حزب البعث العربي الاشتراكي

امة عربية واحدة   ذات رسالة خالدة

   
 

تصريح صحفي
صادر عن القيادة العليا لحزب البعث العربي الاشتراكي الأردني

 

 

شبكة المنصور

 

في أعقاب التعديل الحكومي الأخير وما تبعه من حراك سياسي فقد طلبت القيادة العليا لحزب البعث العربي الاشتراكي الأردني اللقاء مع دولة رئيس الوزراء لعرض وجهات نظرها في بعض المسائل والقضايا المطروحة على الساحة الأردنية مساهمة منها في التفاعل مع الأحداث والتأكيد على مواقف الحزب من بعض المسائل الساخنة التي يطرحها أمر التعديل وبناء على ترتيب جرى لتلك الغاية تم اللقاء في مكتب معالي وزير التنمية السياسية بتاريخ 22/3/2009 حيث جرى شرح الغاية المقصودة من اللقاء وقام وفد القيادة بتسليم معالي الوزير مذكرة شاملة موجهة إلى دولة رئيس الوزراء وقد جاءت إلى جانب مواضيع أخرى اشتملت عليها المذكرة بالتفصيل التالي:

 

  الإصلاح السياسي.

 

  رفض الحزب لمؤامرة الوطن البديل وما يتصل بها من تصريحات معادية.

 

  طروحات مشروع تقسيم المملكة إلى أقاليم في هذه المرحلة.

 

 طلب إعادة النظر بقانون الأحزاب السياسية لعام 2007 وقانون الاجتماعات العامة وقانون المطبوعات وغيرها من القوانين التي تتعلق بالحريات العامة الدستورية والقيود التشريعية التي تفرض عليها.

 

  ضرورة وضع قانون عصري للانتخابات النيابية يؤدي بالمحصلة إلى تعزيز دور الرقابة الشعبية الحقيقية.

 

التأكيد على ضرورة استحداث محكمة دستورية عليا كضمانة لفرض الرقابة القضائية على دستورية القوانين ومدى مطابقة نصوصها لأحكام الدستور صيانة لحقوق المواطنين.

 

دولة رئيس الوزراء المهندس نادر الذهبي المحترم

 

الموضوع: الإصلاح السياسي

 

تحية عربية مخلصة...

 

استجابة للتصريحات الرسمية التي صدرت عن دولتكم وخاصة ما ورد حول التوجهات في مرحلة التعديل الوزاري الأخير فقد وجدت القيادة العليا لحزب البعث العربي الاشتراكي الأردني من منطلق ايجابي أن تعرض لدولتكم جانباً أساسيا من المناخ الضروري لأي إصلاح سياسي وذلك عبر البريد الالكتروني تبعه اتصال هاتفي مع مدير مكتب دولتكم بطلب تحديد وقت مناسب – لأننا نعلم أن وقتكم ثمين وعلى قدر كبير من الأهمية – وذلك للالتقاء معكم وشرح وجهة نظر الحزب في الموضوع المطروح والذي شكل في الماضي ولا يزال يشكل منذ أربعينيات القرن الماضي إن لم يكن منذ نشأة الدولة الأردنية والى يومنا هذا أهم تطلعات شعبنا للنهوض والتطور والتقدم على جميع المستويات.

 

   ولم يطل انتظار حزبنا حيث قام الزميل معالي وزير التنمية السياسية مشكوراً بتحديد موعد لالتقائنا معه ولتوضيح ما نسعى إليه وأننا نرى في تحديد اللقاء على هذه الصورة ما يلقي الضوء على محاولات التعامل باهتمام مع قضايا وهموم المواطن؛ حيث أن ما شجعنا على سعينا هذا هو ما لمسناه من ألتماسْ والتعرض الجاد والسليم لبعض القضايا خلال الفترة المنصرمة منذ تأليف حكومتكم بتشكيلها السابق؛ والأحاديث الأخيرة بصوت عالٍ عن الإصلاح السياسي بعد أن جرى إسناد وزارة التنمية إلى شخصية حزبية نقدرها.

