريطاني وليم ولكوكس (10) وأدواته في مصر، داعية التحلل والتفسخ الاجتماعي بذريعة حرية المرأة قاسم أمين، والملحد الشيوعي سلامة موسى الذي كان يجاهر بأن سبب تخلف العرب هو تمسكهم بلغة القرآن والهوية، وفي لبنان كان ناصيف المنقباوي والأب مارون غصن وميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران وأنيس فريحة وسعيد عقل، وفي سوريا كان المولوي عارف الهبل، وفي العراق كان داعيتهم الطبيب داود الجلبي.

 

وهذه الحملة التي رافقت النهضة العربية، كان الهدف منها إفراغ الوعي العربي من وعاءه ليتبدد ويضيع بعد أن تفقد الأمة كل عناصر قوتها، فضياع اللغة العربية يعني ضياع إرث العرب الحضاري ومعه جوهر عقيدة الإسلام، فحينما تنجح الشعوبية والعنصرية بدعواتهما الرامية إلى جعل اللهجات العامية لغات بديلة عن اللغة العربية، فإن ذلك سيؤدي إلى فصل شامل وجذري للعرب في أقطارهم عن تراث أمتهم المحفوظ بلغتها الفصحى، فتتحول إلى مجاميع بشرية منقطعة عن جذورها، وبالتالي سيكون من السهل أن تنظم أساليب حياتها وقيمها وفقا لما يُراد أن تكون عليه، هذا بالإضافة إلى فقدان الشعب العربي في ظل عاميات الأقطار للصلة الروحية بالقرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فيمسخ الدين وتشوه قيمه بيسر وسهولة وتحرّف تعاليمه، ليفترق العربي المسلم عن جادة الصواب والصراط المستقيم، وليس هذا فقط، فاللغة العربية مخزون ثقافة العرب وصور لمشاهد تاريخهم ووعاء نضح عقولهم ونظام حياتهم وجمال عمارتهم وإبداع فنونهم وآدابهم وأنساب قبائلهم.

 

كما سخروا هذا المعمم أو ذاك لينال من سمعة البعث أمام الجُهال والمضللين وأصحاب الغرض السيئ، بما يتلاءم مع نواياهم الشخصية الدفينة تارة، والمفضوحة أخرى، ليبرروا أهداف الأعداء في احتضانهم للكيانات العميلة التي ترتدي وتتستر برداء الدين، مرة بتكفيره ومرة بتكفير قيادته ومرة بلصق علمانية الغرب به، على الرغم من أن فكر البعث واضح، جربته ساحات النضال المرير منذ عام 1947م واختبرته في ميادينها، فنهجه بيّن وممتحن، وأثبت أنه الدواء الشافي لأمراض الأمة، والسبيل الوحيد للنهوض بها من كبوتها وعثراتها منذ زمن طويل، وما كان إلا تصحيحاً للكم المتراكم من التخبط الفكري الذي ساد الوطن العربي خلال هذا الزمن القاسي الرديء، فلنستمع لمؤسسه المرحوم ميشيل عفلق وهو يزيل كل التباس حول طبيعة العلاقة بين الأمة ككيان وبين الإسلام، فيقول " لم يكن التصور القومي للبعث منفصلا عن الصلة الحية بالتراث الروحي والحضاري للأمة العربية، فإلى جانب العلاقة الموضوعية بين العروبة والإسلام، التي كانت إحدى الركائز الأساسية التي قام عليها فكر البعث، قامت علاقة ذاتية وجدانية مصيرية، بين البعث والإسلام، نبعت من مصدر أساسي، ومنطلق مكمل للمنطلق القومي، هو حب الشعب والأمة، كما أنها جاءت نتيجة للتصميم على الاضطلاع بالمسؤولية القومية، وقد أصبحت هذه العلاقة أهم محرك وملهم ومميز لحزب البعث" وعن طبيعة نضال البعث وكيفية تعاطيه مع التراث الثر للأمة يقول: " لم يكن مجرد عمل سياسي أو فكري أوصل إليه المنطق أو استقراء التاريخ أو استشعار الحاجة الظرفية، ولم يكن تقريرا لحقيقة نظرية، بل كان معبرا عن رؤية وعن علاقة حب وتفاعل، وأمل وتفاؤل بأن يتجدد فعل الإسلام كروح ثائرة مجددة ومبدعة في الحياة العربية الحديثة " (11)، أما عن العلمانية فيقول " حزب البعث الذي يتعامل تعاملا جديا مع واقع الأمة العربية لا يمكن أن يؤخذ بخرافة العلمانية وسطحيتها" (12).

 

 وليستمع من يستقر الإيمان في صدره، لمبادئ هذا الفكر وليحكم، ولسنا نخاطب سوى من آمن قلبه واستقام بالعدل والإنصاف لسانه، فمن أدبر لا يُقبل ولن يُقبل، فقد مَرِضَ قلبه ومُسِخَ عقله، يقول الأمين العام للحزب الشهيد صدام حسين " دولة العرب التي نريد هي الدولة التي يعيش في ظلها العرب بحرية كافية في أديانهم ومعتقداتهم الدينية، وانتماءاتهم المذهبية، وعلى الدولة أن ترعى المعتقدات والأديان وأماكن العبادة والطقوس الدينية، دون أن تتدخل فيها أو تنتمي انتماء تخصصيا فئويا إلى أي منها،... لأننا نأخذ جوهر الأمة في صلاتها بالروح، فترانا نرعى كل دور العبادة، ونحترم كل طقوس الشعب، فإذا كانت لدينا أية محاولة لفك تعارض بين مستلزمات الحياة بنظرتها الواسعة وبين طقوس العبادة في بعض الممارسات التي نجتهد أنها بحاجة إلى ملاحظة، فإننا نعتمد اسلوب التوعية بالدرجة الأساس، ودون أن نستخدم السلطة استخداما فئويا ضيقا... فالعاقل المخلص للأمة ولرسالتها والذي يحرص على إبعاد مخاطر التجزئة والتشرذم والفرقة عن الأمة هو الذي ينتمي إلى الأمة كلها لا إلى جزء منها " (13)

 

