صفوي يرفع ، خاتمي يكبس ، والبقية تلطم

 

 

شبكة المنصور

علي الصراف

لم يكد المسؤولون الإيرانيون يحلّون واحدة من مشكلاتهم مع "زلات اللسان" حتى وقعوا بأخرى.


الزعم بتبعية البحرين لإيران، كان "زلة لسان" من جانب علي أكبر ناطق نوري، مستشار المرشد الإيراني الأعلى. أو هكذا قيل، الشهر الماضي.


ولكن هذه "الزلة"، ما كانت لتجتمع بـ"زلات" أخرى عبثا.
الثلاثاء الماضي، زل لسان الجنرال يحيى رحيم صفوي، وهو الآخر مستشار المرشد الأعلى، بالقول "أن الجمهورية الإسلامية قوة ذات نفوذ في المنطقة، وأن العالم يشاهد النفوذ السياسي لإيران وهو يتمدد في المنطقة بأكملها بما فيها لبنان وفلسطين".


وحجبت الوكالة الإيرانية "أرنا" التصريح عن الظهور باللغة العربية، لان طهران أرادت أن تقول للعرب انه: "زلة لسان"، ولكنها أبقته باللغة الانجليزية، لتقول لغير العرب: "شوفوني ما أحلاني".


وقد يرفع صفوي كرة "الزلة"، إلا انها ما كانت لتمر من دون كبسة من جانب مستشار ثالث للمرشد الأعلى الإيراني هو آية الله أحمد خاتمي، الذي أعلن في خطبة يوم الجمعة الماضي أن لإيران نفوذا في المنطقة بأسرها، وأنها تدعم المظلومين الشيعة في لبنان وفلسطين والسعودية.


ولم يفت خاتمي أن يطالب المملكة بمنح الشيعة السعوديين حقوقهم، متغافلا تماما أن جنابه يتدخل في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة وذات سيادة، ومتناسيا انه ينتهك أعرافا وتقاليد ومعايير يفترض أن تُحترم بين دول المنطقة.
ولن يمر وقت طويل، قبل أن تقول إيران أنها "زلة"، كما لن يمر على "الزلة" وقت قبل أن تظهر بعدها "زلة".


وتكثر الزلات، حتى ليجدر التساؤل عما إذا كانت تأتي من جانب مستشاري آية الله علي خامنئي لتكشف ما يفكر فيه بالفعل، أو لتقول ما يدور في أحاديثه معهم.


ولكن الحقيقة هي أنهم ينقلون عنه الزلة بعد الأخرى، ليثبتوا واقعا، أو ليحققوا تطبيعا مع "الزلات" يجعلها مألوفة ومقبولة من دول المنطقة.


شعورٌ بالقوة هو ما يطلق عنان اللسان بالزلات.
فإيران تدرك، من حيث المبدأ، أنها في منأى عن التهديد. أولا، لان قوتها العسكرية، التي لم تُمس منذ هزيمتها في الحرب مع العراق عام 1988، ظلت تنمو على وقع الرغبة بالانتقام من تلك الهزيمة.


وثانيا، لأن الولايات المتحدة تبدو أسيرة وعاجزة، بسبب أزمتها الاقتصادية، فوق فشلها المعلن في العراق، وغير المعلن في أفغانستان.


وثالثا، لأن طهران تشعر أنها تملك نفوذا في العراق يوفر لها بطانة سميكة تصلح للاستخدام المزدوج: المساومة من جهة، وإبقاء المعركة خارج أراضيها من جهة أخرى.


تدرك إيران أيضا أن مشروعها النووي، يوفر لها مساحة كبرى للمناورة. إذا خسرته، فأنها تكسب "حزمة الحوافز" مع علاقة متينة مع الغرب. وإذا كسبته فانه تكسب قوة ردع تجعلها في منأى تماما عن التهديد بالضرب. بينما يكفي نفوذها في العراق لتنفيس أي عزلة، ولتعطيل أي عقوبات اقتصادية.


