هل  الذين  يطلبون  من  حكّامهم الوقوف إلى جانب  شعوبهم  مشركون  !

 

 

شبكة المنصور

طلال الصالحي

يطلبون من الحكام العرب  ويطلبون  ويطلبون  , يطلبون منهم  توفير فرص العمل لمنع أفواج الشباب العربي من الهجرة  لبلدان الغرب  ويطالبونهم  بتحقيق الوحدة  بين الأقطار العربية ويطالبونهم  إنشاء سوق عربية مشتركة  ويطالبونهم  الموازنة الصحيحة والعادلة بين أقطار النفط  العربية وبين  أقطار اليباب العربية ويطلبون من حكامهم العرب  سحب أرصدتهم التريوليونية من دول الغرب المعتدية على أمّة العرب ويطالبون الحكام  باستثمار تلك الأرصدة  في  الأقطار الشقيقة المحتاجة ويطالبونهم بتنفيذ اتفاقيات الدفاع العربي المشترك ويطالبونهم  بتحرير  فلسطين  ويطلبون منهم  نصرة غزة  ويطالبونهم  بتحريك جيوشهم ! ويطلبون منهم  استخدام أوراقهم ولو ورقة واحدة منها  ضد أميركا وأتباعها ...!

 

وتتخذ سعة هذه الطلبات  مدياتها  المناسبة التي تنطلق من حناجر المكلومين  من أبناء الأمّة  مع مدى سعة  وقوع  مصيبة  ما  أو كارثة  ما  عليهم  وحلولها  ثقيلة على أبدانهم  من تلك التي   عادةّ  ما ألفناها  وألفها العالم تحل  بأمّة  العرب كلما احتاجت  دول  "العالم  الأوّل"  إلى موازنة  ذاتها ! , وتتشكل  تلك الدعوات والطلبات بعدّة أشكال  , منها  ما يأتي عبر وسيلتين , المتحر ّكة منها  ومنها  الثابتة ,  كالجداريات وواجهات  البنايات ووسائط النقل , ومنها  ما  يأتي عبر  الوسائل المرئيّة والمسموعة , ومنها ما تأتي على شاكلة  ندوات ,  ومنها من  يدعو  بالدعوات  للحكام  أو بالدعاء  لهم بالتوفيق وبالصلاح   في أماكن  غاية في الأمل المنشود  بالنسبة لمثل هؤلاء الحكام , مثل الجوامع  والمساجد والكنائس ,  ومنها  من  تتفتق فيها الحناجر  بدعوات  "الابتهال"  إلى  الحكام  من خلال التظاهرات ومن خلال  المناسبات  وعبر البرامج  الدينيّة المتلفزة وعبر  دعاتها  "أبو المعامير خالد والعفيطان والعبيكان وأبو الطلايب السويدان واللحيدان والحبيسان والعودة  والبابا  شكّوده .. الخ"  ومنها ما تتدفق  الطلبات إلى الحكام العرب ودعوتهم  لتأدية واجباتهم  وما تملى عليهم "ضمائرهم" عبر جميع الوسائل الإعلاميّة   الناطقة بالعربية  أو الأجنبية  وفي الاحتفالات والمهرجانات , فقد   اعتدنا أن  نسمع  تلك الأدعية التي  تطالب  الذين  يسمّون  أو ما تسمّيهم  وتعترف  بهم دوائر  ودول  ووسائل الإعلام الغربية وأتباعها  وأذيالها  بـالحكام العرب ....!

 