وفي خطاب ألقاه قائد الجمع المؤمن الشهيد صدام حسين رحمه الله في السابع من نيسان عام 1990م، قال: " منذ أن انطفأت عين بغداد سنة 1258م/656هـ، ساد الوطن العربي إرباك وتشتت في الفكر والعمل، في العقل والطبائع، حتى أصبح السؤال دائما: من نحن وكيف نكون، وهل أن الحاضر هو كل قدرنا، أم انه مجرد مرحلة في حياتنا، والى متى تمتد المرحلة، وما هي الأسباب التي أوجدتها، إن كانت خارجية أو داخلية، وكيف السبيل إلى التخلص منها، ومتى؟ فكان الجواب الأصيل المتوازن، والذي لا يقطع الماضي عن الحاضر، ويفتح أبواب المستقبل باقتدار وتفاؤل، ويوصل الخطى والفكر بين التراث والمعاصرة ويحل التناقض بينهما حيثما ظهر بما يدع الحياة بمستجداتها تتصاعد إلى أمام، دون أن تنقطع عن جذورها، أقول، كان الجواب من البعث العربي الاشتراكي قبل الخمسينات، أو لنقل كان بداية خطوات الجواب الصحيح في أواخر الأربعينات، ومنذ ذلك التاريخ وضع المؤمنون بفكر البعث، والمتأثرون به، حدا واضحا لخطوط الصلة، بين التراث والمعاصرة، والماضي والحاضر والمستقبل، بين ما ينبغي وما يجب، بين الضرورة والممكن، بين الطموح والقدرات، بين الروح والمادة، في وقت كان فيه العرب، وقد بدأت الصحوة تحل في نفوسهم وعقولهم، متأثرين بما تأثروا به من تطور في الحياة الإنسانية، أو لسعات حوافز مسؤولية الأمة المعذبة المنكوبة، لرد الأذى عن نفسها وعن الآخرين ولممارسة الدور القومي والإنساني، نقول في وقت كان فيه العرب يبحثون عن سلم إنقاذ من ذلك الجب المظلم، وكانوا متوزعين من غير تلاق على جسر موحد، أو اتجاه موحد، بعضهم يغرف من الحاضر عن أمم أخرى ناقلا ما يحلو له، وما يعتقد أنه سلم الإنقاذ، لاعنا، أو متخليا عن، عمق التراث، بما في ذلك روحه، سواء نتيجة اليأس من إمكانية الحصول على مولود منه يتصل بالحاضر بسبب ضعف الهمة الفكرية والسلوكية، أو عن قصور فهم، لأسباب النكسة والابتعاد عن الدور، وبعضهم قد انكفأ يلعن الحاضر وينسب إليه وإلى رواده الأماميين في العالم كل أسباب النكسة، دون أن يغوص عميقا في التحليل، ومن غير أن يهتدي إلى ما ينبغي أن يهتدي إليه، فنسب النكسة إلى نظرة أحادية مبسطة وتصرف تجاه أسبابها وظروفها تصرفا أحاديا مغرقا في البساطة، حتى اعتقد أن الزهد والتشبث بالحالة الروحية كفيلان وحدهما بإعادة مجد العرب، والتبست عليه العلاقة بين العروبة والإسلام، حتى غابت من ذهنه وفي سلوكه مسؤولية الأمة، وتميز التكليف الذي كلفت به من قبل الأنبياء والمرسلين عبر كل تاريخ الأديان السماوية فقادت هذه النظرة الأحادية المغرقة في البساطة، وهذا التشويش من غير قصد مسبق إلى وقوع قسم من العرب في مهاوي مخططات الفكر الشعوبي، الذي يدعي بأن هناك تناقضا بين العروبة والإسلام، وبين القول والدعوة إلى أمة عربية موحدة، وبين القول والدعوة إلى أمة إسلامية موحدة، حتى اعتبر التراث بحد ذاته هو المنقذ، ومن غير حركة إلى أمام، أو تحريك لروحه، ليحرك خطو التصرف، ليضعه في صميم العصر."

 

كما احتوى هذا البروتوكول على قانونين هامين في السياسة الامبريالية والصهيونية، واللذين بهما أمكن إحداث الصدمات الأخلاقية و خيبات الأمل والفشل في نفوس أغلب أبناء الأمة:

 

1- (لضمان الرأي العام يجب أولاً أن نحيره كل الحيرة بتغييرات من جميع النواحي لكل أساليب الآراء المتناقضة حتى يضيع الأمميون في متاهتهم)

 

2- (أن تتضاعف و تتضخم الأخطاء والعادات والعواطف والقوانين العرفية في البلاد، حتى لا يستطيع إنسان أن يفكر بوضوح في ظلامها المطبق، و عندئذ يتعطل فهم الناس بعضهم بعضاً).

 

وقد فعلوا، وهاهو حال العرب جميعا وليس العراق فحسب يضيع أهله في متاهات لا مخرج منها ولا حتى بصيص أمل، في دوامات الأحداث التي تُصنع حبائلها في دهاليز الصهيونية وتُلقى في شوارع العرب، لتلتفّ حول أقدامهم وعقولهم وعواطفهم، لتسلب منهم قدرة الإبصار، ورؤية حقائق الأشياء.

 

ولعل واحدة من ممارسات اليهود بما تضمنه البروتوكول السادس ما يجري اليوم من انهيار كامل تقريباً أو يصور هكذا، للاقتصاد الأمريكي الذي جرَّ معه اقتصاد أوروبا وكل العالم إلى الانهيار إن لم يكن من مصلحة اليهود أن يكون الانهيار مرحلياً، أو يصوّر هكذا لتحطيم اقتصاد العرب بعد أن تعدى سعر النفط الحد المعقول، ومعلوم أن الثروة العربية محسوبة ومراقبة بدقة تامة من قبل الصهيونية العالمية، فلا يسمح لها أن تتضخم لتصل بأهلها إلى درجة القدرة والتأثير مطلقاً، وقد يكون منه ما يجعل أمر تدمير بنى العراق التحتية خلال العدوان وبعده، أمرا مخيبا للآمال، فوفرة كهذه العائدات ستكون قادرة على إعادة البناء من جديد رغم السرقات والنهب المنظم، فكيف يمكن للصهيونية أن تأمن جانب العراق وهو يحقق 120 مليار دولار خلال عام واحد من الموارد النفطية فقط، من غير المبالغ التي سُرقت، وهذا ما يفسر للعراقيين كيف وُضعت هذه الموارد الكبيرة جدا في جيوب الجواسيس ولم يسخر منها دولار واحد في بناء العراق أو رفاه شعبه.

