نافذة / تداخلات في المفاهيم والقيم

٥- التحضر و التخلف .. بين الحقيقة و التضليل

﴿ الجزء الثاني ﴾

 

شبكة المنصور

سمير الجزراوي

وبهذه الشمولية في تعريف الحضارة يمكن ان يتفق معنا الغربي و الشرقي ونكون قد حققنا الخطوة الاولى من الجزء الاساسي الاول من موضوعنا,واما الخطوة الثانية فهو ان نتعرف على النوعين الاثنين من الحضارات وهي:

 

1-الحضارات الاصيلة:

 

 وهي الحضارات التي تقوم بجهود وافعال بشرية ومهتدية بقيم روحية تنشء باهتداء روحي والاهتداء الروحي هونتيجة للتطور الفكري للانسان وقدرته في التأمل بالكون وقضية الخلق والعقليات الجبارة التي تمتلك هذه القدرات في التأمل والاجتهاد في دراسة ما حولها من الظواهر ومصدر الخلق.ان هذه العقول تظهر في المناطق التي تتمتع بازدهار الزراعةو المدنية في مراحل قبل التاريخ, ولذلك نشاءت الحضارات في البلاد التي تمتعت بارض طيبة ,كارض الرافدين و ارض النيل واليونان والصين وروماوايران والهند, و تطورت هذه الحضارات وتفاعلت مع بعضها واكثرها ترك اثر قويا في صيرورة مجتمعاتها المتطورة اللاحقة ,وبالتاكيد ان الحضارة العربية الاسلامية اجتمعت بها الاصالة والهداية ,الاصالة تأتي من مجموعة الحضارات المتعددة في الارض العربية واما الهداية فهي بتأثير الديانات السماوية وبالاخص الدين الاسلامي الحنيف,أي ان سمات الحضارة العربية الاسلامية نشأءت على مبادي روحية وتوزعت في العقيدة,والسياسة,والاقتصاد,والقضاء, والعلوم,وفي كل امور الحياة الاخرى,واما الحضارات في الغرب يمكن ان تكون بنفس سياقات التأثير والتطورالحاصل في الحياة العربية,ولكنها تفترق عن نضيرتها العربية في المرحلة الثانية التي ظهر فيها التأثير الديني والذي تطور الى حالة افتراق عن الحياة للانسان في الغرب بعد  تمرد مارتن لوثر على الكنيسة الكاثوليكية وليحصل شبه طلاق بين الدين وحياة الانسان في الغرب بعد الثورة الفرنسية وبالخصوص.اذن تطورالحضارة في الشرق يختلف عن تطورها في الغرب في الترتيب التكويني لهما وفي تبلورها وما صورتهما الان الا هي نتأئج هذه الصيرورة لهما  ..

 

2- الحضارات المقتبسة او الواردة:

بالتاكيد ان تفاعل الحضارات في أي مكان من العالم سواء من الشرق او من الغرب لا يمكن ان يعتبر اقتباسا بل هو تفاعلا وتبادلا لان كل هذه الحضارات اصيلة ولها جذور في التاريخ,واما المناطق التي لم تقام بها حضارات سابقة وهي الان تشهد تطورا حضاريا(وفق مقايس البعض) فيمكن ان تسمى حضارتها مقتسبة او واردت اليها.  

 

اذن أي نوع من الحضارات نريدها اليوم هل هي حضارة التفاخر بالعمران المادي الذي يهتم بالانشاء العمراني و الصناعي و التكنولوجي وهي حضارة جوفاء أو حضارة تقوم على البنيان الانساني والقيمي,وهو ما توصينا بها التعاليم السماوية التي ندين بها في وطننا العربي. ووفق فلسفتنا ان الاهتمام بالانسان هو الذي يبني الحضارة بمعناها الصحيح , فان كان هذا الانسان راقياومتطورا   فالبضرورة ستكون انجازاته راقية ومتحضرة, أي بمعنى ان يكون الانسان في تقديرنا راقيا و مترفعا عن صغائر الحياة في نفسه اولا و من ثم في افعاله ثانيا..و ان الذي حددنا بموجبه المجتمع الحضاري ومن خلال صفات يحملها وعوامل دخلت في تركيبته الاولية  واستمرت في تأثيراتها عبر المراحل اللاحقة من حياة هذه المجتمعات اما بالسلب او الايجاب وهذا يكون وفق نوعية التفاعل المتبادل بين قدرة تطور هذه المفاهم على التغير نحو الامام وايظا المرونة الاستيعابية للتطور للمجتمع.ويمكن ان نحددالمجتمع بكونه متحضرا من خلال انتاجاته واهم هذه الانتاجات هي المعرفة ,لان المعرفة هي منتج عقائدي و سياسي و اقتصادي,ولها اركان مهمة هي حرية الرأي و التعبير و التعليم و الاعتقاد,وان انتاجية المعرفة يحتاج الى وجود معرفية متميزة في المجتمع الواحد وهذا هو سمات التحضر في المجتمعات..

 

واما التخلف كلمة واسعة فقد تعني في بعض الاحيان تخلفا في الثقافة او تخلفا في جوانب السياسة والاقتصاد والاجتماع ,ولكنها كلها تعني هو التعامل مع الحاضر بادوات الماضي او في بعض الاحيان ترمز الى استخدام الماضي في الحاضر وبكل ما يحمله الماضي من فكر او تجارب وبدون اجراء أي حالة من التكييف,وقد يستخدم مصطلح التخلف للدلالة على التأخير في ترجمة التغيرات المادية الى تغير في التقنيات اللامادية التي تتحكم فيها,وفي بعض الاحيان يمكن ان نقول مصطلح التخلف للدلالة علىتخلف احد الانشطة الفكرية او المادية في اثناء عملية التغير التي ترافق التطور التاريخي للمجتمع.وقد يطلق على الظواهر بانها متخلفة بحكم كونها لاتماشى مع الضرف الزماني او المكاني المتحقق, ايظا ان كانت لا تتفق مع الاعراف او التقاليد المعتمدة في مجتمع دون المجتمعات الاخرى.وقد يطلق مصطلح التخلف على القصور في قانونية الحدث اجتماعيا او عقائديا او سياسيا او اقتصاديا ..اذن التحضر او التخلف نسبية في الفكر وايظا في التجربة ..

 

واعتقد ان الذي ذكرناه حول الحضارة وفعلهاالتحضر وكذلك التخلف ,لايمكن ان نختلف في المضامين كثيرا مع بعضنا وقد تظهر بعض الاختلافات ولو بزاوية حادة صغيرة ,ولان هذين المصطلحين يمتدان من ظهور الوعي الانساني والى الان وسوف يستمران لانهما من المصطلحات المتطورة والذين يحتاجهما الانسان في حياته المستمرة في الحياة وبالضرورة سوف يستمر الاختلاف في نسبية الفهم و السلوك.. والذي اريد ان اناقشه ووفق التفسيرات للتحضر و التخلف ,كيف يمكن ان نحكم على مايلي:

 

1-      غزو وتدمير العراق وبحجج كاذبة؟

2-      الحكم على البطل منتظر الزيدي؟

 

وبهدف ان يكون حكمنا صحيحا سوف نحاول ان نحلل وفق ادوات التي تتفق مع ما جاء في اعلاه ولنترك الاستناجات للاخرين وبشرط ان يكون مشرط الحكم متوازنا وحياديا.ومن الله التوفيق ...امين

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة / ٢٣ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٠ / أذار / ٢٠٠٩ م