 

   لقد اشرف الأردن الآن ومنذ تأسيسه كدولة على ما يقرب من قرن من الزمن وكانت له عبر تلك المراحل تجارب حزبية عديدة لا تخفى عليكم حيث منذ عشرينات القرن الماضي قامت تجارب حزبية مختلفة أصابت حيناً وأخفقت أحيانا أخرى إلى أن تمت وحدة الضفتين دستورياً في الخمسينات وبدأت الحياة السياسية تتبلور باتجاه تحرير الإرادة الوطنية من التحكم الأجنبي فتصاعدت وتيرة العمل الجماهيري والحزبي العقائدي الذي أثمر فيما بعد إسقاط مخططات وحكومة ضم الأردن إلى حلف بغداد آنذاك وتعريب الجيش وإلغاء المعاهدة البريطانية فكان ذلك صفحة ناصعة في تاريخ القطر الأردني استتبعت تطوراً رسمياً لحياة دستورية فعلية ونهوضاً رسمياً بالحياة الحزبية.

 

  وبكل أسف فإن تلك المرحلة من حياة البلاد لم تمتد طويلاً وتم إحباطها بدلاً من تشجيعها أو تقويمها لأسباب وعوامل لا مجال لذكرها هنا فيما نحن نتطلع إلى المستقبل وليس الارتهان للماضي وعقده وما شابه من الظلم والتجني نتيجة فرض الأحكام العرفية على مدى ثلاثة عقود كابد فيها شعبنا الكثير في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مما افرز ظواهر كبيرة من الفساد والنهب وسوء الإدارة في غياب مؤسسات الرقابة الدستورية التي باتت مجرد هياكل وديكورات أمام الإعلام الخارجي وواجهات خالية من المحتوى الفعلي للواجبات الدستورية... فتضخمت مديونية الدولة وتعمق الفقر والغلاء وازدادت البطالة وتصاعدت الأسعار بأشكال خيالية وما زالت المعاناة مستمرة بوتائر عالية.

 

  والى جانب ذلك بات التملق والنفاق وتوريث المواقع وتوزيع الغنائم والمشاريع على الأقرباء والأبناء والمحاسيب والانسباء ظواهر ملازمة ولا تزال كثير منها – وللأسف – قائمة وتتحكم في الكثير من مفاصل الحياة العامة؛

ونتيجة اشتداد الأزمات حصلت خلال تل الفترة انتفاضة شعبية عام 1989 (هبة نيسان) ... إلا أن قدرات المرحوم الملك حسين ورصيده الشعبي آنذاك وخاصة من خلال مواقفه من حرب الخليج مكنته من احتواء تلك الأزمة وتلافي أخطار كانت محدقة.

 

  قبل تلك المراحل حاولت الجهات الرسمية الالتفاف على المطالب الجماهيرية في الإصلاح السياسي وتجاوز الأحزاب فابتكرت اطر وهياكل ثبت فشلها والتخلي عنها من مثل الاتحاد الوطني والاتحاد العربي الهاشمي؛ الأمر الذي دعا إلى محاولة استقطاب أخرى لوضع الميثاق الوطني الذي جرى الحشد والتطبيل له وقد كلف ذلك جهداً ضخماَ ونفقات كبيرة، لكنه كغيره من التجارب لم يجد طريقه إلى النور والتفعيل وما تزال نصوصه وملفاته ملقاة في زوايا وغبار الإهمال.

دولة الرئيس الكريم...

 

  كان لا بد بعد أزمة نيسان عام 1989 من العودة إلى الحياة السياسية وكانت البدايات ناجحة حيث جرى قدر معقول من الانفتاح وارتفع سقف الحريات ورفع الحظر عن الأحزاب السياسية وتمت انتخابات نيابية بقدر مقبول من الحرية، لكن عوامل الجذب إلى الوراء ومراكز الانتفاع التقليدية كانت تتحرك دائماً بالمرصاد لأي تطور وأخذت في الالتفاف على تلك المكتسبات فابتكرت (قانون الصوت الواحد سيء السمعة) لأسباب وأهداف لا تخفى على احد.