وحيث , ومع  كل قصيدة أو مهرجان خطابي  أو  برنامج  تلفزيوني  أو مع كل حلقة مسابقات مليونيّة تلفزيونيّة  أو برامج  أو مباريات كروية , نسمع  مثل تلك الدعوات التي  تطالب  هؤلاء "الحكام"  بالتـ"ـدخـّل!"  لوقف الاعتداءات  الصهيونية في فلسطين  مثلاً  !, وتزداد  تلك المطالب  وترتفع  حدّتها  وتستعر حرارتها   حسب  حجم  تلك الاعتداءات الصهيونية  على أهلنا في فلسطين أو في  العراق أو في أفغانستان, , وآخرها من الدعوات  الموجّهة  للحكام العرب للتدخل  في  ما نسمعه اليوم ليل  نهار  وعبر جميع وسائل الإعلام  وما نسمعه في التظاهرات  " ومن منطلق وضع الكرة في مرمى الخصم!"  إثر ما يجري في غزة البطولة والفداء والعنفوان والانتصار من  تدمير وسحق وتقتيل  لم  تشهد  له البشريّة  مثيلاً , فلقد  تعوّدنا  أن نشاهد أو نستمع مع أي حدث  مزلزل  يمرّ على الأمّة , كالذي  يحدث  في غزة الآن  , عبر  أي  لقاء مع  أي مواطن  عربي مستطرق  تلتقطه  عدسة  فضائية  تستطلع  من خلاله نبض الشارع العربي  وتأخذ آراءه  في ما  يحدث  والتقاط من فم هذا المواطن المغيّب عن كل ما يعبّر  به عن رأيه  في  الذي  يجري ,  فإننا  سنجد ذلك المواطن ,  وما إن يمسك  المايكرفون  حتى تستنفر جميع مشاعره وأحاسيسه  فتنفجر حنجرته على أوسعها , إن كان متفوّهاً ,  لاقياً  بلائمة  "ما يحدث" على  الحكام العرب  وعلى جبنهم  وعلى تخاذلهم وعلى خيانتهم وعلى عدم استعدادهم ...والخ! ويتهمهم  بالعمالة! وبالخيانة!  "وكأن الحكام منتخبون  فعلاً  ولكنهم  تمرّدوا على شعوبهم  وخانوا كما خان  المالكي التيار الصدري وهكذا!" ...

 

مثل  هذه الاتهامات التي  اعتدنا على سماعها  بالتأكيد تنبع من حالة استعصاء  فهم لدى المواطن البسيط  في ما يحدث ,  ومن تصوّر  يكاد  يكون  معدوم لديه  عن حقيقة  الأسباب  التي تعود جذورها  لعهود  سابقة  كانت وليدة  نتائج الحرب العالميّة الأولى التي  انتقلت  بالبلاد  وبالعباد  في منطقتنا من  يد  "مستعمر" قديم   إلى  يد  أخرى  تعود  لمستعمر  آخر ,  وكان لمتغيّراتها الدوليّة العاصفة  تلك  الدور الأبرز في وصول  سلسلة  هؤلاء الحكام إلى السلطة ,  وبفعل  فاعل  كانت  له  مصالحه  التي استدعت  تثبيت أولئك  الذين  اختارهم  كحكّام  أوهموا  شعوبهم , كلٌّ  في  بلده  الذي وقع  عليه  طائلة الاحتلال ,  مما  يعني أنهم  ليسوا أكثر  من  واجهات لا تملك  من مقاليد أمورها شيئاً وليس لديهم  أيّة وسيلة ما يستطيعون بها  ولا  حتى  اتخاذ  قرار واحد  من  دون أن يعود لاتخاذ  القرار إلى أصحاب الشأن الذين زرعوه على كرسي الحكم !  فإن  طالب  الشعب الذي  رزح لسطوة الاحتلال   أمراً  ما مثلاً  من حاكم  بلادهم  فإنما   يعني ذلك  إنهم  يطلبون من فاقد  شيء ,  يعني  يدعون  "بالدعاء"  مِن مَن  لا يستطيع  هش ذبابة عن  أنفه , وهذه  الحالة لا تبتعد إطلاقاً  عن طبيعة  الصلة  ما بين  دعاء صاحب الحاجة  وتضرعه  من  أحد الأصنام  التي كان يعبدها  في الجاهليّة  قبل الإسلام  , وبين  دعاء  أو طلب  المواطن  العربي الحالي  من  حاكمه المصنوع  في مكان من خارج الوطن ! .. وحيث أولئك  كانوا  يطلبون "يدعون"  مِن  مَن حتى  لا يملك أن  يهش الغبار عن  نفسه , هم أبنائهم الآن  يطلبون مِن مَن  لا يملك  من أمره شيئاً ! ... تشابهت الأزمنة والمعبود  واحد ...!

 