 

وقد يتهمنا البعض ممن لم يحيطوا بخبث اليهود أننا نبالغ في أمرٍ كهذا، فكيف يعمل الصهاينة على تعطيل الماكنة الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية وهي حليفتهم الكبرى اليوم! فنقول إن الصهاينة يذهبون إلى أبعد من هذا في سبيل تحقيق أهدافهم، فمن أساليب خداعهم أن يجعلوا من مهمة تقوم بها منظمات صهيونية أهدافا تبدوا متناقضة تماما مع طبيعة الأعمال التي تكلف بها، ولنا في التاريخ القريب مثل بسيط، ففي الفترة مابين 8/4/1950 و 9/6/195 وقعت انفجارات كبيرة في خمسة مناطق من بغداد، توحي جميعها باستهداف اليهود والمصالح الغربية، بما جعل السلطات آنذاك تشن حملاتها على كل القوى الوطنية والثورية في العراق، فقد استهدفت الهجمات مكتب العلاقات الأمريكي، وكنيس مسعود شنطوب اليهودي، وشركة ستانلي شعشوع التجارية، و شركة بيت لاوي، وشارع أبي نواس، أما الجهة التي نفذتها فهي منظمة صهيونية تدعى تنوعة بابل، تتخذ من إيران والنساء الإيرانيات ستارا لها ولأعمالها، بقيادة الصهيوني الكولونيل (يهودا مئير منشي تاجار)، الذي كان يحمل هوية وجواز سفر إيراني باسم (إسماعيل بن مهدي صالحون)، كما كان يحمل في جيبه نسخة من القرآن الكريم، ويعمل كستار لحقيقته ممثلا لشركة كاشانيان الإيرانية للسجاد، واليهودي الألماني الأصل (رودني) الذي كان يتخذ من بيت له في بغداد كوكر للدعارة تشاركه فيه الإيرانية (طاهري مجيدي)، بالإضافة إلى عمل هذه الشبكة على جمع المعلومات وإرسالها إلى الكيان الصهيوني عن طريق إيران، فقد كانت الأهداف الأساسية من تلك التفجيرات هي تخريب أي علاقة يمكن أن تتطور بين العرب والغرب، وبما يجعل الدول الإمبريالية أكثر حماسا في تصديها لكل القوى الوطنية، كما أنها تعمل على إثارة الفتن والقلاقل داخل البلد من خلال التفجيرات كي تعيق أي مساهمة فعالة للجيش في حرب قد تنشأ مع الصهاينة في فلسطين، أما في الجانب الآخر فقد كانت تهدف إلى إخراج اليهود من العراق وترحيلهم إلى فلسطين عن طريق إرعابهم، وتذهب بعيدا في أهدافها، فإنّ إعدام اثنين من هذه الشبكة الواسعة بعد محاكمتهم، كان ذلك بالنسبة للصهيونية هدفا بحد ذاته، يكشف عنه (بن غوريون) في رده على اتهامات وايزمن له بأنه هو السبب في إرسال هؤلاء اليهود إلى العراق ليعدموا هناك، فيقول " أنا كنت أقصد أن يحدث هذا الذي حدث ويُعدم بعض الشبان اليهود في العراق كي يبقى اليهود في إسرائيل يتذكرون أن العراقيين أعدموا الشباب اليهودي في الشوارع حتى لا تبقى لهم فكرة العودة إلى العراق مرة ثانية "(14)، ولهذا لن يكون ما تفعله الصهيونية غريبا حتى لو كان فيه أضرار عليها نفسها من الناحية الظاهرية، فسيكون حينها هناك هدف أكبر ونتائجه أفضل للصهيونية العالمية.

 

في مكان يقول: (سنبدأ سريعا بتنظيم احتكارات عظيمة - هي صهاريج للثروة الضخمة - لتستغرق خلالها دائما الثروات الواسعة للأمميين إلى حد أنها ستهبط جميعها و تهبط معها الثقة بحكومتها يوم تقع الأزمة السياسية... نساعد المضاربات ؛ سنشجع حب الترف المطلق الذي نشرناه من قبل، و سنزيد الأجور التي لن تساعد العمال، كما أننا في الوقت نفسه سنرفع أثمان الضروريات الأولية متخذين سوء المحصولات الزراعية عذرا عن ذلك).

 

ثم نأتي إلى السابع حيث يقول: (أن النجاح الأكبر في السياسة يقوم على درجة السرية المستخدمة في إتباعها، و أعمال الدبلوماسي لا يجب أن تطابق كلماته. و لكي نعزز خطتنا العالمية الواسعة التي تقترب من نهايتها المشتهاة يجب علينا أن نتسلط على حكومات الأمميين بما يقال له الآراء العامة التي ندبرها نحن في الحقيقة من قبل، متوسلين بأعظم القوى جميعا. وهي الصحافة، و أنها جميعا لفي أيدينا إلا قليلا لا نفوذ له ولا قيمة يعتد بها)، فلنتمعن وندقق في هذه الكلمات ونعود معها إلى الوراء رويداً رويدا، سنجدها حتما حقائق على الأرض، فمن يُطلق الأكاذيب؟ وعلى من تروج؟ وبمن تنشر وتُحشر في عقول العرب والمسلمين؟ أليس في مبدأ " التقية " هذا الاسم البديل المنمق للخداع والكذب والنفاق، على كل الأصعدة والمجالات، طريقاً اختطته الصهيونية لها ولأتباعها وحلفائها في التعامل مع الآخرين، وقد يصعب علينا تحديد من استعاره من الآخر، اليهود أم الفرس، لكن السهل علينا أن نعرف أنهما استخدماه بغاية التفوق والنجاح، وحققوا به الكثير من أهدافهم ومراميهم، وقد قيل الطيور على أشكالها تقع.

