افرازات ما بعد الحرب

 

 

شبكة المنصور

 احمد ملحم / الضفة المحتلة

بعد عدوان غزة... تطورات جمه بدأت تتفاعل على الساحة السياسية والميدانية في فلسطين المحتلة، ودولة الكيان الصهيوني، تطورات ترمي بأسهم دلالاتها لمعاني اكثر قتامة وسوداوية في جانب، وجانب اخر تشير الى بارقة امل تتعزز صورتها يوماً بعد اخر، مشهدان يتكرران بأستمرار منذ سنوات، والان يأخذان منحى اكثر وضوحا للعيان.
 
اذاً مع استمرار الحرب على قطاع غزة، وان سكتت قذائف المدافع، وصمت هدير الطائرات ، الى ان الحرب ما زالت قائمة بصورها المختلفة، والتي ندركها جميعاً... وعايشناها منذ استلام حركة حماس للمجلس التشريعي بالأنتخابات الاكثر ديمقراطية في الشرق الاوسط ان جاز لنا التعبير... حرب تمثلت برفض دولي لقرار الديمقراطية الفلسطيني التي يتبجح بها العالم، وحصار ظالم نازي من قبل الدولة الصهيونية، استشهد على اثرها المئات من الفلسطينيين، ولسعات ورفض وكولسه من قبل بعض المنتفعين والرافضين لحركة حماس داخل الصف الفلسطيني، هذه الحرب فشلت في اقصاء حماس او اضعاف قوتها... ولذلك لجؤوا جميعا بأجتماع اهدافهم الى القوة العسكرية الصهيونية في محاولة اخيرة لتحقيق مأربهم... ولكن انقلب السحر على الساحر... مما خلف للجميع ملفات ملغمة بدأت نتائج بعضها بالظهور... وبعضها مع قادم الايام.
 
الكيان الصهيوني الذي خاض حرب الابادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، انهزم ولحق بقوة ردعه العار مرة اخرى... لن اتطرق الى تصريحات القادة العسكريين والصحفيين والمحللين الصهاينة، الذين اعترفوا بفشلهم في حرب غزة، وان حماس ومعها فصائل المقاومة باتت الان بصورة اقوى من قبل، سواء بأصرارها على خيار البندقية، وسرعة اعادة قوتها وتطويرها اكثر من قبل، اضافة الى ارتفاع شعبيتها والتفاف الجماهير حولها، ليس في فلسطين وحدها بل في الوطن العربي والشرق الاوسط وعند احرارالعالم... ولكن الملفات التي تركتها الحرب لدى الصهاينة، هي ملفات مشتعلة بدءت بعضها تترجم على ارض الواقع وبعضها الاخر مع الوقت القريب.
 
الانتخابات هي اول الملفات التي نستطيع ان نقرأ من خلالها بعض الدلائل... نتائج الانتخابات دليل على فشل الحرب على غزة، لأنها افرزت اتجاهات الشعب الصهيوني بأختياره لليمين المتشدد العنصري، والذي رأى ان الحرب على غزة غير كافية ولم تؤدي النتائج المرجوه منه، وبذلك ايده الشعب، وأنتخبه وهو المعروف بعنصريته الكريهة للعرب، ودعواته التحريضية ضد الفلسطينيين بضرورة قتلهم او ترحيلهم من ارضهم، او هدم المنازل فوق رؤسهم..وبالتالي فقد اكد الشعب الصهيوني انه شعب متطرف حربي يقوم فكره على اقصاء الاخر وقتله، وهذا نتيجة ورد على محاولات السلطة الفلسطينية الاخيرة ومن خلفها الانظمة العربية المعتدلة التي قامت بحملة ترويجية للمبادرة العربية في الصحف الصهيونية من اجل تعريف واقناع بل التذلل للمواطن الاسرائيلي، للحشد خلف اليسار الاسرائيلي لا اليمين، والذي لا ارى فرقاً بينهم على الاطلاق.
 