 

  وبرغم إلغاء مرحلة وقوانين الأحكام العرفية والدفاع فقد استبدلت فيما بعد وبكل أسف بقوانين استهدفت العودة إلى تخفيض سقف الحريات العامة على كل صعيد لإفراغ التجربة تدريجيا من محتواها فكان قانون الاجتماعات العامة وقوانين المطبوعات وقانون الأحزاب الأخير لعام 2007 وغير ذلك  الكثير من التشريعات التي تكاد تأتي على حقوق المواطن الأردني وحرياته وفق ما كفلتها المادتين 15 و 16 من الدستور إعمالا للعجز في نصوص فقرات تلك المادة:

 

[ بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون.........

..... ضمن حدود القانون...... وفق أحكام القانون.... ]

 

وتحت تلك القيود فقد جرى بالاستلاب لنصوص الدستور وتقييد كافة حقوق الإنسان الأردني وإفراغ تلك الحقوق الدستورية من محتواها وحتى أكثر من ذلك التجاوز على نصوص العهود والمواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي يلتزم بها الأردن دولياً.

 

  وبناء على توجهات ورغبات رسمية وشعبية جرى عقد العديد من (ورش العمل) التي شاركت بها كافة الأحزاب السياسية والعديد من الشخصيات والهيئات ومؤسسات المجتمع المدني في محاولات للخروج من تلك الدوائر التي كانت تضيق حلقاتها شيئاً فشيئاً ولكن دون جدوى أو تفعيل لما كانت تخرج منها تلك اللقاءات بتوصيات....!! حتى باتت مقولات المرحوم سعد زغلول [ ما فيش فايده... ] خير معبر عما آلت إليه المطالب الشعبية في الإصلاح.

 

دولة الرئيس...

انتم واحد من أبناء هذا البلد الذين يتابعون ويطلعون ولست بعيداً عن همومه وقضاياه حتى مع كونكم تخرجتم كمهندس من مؤسسته العسكرية...

 

وبالتأكيد فإنك على معرفة تامة بإشكالات ومسلسلات القوانين المؤقتة والنصوص العديدة غير القانونية التي كانت أدخلت أو حصلت خطأ أو صواباً بحسن نية أو بسوئها في بعض التشريعات وكانت تنعكس بالنتيجة سلباً على حقوق المواطنين ومصالح الوطن...

 

ورغم أن مطلباً شعبياً لاستحداث محكمة دستورية عليا كان ولا يزال قائماً وقد تجاوب معه المرحوم الملك حسين حيث دعا بصوت مرتفع في خطابات التكليف وفي تصريحات وبمناسبات عديدة لاستحداث تلك المحكمة للرقابة على سلامة القوانين والنصوص حفاظاً على مصالح وصيانة حقوق المواطنين إلا أن الحكومات آنذاك لم تعدم الوسائل للالتفاف على ذلك الشعار المطلب وإحباطه بطريقة أو بأخرى؛

 

· وهكذا ونتيجة للمعوقات المفتعلة لغايات يدركها الجميع يبقى الأردن بعد قرابة قرن من الزمن على تأسيس الدولة مفتقد لمؤسسة قضائية أساسية وبدون محكمة دستورية عليا خلافاً لما نهجته شعوب ودول العالم المتمدين وكشاهد على ذلك وجدنا مؤخراً دولة افريقية تدور أحداثها الساخنة اليوم وهي جزيرة مدغشقر التي كان للمحكمة الدستورية العليا فيها خلال الأيام الماضية دور فاعل مهم فيها، ولا نتجاوز كثيراً عن دور القضاة والمحامين في أحداث باكستان الأخيرة... إلى غير ذلك من تجارب مصر ولبنان والمغرب وغيرها... لنخلص من ذلك أن الإصلاح أي إصلاح، سياسي أو قضائي أو اقتصادي لا يتم بالأقوال والتصريحات وإنما يقتضي له النوايا الصالحة والحقيقية التي تتجاوب مع تطلعات جماهير الشعب والوطن والاهتمام بسيادة القانون.

