التحضير الأميركي للانسحاب من العراق يمهد لمهمات جديدة أمام المقاومة العراقية

 

 

شبكة المنصور

افتتاحية طليعة لبنان الواحد العدد كانون الثاني ٢٠٠٩

لا بدَّ قبل كل شيء من الاعتراف بأن إعلان الرئيس الأميركي الجديد، بالإعداد للانسحاب من العراق، لا يخرج عن كونه وعداً قابلاً للتنفيذ كما هو قابل للمماطلة. وكان سبب هذا القرار – الوعد نتيجة لنضال المقاومة العراقية التي لم تمنع الاحتلال من تحقيق أهدافه فحسب، وإنما جعلته يدفع ثمناً باهظاً أيضاً بالأرواح والمال.


إذن فهو قابل للتنفيذ إذا ما استمر السبب الضاغط لاتخاذ هذا القرار، وهو قابل للمماطلة إذا بطل السبب. وبناء عليه فمهمة المقاومة العراقية لم تنته أيضاً، ويجب أن لا تنتهي إلاَّ بعد ضمان خروج آخر جندي أميركي من الأرض العراقية، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه.


فإذا توفَّرت ضمانة استمرار المقاومة، وليس هناك ما يدل على عكس ذلك، وكما تبرهن المواقف السياسية لكل الفصائل التي تقاتل العدو الأميركي، ستوفر أيضاً الإدارة الأميركية الجديدة كل العوامل التي تضمن تنفيذ قرار الرئيس الأميركي الجديد.
إن استمرار المقاومة العراقية، وبالتالي استمرار الإدارة الأميركية في توفير عوامل الانسحاب الجدي، لا تمثلان نهاية لمعركة التحرير، وإنما تشكل البداية لتوفير مستلزمات الانتقال السليم من مرحلة الاحتلال إلى مرحلة التحرير الناجز والكامل. وهي مهمة أساسية وملحة ومطلوب البدء بالإعداد لها على نار حامية على قاعدة: (قاتل العدو المحتل كأنه باقٍ في العراق أبداً، وأعد لمرحلة ما بعد رحيله وكأنه سينسحب غداً).


مستلزمات الانتقال السليم ما بين المرحلتين تنقسم إلى أكثر من مهمة داخلية وخارجية، لعلَّ الرفيق الأمين العام قد حدَّد بعضها في خطابه الموجه إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثامنة والثمانين لتأسيس الجيش العراقي.


وبالاستناد إلى الخطاب المذكور، كما إلى الوثائق التي نشرتها المقاومة الوطنية العراقية تباعاً منذ 9/ 9/ 2003، انتهاء بكل الوثائق التي أصدرتها اللقاءات الجبهوية لفصائل المقاومة العراقية، نستطيع استنتاج المهمات المطلوب إنجازها بالتالي:


أولاً: على صعيد التفاوض مع العدو المحتل:
التفاوض بين الاحتلال والمقاومة لها مشروعيتها القانونية والدولية والعملية. وليس على المحتل الأميركي أن يفرض أية شروط أكثر من أن يضمن انسحاباً هادئاً بتوقيتات زمنية محددة بدقة. وفي المقابل من الحقوق الثابتة للمقاومة العراقية أن تفرض على قوات الاحتلال الأميركي الخروج من العراق والانسحاب الكامل والاعتراف بحقوق العراق وتعويضه عن كل الأضرار التي لحقت به. وبعد ذلك يمكن النظر في كيفية رسم العلاقة المستقبلية مع أمريكا وفقاً للمصالح المشتركة والعلاقات المتكافئة، وليس وفقا لقانون القوة والغطرسة التي تمارسها الإدارة الأمريكية في العلاقات الدولية.


ثانياً: على صعيد إعداد الساحة العراقية الداخلية لمواجهة استحقاق الانسحاب:
من متطلبات المرحلة الانتقالية أن يتم حشد أوسع القطاعات الشعبية والسياسية والقوى العراقية من أجل تشكيل أكبر ضغط سياسي ومعنوي على الاحتلال من جهة، وضمان وجود أرضية شعبية واسعة للإسهام في إعادة إعمار ما خرَّبه الاحتلال على شتى الصعد الإنشائية والسياسية والاجتماعية من جهة أخرى. ولعلَّ أهمية هذا الجانب تكمن في استعادة وحدة العراق المجتمعية والسياسية والجغرافية من خلال توفير ضمانات للخائفين والمترددين والمضلَّلين. كما أنه من متطلباتها أيضاً حشد أوسع إطار جبهوي من العراقيين الذين مانعوا الاحتلال، من غير الطامعين بالسلطة والنفوذ.


