( دولة قرص القانون )

 

 

شبكة المنصور

طلال الصالحي
كانت لدينا  في البيت , ولا زلت أتذكّرها لحدّ الآن رغم مرور السنين الطويلة على أيّام الصبا تلك ,  مصيدة ذباب كنّا نضعها في وسط  "الهول"  حيث اعتدنا  إشغاله , وتلك المصيدة  كانت تعتبر وقتها  في أواسط ستينيّات القرن الماضي الميلادي  آخر صيحة  أو آخر ابتكار للصناعات  المتطوّرة لمكافحة  تلك الحشرة  المضرّة , وكانت فكرتها تقوم على  قرص دائري بمقاس  5 سنتمتر  لنصف قطرها  تقريباً  وسمكها مع المساحة الفعّالة للقنص لا تزيد على السنتمتر الواحد , وكان القرص  جميعه ذا لون أحمر  ـ  الوعاء + السطح الفعّال  ـ  والسطح الفعّال يشابه فكرته  فكرة  "الصطمبة"  التي تستخدم  لبصم الإبهام , ولكن الفارق أنها  في هذه الحالة  تعبّأ  بدل الحبر  بالسمّ  الخاص لقتل الذباب ,  كنّا نضع ذلك القرص وسط  "الهول"  الذي عادة ما كنّا  تتجمّع فيه العائلة واستقبال الأقارب , وما أن يوضع  القرص  وسط الغرفة , وخاصّة ظهراً أو عصراً  على الأخصّ , حتّى نرى الذباب وقد بدأ يتساقط   بعد هنيهة  من  تزاحمه على  سطح القرص , وسبب الإقبال  المكثّف للذباب على سطح القرص , لربّما ليس بسبب لونه الأحمر , إنمّا للطعام الشهي للمادّة السمّيّة التي على سطح القرص ! واختيار اللون الأحمر ربّما جاء لمساعدة الأطفال على تمييز القرص والانتباه  لمخلّفاته المتراكمة على سطحه أو جوانبه القريبة منه  عن باقي  قطع إكسسوارات الغرفة وأوانيها  المشابهة  أشكالها في بعض  الوظائف المغايرة لذلك القرص رغم أن  اللون الأحمر  عنصر جذب للأطفال ! و ربّما ذلك  كان السبب الرئيسي  الذي منع  الجهات المعنيّة من الاستمرار في إنتاجه فيما بعد ,  خاصّة وأن القرص  يحتوي  على مادّة عسليّة المذاق  تخلط مع المادّة السمّيّة المعدّة لقتل الذباب ! ...


كلّما  سمعت  أو قرأت  أو شاهدت عنوان  إخباري  يدعو إلى  "المصالحة الوطنيّة" التي تدعو لها  "دولة القانون" صباح  مساء فتأجّجها  هذه  "الدولة" أو تخفض درجة بريقها من على وسائل الإعلام المهيمنة حسب درجة سخونة  الخطابات التي كان  يلقيها ألمُقندر بوش المهزوم  أو سلفه  من بعده  أوباما ؛ تقفز إلى ذاكرتي وعلى الفور ومن بين أطلال من الذكريات ,  تلك  الذكريات المثيرة  عن أيّام ذلك القرص  الذي  كان يصطاد الذباب بكثرة وكيف كنّا نفترش  البلاط  نستمتع بدهشة كبيرة حين نشاهد  الذباب وهو يقلع كالملسوع من فوق سطح ذلك القرص  ويطير كالمسعور بعدها ثم  يتخبّط بجدران الغرفة وبآثاثها  يرتطم بهذا الشبّاك  وبتلك الستارة قبل أن يسقط صريعاً على  البلاط أو على  أسرّة الجلوس ويرفس بأقدامه وبجناحيه متكوّراً على نفسه يلفظ أنفاسه الأخيرة  قبل  موته المحتوم , وتنشط  ذاكرتي أكثر بما  كنّا  نسمعه بأسى مخلوط برعب عن اصطياده  في بعض الأحيان أيّامها بعض الأطفال  الذين لا يمتلكون بحسب طبيعتهم الغضّة  الخبرات الكافيّة  القادرة على تمييز العسل من السمّ ! ..

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة / ٠٧ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٣ / نـيســان / ٢٠٠٩ م