تركيا بعد دافوس !!!

 

 

شبكة المنصور

وجدي أنور مردان / بغداد المحتلة

التاريخ يصنع العظماء في لحظة ويصنعه العظماء في وقفة. المسافة بين الشموخ والعز وبين الذل والهوان أقل من خطوة والعظمة ان تقبض على تلك اللحظة ولن تقف متفرجا. لقد كان السيد رجيب طيب اوردوغان على موعد مع تلك اللحظة والخطوة ولم يدعها تفلت، رفع فيها هامته شامخا شموخ تاريخ أجداده.


ليس للسيد اوردوغان من حاجة الى مدحنا له والاطراء على ما أقدم عليه في منتدى دافوس، لقد كتب عنه وعن موقفه المشرف الكثير،ويكفيه فخرا أن شعبه الذي انتخبه، قال كلمته لدى استقباله، (تركيا فخورة بك)، ونحن نقول له ان الامة الاسلامية والعربية فخورتان بك.


يبدوا أن السيد أوردوغان رجل المواقف، ورجل الرجال في زمن اصابه القحط وعقمت فيه الارحام من انجاب العظماء الشجعان.لقد سجل هذا الرجل للتاريخ ثلاثة مواقف لها صلة مباشرة بامتنا العربية سيذكرها له التاريخ بأحرف من ذهب.:
الموقف الاول، عندما رفض السماح لدخول القوات الامريكية العام 2003 لغزو العراق واحتلاله، في حين فتحت بعض الاقطار العربية حدودها ومطاراتها ووضعت اراضيها ومياهها تحت تصرف الغزاة لاحتلال وتدمير جمجة العرب، ومازالت تركيا تدفع ثمن موقفها..


قد يقول قائل وماذا عن سماحها لاستخدام قاعدة انجرليك من قبل القوة الجوية الامريكية ابان الحصار الجائر الذي دام ثلاثة عشر عاما. نقول هناك فرق شاسع بين الموقفين، فغزو العراق لم يستند على أي قرار من قرارات مجلس الامن اما استخدام قاعدة انجرليك فهوكان استنادا قرار مجلس الامن 661 لسنة 1990 والقرارات اللاحقة لها التي طلبت من الدول الاعضاء في الامم المتحدة التعاون في فرض هذه القرارات الجائرة المتخذة بموجب الفصل السابع من الميثاق ، اي انها ملزمة، على جميع الدول الاعضاء تنفيذها ،وهذا مافعلته جميع الدول الاعضاء في المنظمة الدولية.. تركيا خسرت بهذا الموقف النبيل ود امريكا ولكنها كسبت التاريخ . على اية حال أن هذا هو مجرد للتوضيح وليس تبريرا.


الموقف الثاني هو وقفة اوردوغان المشرفة، ومن خلفه تركيا ، ابان محرقة غزة الصامدة حيث تقدم موقفه على مواقف قادة وحكام جميع الدول العربية والاسلامية.


أما الموقف الثالث هو، عندما مسح بمجرم الحرب الكذاب شمعون بيريز الارض، في منتدى دافوس والله أعلم ماذا كان سيقول ويفعل لو لم يقاطعه الصهيوني ديفيد اغنتايوس مدير الجلسة.


السيد اوردوغان كان بعرف ماذا يعني دافوس ومن ينظم دافوس ومن يقف ورائها!! ورغما عن ذلك فعل ما فعل.
ولكن كما ذكرنا لقد كان هذا الرجل على موعد مع التاريخ ، اختار العز في الوقت الذي اختار من يمثل العرب في القاعة نفسها الذل والهوان. وكلا الموقفين سيسجلهما التاريخ. والويل من حكم التاريح!!


وقبل ان ندخل في صلب الموضوع نود ان نذكر قصة قصيرة جدا، ملخصها ، في العام 1989 القى سفير تركيا في لندن السيد ..... محاضرة في المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية ( جتم هاوس) ، كانت بعنوان ( تركيا والسوق الاوروبية المشتركة) شرح فيها الخطوات التي اتخذتها تركيا للاستعداد للدخول الى السوق( كان ذلك قبل تغيير اسمها الى الاتحاد الاوروبي). كان الرجل متفائلا ومتحمسا جدا وكان يأمل ان يحصل ما ذهب اليه خلال ثلاثة الى اربعة اعوام. ثم فتح باب النقاش. سألته، سعادة السفير هل تعتقد بان اوروبا ستقبل 60 مليون مسلم بين ظهرانيها مهما فعلت؟ اجاب: هذه واحدة من اهم المشاكل التي تواجهنا. بعد المحاضرة واثناء تناول الشاي سلمته ورقة صغيرة ،طلبت منه ان يقرأها فيما بعد. سنكمل باقي القصة في نهاية المقال..


