كتاب مطويات الألم ودموع القلم

﴿ الفصل الرابع ﴾

 

 

شبكة المنصور

حديد العربي

مقدمة

الفصل الأول: ما ضاعوا وما ضيعوا.

الفصل الثاني: الخيال الصهيوني وواقع العراق.

الفصل الثالث: عقود الصراع.

الفصل الرابع: تطور أساليب العدوان والتحالفات.

الفصل الخامس: أهداف الغزو.

الفصل السادس: همسات على أسوار بغداد.

الفصل السابع: المحتل وأذياله وحكم الله فيهم.

وحتى يأذن الله بنصره.

 

 

الفصل الرابع

تطور أساليب العدوان والتحالفات

 

لم يعد خافياً كما ليس غريباً أن يتكالب الأعداء على الأمة العربية، لموقعها ووفرت خيراتها وتنوعها، وأرثها الحضاري، ولما تشكله من خطرٍ داهم ودائم منذ أن تسلحت هذه الأمة بروح الإسلام وتكلفت بحمل رسالته إلى الناس جميعاً، نورٌ يبددُ الظلمات، وطريقُ هدى لا يضل من سلكه أبدا، وبما تملكه من خصائص التوحد، التي تجعل منها كتلة بشرية وقدرة اقتصادية هائلة قادرة على تحقيق مالم تحققه أمم، خاصة وأنها تملك من الخصائص والامتيازات ما يؤهلها لدور كهذا، وقد حققته في سابق عهدها يوم ارتفعت رايات حضارتها على أقاصي الغرب والشرق.

 

وانسجاماً مع هذه الحقائق فإن ذاكرة التاريخ حافلة بالأحداث التي تُفرز قاعدة مفادها أن الغرب الكافر كلما تلمس في العرب المسلمين ضعفا غزاهم وحاول تمزيق شملهم، وتشتيت رأيهم، وتخريب منجزاتهم ليقطع تواصل البناء وتراكم خبراته، أما في الزمن القريب فلم تكن سايكس بيكو في السادس عشر من أيار عام 1916 ووعد بلفور في 2/11/1917 و سان ريمو عام 1920 نهاية المطاف، بل هي من المقدمات التي لابد من البناء على نتائجها، على ضوء الواقع الجديد، كل ما يحقق المزيد من شرذمة الأمة وتمزيق أوصالها بمختلف الوسائل والسبل وبما يلاءم الظروف الموضوعية التي تعيشها الأمة، وهي أيضاً بعضٌ مما أفرزته العقلية العدائية الصهيونية والصليبية، فقد سبق كل تلك الأحداث تمهيدات كثيرة، خلقت الأرضية التي عليها نُفذت تلك المشاريع المجرمة.

 

ومن بينها المؤتمر الدولي الذي دعت إليه بريطانيا في عام 1907م، التي كانت إحدى أهم معاقل الماسونية الصهيونية، والمؤتمرة بأمرها، والذي شاركت فيه كل من فرنسا وايطاليا وأسبانيا وهولندا وبلجيكا والبرتغال، وهي في حينها أذرع الامبريالية الاستعمارية، لتدارك الخطر العربي المسلم، بالعمل على تفكيك الوطن العربي وتجزئته، وفصل الجزء الأسيوي عن الأفريقي بمانع، هو عبارة عن كيان يتم الإعداد لزرعه في القلب، وهو الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، لسبب طالما ردده ساستهم منذ قرون طويلة، " ان الخطر الذي يهدد الاستعمار الغربي يكمن في البحر المتوسط، والذي يقيم على سواحله الشرقية والجنوبية شعب واحد يتميز بكل مقومات الوحدة والترابط، وبما في أراضيه من كنوز وثروات، تتيح لأهلها مجال التقدم والرقي في طريق الحضارة والثقافة". (1)

 

وهو النهج الذي تبنته الإدارات الأمريكية فيما بعد، ففي عام 1979م ومع مفاوضات كامب ديفيد أعلنت وثيقة، هي عبارة عن تصورات عملية لما سبق التخطيط له، وما سيمكن تحقيقه منه في ضوء الواقع الجديد، الذي رُسمت معالمه إثر استسلام السادات عام 1978، ورد فيها: "في ظل مناخ السلام السائد والتصالح بين العرب وإسرائيل، الذي بدأ في كامب ديفد بين مصر وإسرائيل، لابد من إعادة النظر في المفاهيم السائدة وتغيير العقلية القديمة التي تتبنى مفهوم التعاون في إطار الجامعة العربية ليحل محله نظام شرق أوسطي إقليمي جديد يتسع لما هو أكثر من الإطار العربي القائم على الدعوة القومية التي ثبت فشلها ليشمل اندماجا إقليميا يضم الدول العربية إلى جانب إسرائيل وتركيا وإيران، مع استبعاد دول المغرب العربي التي يجب أن تندمج مع أوربا الغربية الأقرب إليها والأكثر ارتباطا بها"، وهو ما أملى على قيادة العراق أن تكون رأس الحربة في التصدي له.

 

ولتعطيل دور العراق هذا، فقد تحول الخميني من العراق إلى فرنسا، كجزء من عملية الإعداد لأن يمارس هذه المهمة في تعطيل دور العراق بالنيابة عن الأسياد.