 

  نحن في حزبنا يا دولة الرئيس لا نشك في نواياكم وتوجهاتكم نحو الإصلاح السياسي، لكن ذلك بتقديرنا لا يكفي فيه الدعاء والاستحسان وفي موروثنا القول الشريف [ اجعل مع دعائك شيئاً من القطران ] فأنتم بالتأكيد قد لمستم من خلال تجربة حكومتكم القصيرة حتى الآن المديات التي بلغها ويبلغها السوء والتضليل المستحكم في العديد من مفاصل الحياة العامة والتي لا يصلحها مجرد وضع تشريع أو استحداث وزارة أو مؤسسة مهما كانت مسمياتها: ديوان المظالم... التنمية السياسية... مكافحة الفساد... الإصلاح السياسي وإنما الذي يصلحها الفعل الجاد والحاسم لمقاومة التخندق وراء المصالح وتوزيع وتوريث المنافع والمشاريع والمواقع والمكاسب التي لا يتورع أقطابها عن ممارستها فعلاً أو المجاهرة أو التصريح بها تحت قبة البرلمان أو عبر أجهزة الإعلام وفي المجتمعات.

 

إلا أننا ونحن نبحث في الإصلاح السياسي والحراك الماثل على الساحة الأردنية لا يمكننا التجاوز أو غض النظر عن مواضيع هامة وساخنة متصلة بالموضوع ومنها:

 

أ‌.   تأكيد رفضنا المطلق لأي طروحات مهما كان مصدرها قد تدخل في نطاق مزاعم ومفاهيم وتصريحات تشير أو تؤدي إلى الاستنتاج بوجود غايات أو مقولات عن مؤامرة خطيرة موجهة إلى الأردن (مؤامرة الوطن البديل) التي هي في منتهى الخطورة على كيان الدولة الأردنية وعلى القضية الفلسطينية في آن واحد.

 

وان رفضنا هذا يوجب على جميع القوى والمنظمات والأحزاب توحيد صفوفها وتصعيد نضالها على مختلف المستويات لإحباط تلك المخططات المشبوهة والتي أشارت وتشير إليها التصريحات مما يصدر هنا وهناك على السنة جبهة أعداء الأمة من الصهاينة والمتصهينيين ومسانديهم.

 

ب‌.    مشروع الأقاليم:

 

إن هذا المشروع الذي بات يأخذ حيزاً واسعاً من اهتمام الفئات المثقفة والواعية على مختلف الجوانب السياسية والوطنية وهذا أمر ايجابي من حيث المبدأ لو كانت المنطلقات ذاتية وبعيدة عن مجمل الأوضاع والسياسات الدولية ومنزهة عن المخططات والأفكار التي تحاك وتدبر هنا وهناك في الدهاليز والمعابر التي تسلطت أو تحاول التسلط والهيمنة إن بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة لإعادة ترسيم الخرائط ومفاصل ومفاتيح التحكم في تحريك الأدوات وتنفيذ السياسات، ذلك أن الأردن بحكم موقعه الجغرافي والسياسي كدولة يشكل باستمرار مرتكزاً أساسيا أو معبراً تحويلياً أو تنفيذياً لمعظم ما يساق من تداولات في المنطقة ككل أينما تحركت مؤشرات بوصلة السياسات التي تتنازع النفوذ والمصالح؛

 

لكننا مع كل هذا وبرغم كل التجارب التي عانتها بلادنا الأردنية أرضا وشعباً عبر العقود الماضية فإننا لا ننطلق في التعامل مع مسألة مشروع الأقاليم المطروحة للبحث من منطلقات لسوء النية المجردة ولا يُقصد هنا التشكيك بحكومة معينة وإنما نتعامل مع تلك المسألة بموضوعية محورها في الواقع المصالح الوطنية في المنظورين القريب والبعيد.