منذ اسقاط الامبراطورية العثمانية العام 1921بتحالف الصهيونية واليهود الدونمة والعلمانيين الاتراك من حزب تركيا الفتاة والقوى الاستعمارية الغربية، اضاعت تركيا هويتها، تقوت وتعززت سيطرالعلمانيين والعسكر على صنع القرار والتشريع.فمنذ ذلك التاريخ، تركيا تبحث عن ذاتها وهويتها. بالرغم عن ان 98 بالمئة من الشعب التركي مسلمين، وهي أكبر دولة اسلامية في هذه النسبة بعد المملكة العربية السعودية فقط. توجهت تركيا نحو اوروبا، كهدف استراتيجي، عسى ولعل ان تقبل في الاتحاد الاوروبي عضوا، فلم تحصد الا المماطلة الى ان وصلت الى حد الخيبة، قادتها الى الاحباط واليأس في تحقيق ما تصبوا اليه، رغم كل التنازلات التي قدمتها التشريعات المنافية لشريعة الاسلام التي سنتها.


النظر نحو اوروبا، لم يكن نبض الشارع التركي، أعماقها كانت تغلي كالمرجل لقد كان الهدف هو حلم المثقفين العلمانيين لاكتساب الهوية الاوروبية والانسلاخ كليا عن الاسلام. المخاض كان عسيرا في رحم الامة التركية وهي تخوض المعركة في طريق بحثها عن الهوية، تمخض هذا المخاض العسير الى فرز جيل جديد يمثله بجدارة السيدين رجب طيب أوردوغان وعبدالله غول وحزبهما.


انقذ اوردوغان وعبدالله غول تركيا من الفوضى الاقتصادية والسياسية التي كانت تعم تركيا قبلهما، لقد استطاع هذان الرجلان جعل تركيا الدولة رقم 15 أقتصاديا وليرتها بعد ان كانت كل دولار تساوي 10 مليون ليرة الان الدولار يساوي1.5 ليرة فقط ، ونتيجة خوف اوروبا من الغول التركي القادم سدت الابواب بوجهها.حتى البابا بنديكت اوصى بعدم قبول 90 مليون مسلم في احضان اوروبا لانها ستقلب المعادلة السكانية لاوروبا باجمعها، ناهيك عن العقدة الاوروبية من اعادة دق ابواب فيينا كما فعل أجدادهم العثمانيون.


بعد هذا الصلف الاوروبي ادار أوردوغان اتجاه بوصلته نحو الشرق ، نحو العرب والمسلمين لاستعادة الهوية الاسلامية التي أضاعتها بعد الغاء الخلافة العثمانية وملاباساتها. او اريد لها ان تضيع، وجدير بالذكر ان االاحداث الجارية في منتقطنا والبلقان مازالت امتدادا لتصفية مخلفات الدولة العثمانية، التي لم يمضي على الغائها وتقسيمها، ثمانين عاما، فالصراع مازال مستمرا بين اوروبا وامريكا للاستحواذ على هذه المخلفات.ألم يصرح كولن باول، وزير الخارجية الامريكية عشية غزو واحتلال العراق، بان خارطة المنطقة بحاجة الى اعادة ترتيب وينبغي تصحيح التاريخ!!!


منتقطنا في طور تشكل جديد، وفق الاستراتيجية الامريكية، بدعم اوروبي حسب مايخططون لها. تركيا تدرك هذه الحقيقة لذلك تريد ان تكون في قلب الحدث لا متفرجا من خارج الحدود. انها بلا شك قوة اقليمية كبيرة اقتصاديا وعسكريا لكنها تعمل جاهدة الى ان تضيف الى هاتين القوتين قوة سياسية، لتكتمل عناصر قوتها ولهذا السبب برأينا تقدمت موقفها السياسي على المواقف العربية والاسلامية خلال محرقة غزة وما أعقبتها، وتأسيسا على ذلك تقوم تركيا بنشاط في وساطات بين اسرائيل وسوريا وبين الفلسطينين انفسهم ونجحت بذلك جزئيا الى ان اوقفتها العدوان الغاشم على غزة العز. وكذلك سجلت موقفها التاريخي، كما ذكرنا بعدم السماح للقوات الامريكية من المرور عبر اراضيها لغزو العراق، وكان ذلك الموقف رسالة اطمئنان للدول العربية والاسلامية مفادها ان تركيا لايمكن ان تكون معبرا للغزاة للاحتلال دولة عربية او اسلامية ناهيك عن قيام تركيا نفسها بذلك. ولهذا السبب( نقول للسيد ابراهيم علوش: كلا أن تركيا ليست اخطر من فارس، وينبغي علينا كمثقفي هذه الامة ان نتخلي عن ما زرعه لورانس العرب في اذهاننا).