 

وله أيضا أهداف سيعمل على تحقيقها بدعم الصهيونية والامبريالية، أهمها بث فتنته الطائفية بين أبناء العراق والعرب عموما كوسيلة أساسية في تمزيق أوصال الأمة وتدمير أساسيات قوتها، ليتمكن بشعار تصدير الثورة الخمينية من استعادة امبراطورية الفرس التي قوض أركانها العرب برايات الإسلام، تلك الفتن التي امتدت جذورها إلى زمن ليس بقريب.

 

وقد يستغرب الكثير من هكذا قول، وكيفية الربط بين هذه الأحداث، لما لظاهر أمورها من تنافر وعدم انسجام، لكنها الحقيقة التي لا غبار عليها على الإطلاق، ففي عقد السبعينات من القرن العشرين، ذلك العقد المليء بالتناقضات وتحديدا بعد توقيع شاه إيران لاتفاقية الجزائر عام 1975م، مع العراق وإيقاف دعمه للتمرد الكردي، كانت القوى الامبريالية قد أنضجت مشروعاً ارتبط بمستشار الأمن القومي في الإدارة الأمريكية آنذاك اليهودي البولندي الأصل بريجنسكي، أو ما سمي بنظرية الهلال الإسلامي لضرب البطن الرخوة للإتحاد السوفييتي، اشتمل في بدايته على أفغانستان وإيران وتركيا، خلاصته محاصرة الاتحاد السوفييتي من محيطه الملاصق والقريب، عن طريق إذكاء وتحفيز الدوافع الدينية لدى الشعوب المحيطة به، لما يمثله الفكر الشيوعي من نقيض للدين وعقيدة التوحيد، وجعل أساس احتمالات الصراع بين الشيوعية والمسلمين تحديداً، لأنهم يشغلون القدر الأكبر من مساحة المحيط السوفييتي وقسم منهم داخل المحيط نفسه، مثل أذربيجان، أوزبكستان، وتركستان وغيرها، ولأنهما أي مشروع الصراع: المسلمين والسوفيت هما أعداء للامبريالية وأولهما تشترك في عدائه الصهيونية، المهيمنة على مصادر السياسات والقرار الامبريالي أيضا.

 

على أن أي مواجهة ستحدث بينهما ستكون نتائجها لصالح المعسكر الامبريالي الصهيوني بغض النظر عن المنتصر والخاسر فيهما، فكلاهما عدو مطلوب إضعافه.

 

ولهذا تجد أن المعسكر الامبريالي و الصهيوني سخّر كل إمكاناته لتعزيز كفاءة التيارات الدينية المتطرفة أو المتسترة بغطاء الدين ومنها ما أُطلق عليهم العرب الأفغان وما سمي فيما بعد بالقاعدة في أفغانستان، ومعروف أن هذا المسمى هو من نتاجهم، إلا إن الذي حدث في 1 أيلول 2001 ليس إلا من باب انقلاب السحر على الساحر، سبحان الله، { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}(2)، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}(3).

 

ولهذا أيضا تلاعبت المخابرات الامبريالية والصهيونية في الكيان الإيراني وزعزعت استقراره وتخلت عن حليفها القديم شاه إيران كي تُلبس إيران وهي الملاصقة للمحيط السوفييتي عمامةً وتحولها إلى دولة تتقاذفها الأهواء الخمينية الغاليَّة المتطرفة ذات الطابع المجوسي الصفوي، والمسلم ظاهرياً، وهنا قد يكون من المفيد أن ننوه إلى أن المجوسية واليهودية تلتقيان وتقتربان من بعضهما كثيرا، وقد حفظ لنا التاريخ الكثير الكثير من المواقف والسلوكيات والمؤامرات التي حاكها الصلف الفارسي بمكر وخبث اليهود، ففي مناظرة بين قبطي نصراني وبين يهودي في مجلس ابن طولون، سأل النصراني هذا اليهودي:

 

" وما أنت أيها الرجل؟ وما نحلتك؟

فقال له: يهودي،

فقال له: مجوسي إذا!؟

قال له: كيف ذلك وهو يهودي؟

قال: لأنهم يرون نكاح البنات في بعض الحالات، إذ كان في دينهم أن الأخ يتزوج بنت أخيه، وعليهم أن يتزوجوا نساء أخوتهم إذا ماتوا، فإذا وافق اليهودي أن تكون امرأة أخيه ابنته لم يجد بداً من أن يتزوجها، وهذا من أسرارهم، وما يكتمونه ولا يُظْهرونه، فهل في الَمجوسية أشنع من هذا؟

فأنكر اليهودي ذلك، وجحد أن يكون في دينه أو يعرفه أحد من اليهود، فاستخبر ابن طولون عن صحة ذلك، فوجد ذلك الطبيب اليهودي قد تزوج امرأة أخيه، وكانت بنته"(4).

 

واليهود يتوافقون مع الفرس في كثير من الأشياء، أبرزها:

 

1- العداء للعرب والتآمر عليهم على مر العصور.

2- اعتماد الرؤية التوسعية على حساب الغير، فالعراق مطمع فارسي وفلسطين مطمع صهيوني يهودي، فشعار الفرس "تصدير الثورة الخمينية" إلى العراق وكل العرب، وشعار الصهيونية "من الفرات إلى النيل أرضك يا إسرائيل".

3- الاعتقاد بحلول الروح الإلهية في الجسد البشري، فكان السامري، وكانوا ملوك الفرس والخميني.