ثالثاً: على الصعيد القومي العربي:
إن واقع النظام العربي الرسمي الذي لم يقدِّم المساعدة للمقاومة العراقية فحسب، وقبلها لم يعترض على احتلال العراق، بل انخرط معظم أنظمته في التآمر أيضاً، يطرح إشكالية على غاية من الحساسية تتلخص بالسؤال التالي: هل سيولِّد ما حصل ردة فعل عند المقاومة العراقية في هذه المرحلة بالذات، وكيف يمكنها أن تواجهها؟


حول ذلك لا بدَّ من الإشارة إلى أن التجربة السابقة التي مثَّلها غياب الدور العربي كانت مرة بلا أدنى شك، ففي تلك التجربة انقسم النظام العربي الرسمي بين ملتحق بعجلة المشروع الأميركي، وبين متردد أو خائف، وتُرك العراق ليواجه مصيره منفرداً في مواجهة أعتى قوة عسكرية في العالم. تلك المرارة لمسها الحس الشعبي العربي، كما لمستها فصائل المقاومة العربية، أما الأشد مرارة منها فكانت دخول كل ألوان الخارج وأشكاله على خط سد الفراغ السياسي والعسكري الذي خلَّفه غياب الدور العربي، ولعلَّ أهمه التدخل الإيراني. وقد وصل هذا التدخل إلى حدود أن انتدب النظام الإيراني نفسه لوضع سيناريوهات من الحلول لقضية العراق لعلَّ أكثرها خطورة تقسيم العراق وتفتيته، ليس كهدف مرحلي فحسب بل لهدف إيديولوجي استراتيجي أيضاً، ويعمل على فرض هذا الهدف أمراً واقعاً سيعمل على حمايته بعد انسحاب جيش العدو الأميركي، الأمر الذي سيُبقي الساحة العراقية مفتوحة على احتمال حرب عراقية، بل عربية – إيرانية.


من هذه التجربة لا بدَّ أمام المقاومة العراقية من معالجتها بموقف لا تحكمه ردود الأفعال فحسب، بل أن توازن أيضاً بين مشهدين قادمين خطيرين من المحتمل حصول أحدهما بعد الانسحاب الأميركي من العراق:


-الأول أن تبقى العلاقات العربية – العربية متوترة ومستنفرة، بحيث تتلهى الأنظمة بصراعاتها الداخلية، وتُبقي العراق مرة جديدة ليواجه وحده احتمال احتلال آخر. وهذا الواقع سيغري كل من له مطامع بشبر من أرض العراق، أو بجزء من شعبه.


-الثاني أن يُعدَّ لبناء جدار عربي جديد، الذي على الرغم من أنه قد يكون هشَّاً فهو سيكون الأفضل بين أن يخوض العراق لوحده تجربة جديدة في مواجهة المستفيدين من استمرار الفراغ العربي، وبين أن يكون مستنداً إلى عدد من عوامل القوة التي سيوفرها ردم الفراغ الحاصل الآن، أو على الأقل ردم بعض ثغراته.


على الرغم من تآمر معظم أنظمة العرب الرسمية، في مرحلة العدوان على العراق واحتلاله، استطاعت المقاومة العراقية، بما امتلكته من إصرار ومقدرة، أن تحقق أكبر إنجاز تاريخي في إرغام الاحتلال الأميركي على الانسحاب. إلاَّ أن هذا الواقع غير المسبوق في تجارب الشعوب الثورية لا يجوز أن يُغفل حقيقة أن الفراغ العربي قد مُلئ بتدخلات أجنبية طالت بالأذى الوطن العربي بأكمله ووضعته أمام مستقبل سيكون الأخطر على وحدة الأمة العربية ومصالحها في الوحدة والتحرر، ولن يكون أمن العراق المحرر بمأمن من المخاطر القادمة. وهذا ما يطرح الحاجة إلى تجاوز ردود الفعل، مهما كانت الجراح عميقة، من أجل مواجهة استحقاق إعادة وحدة العراق الوطنية، واستعادة عروبته أولاً، وإنجاز مرحلة إعادة إعمار العراق المحرر بأقل ما يمكن من العوائق ثانياً.


رابعاً: على صعيد العلاقات العراقية مع الإقليم الجغرافي غير العربي:
إذا كانت نقطة التقاطع بالمصالح مع تركيا تتمحور حول محاربة الانفصالية الكردية لخطورتها على الوضعين العراقي والتركي معاً، فإن نقطة الاختلاف مع إيران تتمحور حول حرب محتملة جديدة بين العراق وإيران بسبب الانفصالية الجنوبية التي يدعمها نظام الملالي الإيراني.


إنه إذا ما ظلَّت إيران مصرة على تنفيذ حلمها الانفصالي في جنوب العراق، ولم تغيِّر أهدافها الإيديولوجية الإمبراطورية التوسعية، وتنكفئ إلى داخل حدودها المعترف بها، وتعلن سياسة حسن الجوار مع الأمة العربية عبر بوابتها الشرقية في العراق، فإن نُذر حرب جديدة بين العراق وإيران ظاهرة في الأفق. وإذا ظلَّت إيران مصرة على مواقفها، فلا يجوز فصل إصرارها عن استنادها إلى العجز النظامي الرسمي العربي والتلاعب على الخلافات العربية – العربية من جهة، وعما تعتبره عمقاً عربياً مؤيداً لها من جهة أخرى. من أجل تلك الأسباب يأتي بناء علاقات ثقة بين المقاومة العراقية وبعض النظام العربي الرسمي على قاعدة الاطمئنان لنواياه الحسنة، ضرورة أساسية من أجل ليس خدمة مرحلة البناء بعد التحرير فحسب، وإنما من أجل مواجهة مخاطر اندلاع حرب جديدة بين العراق وإيران يكون عنوانها استعادة وحدة العراق المهددة بالتدخل الإيراني السافر والمكشوف أيضاً.

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة  / ٠٤ صفر ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٣٠ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م