 

من هنا ولان مشروع الأقاليم يأخذ قدراً كبيراً من أولوية اهتمام الحكومة  في ظاهر الطرح على انه يستهدف مواكبة الاتجاهات الحديثة في اللامركزية الإدارية أو اللامركزية الإقليمية التي تعني أن ثمة مصالح محلية ينبغي ترك مباشرتها والإشراف عليها لمن يهمهم الأمر حتى تتفرغ الحكومة المركزية لمصالح أخرى ذات طابع عام تهم الدولة كلها...

 

 نقول أننا وان كنا مع اللامركزية من حيث المبدأ إلا إننا نرى أن طرح مشروع الأقاليم في هذه المرحلة بالذات يثير الكثير من التساؤلات والشكوك ونحن هنا وغيرنا ممن تناولوا هذا الموضوع بالبحث لنا عذرنا في التصدي لمحاولة إحباط أو إرجاء هكذا مشاريع لأسباب عامة متصلة بطبيعة احتمالات المرحلة وما سبقها وما يرافقها ويتصل بها من مشاريع ومخططات وأفكار لم تهدأ بعد أصداؤها في الساحات العربية والإقليمية رغم انصراف عهد إدارة بوش وطاقمه من أمثال كونداليزرايس وغيرها من أصحاب الأحلام الإمبراطورية المنقرضة في إعادة رسم خارطة المنطقة العربية؛

 

لا بد من الإشارة أيضا ان خبراء أردنيين مختصين في شؤون التخطيط قد تناولوا بالدراسة والتحليل الكثير من التفاصيل والجوانب الفنية ذات الأهمية بخصوص مدى التوافق والارتباط بين مشروع الأقاليم العتيد ومشاريع أخرى دولية وإقليمية مشبوهة وذات علاقة بتطلعات وأفكار عدوانية تصفوية متصلة بالمسارات والمخططات السياسية والاقتصادية والديموغرافية المبيتة إن على صعيد التقسيم والضم والتوطين أو على صعيد الربط والهيمنة؛ ويضيف الخبراء الاكفياء تفاصيل هامه عن دراسات كانت أجرتها فيما مضى لجان وطنية أردنية مختصة تكلفت كثيراً من الجهد والمال لكنها في آخر المطاف بقيت كغيرها من الدراسات والمشاريع الهامة وبضمنها الميثاق الوطني والمحكمة الدستورية العليا حبيسة الملفات التي يعلوها غبار الزمن... وهذا نحن...؟!

 

وإذا ما انتقلنا من الجوانب الفنية إلى الجوانب الوطنية والعامة فإننا ونحن نعارض المشروع من منطلق المخاطر المتوقعة على الشأن الوطني والقومي نرى فيه ما يلي:

 

1.  أن الأردن وبصرف النظر عن حجمه السياسي وأهميته الوطنية هو بلد صغير غير متباعد الأركان ربما لا يتجاوز عدد مواطنيه سكان احد أحياء مدينة كبيرة عربية أو عالمية وهؤلاء المواطنون متجانسون متآلفون كأسرة واحدة دون تناقض يذكر ويكاد كل واحد منهم يعرف الأخر حسباً ونسباً، وبالتالي فإن ضرورات اللامركزية الإدارية أو الإقليمية المعروفة في القوانين الإدارية والدستورية قد لا تجد لها ضرورة عندنا.

 

2.  إننا ورغم مرور ما يقرب من قرن على نشوء الدولة الأردنية لم يكتب لنا حتى الآن أن نستقر على الأخذ بنظام انتخابي ديمقراطي يؤدي إلى بناء المؤسسات الدستورية العليا مثل مجلس الأمة أو المجالس البلدية تمثل الإدارة الشعبية وما زالت الحكومات تتعثر أو هي في الواقع تتقصد وضع العراقيل أمام هدف الخروج بمؤسسات حقيقية تمثل الإدارة الشعبية حيث الهدف يبقى دائماً تفصيل المجالس على قدر المقاس المرغوب وبالتالي تقتصر ممارسات المؤسسات القائمة على غايات خدمية تتشابك فيها الاجتهادات وتشكل القضايا التمثيلية والسياسية العامة ربما العنصر الأدنى.