وفي الحالتين، فان مكانة إيران الإقليمية هي ما سيتعزز، على حساب كل دول المنطقة الأخرى، وبالأخص على حساب المملكة العربية السعودية.


إذا كان قبول "حزمة الحوافز" هو الخيار الأسوأ بالنسبة لطهران، فان هذا الخيار سوف يوفر أرضية لتعاون إيراني ـ غربي واسع النطاق، كما سيعني اعترافا غربيا بالدور الإقليمي الإيراني.


كما تدرك إيران انه كلما طال الوقت على المغطس الساخن الذي تغطس فيه الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، كلما كان ذلك أفضل.


وتُظهر إيران أنها تملك مفاتيح الاستقرار في العراق، وأنها هي التي تقرر حجم "المحاصصة" التي يمكن أن تتركها للولايات المتحدة فيه. وتعترف الولايات المتحدة اليوم، أن لإيران دورا يمكن أن تلعبه لتحقيق الاستقرار في أفغانستان. وهو ما يأتي بمثابة تسليم من جانب واشنطن بمكانة إيران ودورها الإقليمي.


وهذا واقعٌ، ليس فيه زلات لسان. انه زلة إستراتيجية وقعت فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة مرتين.
الأولى، بتدمير القوة الإقليمية الوحيدة التي أثبتت أنها قادرة على مواجهة التحدي الإيراني.
والثانية، بغزو هذه القوة وتسليم مفاتيحها لحركة عصابات طائفية تحكمها طهران.


كانت الولايات المتحدة خاضت الحرب ضد العراق عام 1991 لا حبا بالكويت، ولا طمعا بالمزيد من النفط، ولكن لمنع العراق من أن يتحول، "بسيطرته على ربع احتياطات النفط في العالم"، الى قوة لا سبيل الى ردعها.
فماذا فعلت بعد 12 سنة؟ سلمته لإيران لتتحول الى قوة لا سبيل الى ردعها، تسيطر على ربع الاحتياطي العالمي للنفط، وعلى مداخل تصدير الربع الآخر!


هل كان مستشارو آية الله خامنئي يزلون باللسان عندما كانوا يزعمون السيادة على البحرين والسيادة على جزر الإمارات، والنفوذ في العراق ولبنان وفلسطين، أم أنهم يقررون واقعا يسعون الى فرض قبوله؟


عندما يرفع صفوي كرة "الزلة"، ويكبسها خاتمي في ملعب السعودية، فإنهما يعرفان أن المنطقة كلها أصبحت بطنا رخوا لطموحاتهما الإقليمية، ويريدان أن يلعب الشيعة دور حصان طروادة لتحقيق هذه الطموحات.


وجود لطّامة في العراق منح إيران تفوقا استراتيجيا يجعلها قادرة على تحقيق وضع مماثل لوضع الاتحاد السوفياتي في السابق.


فكلما كانت تمطر في موسكو، كان الشيوعيون في أنحاء العالم يفتحون مظلاتهم.
اليوم، لا يخطب أحد في طهران حتى يلطم المريدون في المنطقة.


إيران تقول: "فلسطين". اللطامة يقولون: "يا حسين". وهات من يفهم الصلة بين التراجيديا والمهزلة؛ الآلام والنكتة؛ إلا أنها كلها موضوعة تحت عمامة دجال كبير واحد.


وفصول اللطم مستمرة، ما بقيت حركة العصابات الطائفية تحكم في بغداد.
وزلات اللسان لن تتوقف في طهران، ما بقيت حركة اللطامة تمنحها الشعور بالنفوذ والقوة.
هل يمكن مواجهة إيران؟ هل يمكن وقف زلات اللسان؟ هل يمكن وقف عصابات اللطامة؟
بغداد هي الجواب. هكذا كانت على مر التاريخ. وهكذا ستبقى.
لا أحد سواها.


اشتروا بغداد (بدعم أحرارها)، تخرس طهران.
بيعوا بغداد (كما فعلتم)، يأتيكم اللطّامة!

 

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

السبت / ١٠ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٧ / أذار / ٢٠٠٩ م