ملحمة انتخابات الاحتلال في العراق

 

 

شبكة المنصور

الدكتور جورج حجار
بدعوة من الهيئة الوطنية لدعم المقاومة والشعب العراقي، وبحضور فعاليات ثقافية وسياسية، وممثلين عن الأحزاب الوطنية، قدَّم الدكتور جورج حجار عضو اللجنة التأسيسية محاضرة في فندق الميريديان في بيروت، تحت عنوان: ملحمة انتخابات الاحتلال في العراق، وهذا نصها:


بعد الهزيمة الإستراتيجية للاحتلال في العراق (2004) لجأ إلى ابتداع "عملية سياسية" (2005) لتسويغ احتلاله لبغداد (9/4/2003) وتعزيز مشروعه وشرعنته بتحويل العراق إلى محمية سياسية أميركية بغية إدامة الاحتلال ونهب خيرات العراق الطبيعية وأهمها النفط والغاز وآثاره التاريخية التي تعود إلى آلاف السنين. وبالإضافة إلى ذلك، قام الاحتلال وعصاباته من البشمركة والموساد وفيلق بدر وغيرهم باغتيال العلماء والأطباء والأساتذة الجامعين وتشريد أكثر من أربعة ملايين عراقي إلى الخارج والداخل وقتل الضباط الأبطال الذين خاضوا الحروب ضد التمدد الفارسي في حراستهم للبوابة الشرقية للوطن العربي.


بدأ الاحتلال في توطيد وترسيخ مشروعه الإمبراطوري بحل الدولة وتسريح جيوشها وموظفيها في أيار 2003 واستولد بديلاً "علمانياً" لحزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة المرتد إياد علاوي الذي تسلم سدة السلطة في 28 حزيران 2004 بعد هروب بريمر الرابع قبل يومين على موعد إعلان "نهاية الاحتلال" وإعلان "الاستقلال المباشر" بعد الحكم السلطاني الاستبدادي لمدة عام ونيف.


كانت مهمة العلاوي بعد اندلاع حركة الكفاح المسلح بقيادة حزب البعث وبالتخطيط المسبق للراحل والشهيد الكبير صدام حسين الذي سينصفه التاريخ، وبعد بروز كمونة الفلوجة التي خلدَّتها في كتابي: تحرير العراق: تحرير أميركا والعالم، وقمع واقتلاع الحركات الوطنية المسلحة بكافة أطيافها والتي ابتغت الإطاحة بالاحتلال ودحره وتحرير العراق من الإخطبوط الأميركي – الصهيوني المستأسد.

 

هذا أولاً وثانياً الإشراف على "العملية السياسية" التي استهدفت قيام نموذج العراق الديمقراطي الفيدرالي وأقاليمه الفسيفسائية لمنع عودة العراق الوطني القومي العربي إلى أحضان أمته العربية. وبوصول السلاح إلى ذروته بطرد الأميركي من الفلوجة بدأ الأميركيون يفكرون بإستراتيجية الخروج عوضاً عن الاستمرار في الغرق في المستنقع العراقي الذي شمل معظم أرجاء الوطن في ربيع وصيف 2004. ومع فشل العلاوي في إحكام السيطرة على العراق وهزيمته في انتخابات 15/12/2005 والتي حصل فيها على 25 مقعداً من أصل 275 في برلمان الاحتلال، كُلف إبراهيم الجعفري من الائتلاف الشيعي الموحد (وهو من حزب الدعوة) برئاسة عبد العزيز الحكيم الفارسي الهوى والتطلع بتسلم الحكم نيابة عن أسياده الثنائي الأميركي – الإيراني وأقام مُرزبانيته متحالفاً مع قبيلتي البارزاني - الطالباني المتمترستين في شمال العراق بحماية أميركية – انكلوسكونية منذ 1991.