تركيا من جانب أخر تخشى من التمدد الايراني في المنطقة وتصدير ثورتها الى الجوار الاسلامي والعربي، لان في تركيا أكثرمن 20 مليون مسلم تعتنق المذهب الشيعي ( علويون) فان هذا الامتداد يقلق صميم الامن القومي التركي، يمكن ان يؤدي الى تقسيمها في المستقبل.


وعليه فان تركيا بعد دافوس مقبلة على تطورات داخلية كبيرة سيقودها العلمانيون واليهود الاتراك واليهود الدونمة ( اليهود الذين اعتنقوا الاسلام خلال فترة الدولة العثمانية فشكلوا طابورا خامسا قوضوا اسس الدولة العثمانية وخاصة بعد الموقف التاريخي للسلطان عبد الحميد الثاني من فلسطين وطرده لتيودور هرتزل والقصة معروفة لا حاجة الى شرحها)
تركيا تدرك جيدا من الذي يساعد ويمول ويدرب حزب العمال الكردستاني التركي( بي كي كي) . ان هذه القضية مستغلة من قبل القوى الخارجية تؤججها متى ما تريد ووقتما تريد، بالضبط كما كانت تفعل مع الاحزاب الكردية العميلة في شمال العراق الحبيب قبل الاحتلال وعلى امتداد أكثر من خمسين عاما.


والخطر الثاني القادم هو الانتقام من تركيا من خلال تحطيم اقتصادها المزدهر والثالث تاجيج مواقف اللعلمانيين ضد حزب اوردوغان وتصفيته بطرق قانونية ملتوية للحد من اتساع الفكر الاسلامي في تركيا واستعادة نفوذها كرة اخرى.


في عالمنا امتان، يقف العالم الغربي وامريكا، ضد توحيدهما، هما الامة العربية والامة التركية. العرب يمتدون من المغرب الى العراق والاتراك يمتدون من شرق بلغاريا الى حدود الصين فلو توحدت هاتان الامتان وقام بينهما حلف او شبه حلف على اسس اسلامية ستشكلان قطبا عظيما بل اعظم قوة في العالم وتقلبان جميع الموازين. وهذا ما حدى ببوش الى القول ان المسلمين يريدون اقامة امبراطورية تمتد من اسبانيا الى حدود الصين.


بمواقف اوردوغان التاريخية اقتربت تركيا نحو تحقيق هويتها الاسلامية وانتمائها الى الشرق. ومواقفها من القضايا العربية والاسلامية هو بهدف تعزيز هذه الهوية لتكون قوة اقليمية كبيرة ذات الكلمة المسموعة والارادة المنفذة. والسؤال هل يسمحون لها ذلك. القادم من الايام ستكشف لنا ذلك.


والان نكمل القصة التي بدأناها في بداية المقال.
في العام 2002 وفي مؤتمر مراجعة تعزيز معاهدة عدم الانتشار النووي الذي عقد في مقر الامم المتحدة في نيويورك، وبعد ان القيت كلمة العراق في المؤتمر، ربت على كتفي شخص وقال انه يود ان يدعوني الى الغداء واذا هو بالسفير التركي الذي القى المحاضرة في لندن العام 1989. وعلى مائدة الغذاء، سالته فيما اذا قرأ الورقة التي اعطيته حينذاك، فمد الرجل يده الى جيبه واخرج محفظته فاذا بالورقة نفسها محتفظ بها، ففتحها وقرأ،


بسم الله الرحمن الرحيم، ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم). واغرورقت عيناه بالدموع، وقال أن الاسلام هو وحده هويتنا.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ٠٩ صفر ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٤ / شبـــاط / ٢٠٠٩ م