4- الشعوبية الفارسية القائلة بأنهم أبناء سارة الحرة باعتبارهم من الآريين، وإن العرب هم أبناء اللخناء هاجر أم إسماعيل عليه السلام، يطابق العنصرية اليهودية التي تعتبر اليهود بأنهم شعب الله المختار وتنعت العرب بالبرابرة.

5- استغلال الدين كمنطلق للتوسع على حساب العرب.

6- محاولة تشويه الإسلام وتمزيقه بذات الأساليب والوسائل التي أنتجت الكثير من الفرق والعقائد الفاسدة الضالة المضلة.

وهذا غيضٌ من فيض من التوافقات بينهما فهي كثيرة بما يجعل الكثير يلحقون هذا بذاك، وذلك مما يفسر لنا انتقال الكثير من دسائس اليهود إلى الإسلام عن طريق المجوسية، وبخاصة بعد عام 1500م زمن الدولة الصفوية، التي مسخت بعض المذاهب إسلامية وشوهت أخرى بما ألصقته بها من خزعبلات الفكر اليهودي والمجوسي، لتستخلص من هذا المزيج الديانة الصفوية.

 

ودفعت بأفغانستان وباكستان إلى التغيير الذي بدأ الطابع الديني يطبع الكثير من الأحداث والمتغيرات فيهما، وفيهما أيضا انقلب السحر على الساحر، ففقدوا البعض من نفوذهم وسيفقدون البعض الآخر على الرغم من أنهم حققوا نجاحات كبيرة فيهما.

 

وأدخلت تركيا أيضاً في خضم هذا المشروع بسماحها لأحزاب تتبنى الطابع الديني غير المتقاطع مع العلمانية التركية لضمان عدم الاصطدام والتناحر، ووظفتها في التأمر على العراق ومحاصرته.

 

أما في المحيط السوفييتي ففي الشيشان مثل بسيط، ولم ينجو القوقاز وغيره من المناطق من ذلك أيضا.

وفي يوغسلافيا التي انقلبت الحالة إلى حروب مدمرة ومجازر بربرية تمزقت معها وحدة الاتحاد اليوغسلافي إلى الأبد ومعها كل احتمالات عودة التطاحن لتفتيت المجزأ منها.

 

والأهم في هذا المشروع البريجنسكي أن الصهيونية استثمرته بطريقة مدهشة، فقد حرفت مساره ووظفته لصالح أهدافها بالكامل، بعدما أنضجته الامبريالية العالمية ورأسها في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، عن طريق تحويل هذه السياسات الدينية أو المتسترة بغطاء الدين إلى مواجهات مباشرة مع مصدر التهديد الحقيقي لوجود الكيان الصهيوني، ذلك هو عراق الجديد، عراق ثورة البعث في 17-30 تموز عام 1968م، الذي نهض يسابق الزمن من أجل الوصول إلى حالة الاقتدار وقدرة المجابهة والمواجهة مع كل أعداء العروبة والإسلام، بدلا من الاتحاد السوفييتي، على أن هذا الاستثمار لم يكن مكلفا، فالنظرية الأمريكية أصلاً مستوحاة من جوهر البروتوكولات الصهيونية ذاتها، والذي أعدها يهودي صهيوني، وقد كان ذلك منسجماً تماماً وسدَّ الفراغ الحاصل بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الغرب، فقد كان لابد من إيجاد عدو جديد، يحل محل السوفييت بعد أن ذهبت ريحهم وتمزقوا، ومعلوم أن السياسة الأمريكية تعتمد منذ عقود في حقيقتها على إيجاد عدو تحاربه وتخيف وترهب به الآخرين.

 

وحيث أن الإسلام الحقيقي، إسلام الينابيع الصافية، الذي تسلحت به روح العرب وحملت رايته، واستلهم منه حزب البعث العربي الاشتراكي جوهر فكره، وليس إسلام الحكام أو الطائفيين، يعتبر العقبة الكأداء أمام نواياهم الشريرة، والقوة التي تُشعرهم بالخطر دوماً، وها قد وضعته الصهيونية، جاهزا ومهيأ تماماً، وما على الأمريكان إلا التنفيذ، كل ما في الأمر أن الخطر الأحمر تحول لونه إلى أخضر، فبؤر توتره قد أُعدت، وخيوط تحريك شخوصها أُحكمت، ومسرح عملياتها قد مُهد، والإعلام بدأ يُمهد بتصوير العراق وكأنه ألمانيا هتلر، إن لم يكن أكثر خطرا، بعد أن تابعت مسيرته لسنين طويلة، وهي تستشعر تعاظم هذا الخطر عاما بعد عام.