 

الثامن: (مادام ملء المناصب الحكومية بإخواننا اليهود في أثناء ذلك غير مأمون بعد، فسوف نعهد بهذه المناصب الخطيرة إلى القوم الذين ساءت صحائفهم و أخلاقهم، كي تقف مخازيهم فاصلاً بين الأمة و بينهم)، ومن أسوأ صحائفاً من الذين اختارتهم الصهيونية لحكم العراق بعد الاحتلال؟ قد لا تجد من هو أسوأ منهم لو فتشتَّ الكون سنينا إلا إبليس، وهم أتباعه، ومعهم الغالبية من حكام العرب والمسلمين، بل والعالم بأسره، وهذا فقط يُفسر احتفاظ المحتل الأمريكي بذات الشخوص المُنْكَبَّة على وجوهها، كمنفذين لمشاريعه في العراق، منذ اليوم الأول للاحتلال وحتى هذا اليوم، ولم يفعل سوى تغيير مواقعهم بين الفينة والأخرى، من ظهور الدبابات ودهاليز المجوسية ومواخير الجاسوسية وتلفيق الأكاذيب وتزوير التقارير ضد العراق إلى مجلس الحكم، ومهازل الانتخابات والدستور، والحكومات الانتقالية، والدائمية، والشرعية، والدستورية، والقادم كثير، لكنها ذات الوجوه الكالحة ولم ولن يُستبعد منهم أحد، فلن يجد المحتل الكثير غيرهم مما ينطبق عليه شرط الصهيونية، ممن تقف مخازيهم فاصلا بين الشعب والأمة وبينهم، فهل هناك أخزى من جاسوسٍ لقاتل أهله؟

 

أما البروتوكول التاسع فقد أثمرت تجارب التاريخ الطويل خبرة بدسائس اليهود وخبث شياطينهم، فانظر وتأمل ما يقول: (حين تقف حكومة من الحكومات نفسها موقف المعارضة لنا في الوقت الحاضر فإنما ذلك أمر صوري، متخذ بكامل معرفتنا و رضانا، كما أننا محتاجون إلى انفجاراتهم المعادية للسامية، كي ما نتمكن من حفظ إخواننا الصغار في النظام... لقد خدعنا الجيل الناشئ من الأمميين، و جعلناه فاسدا متعفنا بما علمناه من مبادئ. ونظريات معروف لدينا زيفها التام، و لكننا نحن أنفسنا الملقنون لها. و لقد حصلنا على نتائج مفيدة خارقة من غير تعديل فعلي للقوانين السارية من قبل، بل بتحريفها في بساطة، و بوضع تفسيرات لها لم يقصد إليها مشرعوها)، وقد أفسدوا وعفنوا أجيالاً من الغرب، ليجعلوا منها قدوة يحتذي بها العربي المسلم رغم أنفه، فذلك العالم المتحضر وتلك سمات شخصيته، وخصائص أفراد مجتمعه، والسم يُشربُ بطعم البرتقال أو الليمون الطازج، أما ما يرتقي بحياة المجتمعات فلا مجال له في ساحات يحكمها الشيطان واتباعه على الاطلاق، فقد صارت أحكام الله وشريعته توصف بالبربرية والهمجية وبؤر للإرهاب الدولي، حتى جعلتها من رموز التخلف والبدائية، في نظر حتى أغلب حكام المسلمين أنفسهم، و لا يجرؤ أحد منهم على تضمين قوانين بلده شيئا منها ولو كانت بسيطة، فعندها سيكون نظامه خارجاً عن الشرعية الدولية والولاية القانونية، ولنا في قوانين الدولة في العراق قبل الاحتلال بما احتوته من شذرات ليست كثيرة جدا من شريعة الإسلام، خير دليل، فالقذف باللوطي من بناء عال، كان تجاوزا صارخاً لحقوق الإنسان ولوائحه، وكذا الذي يقتل لزناه بمحارمه، صار فيما بعد من ضحايا السلطة، وقطع يد السارق أحدث ضجة كبرى، واشتراط سفر المرأة بمحرم اضطهاد لحريتها، وممن وقع عليه ظلمها.

 

العاشر منها فيه: (إذا أوحينا إلى عقل كل فرد فكرة أهميته الذاتية فسوف ندمر الحياة الأسرية بين الأمميين، و تفسد أهميتها التربوية، و سنعوق الرجال ذوى العقول الحصيفة عن الوصول إلى الصدارة)، وعندها سيتمكنون من اختيار الدمى المضحكة ليكونوا منها رؤساء دول ومسئولين (و يومئذ لن نكون حائرين في أن ننفذ بجسارة خططنا التي سيكون "دميتنا " مسئولاً عنها)، وذلك أحد أسرار الطبيعة التركيبية لشخصيات المعتوهين المجانين المهووسين بالعنف والمتلذذين بعذاب الشعوب من حكام إمبراطورية الشر الأمريكي وغيرهم من حكام العالم اليوم، وقد يكون مما يعزز هذا الرأي قول أحدهم أنه لم يهتد لوالده حتى الآن، فأي إفساد وتمزق وتفسخ أسري أصاب المجتمعات الغربية ويصيبها الآن بعد أن سلبت منها إنسانيتها وتحولت إلى قطعان بهيمية استفحلت فيها غرائز الحيوان، بل ولم تُبق فيها من صفات وخصائص الإنسانية إلا الشكل، وهم يتلاعبون فيه الآن، ليجعلوا منه قدوة لشباب العرب المسلمين.

 

وهل يمكن لبشرٍ يولد نتيجة الخطايا والآثام وجرم الزنى إلا أن يكون كذلك، وإلا فما معنى قول الله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً }(15)، وها قد نقلوا الفاحشة لمجتمعاتنا، وألبسوها أثواب الحرية والديمقراطية والمساواة، فهي البداية الحقيقية والناجحة لتمزيق المجتمعات العربية المسلمة، بعد إفساد كل قيمها التربوية، بوسائل غزوهم الإعلامية والثقافية، وقد لانستغرب أن أولى ثمار الاحتلال في العراق كانت المخدرات ونقص المناعة (الإيدز)، اللذين كان العراق خالٍ منهما تماماً، ووصلت حتى مناهج التعليم فزورت وشوهت مفرداتها، فتأمل كيف تُدمر الحياة الأسرية بعدهما.

