عمرو موسى في بغداد : تجميل القبح وترويج الوهم

 

 

شبكة المنصور

عبد الكريم بن حميدة
في زيارته الأخيرة إلى العراق بدا السيد عمرو موسى سعيدا.. سعيدا في تصريحاته.. وأسعد بتعبيرات وجهه وعرض ابتسامته. أما لماذا، فهو أدرى بالجواب. لقد كان موسى سعيدا بكل ما رآه في العراق.. وحتى يؤكد صدقه ويخرج عن باب المجاملات فقد استغرقت زيارته إلى العراق أربعة أيام كاملة.. وهو ما لم يحدث في أية زيارة له إلى أيّ قطر عربي. كما أنه حرص على أن يزور بغداد والنجف وكردستان.. وحتى يثبت حسن نواياه فإنه التقى بأغلب أولئك الذين يعتبرهم قادة "العراق الجديد"..


قائمة الذين أُعلن عن لقائهم به طويلة شملت  "الرئيس ونائبيه ورئيس الوزراء ونائبيه ووزراء الخارجية والدفاع والداخلية ووزير الدولة للشؤون الخارجية".. وكذلك الجعفري رئيس تيار الإصلاح ووفدا من التيار الصدري والحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، ليختتم زيارته بالنجف ولقائه بالمرجع علي السيستاني.
أما التوقيت الذي اختاره عمرو موسى لزيارته فهو الذكرى السادسة للغزو الأمريكي للعراق...


عجيب أمر موسى.. لا.. لا عجب..
لقد ضاق جدول السيد موسى فلم يجد غير هذا التاريخ لمصافحة أعوان الاحتلال وتوزيع ابتساماته حيثما حلّ.. فهل ذهب مهنّئا بنجاح الغزو؟ أم محتفلا مع أذناب الاحتلال بنجاح تجربتهم الديمقراطية التي حصدوا فيها أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء؟


تصريحات عمرو موسى التي كان يطلقها حيثما حل لا تترك مجالا للشك أنه تجاوز حتى الحدود التي رسمها له أولئك الذين أرسلوه إلى العراق وكلفوه بملف المتابعة..   


قال السيد موسى: "العراق الجديد يشهد تقدما.. و الأمن قد بزغ..". وقال أيضا: "إن مستقبل العراق سيكون زاهرا، وأنا سعيد برؤية التقدم والاستقرار في العراق وتكاتف أبنائه ونبذهم للطائفية، ونتطلع إلى دور كبير للعراق في الساحة العربية". وفي كل تصريحاته حرص السيد موسى على أن يعبر عن إعجابه بالتطورات الحاصلة في العراق وبنجاح الحكومة العراقية في بسط الأمن وإلغاء الطائفية وبناء القوات المسلحة القادرة على تحمل المسؤولية.. ومن الطبيعي أن يهنئ  العراقيين وخاصة نوري المالكي بنتائج الانتخابات وبإجرائها في ظل أجواء حرة وآمنة ...


هل كان المالكي ومن في ركاب المحتل يستحق كل هذه الإشادة والثناء؟
من العسير أن نعتبر تصريحات السيد موسى مجرد مجاملات دبلوماسية تقتضيها طبيعة الزيارة.. فلقد كان موسى حريصا على الكلام بقدر حرصه على ترديد أقوال المحتل وأعوانه.. بل كان أكثر حرصا على تشويه الحقيقة وشرعنة البشاعة وإضفاء طابع عربي رسمي عليها لا يخلو من فظاظة.


إن زيارة موسى إلى العراق كانت زيارة لتجميل القبح وإيهام الآخرين بأنه نموذج للجمال.. كان السيد عمرو موسى في إقامته الطويلة ببغداد أشبه ما يكون بحلاق يشرف على تزيين حريف قبيح وسخيّ.. ولهذا فقد سعى بما يمتلكه من تقنيات الخطابة ورونق القول إلى تقديم هذا الحريف بالصورة التي توهم الآخرين أنه جميل حقا.. لقد كان السيد موسى يبيع وهما أشبه ما يكون بمن يُشهر حذاء يبيعه لامرأة، ويبيعها إلى جانب الحذاء أملا في قدمين جميلتين.


عمرو موسى مرتاح أيضا لأن العراق سيترأس القمة العربية القادمة عام 2010. وبما أن القمة تُعقد في أواخر شهر مارس فمعنى هذا أن الاحتفال القادم بالذكرى السابعة للغزو الأمريكي سيكون احتفالا عربيا خالصا.. وستقدَّم فيه شهادات الاستحسان وحسن السلوك لأولئك الذين خرّبوا العراق وقطّعوا أوصاله واستباحوا حرماته ونهبوا ثرواته..


لقد كانت زيارة موسى إلى العراق الزيارة الخطأ في الزمن الخطأ.. ولكنها في كل الأحوال لن تتمكن من إضفاء شرعية على الحكومة القائمة في بغداد، مثلما أنها لن تنجح في بيعنا أوهاما بخصوص عراق ما بعد 2003 لأن المواطن العراقي أولا والعربي ثانيا لا يعترف بغير المقاومة ممثلا شرعيا وحيدا له وقادرا على تلبية تطلعاته إلى الحرية والديمقراطية والرخاء.

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت / ٠١ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٨ / أذار / ٢٠٠٩ م