 

ففي عام 1973 أصبح العراق يشكل الهاجس الأكبر بعد حرب تشرين حينما لم تنجح الدسائس والخلافات ومحاولة عزل العراق و إبعاده عن معارك العرب القومية والمصيرية، فقد علمت قيادة العراق بنبأ الحرب من أجهزة المذياع، وقبل أن يستنجد بها أحد، وعلى الرغم من أنها لم تُحط حتى علما بالمعركة، لكنها اتخذت قرارها التاريخي بتحريك الجيش العراقي المجاهد فوراً وعلى (السرف) ودون موافقةٍ من أحد، وحلَّق قبلها صقور العراق الشجعان ليدكوا معاقل الصهيونية ويصدوا غربانها عن سماء دمشق كما كانوا يصولون على قطعانهم في صحراء سيناء على الجبهة المصرية، وانقلبت الموازين وطرد الصهاينة الذين كانوا على مشارف دمشق لم يمنعهم من احتلالها إلا أسود العراق البواسل، وقد اعترف الرئيس السوري حافظ الأسد حينها بقوله:" إن الصغير والكبير في سورية يتحدثون عن الذين أنقذوا دمشق من السقوط وهما صواريخ سام والجيش العراقي" كما إن صقور العراق الشجعان قاموا بقصف أعشاش الصواريخ الصهيونية في سيناء وقصف أرتال العدو وتجمعاته ومقر القاطع الأوسط الصهيوني، وقد كُرّم قائد السرب بوسام نجمة سيناء من قبل الحكومة المصرية، واسقطوا 29 طائرة صهيونية على الجبهة السورية.

 

وبعدها وفي عام 1978 كانت زيارة العار التي قام بها أنور السادات إلى الكيان الصهيوني الذي حط بطائرته في القدس ذليلا خائباً، تلك الزيارة التي جعلت من بقاء دولة لليهود على ثرى فلسطين أمراً ممكناً وقابلاً للتحقق. وكان دور قيادة العراق في الرد على هذه الزيارة المشينة رئيسياً ومحورياً وقائداً ومؤثرا، فقد تمكنت من لم شمل حكام العرب في مؤتمر قمة بغداد الذي انعقد يوم 4/11/1978م والعمل على مواجهة حالة التردي على الواقع العربي، والتي جلبتها تلك الزيارة، وأصبحت بغداد محور النضال العربي الشعبي والعمل الرسمي لمواجهة آثارها المدمرة.

 

ومعها كان الخميني قد أبدى رغبته بالعمل السياسي وهو مقيم في مدينة النجف العراقية منذ أربعة عشر عاماً ولم يسبق له ذلك، فقد أُختير لتمثيل مشروع بريجنسكي في إيران فانتقل إلى باريس كجزء من عملية الإعداد لمسرحية التغيير في إيران، ولحرف المشروع الامبريالي بتدمير الاتحاد السوفييتي إلى تدمير العراق والقضاء على ثورته ومنجزاتها العملاقة، وما هي إلا شهور عديدة حتى عاد الخميني ليتسنم وجوقة الملالي زمام الأمور بالمسرحية المعروفة آنذاك، في 11/2/1979م، وتنصل عما كان أعلنه من أنه ما جاء إلا لمحاربة الكفر والإلحاد انسياقاً مع المشروع الامبريالي، فبعد بضعة أيام تحول صوب العراق انسجاماً مع التعديل الصهيوني، والغريب أن نظام خميني لم يقدم مكسباً واحداً للشعوب الإيرانية من التي كانت تطالب بها خلال انتفاضتها، منذ اليوم الأول الذي سُرقت فيه وحتى إعلان الحرب على العراق في 4 أيلول عام 1980 بالنيابة عن أسياده اليهود الصهاينة، وكان النظام الإيراني الجديد وفياً كلّ الوفاء لأسياده، فبدأ فور إمساكه زمان الأمور بالعمل على تحقيق أهدافه وأهدافهم، فقد تم الاعتداء على السفارة العراقية في طهران والقنصلية في المحمرة، واقتحم حرس خميني عددا من المدارس العراقية في إيران واعتقل عددا من المدرسين كما اعتدى على آخرين، وفي بداية نيسان 1980 قام أحد الإيرانيين بإلقاء قنبلة على تجمع جماهيري طلابي في الجامعة المستنصرية ببغداد، جُرح فيه طارق عزيز، وخلال تشييع شهداء هذا الحادث الإجرامي قاموا أيضا بإلقاء قنبلة يدوية على المشيعين من داخل بناية المدرسة الإيرانية في بغداد، وجرح فيها الرفيق بدر الدين مدثر، وفي يوم 12نيسان 1980م حاولوا اغتيال لطيف نصيف جاسم وزير الثقافة والإعلام فأصيب بجروح، وتواصلت الاعتداءات الإيرانية للفترة بين تسلم الخميني للسلطة وحتى 7 أيلول 1980م حتى بلغت 598 اعتداءاً عسكرياً، و249 خرقاً للأجواء العراقية من قبل طيرانهم الحربي، و 244 حادث إطلاق نار على مخافرنا الحدودية وقصف أهداف مدنية، و 7 مرات قصف للمنشآت النفطية والاقتصادية، و اتسع العدوان يوم 4 أيلول 1980م لتقوم إيران بقصف مدن خانقين ومندلي وزرباطية ونفط خانة بالمدفعية، مع حشود كبيرة على طول الحدود العراقية، وتوغلت داخل الأراضي العراقية فاحتلت مناطق سيف سعد وزين القوس وهيلة وخضر، كما أعلنوا النفير العام وأغلقت المطارات بوجه الملاحة الجوية، كما أُغلق مضيق هرمز بوجه الملاحة العراقية، وأصدروا أربع بيانات عسكرية.