 

في البروتوكول الحادي عشر لاحظ كيف تتم تهيئة الأجواء لتمرير ما يسمى بالدستور الذي سيفرض على الشعب المعني، وكيف يتقبله، والأسلوب الذي به سيُجعل أمراً واقعاً (انه ليلزمنا من اللحظة الأولى لإعلانه بينما الناس لا يزالون يتألمون من آثار التغيير المفاجئ، وهم في حالة فزع و بلبلة أن يعرفوا أننا بلغنا من عظم القوة و الصلابة و الامتلاء بالعنف أفقا لن ننظر فيه إلى مصالحهم نظرة احترام. سنريد منهم أن يفهموا أننا لن نتنكر لآرائهم و رغباتهم فحسب، بل سنكون مستعدين في كل زمان و في كل مكان لأن نخنق بيد جبارة أي عبارة أو إشارة إلى المعارضة)، ولو دققنا بكل كلمة في هذه الفقرة لوجدناها طُبقت على أرض العراق بحذافيرها، استعداداً لتمرير ما سمي بالدستور العراقي الذي فصّلته الصهيونية العالمية وفقاً لأهدافها وأغراضها، وما رافق مسرحية إقراره من حملات بطش واعتقالات وشتى أساليب التعذيب والتهجير، الدستور الذي به شرعن المحتل بأدواته وجوده إلى أمد بعيد، ووضع البلد على طريق التفتيت والتشرذم والاقتتال الطائفي والعرقي، وبما سهل له نهب خيراته، وبما يجعل منه مانعا ومعوقا لكل محاولة لانتشاله من واقعه المرير، وهذا النهج أصبح معتادا تماما في كل مسرحية انتخابات جرت وتجري، فهم يسمحون لمن يريد الاشتراك في الترشيح أو الانتخاب، لكنهم يسبقون إجراءها بحملات دهم وتفتيش واعتقالات تشمل كل المناطق التي يعتقد أنها لن تكون أصواتها في خانة العملاء والخونة والمزورين.

 

أما البروتوكول الثاني عشر فيفسر لنا كيف يتم التعامل مع مفهوم الحرية، الحرية كما تريدها الصهيونية، وكما يجب أن تكون (" الحرية هي حق عمل ما يسمح به القانون " تعريف الكلمة هكذا سينفعنا على هذا الوجه: إذ سيترك لنا أن نقول أين تكون الحرية، و أين ينبغي أن لا تكون، و ذلك لسبب بسيط هو أن القانون لن يسمح إلا بما نرغب نحن فيه) وكيفية استغلال ما يسمى بحرية الرأي والإعلام، وكيفية السيطرة على ما يراد بثه من أخبار إلى العالم، وكيف يوجه بالاتجاه الذي يساعد على تحقيق الأهداف (ستكون بين النشرات الهجومية نشرات نصدرها نحن لهذا الغرض، و لكنها لا تهاجم إلا النقاط التي نعتزم تغييرها في سياستنا. و لن يصل طرف من خبر إلى المجتمع من غير أن يمر على إرادتنا.... الصحف الدورية التي ننشرها ستظهر كأنها معارضة لنظراتنا و آرائنا، فتوحي بذلك الثقة لدى القراء، و تعرض منظراً جذاباً لأعدائنا الذين لا يرتابون فينا، و سيقعون لذلك في شركنا) وعن أساليب الخداع والتضليل لبث السموم في نفس المتلقي، بما يحقق الأغراض الصهيونية فيقول:(سنكون قادرين على إثارة عقل الشعب و تهدئته في المسائل السياسية، حينما يكون ضرورياً لنا أن نفعل ذلك، و سنكون قادرين على إقناعهم أو بلبلتهم بطبع أخبار صحيحة أو زائفة ؛ حقائق أو ما يناقضها، حسبما يوافق غرضنا. و إن الأخبار التي سننشرها ستعتمد على الأسلوب الذي يتقبل الشعب به ذلك النوع من الأخبار، و سنحتاط دائماً احتياطاً عظيماً لجس الأرض قبل السير عليها.) وعن التغطية على الجرائم ومنع الإعلام من نشرها (و حيث تقع الحوادث الإجرامية يجب أن لا تكون معروفة إلا لضحيتها و لمن يتفق له أن يعاينها فحسب)، فهل مارست ماكنة الإعلام وهي ترصد أحداث القتل والتدمير على أرض العراق وفي فلسطين دورها في كشف الحقائق، أم أنها كانت وستبقى مسخّرة لتحريف الحقائق وتزييفها بما يصبّ في صالح المحتل وأذنابه، وبما يشوه صورة العربي المسلم ويصوره بأبشع صورة وأسوأ حال، وكيف وظفتها لتشويه صورة المقاومة العراقية والفلسطينية.

 

الثالث عشر من هذه البروتوكولات يستهدف الإعلام أيضا، وكيف يوظف ماكنته في صرف أنظار الشعب عن المشكلات الرئيسية إلى غيرها من مشكلات قد تكون وهمية (ستحول الصحافة نظر الجمهور بعيداً بمشكلات جديدة " و أنتم تعرفون بأنفسكم أننا دائماً نعلم الشعب أن يبحث عن عواطف جديدة ") وعن وسائل إلهاء الشعب عن فهم حقائق الفعل السياسي (سنلهيها أيضاً بأنواع شتى من الملاهي و الألعاب و مزيجات الفراغ و المجامع العامة)، وقد امتلأت مدن العرب والمسلمين بكل وسائل اللهو والتخدير، وما جلبته وستجلبه على الشعوب من ويلات التفسخ والتحلل واللامبالاة، وحرف القيم ومبادئ الأخلاق.

 

في البند الرابع عشر نكون قد وصلنا إلى جوهر هذه البروتوكولات وغاياتها النهائية، وحقيقة أهدافها التي قال عنها الله تعالى: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ }(16)، (لن نبيح قيام أي دين غير ديننا، أي الدين المعترف بوحدانية الله الذي ارتبط حظنا باختياره إيانا كما ارتبط به مصير العالم. و لهذا السبب يجب علينا أن نحطم كل عقائد الإيمان، و إذ تكون النتيجة المؤقتة لهذا هي إثمار ملحدين)، فكانت الشيوعية والوجودية والسريالية والتطور الدارويني وغيرها من العقائد الملحدة، وما حدث قبلها بقرون كثيرة، فقد كانت من بنات أفكارها الكثير من العقائد الدينية الباطنية الهدامة، وهنا لا ننسى ابن السوداء عبدالله بن سبأ اليهودي القادم من اليمن إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي ادعى إسلامه في خلافة عثمان بن عفان t وباشر سريعا في نشر الفتن وبذر بذور الطائفية المقيتة في الجسد الإسلامي، وما كان يعرفها، حتى تمخض سعيه عن بداية حقيقية لتفتيت الدولة العربية الإسلامية بمقتل الخليفة الراشد الثالث، وتحول السيف العربي المسلم عن رقاب الأعداء إلى نحور أهله.

