مدن بلا رماد

 

 

شبكة المنصور

عبد الجبار الجبوري

ينحسر البحر رويدا .... رويدا اخر الليل وتضيء نجماته ساحل الكلام، تطل من كوة حزينة شمس الصباح مخترقة ذلك الليل البهيم الذي خيم على قلوب المحبين سنينا كأنها الدهر كله، ماتزال خيول البيد ترسم على رمال القصائد احجية الردى ومسلات الازمنة  القادمة على صهوة المطر، مايزال السياب  يعزف انشودة المطر، ومازال حسين مردان تائها في درابين الحيد رخانةاعرف ذلك جيدا منذ ان اندمل جرح صفين وتوارى  عمرو ابن العاص خلف اراجيف تلك المفازات البعيدة التي خلع فيها صاحبه هناك ابي موسى الاشعري ،وظلت هذه كحكايا السعالى تتداولها الالسن في تكايا الدراويش وحسينيات اهلنا في بادية البصرة وحارات الكاظمية ، لكن رماد ذلك النهر ظل يجري بالعسل والسلوى على جلاس حسن عجمي ومقهى الشابندر ببغداد ، اهجس ان الصورة مازالت غارقة في الفوضى، بلىفوراء خيمة العربان  ،نار القرى وسواليف عبوسي وربابة الملا ضيف الجبوري،اما نحن رعاة تل عاكوب فالويل لنا من شهقة لاتعرف غير دروب الخديعة ، سنظل نبحث عن مدن مرئية ، نستظل بافيائها من حر القيظ وسياط الطائفية التي تجلدنا يوميا بها فضائيات الغرباء، وفاقدو الاصل والفصل والضمير،مدن خبرناها وبنيناها وسفكنا دمنا كله فداء لها،لكي تظل سواريها ومنائرها وماذنها وحواريها شامخة،وكنائسها عامرة ومدارسها فائرة بالعلم والمعرفة، ومقاهيها ضاجة بالحوارات الجميلة ، وشايها المهيل عراقيا، بلى هذا بيت القصيد ، وغيره هراء ومحض افتراء فكيف نتخيل بغداد بلا نصب الشهيد وقوس النصر ومزارات الكاظم (ع) وابي حنيفة النعمان والكيلاني ،بل كيف تبدو بغداد بلا رصافة اوكرخ، اكانت عيون المها بينهما تجلب الهوى من حيث ندري ولاندري؟،

 

لابل كيف نتصور كربلاء بلا ضريح الحسين(ع) اكيد ستتحول الى صحراء قاحلة مهجورة،وكيف تكون النجف بلا ضريح علي بن ابي طالب(ع) وهل للكوفة اثر بعده، ومن يستطيع ان يسمي الموصل بالحدباءاذا هدمت منارتها ونراها بعدئذ  كالمقطوع رأسه وتعدو في براريها الوحشة بلا يقين ، واذا اندرست وهدمت زقورة اور بفعل طائرات امريكا....

 

هل تبقى الناصرية ساكتة هكذا ومن يزورها /،واذا شلنا اسد بابل ومسرح العرش والجنائن المعلقة ماذا يبقى من الحلة ومدينة بابل التاريخية،وهل نزور سامراء اذا(هدموا) وازالوا ضريح العسكريين (ع) وصارت مدينة بلا اضرحة ،انها مدن بلارماد، الرماد ياسادة هم الاخرون ممن يرى العراق محطة استراحة وبقرة حلوب وربما ضيعة بلا اهل ولاتاريخ ولاحضارة.... المدن هنا نبض قلوبنا واوردة زماننا من لازمان له، وهي تسابيح امهاتنا في فجر الحضارات وادعيتهن في صباحات باذخة الجلال،

 

واعاجيب عصور لاتطالها عصور ،المدن ضفائر اختي وقلائد روحي المنقوشة على الواح الطين، واساطير محبة الاولين، انها عشقنا الذي يتجدد على فم الدراويش واناشيدنا على شفاه الرعاة وامانينا على صفحات ماء دجلة والفرات، وبيرقنا وسوارينا على قمة الدنيا ، ذلك هو البوح الذي لاينتهي فليبارك الله عراقنا في صاعنا ومدنا ومدننا، وليحرس الله عراقنا الياذة المجد التليد وزهو العصور الاتية من عيني شبعاد وعشتار وفاتن ... مجدا للعراق ومدنه  ال(بلا) رماد ...,فالرماد هم الاخرون المسوخ

 

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ٢٢ صفر ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٧ / شبـــاط / ٢٠٠٩ م