مشركون ,  أو  ربما سيوقعون أنفسهم في دائرة الشرك  , أوقد  يقتربوا منها ,  كل  أولئك الذين  يطالبون أو  يدعون إلى  تنفيذ طلباتهم من  فاقد  الشيء , أي من  الحكّام ,  فالإسلام  حرّم عبادة الأصنام   بجميع  صنوفها , المجسّمة منها  أو الغير  مرئيّة  التي أسماها القرآن الكريم  بالهوى , لأن الأصنام  هي  عناصر  فاقدة  لكل  شيء وفاقدة  لأيّ عطاء مهما كانت أبعاد تلك الأصنام ومهما علت  أو  صغرت مواصفاتها  ومهما تغيّرت أشكالها  أو تنوّعت خاماتها فحالها  حال الحكّام العرب   اليوم "معظمهم"  في أحسن الأحوال ,  بل إن  تلك الأصنام هي من  تحتاج  إلى من  يصنعها  ويحافظ  على  شكلها ولسنا نحن من يحتاج إليها إلاّ  عند الزينة! والحكام   أيضاً  , لو  وازنا طبيعة وجودهم  وهم متسلطين على رؤوسنا  ليل  نهار ووازنـّاهم مع ما  خفي  عنا  عن أسباب وجودهم ومن   أوجدهم  ,  لعرفنا أنهم  هم  من يحتاج إلينا ولسنا نحن من يحتاج  إليهم ! فحالتهم ومبرّرات وجودهم  الحالي  والحالة هذه  تتشابه  ووجود مبرّرات صنع الأصنام  التي كان  يعبدها المشركون في  مكّة والجزيرة العربية وسائر  شعوب العالم القديم قبل الإسلام , إذ  ما الفرق , فكلاهما , الصنم  فاقد  والحاكم  فاقد , الصنم , وقد  أوّله  كهنته في عقول الرعيّة آنذاك  على  أنه  "واسطة"  بين الخالق "الله" وبين عبده , والعبد  بطبيعته الغاطسة في الجهل كان مخدوع  بتلك التخريجة  بالتأكيد خاصة  بعد  إضافة الطلاسم  والتمائم  من حول  تلك  الأصنام , ولأن الله أقرب للعبد  من حبل  وريده! فتنتفي  والحالة هذه  فرضيّة  الواسطة , والمواطن  يدعوا  "حاكمه" يظنّه  قادر  على تلبية طلباته  , خاصّة  بعد إضافة  طلاسم الألقاب والتفخيم من حول  الحاكم  حتى ترسّخت في وعي "محكومه"  , ومنذ أن  وُلد وحلّ بهذه الدنيا  ووجد  نفسه  عبداً  مكبّلاً  في  بلد محتل  وهو  لا يعلم  حتى تصيبه حالة الإدراك إن حالفه الحظ  وأدخلته الظرف  فيها , كشعوب السعوديّة والخليج  مثلاً  ! ,   بينما هو , أي الحاكم  عبارة  عن "واسطة" في حقيقته  ما  بين  المواطن  وبين  جهة أخرى  غير الله , أي جهة  تسيّر ابن الوطن  بعكس ما أراده الله  أن  يكون حرّاً  لا يعبد غير الله ؛  الله الحق العدل  العزيز الجبار القادر .. الخ  أي إن  الواسطة , وهو الحاكم  المنصّب ,  فاقد  للشيء , ولكن  كهنته  "الإعلام المنحرف"  فقهاء الحاكم ,  يوهمون  المواطنين  أصحاب الدعوات والطلبات  بأنه  قادر  على تلبية  مطالبهم ؛ بينهم عبر  "الوسيط"  أي الحاكم  , وبين "مجلس الأمن!  يعني  أن طلباتهم في الوقت الحالي  تلبّى من  أصحاب البيت  الساكنين أميركا أو الساكنين  في أيّة  جهة  أخرى ترتبط  بهم تلك الواسطة!" ..

 

وهل  يعني   بعد  كل  ذلك الذي ذكرناه  أن  باستطاعة  أي حاكم  من هؤلاء  الأصنام  التمرّد  على  صانعيه ويستطيع  الوقوف  إلى جانب شعبه , بالطبع  نعم ! , ولكن  سيكون  ذلك  بمثابة آخر يوم في  عمره ! ذلك  أن  صانعه  زرع فيه  من  المفخخات  والعبوات الناسفة  ما  تكفي  لتفتيته من  داخله , إذ  يكفي بضغطه  على  زر  "الريمونت"  الذي  بيده عندها سيتم  نسف  كل  شيء "هذا  إذا  جازف  الحاكم ودبّت  في أوصال ضميره الميّت الحياة  فطلب الشهادة ووقف إلى جانب  شعبه !"  ... فكيف  إذاً  المخلص  أو الخلاص ؟ ...

 

المخلص من كل  ذلك والخلاص والانعتاق والتحرّر  هو أن  يحمل  كل  مواطن  عربي  منـّا  فأسه ويتناوله بيده  وينزل تهشيماً وتهبيراً  وتحطـيماً بلأصنام التي  زرعناها نحن  أو زرعها آبائنا  في داخل كل منـّا ثمّ  ونعلّق  الفأس  بعدها  على كتف أكبر معمّم ملتحي واعظ  للحاكم  من تلك الأصنام  ! ...

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الخميس  / ١١ محرم ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٨ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م