 

3.  وكمحصلة لما سبق فإن رؤيتنا هي أن اعتماد مشروع الأقاليم بالمفهوم المطروح كتجربة لن يكون إلا انعكاساً لصورة المؤسسات المركزية انتخاباً وممارسة وتضخيماً للأجهزة الإدارية والإنفاق غير المنتج إلى جانب احتمالات سوء التطبيق المتوقع في تخريج المزيد من عناصر الإسراف والفساد والتناحر والركون إلى البيروقراطية والإهمال الإداري وفي أحسن الافتراضات اعتماد ترجيح المصالح المحلية الوطنية وسيطرة العناصر الأقل خبرة والأكثر انتهازاً، يضاف إلى ذلك احتمالات نمو العصبيات والنزعات الإقليمية والعشائرية وتفتيت بنية النسيج الاجتماعي على محدوديتها حيث تجد لها تربة خصبة في ظل ما هو ملموس باستمرار من الرعاية والتشجيع والتأليب على أيدي العناصر والجهات صاحبة المصالح في الحيلولة دون التطور الوطني وتجاوز دائرة المراوحة [ مكانك سر.. ] التي تسود منذ زمن تأسيس الدولة إلى يومنا هذا إلى جانب ممارساتها بأساليب الصيد في المياه العكرة مما يضيف أعباء ومخاوف أخرى على عناصر الوحدة الوطنية.

 

4.  إن المادة الأولى من الدستور الأردني لعام 1952 تنص على وحدة الدولة ووحدة الشعب الأردني وانه جزء من الأمة العربية، فيما تنص المادة 120 منه على أن التقسيمات الإدارية وتشكيلاتها ومناهج إدارتها تعين بأنظمة يصدرها مجلس الوزراء وان مشروع الأقاليم يتعارض مع تلك النصوص مثلما يتعارض مع قوانين خاصة بالبلديات والمجالس المحلية اللصيقة بوحدة الدولة منذ بدايات تكوينها الأمر الذي قد يورث إرباكات ومشاكل نحن في غنى عنها.  

 

ويصح القول أن الدول ككيانات تتطور عادة من الفيدرالية أو اللامركزية باتجاه الوحدة الكاملة وتعزيز السلطة المركزية وليس العكس خاصة إذا لم يكن نسيجها الشعبي يعاني التمايز الفعلي في بعض مكوناته التي قد تترتب عليها مشكلات اجتماعية أو إدارية أو سياسية هامة ونحن في الأردن كنا ولا زلنا نعيش في مختلف العقود الماضية بمنأى عن أي تشنجات أو احتداداتٍ هامة وفي وحدة وطنية بلغت مستوى العنوان الكبير ومفهوم الأسرة الواحدة (من شتى الأصول والمنابت) لذلك فإن مشروع الأقاليم يشكل نقضاً لمجموعة القيم والمفاهيم التي قامت عليها شعارات ما فتئت تتردد وبالتالي فلا يكون سليماً التوجه إلى الارتداد على الأعقاب والدخول في تجربة أو تجارب جديدة لا داعي لها إلا إذا كان هناك منظور آخر كذلك الذي يقول به بعض الخبراء من أبناء هذا الوطن الذين اجمعوا على خطورة مشروع الأقاليم المطروح اليوم بصورة غير ناضجة.

 

دولة الرئيس...

 

  في المذكرة المرسلة منا إلى دولتكم حول الإصلاح السياسي عبر البريد الالكتروني حددنا رؤانا في هذا الموضوع ولا نجد بأساً من أن نعيد هنا أن الإصلاح المنشود يقتضي:

 

أولاً:    وابتداءً الإيمان صدقاً وفعلاً بضرورة الأحزاب السياسية كمؤسسات وطنية يجب أن تعطى دورها الكامل في رسم سياسة الدولة وصنع القرار.