وتنتظر بعد ذلك صفقة تبادل الاسرى التي تبدو قريبة الى التحقيق، حماس ومعها فصائل المقاومة ستحقق مكاسب جمه من خلال هذه الصفقة من خلال اطلاق اسرى ذات محكومية عالية، واطفال ونساء ونواب، بالقوة وليس بالتفاوض.. هذا الامر سيحقق مكاسب مستقبلية قريبة المدى وبعيدة المدى... اسرائيل ترضخ بالقوة للشروط والمطالب، التي كان يقولون عنها مستحيلة، وبالتالي الخروج عن اي محددات او ضوابط كان يتعامل بها الاحتلال من قبل مع الفلسطينيين الاسرى... وبالتالي التوثيق للأجيال القادمة ان المقاومة واختطاف الجنود هي وحدها التي حررت سجناء حكم عليهم لنهاية الحياة، وأوجدت معادلة جديدة لكسر كل ما يفرضه السجان.
 
السلطة الفلسطينية ليست بعيدة عن الاحداث، بل ان وضعها الاكثر سوءاً من البقية، عباس الذي انتهت ولايته منذ اكثر من شهر ما زال على رأس السلطة محاولا نيل الشرعية من بعض الانظمة العربية التي تحاول تدجينه وتخليده على الكرسي مثلهم، يدرك الان ان وضعه هو الاسوء من اي وقت مضى... خيار المقاومة الذي يمقته هو وحاشيته، والذين حاربوه بطرق عدة، بل لنقل تأمروا عليه في بعض الاحيان مع الصهاينة، اثبت جدارته بقيادة هذا الشعب، وهو الان يحقق انجازات فشل في تحقيقها عبر مسيرة سبعة عشر عاماً من مفاوضاته التي لم نجني منها شيئاً... التفاف جماهيري كبير، وتأييد عريض لحركة المقاومة الاسلامية حماس، وخيار المقاومة الذي تتبناه في الضفة الغربية، والقطاع والعالم ... صفقة الاسرى ستعيد الامل لألاف العائلات برؤية ابنائها السجناء.ليس هذا وحسب بل دخول السلطة الان في مرحلة فراغ مع ظهورنتائج الانتخابات الصهيونية التي افرزت اليمين المتطرف.
 
سلطة عباس التي تبنت السلام كخيار استراتيجي مع الصهاينة، ستعيش في فراغ وفشل اربعة اعوام قادمة، مع انتصار اليمين المتطرف العنصري... لن تتقدم المفاوضات قيد انملة، بل من الممكن ان تنتحر، مع تعزز الاستيطان في ارجاء الضفة الغربية، وسرقة المزيد من الاراضي، وتضاعف حجم التنسيق الامني بين رجال الامن من كلا الجانبين، وسيكبت الشعب وتسحق الحريات اكثر مما هو عليه، وستختفي ملامح اي فرصة لأي صفقة سياسية كانت... السلطة تعلم ذلك، وقد عبر بعض رجالها ان الانتخابات افرزت حكومة حرب... ولكن هل سيتم التعامل معها...؟
 
اعتقد ان السلطة وعباس شخصياً، وقبل اي انتخابات صهيونية يصرح بأنه مستعد للتعامل مع من يكن، نحن جربنا الجميع ليفني وكاديما التي ستفشل في تشكيل الحكومة تم تجربتها، واليميني نتنياهو الاكثر حظاً برئاسة الحكومة الصهيونية لنا تجربة مريرة معه، وحتى باراك وكل ذلك... ومع هذا سنعيد تجربتهم" اللي بجرب المجرب عقله مخرب"... لكن ما موقفهم من حكومة اليمين المتشدد، هل سيطلبون من حكومة الكيان الصهيوني ان تعتذر عن تصريحات ليبرمان ضد العرب والفلسطينيين، وهل سترفض ان تتعامل معهم قبل ان يعتذروا عن احقادهم، وان يعترفوا بحق الفلسطينيين بأقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين... لا اعتقد ان لديهم الجرأة لذلك... حقيقة ليس لديهم سوى الانبطاح امام كل الحكومات الصهاينة... الايام ستثبت ذلك.
 
وفي المحصلة ثمة مؤشرات تدل على ان الكيان الصهيوني متجها نحو التطرف اكثر واكثر، وان خيار السلام والمفاوضات الذي تنتهجه السلطة قد فشل منذ زمن وعليها مراجعة حساباتها في هذا الوقت الضائع الذي ما زالت تلعب به، ولن تحقق به اي انجاز، وان المستقبل سيكون للمقاومة التي اثبتت الان قدرتها على الصمود والتحدي، والذي احتضنها الرأي العام الفلسطيني والعربي.

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

السبت / ١٩ صفر ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٤ / شبـــاط / ٢٠٠٩ م