 

لكن تفجير مرقد (العسكريين) في 22 شباط 2006 في سامراء السنية والتي احتضنت العسكريين لمئات السنين، وتداعيات تلك الفاجعة التي مزقت النسيج الاجتماعي للعراق، أسفر عن تسلم الدعووي نوري المالكي الحكم في أيار 2006 "الملحمي" الذي انتصر للحكم المركزي وأسرف في استخدام المفردات الوطنية في انتخابات مجالس المحافظات (31/1/2009) بتحديد الحكم لنفسه وتطبيق الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة وملحقاتها.


والسؤال الذي يطرح نفسه حول الانتخابات وخروقاتها وتزويرها و1200 طعن في سلامتها ونزاهتها هو:
هل انتصر الوطن العراقي والشعب والعروبة أم القبيلة والطائفة والاثنية؟


وهل يمكن أن ينتصر غير ذلك في ظل الاحتلال وتوغله في المجتمع العراقي؟ والإجابة بكلمة مختصرة، لقد انتصرت القبيلة كقاعدة جديدة للاحتلال وذلك في إطار الاتفاقية الأمنية التي تهدف إلى تأبيد الاحتلال ومصادرة ثروات العراق. والسؤال الثاني كيف تحوَّل "النموذج العلماني" التحرري من بناء الإنسان والمواطن ورفع شأن الوطن إلى استيلاء القبيلة – الوطن وتفرعاته!؟


وفي هذا المضمار، أقتبس الكاتب العراقي طارق الدليمي (السفير 23/2/2009) الذي يعتبر أن الانتصار في مجالس المحافظات قد جاء "بعد تسمين عجول الصحوة والإسناد في كل أرجاء الوطن". ويضيف "هكذا تدخل العملية السياسية في زيها القبلي حالياً. وتأتي نتائج الانتخابات "صورة مصغرة لما يريده الاحتلال من السير في هذا الطريق. بل يمكن التكهن بأنها نسخة أولية لنتائج الانتخابات التي ستجري في نهاية هذه السنة. ويعتقد المحللون في ماكنة الاحتلال أن هذه المرحلة هي القادرة على التصدي للتدخلات الإقليمية الطائفية وأن حكومة "البيت القبلي" سيكون لها الوزن الخاص في ترتيب الوضع الداخلي بما ينسجم مع بقاء الاحتلال واستمرار سيطرته السياسية ونهبه للموارد الطبيعية في البلاد". ويختتم الدليمي بطرح السؤال الجوهري: هل يمكن إفشال هذا المشروع القديم – الجديد؟ وكيف؟ ولا يقدم إجابة وافية على ذلك.


وبالإضافة إلى مقولة "البيت القبلي" في قراءة نهج ونتائج انتخابات الاحتلال، يستقرأ الحدث حميد الكفائي باعتماد مقولة عودة "العلمانية في العراق بأيد إسلامية" لأن العلمانية متأصلة في ثقافة العراق منذ العهد العثماني مروراً بالانتداب والجمهورية والحقبة البعثية. ويقول أن العلمانية قد تبعث من تعدد المذاهب في العراق: فالعثمانيون تبنوا رسمياً "المذهب الحنفي بينما يتبع أهل العراق مذاهب أخرى هي الجعفري عند الشيعة والشافعي عند السنة، مما يعني أن أغلبية العراقيين لم تتبع مذهب الدولة في تلك الفترة مما قلص من تأثير الحاكم الديني على الرعية" (الحياة 9/2/2009) ويضيف مؤكداً على أن فورة الحماس الديني قد انتهت إلى غير رجعة مما أرغم "الفروق الجماهيري عن الإسلام السياسي ودفع الأحزاب الدينية إلى التخلي عن خطابها الديني والطائفي والمناطقي، بل العنصري، وتبني خطاب مختلف يعتمد على المبادئ المدنية والمصلحة والكفاءة والنزاهة". ويستخلص الكفائي من دراسته أن العراقيين قد "درسوا وفق نظام تعليمي مدني ونشأوا في بلد يحكمه قانون وضعي قائم على المصلحة". ويضيف "لم ينجح سياسي في العراق إلا عندما يتبنى المنهج العلماني" ويجزم بـ"أن رجال الدين كانوا علمانيين في السياسة رغم تمسكهم بزيهم الديني" ويلفت على أن "المزج بين الدين سنة وشيعة للأفكار الحديثة القادمة من الغرب". أي أنه يقول: الفكر السياسي الماورائي طارئ على العراق لأن النظام تاريخياً "استمد شرعيته من العلوم المتطورة والخبرات المتراكمة لا من النصوص الدينية".