 

وعن وجهة النظر التي سيخلقها لدى الشعب لصورة نظام الحكم الوطني لثورة البعث المجيدة، بأساليب التشويه المتعمد يقول: (ستفضل حكومة السلام في جو العبودية على حقوق الحرية طالما مجدوها، فقد عذبتهم بأبلغ قسوة، و استنزفت منهم ينبوع الوجود الإنساني نفسه، و ما دفعهم إليها على التحقيق إلا جماعة من المغامرين الذين لم يعرفوا ما كانوا يفعلون)، وقد مارسوا في سبيل هذا المبدأ كل وسائل التشويه والتزييف على حقيقة قيادة العراق العربية المؤمنة، وصورتهم على إنهم مغامرين مستهترين بحياة شعبهم، وكذا تفعل مع المقاومة الفلسطينية البطلة، وما يحزن القلب أن أبواق العرب كانت تتسابق على تلفيق الأدلة الكاذبة المخادعة، انسجاما مع أكاذيب الصهيونية وجواسيسها، ولنا في مهزلة المقابر الجماعية، الكذبة الكبرى التي التحقت فيما بعد بكذبة أسلحة الدمار الشامل، خير مثال، وقبلها كانت تغطياتهم المحمومة لعمليات السلب والنهب لممتلكات الدولة إثر احتلال بغداد، فقد كان الجواسيس المرافقين لعلوج الغزاة وأكثرهم من الكويتيين واللبنانيين يقومون باستدعاء الرعاع من سكنة المناطق الشعبية تحديدا، ويغرونهم بسرقة ممتلكات الدولة تحت حماية المحتل وتسهيلاته، بعد أن تنصب كامرات التلفزة لبث الأحداث مباشرة، ونحن لانتجنى على أحد فكل ذلك موثق، كما لم تكن المسرحية التي أخرجها لهم زناة هوليود على مسرح ساحة الفردوس بجوقة الجواسيس الذين قدموا من طهران وبراغ وغيرهما، لإيهام الرأي العام بأن الشعب العراقي مسرور بإحتلال بلده، وسعيد بمقدم الغزاة وأذنابهم المدنسين، إلا واحدة من تلك الخدمات التي نهض بها إعلام كراسي العرب، ليقدمها هدية متواضعة لسيده الصهيوني، لكن الله سبحانه فضح الجميع وكشف كل أستار خداعهم ونفاقهم، كما أطاح بالكثير من عمائم الشيطان السوداء والبيضاء والحمراء ومن كل الألوان، فلكم كان مؤلما أن تشاهد القنوات العربية المتصهينة تعرض بكل ذاك الحماس لقطات لجمجمة واحدة لا أكثر وتعلن بصوت مذيعها الباكي ومراسلتها الممزقة الما أوصافاً لا تنتهي عن المجازر والمقابر الجماعية التي أوصلوها لأكثر من مليونين، وهم يقفون ويشاهدون كيف تنظم هذه الأكاذيب وكيف يروج لها، ولكم كان مؤلما حينما تعرض هذه القنوات للمشاهد العربي، وهي من نِعم الصهيونية، لقطات لجثة جندي عراقي غدرته عصابات الفرس التي أكملت عدوان بوش ويرى المصور والمذيع قبل المشاهد ملابسه العسكرية، وهويات الأحوال المدنية الجديدة الخالية من كل آثار الدفن لأكثر من عشر سنوات، لكنه يروج لأكاذيب الفرس في أنها عروس شيعية، وكم سنعدد من مخازي إعلام العرب الذي تجند بأعلى درجات الخسة والنذالة والنفاق والتبعية والجاسوسية في أيام الإحتلال الأولى، وحتى اليوم، وإن ضعف حماسه بعدما قلت الدولارات، ألا تعساً لعقول تدنت إلى الحضيض وفقدت أدنى أشكال الحياء، وكيف لنا مطالبة من لا إيمان له بالحياء وهو شعبة من شعبه، فقد قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:(الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ) (17).، فمن تولى كافرا ليس بمسلم، وهم تولوا كافرا وأخلصوا له الولاء.

 

الخامس عشر: (لكي نرد كل الجماعات الأمميية على أعقابها و نمسخها - هذه الجماعات التي غرسنا بعمق في نفوسها الاختلافات و مبادئ نزعة المعارضة للمعارضة - سنتخذ معها إجراءات لا رحمة فيها)، وهو ما مارسته قوات الاحتلال البغيض، فقد أوجدت من بين القوى الذيلية التابعة لها من تتقاطع مصالحه وغاياته مع غيره من الذيول، وبالتالي إضعاف كل هذه الكيانات ومسخها إلى توابع لا إرادة لها ولا قدرة إلا بوجود المحتل وفي حماه، مما ساعدها على تمرير معاهدة الإذعان.

 

وفي السادس عشر من هذه البروتوكولات يشير الصهاينة إلى عملية إفساد المجتمع عن طريق حرف العمل التربوي عن مساره الصحيح، من خلال إشاعة الأفكار الطوباوية بينهم، وحرفهم عن المسار العلمي الصحيح للتحصيل والبحث والاستيعاب باعتماد الطرق "البرهانية" التي تعتمد الجانب النظري الشكلي، دون الطرق الاستدلالية والاستقرائية التي تساعد على اكتشاف الأشياء والتفاعل معها بما ينظم طريقة التفكير وترسيخ الحقائق، وتغذية عقولهم بكل ما هو سيء في التاريخ، وإبعادهم عن رؤية كل الصفحات المشرقة في تاريخهم، لخلق حالة من عدم التماسك، بإيجاد الفجوات العميقة بين ماضي الشعوب وحاضرها، وذلك ما يحدث اليوم في مناهج التعليم في عراق ما بعد الاحتلال، وما تجري من ضغوط كبيرة على كل حكومات الأقطار العربية للتخلي عن الكثير من مفردات تاريخها المضيئة، بما فيها حذف كل ما يمس اليهود بسوء، وقد ترتبط العملية المنظمة لسلب منجزات التاريخ في المتحف العراقي ومراكز المخطوطات في بغداد ومدن العراق الأخرى ومنذ اليوم الأول لإحتلالهم بغداد بهذا المشروع ارتباطاً وثيقاً، فقد صار من السهل تكذيب الكثير من حقائق التاريخ مما تعتزّ به الأمة، بعدما طمسوا شواهدها وأدلتها، ومما يؤكد ذلك أن جميع القطع الأثرية التي أُعيدت فيما بعد للعراق لا تشكل قيمة كبيرة في تعزيز حقائق تاريخية معروفة ومهمة، فيقول: (علينا أن نقدم كل هذه المبادئ في نظامهم التربوي، كي نتمكن من تحطيم بنيانهم الاجتماعي بنجاح)، ومما تجدر الإشارة إليه أن المحتلين عمدوا إلى إبقاء كل المفردات التي تتحدث عن الوطنية ومشروعية مواجهة الغزو، ونبذ التجسس والخيانة، في المناهج التعليمية، بما جعلها تفقد قيمتها وتأثيرها في نفوس الطلبة، من خلال مقارنتهم لهذه القيم بما يجري على أرض الواقع، وذلك من مفردات الحرب النفسية التي يعتمدونها، ونحن نتحمس لتحقيقها لهم دونما ندري.