 

وطيلة هذه الشهور والعراق يتحلى بأعلى درجات الحكمة والصبر، قدم خلالها 293 مذكرة رسمية حول الاعتداءات ويطالب فيها إيران بوقف أعمالها العدوانية، والالتزام بحسن الجوار، وكذلك أحاطت القيادة العراقية عن طريق وزارة الخارجية جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي بتفاصيل تلك الاعتداءات، ولما لم يزد ذلك حكام إيران إلا إصراراً على المضي في ما رُسم لهم من دور، خاصة وأنهم فسروا حكمة العراق ضعفاً، مما اضطر العراق للرد في 22 أيلول من العام ذاته، واستمر الدعم والإسناد والشراكة الصهيونية، عن طريق المقدم أوليفر نورث، وبأموال سعودية وكويتية، حتى خابت الآمال وتجرعوا القبول بقرار مجلس الأمن 598 في 20/7/1987م بعد عام من صدوره لتتوقف في 8 آب 1988.

 

وإزاء خيبة الأمل الصهيونية من اندحار الموجة الخمينية الصفراء، راحت الصهيونية تدفع بالقوى الامبريالية الكبرى وتحث خطاها على مواصلة الحرب ضد العراق بعد أن عجز الخميني وخارت قواه فتجرع سم العراق زُعافاً، وهو يوصي أتباعه بمواصلة ما فعل الأسلاف كلما سنحت الفرص.

 

ومن دلائل التبعية الخمينية للإرادتين الصهيونية والصليبية، أن لجنة الطاقة والموارد الطبيعية في مجلس الشيوخ الأميركي قد أعدت تقريرا وقدمته إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك جيمي كارتر، تضمن الفقرات الآتية:

 

"1- يجب أن لا نسمح بظهور دولة عربية قوية سياسيا واقتصاديا قد تفرض سياسات وطنية على دول الخليج فترفع من أسعار النفط.

 

2- ويجب أن لا نسمح باستقرار الأحوال السياسية والعلاقات العربية - العربية.

 

3- إن استمرار الصراع العربي الإسرائيلي يؤدي إلى تعاظم شعور العرب بالوحدة ويدفعهم إلى اتخاذ سياسات موحدة تجاه الولايات المتحدة والغرب لذلك يجب حث الخطى في طريق تسوية هذا النزاع خاصة بعد أن تم إخراج مصر من المعسكر المعادي لإسرائيل. " (5)، وقد كانت كل فقرات هذا التقرير تركز على ثورة العراق وقيادتها وكيفية التخلص منها.

 

كما إن تقريراً رفعته لجنة برئاسة عضو مجلس الشيوخ الأمريكي برادلي في كانون الثاني عام 1981م أشارت فيه إلى ضرورة استمرار الحرب بين العراق وإيران، بما يجعل دول الخليج العربي أكثر ارتباطاً بها، كما انتهت إلى خلاصة " لذلك بات من الضروري تحجيم قوى العراق وإمكاناته "، بعد دراسة ميدانية في دول الخليج العربي، فكانت تلك إحدى تبريرات الرئيس الأمريكي ريغان بعد افتضاح التعاون التسليحي والتقني والمعلوماتي بين أمريكا والكيان الصهيوني وبين إيران المسماة بفضيحة إيران غيت.

 

كما أقرت لجنة الاستماع الخاصة التابعة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي "أنه من الضروري جداً عرقلة القيادة السياسية العراقية عن تنفيذ أي من أهدافها وضرورة تحجيم نفوذها السياسي والاقتصادي .. ومنع امتداد النفوذ العراقي داخل الأوبك " (6)

 

على أن الخبراء والمحللين استثمروا هذه المفاهيم وخلطوا بها نوايا الصهيونية العالمية، عن طريق المزاوجة بينها وبين مفهوم الحصر والتطويق وتجريد الخصم من محيطه أو عمقه السوقي، وهو مفهوم عسكري معروف، واختيار أدوات التنفيذ بما يجعل الشعوب في حيرة من أمرها ومنقسمة على نفسها، عن طريق سلب الهدف كل عناصر مؤازرته ودعمه أو التعاطف مع قضاياه، وتشويه الصورة بما يجعل العدوان على الهدف وكأنه يصب في صالح دول ذلك المحيط، وليس إضعافها وكسر شوكتها، ليستخلصوا منها مفهوما يعتمد على انتقاء أقطار عربية وإسلامية محددة بجعلها أهداف هجومها، فكان العراق وفق نواياهم يحتل الموقع الأول في خطط الاستهداف بالتطويق، ولهذا تغيرت أدوار الحكام العرب العملاء من أدوار ثانوية تؤدى خلف الكواليس إلى أدوار رئيسية تؤدى تحت دوائر الضوء وأمام الشعوب وبلا أقنعة.

 

وكان الرئيس الشهيد صدام حسين قد نبه عن ذلك عام 1997م بقوله " إن أهم وسائل الأمريكان والصهيونية تجاه دول العالم الثالث بوجه عام وتجاه الدول الإسلامية بوجه خاص، هو السعي لعزل الهدف عن محيطها، وإضعاف تأثيرها فيه، وتعاملها معه، وإن أهم حواجز، ووسائل العزل المؤثرة هو زرع الهواجس والضغينة والكره) (7)

 