 

ثانياً:    ان أي اصلاح سياسي يقتضي بالضرورة إعادة النظر في قانون الأحزاب السياسية لعام 2007 وذلك بإلغاء المحظورات والقيود على انتساب القطاعات الطلابية والشبابية منذ مراحل تكوينهم الأولى  وإلغاء مجموعة نصوص الزجر والتقييد والعقاب والتهديد التي لا تنم إلا عن رواسب الماضي في التوجه الرسمي نحو تجريم الحزبية والأحزاب وأساليب الماضي في تحريم الحزبية والأحزاب وأساليب مطاردتها ومحاربة منتسبيها في أرزاقهم وفي أسباب عملهم وتحركاتهم الأمر الذي يتنافى مع ما يقال عن الانفتاح والإصلاح وفي ذلك لا بد من الكف عن التدخل بشؤون النقابات وإطلاق الدعوات المغرضة لتقييدها أو اقتصار نشاطاتها بالمهنة فقط.

 

ثالثاً:    ولقد ساهمنا كحزب لأكثر من مرة في تقديم دراسة علمية مستفيضة حول ضرورة وضع قانون عصري للانتخاب لمجلس النواب يستبعد قانون "الصوت الواحد سيء الذكر" ويعتمد أسلوب المساواة في المواطنة والانتخاب النسبي أو المختلط على الأسس الحزبية والبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية لان مثل هذا القانون المطلوب يقطع الطريق على أسلوب الكوتات المعمول بها حالياً إن من حيث الجنس أو الطائفية أو الإقليمية أو الاثنية كما يفرض ويؤدي مثل هذا القانون الانتساب إلى الأحزاب امرأ ضرورياً للمشاركة في الحياة العامة ومأسسة الديمقراطية ويدفع باتجاه الإصلاح السياسي أسوة بما يدور حولنا في كيانات مجاورة ونستطيع أن نقول بأن أي شعارات او تكوينات مهما أضفي عليها من الإمكانات المالية والإعلامية لا يمكن لها أن تكون بديلاً للأحزاب والإصلاح السياسي المتعارف عليها إقليميا ودولياً؛ وليس لمثل تلك الأطر المصطنعة أو الانتهازية في تقديرنا مهما أغدق عليها من إمكانات أن تؤدي إلى خلق واستقطاب قيادات جماهيرية فاعلة في الحياة العامة ومستقبل البلاد.

 

رابعاً:   إعادة النظر في القوانين التي تقيد أو تمس الحريات العامة الدستورية ومن ذلك قانون الاجتماعات العامة وقانون المطبوعات وما يماثلها واعتبار رفع سقف الحريات خطاً احمر لا يصح التجاوز عليه.

 

خامساً: ضرورة استحداث محكمة دستورية عليا تراقب سلامة القوانين والنصوص ومدى مطابقتها للدستور.

 

سادساً: وضع الأمور في نصابها الصحيح عن طريق فك ارتباط شؤون الأحزاب السياسية مع وزارة الداخلية لجعل تلك الشؤون من مهام وزارة التنمية السياسية ذلك أن مهام وزارة الداخلية في معظمها هي مهام أمنية تتنافى مع حق الأردنيين في تأليف الأحزاب وحرية التعبير وجعل القضاء المرجعية الأولى للفصل في أي إشكالات تتعلق بشؤون الأحزاب.

 

سابعاً: الانتقال في أسلوب تشكيل الحكومات من الأطر المزاجية والتقليدية التي تسير عليها الحال إلى الآن أسلوب التشاور مع الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني لكي تأخذ دورها الفعلي في المشاركة واتخاذ القرارات المتعلقة بكيان الدولة ومسيرة تطورها وفق أحكام الدستور.