 

السابع عشر من هذه البروتوكولات يأتي منسجما وتكميليا لما قبله، أو إحدى نتائج التأثير لسابقاته: (و يومئذ لن يعد التجسس عملا شائنا، بل على العكس من ذلك سينظر إليه كأنه عمل محمود)، وفي العراق بعد الاحتلال تحقق ذلك بأدق صوره، وأكمل وجه، حيث تجد الجواسيس الذين يفاخرون بلا خجل، بعمالتهم وجاسوسيتهم، وقد شاهدناهم كيف كانوا يتسابقون أيهم أكثر عمالة من غيره، وسمعنا من قال منهم متبجحاً أنه كان يتعامل مع أكثر من ثمانية عشر جهاز مخابرات حول العالم، ومنهم من يجاهر بإيرانيته، ومنهم من يُطالب لأهله الفرس بتعويضات 110 مليارات دولار مكافئة لهم على عدوانهم الخائب عام 1980، ومنهم من يفاخر بجواز سفره الإسرائيلي، ومنهم من يتبجح بزيارة الكيان الصهيوني، ومنهم من صار يصافح أسياده الصهاينة علناً وأمام الكاميرات، وبضحكة أعرض من ضحكات الغانيات، من أجل تدمير البلد وتحريره من أهله، وها قد اعتاد الكثير على هؤلاء الجواسيس وراحوا يطلقون عليهم، سيدنا ودولة الرئيس وفخامة الرئيس وسيادة الوزير وجناب الوكيل، وشخصيات اجتماعية ترجو عطف سعادتهم.

 

والغريب أن البعض لا يتقيأ ما في عقله حينما يسمع هؤلاء المدنسين وهم يتغنون بالوطنية وحب الوطن الذي باعوه وذبحوا شرفه، فكيف يمكن أن يصدق حتى العقل البليد بدعواهم وهم يعملون على تقسيم العراق وتدميره، والوطنية لا تعني أكثر من حب الوطن والمحافظة على وحدته وتماسك شعبه والتفاني في بنائه! وكيف يمكن أن يكون الذي يعمل على تجزئة الوطن الواحد إلى كيانات متناحرة، طائفية وعرقية وعشائرية ومناطقية وجهوية، وطنيا، وهو يسعى إلى تمزيق جسد الوطن إلى أوصال تحقيقا لأهداف الأعداء! أيمكن لليد أن تأخذ قيمة وظيفتها وجدوى أدائها وهي منفصلة عن الجسد؟ وكيف يستثمر نضح العقل إذا كان بلا أيدي وأرجل وسمع وبصر؟ وبمن ستخطوا الأقدام إلى أمام إن لم تكن حاملة لكيان متكامل يدعى الجسم؟

 

وكيف يعبر هؤلاء عن عروبة فيهم أو بعض إيمان، وهم يفعلون كل الذي فعلوه ببلدهم، أو ما يدعون أنه بلدهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ".(18)

 

فهل كان سيتم شيء من هذا، أو على الأقل هل كان سيتم بهذه الحماسة، لولا دعايات شاشات الإعلام المضلل التي يُفتن المتلقي الساذج بجمال خواصرها واهتزاز وركها وتناغم إيقاعاتها، و ينسحر متعبدا بمحراب مجونها وفجورها، والمنمق من أكاذيبها!

 

أما الثامن عشر فيتحدث عن الأدوات التي يضعونها بين أفراد المجتمع لتدفع به إلى أعمال توحي بالمعارضة والعدوانية، تحقيقاً لهدفهم في إيجاد المبررات لاستباحة الحرمات (و بذلك يعطوننا حجة لتفتيش بيوت الناس، و وضعهم تحت قيود خاصة، مستغلين خدمنا بين بوليس الأمميين. و إذ أن المتآمرين مدفوعون بحبهم هذا الفن: فن التآمر، و حبهم الثرثرة - فلن نمسهم حتى نراهم على أهبة المضي في العمل)، وقد مورس هذا الإسلوب في العراق على أوسع نطاق، فقد بلغت الانتهاكات لدور المواطنين وتكرارها حداً قد لايصدّق أبداً، فلم تسلم دار سكن من التدنيس مطلقاً، وكثير منها داهمه زائر الليل عشرات المرات، بفضل وشايات المخبر السري، أو مصادر المعلومات، التي تنمو وتضمحل مع قوة رائحة الدولار الفواحة.

 