أما فالح عبد الجبار، فيكتب عن "انفراط الهويات" وانتصار مبدأ ولاية الأمة لا ولاية الفقيه وأن المصالح لا الرموز هي التي تضع السياسة لذلك لا قيمة للمرجعيات العليا في المستقبل العراقي. ويعزو انحسار الخطاب الإسلامي المذهبي إلى استياء الفئات الحديثة في الطبقة الوسطى، ويفسر سقوط "شهيد المحراب" لآل الحكيم إلى الجشع والعنف والتسلط الذي مارسوه أثناء تحممهم في الفرات الأوسط والجنوب تحت إشراف الاحتلال. (الحياة 15/2/2009).
وفي "قراءة مختلفة" لمشرق عباس (الحياة 15/2/2009) فإنه يقول أن الانتخابات أفرزت ظاهرتين: تقويض حقبة فيدرالية الوسط والجنوب وتأكيد جاذبية المركزية السياسية والشعارات الوطنية وأسست وعياً جديداً، الظاهرة التي أجبرت الجبهات على استدارات كاملة في استراتيجياتها للحاق ببيئة سياسية تبدو اليوم أكثر من أي وقت مضى مطيّة للتشكل والتجسد وسهلة المنال أمام الشعارات الكبيرة". وفي اختلاف عباس مع الذين كتبوا عن الانتخابات، فإنه يصر على أن "بين 10 إلى 38% من الناخبين في بغداد ومدن الجنوب انتخبوا المالكي ولم ينتخبوا حزب الدعوة، أصالة عن انتخاب الأمن والسلم الاجتماعي قبل انتخاب المالكي كزعيم". أما توضيحه لما حدث في الموصل فيكتب: "48.4% من ناخبي الموصل قد استجابوا لمخاوف التمدد الكردي في المدينة ولم تنفع تطمينات الأحزاب الكردية في تخفيف وطأة الاعتقادات التي بدت راسخة حول النية الكردية استقطاع مساحات من محافظة الموصل لضمها إلى إقليمهم، فانتخبوا أكثر الأطراف انتقاداً للسياسات الكردية قبل أن ينتخبوا قائمة الحدباء وممثليها". ويختم بحثه معلناً ما يلي: وعدا محافظة الموصل التي ظهر فيها الصراع القومي والاثني وتجاذباتهما قوتان، أحدها عربية والأخرى كردية تبادلتا الاتهامات بالشوفينية القومية فإن أحزاب الإسلام السياسي فرضت في الواقع نفوذها على معظم المدن العراقية فاحتلت بين ثمانين إلى 90% من مقاعد محافظات جنوب العراق وبغداد (الدعوة والصدر والمجلس الأعلى الإسلامي) في مقابل هامش ظهر في أقوى صورة في محافظة كربلاء بفوز شخصية مستقلة غير دينية لن تؤثر في النهاية في خريطة المجلس "إلا وهو اللواء يوسف المجيد الحبوبي!


ولأن الأرقام تتكلم وتحسم الجدل، استنتج أن الإسلام الوطني – القومي قد انتصر لا الإسلام الوهابي ولا الاسلام الفارسي، وأرى إرهاصات لعودة العلمنة إلى العراق واحترام الإنسان كانسان ومواطن، ويبقى التحرير الناجز لجبهة المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية المهمة التاريخية في السنوات المقبلة!

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة / ٣٠ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٧ / أذار / ٢٠٠٩ م