 

ثامناً:   وتأسيساً على ما سبق فإننا نطالب بإرجاء النظر في وضع قانون الأقاليم في الوقت الحاضر نظراً لما يؤخذ عليه مرحلياً وزمنياً من مآخذ تحتاج إلى مزيد من الدراسة والتمحيص ونرى في حزبنا أن من الخير أن يجري عقد مؤتمر وطني لبحثه بصورة أوفى نظراً لتعلقه بإعادة هيكلة الدولة والمجتمع وما يترتب عليه من آثار على مستقبل وكينونة البلاد.

 

وفي ضوء التطورات الأخيرة وما جرى ويجري على ارض غزه العربية وفي مجمل أرضنا العربية الفلسطينية وممارسات القمع الأخيرة تجاه هبة أهلنا في الأردن انتصاراً ومشاركة للأهل هناك فيما يتعرضون له من أهوال التقتيل والإبادة والتدمير، فلا بد لنا هنا من الإشارة إلى أن ما جرى من اتفاقيات وبرتوكولات بين الأردن وما يسمى اتفاقيات وادي عربه مع الكيان الصهيوني يجب أن لا يشكل قيداً أو قهراً أو عبئاً على سيادة الدولة الأردنية رغم أننا ندرك خطورة الوضع بمواجهة عدو مدعوم دولياً وعلى كل صعيد بإمكانات تلك القوى الكبرى الظالمة، لكنكم تشاركوننا الاستخلاص بأنه قد ثبت من خلال الحروب والأحداث الأخيرة على بعض الساحات العربية والإقليمية أن إرادة الشعب مهما كان حجمه وإمكاناته البشرية والمادية متواضعة فإنه يبقى الأقوى في المواجهة من كافة أسلحة الدمار ونوازع البغي والشر.

 

إننا يا دولة الرئيس لا نود في هذا المقام أن نستطرد كثيراً فقد نثقل على دولتكم أن نحن تطرقنا بالبحث إلى القضايا الاقتصادية بالإضافة إلى قضايا أخرى هامة وملحة لكننا نضعها هنا على شكل عناوين مجرده كمحاور لبحث مستقبلي آخر أكثر تفصيلاً وهي:

 

  المشكلة الزراعية وتأمين المزارعين وتوفير الحماية لهم ومنع الوساطة التسويقية للمنتجات الزراعية.

  مشكلات المياه سواء في تقاسمها مع الكيان الصهيوني وما ترتب على ذلك من آثار خطيرة.

  مشروع قناة الديسي والأبعاد الخطرة المترتبة على محاولات وممارسات الاعتداء على مياه حوض الديسي بمجموعه سواء إقليميا أو من قبل بعض الشركات.

  مشروع قناة البحرين والآثار البيئية والاستيطانية ودور الكيان الصهيوني في التحكم به مستقبلاً أخذاً بعين الاعتبار التجارب التي حصلت في السنين الماضية والتي كان آخرها التلوث الأخير الذي آثار قلق كافة المواطنين بخصوص مياه اليرموك وطبريا....

التعامل مع مياه الأمطار السطحية وتجنيد كافة الإمكانات لاستغلالها في حصاد مائي يوفر الكثير الكثير من حاجات البلاد.

  خصخصة الشركات والمشاريع وتقييم ما ترتب عليها من آثار وخسائر.

الرقابة على البنوك والاقتراض ومحاولة احتواء آثار الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها على الأردن وفي ضوء التطورات والسياسات الحمائية على الصعيد الدولي والرقابة على معاملات البورصة وقضايا التحايل المالية على المواطنين عبر بعض الفراغات في التشريعات والقوانين.

التصدي لمعالجة قضايا الفقر والبطالة والرقابة على الأسعار والسياسات الضريبية.

ونرجو بذلك يا دولة الرئيس أن نسهم بايجابية في إبراز بعض المشكلات الهامة للتأشير على ما نجده في مصالح شعبنا ووطننا.

 

وتفضلوا بقبول وافر الاحترام

 

القيادة العليا
٢٢ / أذار / ٢٠٠٩ م

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين / ٢٦ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٣ / أذار / ٢٠٠٩ م