التاسع عشر منها يتحدث عن طرقهم الخسيسة في تشويه صور السياسيين المعارضين لنهجهم عندما يقعوا في قبضتهم فقد ورد في البروتوكول التاسع عشر (لكي ننزع عن المجرم السياسي تاج شجاعته سنضعه في مراتب المجرمين الآخرين بحيث يستوي مع اللصوص و القتلة و الأنواع الأخرى من الأشرار المنبوذين المكروهين)، وذلك ما تحقق في العراق بعد الاحتلال، فكل القادة السياسيين الذين تم أسرهم لُفقت ضدهم أكاذيب تصورهم على إنهم استسلموا بأنفسهم أو بواسطة أحد عملائهم، وخير دليل على ذلك الأكاذيب المفضوحة التي صوروا بها الشهيد صدام حسين متخفيا في حفرة حقيرة تحت الأرض وهيئته ممنتجة لتوحي بشعوره بالخوف والرعب، من خلال تشعيث شعر رأسه ولحيته، انسجاما مع طبيعة الصورة التي أُريد له أن يكون بها أمام أنظار العراقيين، تلك الاكذوبة التي فندها الكثير من علوجهم فيما بعد بمذكراتهم التي نُشرت، وهل يكون الأسد إلا أسداً مهما زور في شكله، فزئيره يكفي ليثبت أنه أسد، وهل يمكن لمن أرعب الغزاة بشجاعته، وعجزت كل مغرياتهم ودسائسهم طيلة أكثر من ثلاثة عقود من الزمن على تطويعه أو تثبيط عزيمته أو حرف توجهاته، أن يرتقي إلا المعالي، وان الحفر ليست إلا مقابع الجبناء المرتعشين كالجرذان في أسن المنطقة الخضراء، كما مارسوا كل عمليات التشويه ضد المقاومين المجاهدين وقواعد إسنادهم ودعمهم، وقد وصلت بهم القذارة لأن يعرضوا على شاشات دعارتهم أئمة المساجد ممن يشهد لهم كل الناس بورعهم وقوة إيمانهم وعلو منزلتهم، يلصقون بهم تهم اللواط والزنى في المساجد، فهي أعظم تأثيراً من إخراجهم بصورة القتلة والسفاحين، على أن تسجيل هكذا مشاهد كان يتم باستحظارات تبدأ بجلب نساء ذلك الرجل أمامه في المعتقل، فإما أن يتفوه أمام كاميرا الجلاد أو تغتصب الحرائر، التي دونها الموت، وعلى ذكر المصورين التلفزيونيين، فوسائل تعذيبهم لموضوع المقابلة قد لا يملكها أعتى رجال الأمن والتحقيقات في العالم، وبخاصة في ما تسمى زوراً وبهتانا بـ"العراقية" أو "الفرات"، فكل معتقل شريف ظهرته صورته على إحدى هاتين الشاشتين وتلقفته القناة الصهيونية " العربية" بخاصة خلال الأعوام 2004م وحتى نهاية عام 2007م، يحتفظ بقصص وحكايات لا تصدق ولا يمكن تصورها عن التعذيب الذي تلقاه على أيادي المصورين ومساعديهم وفنيي الإنارة، ليس بتوجيه ضباط الاستخبارات الفرس وإنما بتوجيه المخرج، بما يملكه من خبرة في تغذيب أسرى العراق في إيران من قبل، وقد يكون الصحفي الفتى الشجاع الذي قذف رأس بوش المجرم بحذاءيه من باب التأثر بالطرق الجديدة التي تعلمها المصورين في تعذيب المعتقلين الذين يجرون معهم المقابلات.

 

العشرون: (فرض ضرائب تصاعدية على الأملاك هو خير الوسائل لمواجهة التكاليف الحكومية، و هكذا تدفع الضرائب دون أن ترهق الناس و دون أن يفلسوا)، وهذا يفسر لنا القرار الذي اتخذه المحتل بفرض ضريبة على مرتبات الموظفين العراقيين لأول مرة في تاريخ العراق، حيث لم يكن يُجبى من موظف الخدمة العامة سوى التوقيفات التقاعدية.

 

(لن يكون الملك في حكومتنا محاطاً بالحاشية الذين يرقصون عادة في خدمة الملك من أجل الأبهة)، ذلك المرض الذي جعلوا منه واحدا من أبرز سمات الحكام بطرق خفية وشيطانية، حتى خلقوا لكل حاكم في العالم حاشية من المنافقين أصحاب الطبول التي تدقُ على أوتار كل غريزة وفطرة أنانية، لتمسخ بالتالي ذلك الحاكم إلى متغصرس متجبر لا يرى سوى موضع قدميه، وتروج الأكاذيب عن منجزاته الوهمية حتى يصدقها المغفلون.

 

(إن كل قرض ليبرهن على ضعف الحكومة و خيبتها في فهم حقوقها التي لها. و كل دين - كأنه سيف دامو كليز يعلق على رءوس الحاكمين الذين يأتون إلى أصحاب البنوك منا)، ودامو كليز هذا كان معلقا فوق رأسه سيفاً بشعرةٍ ينتظر سقوطه على رأسه ليقطعه مع كل شهيق وزفير، حتى بات عاشقاً للموت من طول انتظاره، وذلك المفهوم هو الذي جعل العراق مديناً بقروض لبنك النقد الدولي قيمتها نصف مليار دولار، الذي يملكه ويدير سياسته أصحاب هذه البروتوكولات، في الوقت الذي سُرِقت من أمواله مئات المليارات، بما فيها رصيد العملة المخزون في البنك المركزي العراقي ومعه عشرات الأطنان من الذهب، والتي سُرقت مع غيرها بحاويات أمريكية علنا، ونفطه يُسرق بكل طاقة آباره.

 

ها قد تصفحنا هذه البروتوكولات اليهودية الصهيونية وأسقطنا إفرازاتها على واقع العراق إثر احتلاله، فوقعت كل عبارة فيه على واقع العراق متطابقة ومتناسبة تماماً، ودونما تحوير أو تعديل، فهل هذا محض خيال، أم نسج عنكبوت، ذلك النسيج الذي يصعب إيجاد بدايات غزله، فمسار خيطه إن لامسته بخلايا عقلك، أو بإصبع يدك أو أي شيء آخر، ستجده يتبدد ولن يوصلك إلى أي صلة بخيطٍ آخر، أو عقدة تربطه به، فهو واه كخيط العنكبوت، وسبحان الله القائل: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}(19).

 

ـــــــــــــــ

(1) سورة الإسراء الآية: 64.

(2) سورة محمد الآية: 25.

(3) سورة المائدة الآية: 91.

(4) سورة الإسراء الآية: 7.

(5) د.محمد عمارة، الخلافة ونشأة الاحزاب الاسلامية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1977م، ص45.

(6) متفق عليه.

(7) رواه الترمذي.

(8) عبد الرحمن بن ناصر السعدي، بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، ص 135.

(9) د. عبدالله الجبوري، والعامية أيضا، بحث منشور في دراسات الأجيال، العدد 4، كانون أول، 1986م، بغداد.

(10) المصدر السابق.

(11) ميشيل عفلق، خطاب بالذكرى الحادية والأربعين لتأسيس الحزب في 7 نيسان 1988

(12) ميشيل عفلق، البعث والتراث

(13) صدام حسين، نظرية البعث والواقع القومي للامة/دار الحرية بغداد 1980 ص 24.

(14) مجلة آفاق عربية، بغداد، العدد 12 لسنة 1988.

(15) سورة الإسراء الآية: 32.

(16) سورة المائدة الآية: 82.

(17) رواه البخاري ومسلم

(18) متفق عليه، واللفظ لمسلم.

(19) سورة العنكبوت الآية: 41.

 

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

الاحد / ٢٠ صفر ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٥ / شبـــاط / ٢٠٠٩ م