فتركيا وُعدت بالاندماج مع أوربا من خلال الاتحاد الأوربي، وهو هدف بحد ذاته لسلب تركيا عمقها الإسلامي بالكامل، فكان دورها فاعلا في تمزيق العراق وإضعافه عن طريق دورها في الحصار ودورها الأخطر في "خط العرض 36" الذي فرضته من على أرضها أمريكا وفرنسا وبريطانيا، لتجعل من شمال العراق وكراً للعملاء والجواسيس، وقاعدة متقدمة للصهيونية والإمبريالية العالمية، وذلك ما تم كشفه بصولة الجيش العراقي البطل في عملية آب المتوكل على الله يوم 31/8/1996 عندما عصف بالخونة الذين كانوا يعدونهم لتنفيذ إرهابهم وعدوانهم ضد العراق وشعبه، وقد كان هاجس الساسة الأتراك هو ما أوحت به لهم الدوائر الصهيونية من أن قوة العراق واستمرار نجاح تجربة البعث فيه ستنتهي به إلى تحقيق وحدة عربية، ستفرض على العلمانية التركية دين الإسلام مجدداً وستهدد كيانهم بكل جدية، كما كان قرار القيادة العراقية بحلّ القضية الكردية في العراق قد شكل تهديدا للسياسة التركية، فعدد الأكراد فيها يزيد على أربعة أضعاف عددهم في العراق، وهم محرومون من التحدث بلغتهم أو حتى ارتداء زيهم الشعبي، فلا يتمتع الكردي التركي بأية حقوق، بل ليس هناك اعتراف بوجوده أصلاً.

 

أما إيران فدورها معروف ومكشوف، ومن أهم الدلائل على ولوغ الفرس في هذا وحل هذا المخطط، بالإضافة لما ذُكر آنفا، أن الأمريكان والصهاينة بعد فشل الفرس في تحقيق أهدافهم واندحارهم في معركة القادسية الثانية المجيدة، راحوا يرددون ذات الطروحات والشعارات التي أطلقتها وتذرعت بها إيران من قبل دون تغيير أو تطوير أو حتى تمويه، ولا تختلف عنها لا في الشكل ولا في المضمون، فكان الإيرانيون يتحدثون عن حياة العراق الداخلية، ويدعون أنهم يريدون تخليص شيعة العراق من ظلم الدولة العراقية واضطهادها لهم، وهذا ما ردده ساسة الإمبريالية منذ عجزت إيران عن تحقيق أهدافهم وحتى الاحتلال، وبنفس الصيغ والتعابير، وبذات الأكاذيب والتلفيقات.

 

كما أنهم راحوا يرددون ذات الطلبات الإيرانية منذ عام 1979 ولغاية 1988 والتي تنحصر في تخلي الشهيد صدام حسين عن السلطة في العراق كشرط لوقف الحرب، وهو ما ردده ساسة الغرب الكافر منذ أن تخلت إيران عن المهمة وحتى يوم العدوان والاحتلال.

 

فهذه تؤكد بما لا يقبل الشك أن ما كانت تؤديه إيران ما هو إلا دور رسمته لها الإمبريالية والصهيونية معاً، وإلا فلا تتوارد الخواطر بهكذا صدف وأساليب أبدا.

 

أما سوريا فما كان عليها إلا الانصياع لقاء تأجيل حصارها وتقسيمها وابتلاع ما تبقى منها إلى حين، ريثما يذبح العراق وتُمهد الأرضية لتمزيقها فيما بعد، وهي بإمكاناتها المحدودة وتوقف الدعم العربي عنها عُرضة للتوسع العدواني الصهيوني في كل لحظة، خاصة بعد أن انسحبت مصر والأردن من المواجهة وكبلت نظاميها بقيود التبعية والمساعدات، وقد يكون موقفها إذا ما كان بصالح شعب العراق سبباً كافيا لإجهاض النظام فيها وتقويض دعائم وحدتها بالكامل، وكان هاجس الخوف من قوة العراق محفزا، والأحقاد التي زُرعت دافعا.

 

والأردن محكوم بمطرقة الكيان الصهيوني من جهة، والخوف من تخلي الحلفاء عنه ليتهدده الوجود الفلسطيني، أو ينهار اقتصاده المعتمد على المعونة الأمريكية والخليجية أو بنك اليهود الدولي، كما أن هواجس الخوف الذي زرعته الصهيونية والإمبريالية من أن العراق لو تعافى فسيبتلع هذا القطر أو ذاك، فهو يسعى من أجل الوحدة العربية، وقد كان هذا الهاجس مرافقا لكل تصرفات قادة هذا البلد منذ عام الثورة الأول، على الرغم من كل ما أبداه العراق من نوايا صادقة وأخوة أصيلة ودعم سخي ومتواصل له.

 

كما إن إلحاح القيادة العراقية وإصرارها على تشكيل [الفيلق العربي] تحت راية مجلس التعاون العربي، الذي ضم مصر والأردن واليمن بالإضافة إلى العراق، أمرا مرعبا لنظامي الأردن ومصر، فقد نهاهم جورج بوش الأب عن مطاوعة صدام حسين في ذلك مهما كانت النتائج، وقد تعهد حسني مبارك بتخريب هذا المشروع القومي بكل الوسائل والسبل، ونجح فعلا في ذلك.

