أمّنا و ( عمّنا ) وزمن العراق الطويل

 

 

شبكة المنصور

جاسم الرصيف

قد يكون الجاني على الجميع هو المثل العراقي الساخر في أغلب الأحوال القائل : ( الياخذ أمنا يصير عمنا ) !! ولكن الجنايات تفاوتت وتعددت والضحايا بالملايين .

 

***

 

قديما قالت العرب : ( دل ّ على عاقل إختياره ) فدعونا نبحث برقيا عن هذا ( العقل ) في إختيارات عرب اليوم .. من مهازل الرؤى أن يربط المرء توافقا ، من أي نوع ، بين خائن موثّق الخيانة وبين سلوك المواطنة وتعاطي الوطنية ، ولكن ( أم ّ المهازل ) الرؤيوية هذه ضربت عالمنا العربي ، الرسمي ، طولا وعرضا دون الأمم الأخرى ، فماعاد عربي يجهل أن الرؤى الرسمية في عالمه اليتيم تساوي الخائن لأمته بالوطني المخلص ، عن حماقة موروثة أو عن تحامق لا لبس ولالباس يستر عورته .  

 

وهذا هو ( الإختيار ) الرسمي لحكوماتنا على حقيقة  تفيد أن : مامن عربي حي ّ يجهل أن أقطاب الحكومة الحالية في العراق قدمت من غبارات الدبابات الأمريكية التي غزت العراق ، ولاوجود لعاقل ، وحتى مجنون ، عربي يستطيع أن ينكر هذه الحقيقة : أن من تعاونوا على غزو بلدهم مع أجنبي لايمكن أن يوصفوا بغير : خونة ، يستحقون أقسى العقوبات في قوانين كل الأمم الحيّة ، عدا أمة العرب ، التي فرشت حكوماتها البسط الحمراء لمجرمي حروب وجاحدي مواطنة .

 

إذن فقد ( إختار ) معظم الأنظمة الرسمية العربية أن يقر للخائن ( حق ) الخيانة !!

أين العقل في البسط الحمراء التي فرشوها تحت أقدام خونة ومجرمي حروب وهم يزورون ( بلاد العرب أوطاني ، من الشام لتطوان ) ؟!

 

أليس هذا إقرارا ضمنيا من هذه الحكومات بأن من حق مواطنيها أن يغزوا كراسي الحكم فيها بالتعاون مع أجانب ؟!

 

أليس هذا دليلا قاطعا على أن النظام الرسمي العربي فقد  بوصلة الإبحار نحو تثقيف مواطنيه على الفرق بين خيانة وطن وبناء وطنية ، حتى بات المواطن العربي في الدول القابلة بهكذا نوع من الخيانة لايجد فرقا واضحا بين خائن ووطني لأن الإثنين يمكن أن يمرا على بساط أحمر؟! .

 

مهزلة عربية بإمتياز عراقي ، لاأخ ولا أخت له في التأريخ . 

لانريد لباب الشماتة المقيت أن يفتح فنقول:

ماذا لو إنقلبت الكارثة وإستقبل العراقيون مجرمي حروب سطوا على كراسي الحكم في بلد عربي آخر وبالتعاون مع أجانب ،، ولكننا نذكر بأن عاهل السعودية ، الملك فيصل رحمه الله ، شبه العراق ب ( جبل نار ) يحمي العرب من شرور المتعصبين الفرس ، وأوصى بحماية هذا الجبل ، فمالذي حصل ؟!

 

ظنت الأنظمة العربية ، التي تآمرت على غزو العراق ، وأعانت أميركا وحلفائها ، وأغلبهم صهاينة ، ومنهم ( المعارضة العراقية ) الحاكمة اليوم أن المثل العراقي أيّاه ( الياخذ أمنا يصير عمنا ) هو حقيقة في حياتنا اليومية بعد أغفلوا عن غباء مطلق مبنى الأم : الوطن ، و ( العمّ ) القادم على دبابة غزو ، وبمعنى آخر : أغفلت هذه الأنظمة عن حساباتها الركيكة أن نظرية ( عدو عدوك صديقك ) صارت من مخلفات الحماقات القديمة ، على دلالة أن ( عمّنا ) متعدد الجنسيات لم ينل ( أمّنا ) حتى كتابة هذا المقال ومنذ ست سنوات !! .

 

وبوجود مالايقل عن ( 1.5 ) مسلح ، من مختلف فرق الموت ، عاجزين عن حماية هذا ( العم ) القادم على دبابة غزو أجنبية ، المحاصر في المضبعة الخضراء ببغداد ، لم تجد أميركا من وسيلة للخلاص من ورطتها وطمطمة هزيمتها المنكرة بغير ( الإتفاقية الأمنية ) برقعا لايستر عورة هذه الهزيمة التأريخية حتى لو جيشت لها عشرات الهوليودات وملايين الأبواق الدعائية ، لأنها أيقنت أن ( الأم ) العراقية لن تستسلم ( للعم ) متعدد الولاءات مهما طال الزمن،، وعلى دلالات أولها أن أن جراء الإحتلالات في العراق مازالت تتلقى الضربات الموجعة من البصرة جنوبا حتى الموصل شمالا !!.

 

إذن أين العقل في كل هذه الإختيارات ؟!.

أين صار العقل الرسمي العربي الذي مازال يتهاطل على المضبعة الخضراء ، رمزا تأريخيا للخيانة الوطنية ، في زمن تجر فيه الدول الأجنبية التي غزت العراق أذيال خيبة ظنها في ( عم ّ ) عنين و ( أم ّ ) أبية مازالت تقاوم رغم كل جراحاتها القاسية التي نالتها من أبواب ونوافذ مازالت تدّعي ، وتستعير ، صفة ( عربية ) لتمرير المزيد من المخططات لتدمير كل ماهو عربي في العراق عن حماقة واضحة الأبعاد في كل تواريخ الأمم ؟! .

 

الإجابة الفورية عن السؤال تفرض نفسها :

على مسرح جنون البقر !!

إذ بات من ( الطبيعي ) في عالمنا العربي وحده أن تحمي القوى الأجنبية خائنا منا ، كما يحصل في العراق نموذجا ، وكما يحصل الآن في دول عربية أخرى ، علنا ودون حياء ،، وبات من الطبيعي أن ترضخ عقولنا ( الرسمية ) لما تسميه ( ضغوطات خارجية ) تنتهلك حرمة أمننا القومي والوطني .

 

* * *

 

نعم !!

قد يكون الجاني على العقل الرسمي العربي هو وهم ( الياخذ أمنا يصير عما ) ، ولكننا بالكي ّ خلصنا الإحتلالات المركبة التي غزت العراق من هذا الوهم فبدأت بالرحيل تزامنا مع استمرار وهم أطراف عربية بأن ( أمّنا ) سترضى ( بالعمّ ) الذي تريده هذه الأطراف لنا ، ولكن اليوم الذي ( يطير فيه العصفور مع خيطه ) قادم لامحالة ، وهذه ليست نبؤة ، يا سادة ، وإنما رهان .

 

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ٠٦ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٣ / أذار / ٢٠٠٩ م