 

والسعودية والكويت أكثر الأنظمة انصياعا للرغبات الإمبريالية لأنهما السبب الأول والأخير في وجودهما وديمومة عجيزتيهما على عروش الذل والخيانة والتبعية، ولا يمكنهما أن يعيشا بدونه، ومعهما كل هواجس الخوف من العراق وكل أحقاد الضعفاء المتصهينين المتآمرين على أمتهم وعلى مصيرها وعلى قضاياها، فهم أدرى بأنفسهم من غيرهم، ويعلمون أنهم من أشد العقبات أمام أي دعوة أو عمل من أجل توحد الأمة العربية، لأنهم ببساطة من نوع الحكام الذين لايمكن أن يعيشوا أو يجدوا لأنفسهم موطأ قدم إلا بالفرقة والتشرذم، بحكم تكوينهم وخلفياتهم القبلية الضيقة في مراميها وأهدافها وقدراتهم المتواضعة جدا، لحد أن أغلبهم بحاجة لمن يقرأ لهم كبار الحروف وصغارها من فرط جهلهم وأميتهم، كما انهم لم يبنوا سلطان حكمهم على مقاتلة المحتل بل بنوها على حرب إخوة لهم ومن أبناء جلدتهم، فقد كان النظام السعودي مثلا، ناتج حرب آل سعود لآل الرشيد في الجزيرة العربية، وبدعم من الأجنبي، فكيف بعبد أقعده الأجنبي الكافر على كرسي حكم أن يكون وطنيا ويعربيا ومسلما؟ وهو لا يملك من تجارب حياته إلا إخلاص الولاء لهذا الأجنبي الكافر حتى تصيح الساعة!!

 

وكيف يكون عبيد كرسي الكويت "آل صباح" الذي اقتطعته بريطانيا من جسد العراق وأجلستهم عليه إلا عبيدا لسيدهم وولي نعمتهم، فالكرسي مستقطع من حق العرب وحماته كفار الامبريالية، ولهذا فقط يبطل العجب حينما تجد أن القوى الامبريالية متمثلة ببريطانيا هي التي دبرت عملية اغتيال الملك غازي بن فيصل الأول بسبب توجهاته القومية التحررية ومطالبته باستعادة كل الأجزاء المستلبة من العراق وفي مقدمتها الكويت، كما قامت عام 1961م بإنزال سبعة ألاف جندي في الكويت حينما طالب العراق بها باعتبارها جزء منه، ولهذا جعل حلف الأشرار من حكامها كبش المؤامرة التي أرادوا بها ذبح العراق عام 1990.

 

وبهذا أُحكم الطوق على العراق من محيطه الملاصق، والأهم في هذا المخطط، والأخبث والأخطر، أن أدوات تنفيذه جُعلت عربيه إسلاميه وليست يهودية أو نصرانيه، بما يصور الحال وكأن مطلب تحطيم العراق وتدميره جاء من الأقربين إليه وممن تخشى الإمبريالية على مصالحها التي في خيرات بلدانهم، كمبرر للتدخل فيما بعد، وبما يجعل تشويه الحقائق سهلا وواردا، فقوة العراق عندما توصف بأنها تشكل خطرا على الصهيونية ومصالح الغرب، سوف لا تجد لها صدى في أوساط العرب والمسلمين، بل على العكس ستكون حينها محط تقدير واعتزاز، لكنها على العكس ستلقى تجاوبا وتفهما من المسطحة عقولهم أو من أصحاب الغرض السيئ، أو من الذين تنطلي عليهم أكاذيب الأعداء أو الذين يغصبون عقولهم على تصديقها بفعل الجبن والتراجع عن قيم الرجال، وأوامر الله تعالى، حينما تُصور قوة العراق على أنها خطر يتهدد العرب والمسلمين وأنظمتهم، ويهدد السلم والاستقرار في المنطقة، وما يخلق من أزمات اقتصادية وسياسية.

 

على إن الصهيونية بدأت تستشعر الخطر العراقي بشكل أوضح بعدما خرج جيش العراق وشعبه عام 1988من منازلة من ناب عنهم في العدوان، أكثر تماسكاً وأعلى قدرة وأعظم خبرة مما سبق، وهو يمارس التمارين التعبوية في الهضبة الغربية على مقربة من أوكار شرهم استعداداً لمعركة تحرير القدس وكل أرض فلسطين الحبيبة، وذلك عهد ووعد قطعه قائده الشهيد رحمه الله عند مثوى جده المصطفى صلى الله عليه وسلم خلال أدائه لمناسك العمرة، وذلك الموقف الذي يحتمل أنه قد وصل في معناه إلى الإدارة الأمريكية، والله أعلم.

 

كما إنهم يرون ويسمعون وعلى مقربة منهم قائد ثورة العراق وحادي ركب العرب والمسلمين وقائد جمع الإيمان الشهيد صدام حسين رحمه الله يقف على ربى عمان في 24 شباط 1990 يحدو بالعرب خلال افتتاحه الدورة الرابعة لمجلس التعاون العربي(8) قائلاً ".. فإننا نرى القدس من بغداد، بالعيون النفاذة المؤمنة والواسعة، لتلك المدينة التي تعرفون كم بذل العرب من تضحيات، وكم بنو من مجد فيها، ليثير اسمها في نفوسهم ذكريات طيبة، إننا نرى القدس من أي مكان، مهما بعد عن موقعها، لأن القدس، بعد أن تنير فينا كل ما هو خير في الصدور، يصبح تبادل الرؤية بيننا وبينها على خط مستقيم، وتتقلص المسافات بيننا وبينها... لقد اغتصبت فلسطين بتخطيط و تدبير وتسترجع فلسطين بتخطيط وتدبير متقنين... أما وقد أدرك العرب من خلال عوامل وأسباب شتى منها انتصارهم على أعداء الله وأعدائهم في الجبهة الشرقية.. وهذا الموقف البطولي لشعب الحجارة المقاتلة، أنهم قادرون، فإن فلسطين ستعود، وسيطرد النور الظلام، وسترفع أعلام الحق على القدس الشريف إن شاء الله" ويوضح للأمة والإنسانية بأجمعها ما سيحدث في السنوات الخمس التالية، متوقعا انهيارا كاملا للمعسكر السوفييتي وتفرد الامبريالية الأمريكية، وتخطيطها لإكمال ما بدأه الفرس المعممين في تدمير عنوان مجد العرب ومقر عزتهم، العراق، على الرغم من أن أي شيء من ذلك لم يكن قد حدث " فعلى العرب أن يضعوا في حساباتهم أن احتمال أن ترتكب (إسرائيل) حماقات جديدة في ظرف السنوات الخمس التي نوهنا عنها، هو احتمال جدي، وقد يكون ذلك بتشجيع مباشر من جانب أمريكا... وعلى هذا الأساس وليس على أساس تطور اتجاهات الرأي العام فحسب، انتقلت الصهيونية بتركيز خاص على الولايات المتحدة الأمريكية، لتورطها في ستراتيجيتها"، لكن إسرائيل كانت متعجلة جدا فلم تجعل العدوان ليتجاوز ذلك العام إلا بأيام قليلة، وأداتها في ذلك حكام الكويت، فكانت متعجلة هيابة لقوة العراق فما تحقق لها ما تريد.

 

فابتكروا حصار التجويع لثلاثة عشر عاما، كانوا خلالها يعدون وينظمون صفوف عملائهم وأذنابهم من الخارج والداخل وفي المحيط الملاصق، ويرسمون الأدوار لكل منهم، في الوقت الذي كان شعب العراق يعاني من آثار الحصار المدمرة بما فيها حرمان جيشه من أي تسليح جديد، بعد تدمير كل منشئات التصنيع العسكري بالقصف أو بلجان التفتيش، حتى حولوا العراق إلى أعزل من كل وسائل الدفاع والقوة والمنعة، إلا من صدورٍ عامرة بالإيمان بالله سبحانه وتعالى ناصر المؤمنين ولو بعد حين، إذ كان الحصار الذي يعد سابقة خطيرة في استغلال ما يسمى بالمنظمات الدولية لتجويع شعب بأكمله حتى الموت لولا عناية الله سبحانه، فقد العراق أكثر من مليون ونصف المليون من أطفاله وذويهم خلال سني الحصار، وتردت الأحوال المعاشية والصحية وتعطلت بعض مفاصل الحياة، فقد حُرِّم على العراق حتى أقلام الرصاص التي يستعملها التلاميذ في دراستهم، بحجة أنه يدخل في صناعة أسلحة الدمار الشامل، وعادت الأمية تداهم الأسرة العراقية من جديد، بعد أن تخلص منها في حملات كبيرة وجهود مضنية ولسنوات ليست قليلة من عمر الثورة، واحتفلت منظمة اليونسكو بهذا الإنجاز العظيم ومنحت قيادة العراق أعلى أوسمتها، الحملة التي وضعت الشعب بكل فئاته بعد اكتمال مراحلها على أعتاب مرحلة جديدة على درب النهوض الحضاري، كما عادت مع طول سنوات الحصار وشحة الدواء وتردي الرعاية الصحية، عدد من الأمراض والأوبئة التي تطهرَّ منها العراق بشهادات المنظمات الصحية العالمية، فقد حرم العراق من استيراد الاجهزة الطبية الحديثة لتعويض المستهلك نتيجة الاستخدام ولمواكبة التطور العلمي، فتراجعت الخدمات الصحية المتميزة والمجانية التي كانت تقدم للمواطنين الى أدنى مستوياتها، وتدهورت الأحوال الصحية نتيجة الحصار بسبب المواد التالفة والمسممة والملوثة المستوردة من الدول المجاورة من قبل التجار عن قصد أو دون قصد، ولم ينجو مفصل واحد من مفاصل الخدمات من الضرر بسبب القصف الأمريكي أو الحصار.

 

وبذلك أصبحت فرص نجاح الغزو واردة وامكانية تحقيق أهدافه مقبولة، ولهذا أوقفوا عرض مسرحية لجان التفتيش، وسحبوا الممثلين من منصة العرض، وباشروا بالعدوان.

 

ــــــــــــــــ

 

(1) الحزب، نشرة فصلية، مكتب الثقافة والاعلام القومي، حزب البعث العربي الاشتراكي، تموز 1998.

(2) سورة الأنفال، الآية: 30.

(3) سورة الأنعام، الآية: 123.

(4) مروج الذهب للمسعودي.

(5) محمود بكري، جريمة أميركا في الخليج.

(6) حامد يوسف حمادي وآخرون، تاريخ العراق قديمه وحديثه، بغداد، 1998.

(7) صدام حسين، صفاء المبادئ وفيض الوفاء، دار الحرية، بغداد، 1997م.

(8) انبثق مجلس التعاون العربي في 16/2/1989م في بغداد وضم العراق ومصر والأردن واليمن.

 

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

الاثنين / ٢٨ صفر ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٣ / شبـــاط / ٢٠٠٩ م