تأملات
الحقيقة الواحدة ..
الستراتيجية الامريكية لن تتغير في حكم اوباما

﴿ الجزء الثامن

 

 

شبكة المنصور

سمير الجزراوي

ان كل الذي ذكرته في الاجزاء السبعة لا يمكنها ان تعطي التصور الكامل بالذي يمكن ان يتحقق في الاستراتيجية الامريكية وفي ظل ادارة الرئيس اوباما .ولكني اقدر ان اجزم بان الذي سيحدث في المنطقة العربية ومن خلال العاملين المستجدين في منطقتنا,العمل الاول المستجد هو التطور والتوسع الكبير في ثقافة ونهج وجماهيرية المقاومة لمنطق وسلوكيات الاحتلال والعامل الاخر هو في حجم ونوعية الأخطاء البشعة التي ارتكبها رجل الحروب المجرم بوش، وتخبطاته المريعة التي أوصلت الحال في المنطقة  الى هذا الفوران الشعبي وتنامي الرأي الشعبي في مقاومة الاحتلال وتأثيره الضاغط على ما يسمى بدول الاعتدال العربية من تبني لموقف المقاومة لكل انواع الاحتلال وهذا ما ظهر بشكل واضح في ضغط الجماهير العربية على الانظمة العربية باتجاه تبني موقف المقاومة الفلسطينية البطلة وذلك اثناء العدوان الاسرائيلي على غزة الصامدة, وتنامي العداءللسياسة الامريكية وتبلور هذا الشعورالى الكره للامريكان،وهي في نفس الوقت ذات العوامل التي ساهمت مع ردود الافعال الاخرى تجاه السياسة الامريكية في العالم والتي انعكست على الراي العام الامريكي والذي أوصلت اوباما وحزبه إلى الحكم، والحال التي بلغتها أميركا والعالم بسبب أخطاء بوش في كل العالم وخصوصا حماقته في غزو العراق.وقد تكون هي التي ستمهد الطريق لأوباما ليكون بطلاً قومياً وشخصية تاريخية ان نجح في حل المعضلات التي ادخل فيها بوش بلاده و العالم. وهو ليس بالأمر السهل، بل انه في غاية الصعوبة، وقد أشار اوباما نفسه الى سوء الوضع في خطابه أثناء أدائه اليمين الدستورية قائلاً: (ندرك جميعاً أننا في خضم أزمة.

 

أمتنا في حرب ضد شبكة واسعة من العنف والحقد، اقتصادنا ضعيف جداً، نتيجة الجشع وعدم المسؤولية من قبل البعض، وكذلك بسبب إخفاقنا الجماعي في اتخاذ الخيارات الصعبة وإعداد الأمة لحقبة جديدة ) ولكن ما يؤكد أنه ينوي البدء بتصفية في المشاكل العالقة بالسياسة الخارجية الامريكية هي خطوته الاولى باتجاه حل مشكلة السجناء في معتقل غوانتانامو وكذلك تصريحه باتجاه سحب نسبة كبرى من القوات الامريكية من العراق وتصريحه الغير متطرف و المتعاطف والتقليدي لكل الرؤساء الامريكين مع الموقف الاسرائيلي في قضية الصراع في فلسطين .كل ذلك الان يدخل في خانة التصريحات وبالتاكيد قد تكون جزء من سياسة جس نبض الاطراف المعنية .ان الرئيس اوباما لابد من ان يدرك الحقيقتين التاليتين وهو يباشر في حل المعضلات والتعقيدات التي ورثها عن الفاشل بوش  سواء المتعلقة بالداخل الامريكي او الخارجي المتعلق بالعالم:


1-ان المشاكل الداخلية وخاصة الازمة الاقتصادية التي تعصف بالمجتمع الامريكي وما افرزته من مشاكل واولها البطالة ,لايجب في أي حالة من الاحوال ان تجعله ينكب ويحشد كل جهوده لحلها وتاركا الساحة الدولية لحين حل معضلاته الداخلية ليعود بعد ذلك للساحة الدولية لتصفية مشاكل بلاده فيها, وهذا امر صعب للغاية لان المتغيرات على الساحة الدولية سريعة وتبدلاتها كثيرة وسوف تفقد الولاياة المتحدة دورها الاول لان العالم ليس بمستعد ان ينتظرها لتصفية قضاياها الداخلية لتعود بعد ذلك للعب لدورها الاولي كقوة اعظم في العالم.اي لايمكن للولاياة المتحدة التخلي عن دورها الاول ولو لفترة وجيزة .


2-ان الترابط قوي بين دور الولاياة المتحدة الامريكية الاول في العالم وحل معضلتها الاقتصادية.وان أي تخلي لدورها في زعامة العالم يعني استحالة حل مشاكلها الاقتصادية بمعزل عن زعامة العالم ,لانه من البديهيات وعلى سبيل المثال وليس الحصر ان جزء كبير من ازمتها الاقتصادية كان بسبب غزو العراق وصرف ما يقارب 5000 بلايين من الدولارات على الحرب في العراق .وانها من خلال زعامتها للعالم فرضت مبداء التسطح بالازمة على الدول الاوربية  لتعصف باقتصادياتها ايظا وبالتالي لتمتد لتشمل العالم كله وحتى الصين سرحت الملايين من العمال من وظائفهم بسبب هذه الازمة.


ان الترابط بين هذين العاملين يعطينا تاكيدا بان الستراتيجية الامريكية قد تتكيف بشكل أو اخر في عهد اوباما ولكنها لا ترتقي إلى مستوى التغير,فمثلا بالرغم من لهجته التي توحي للتوازن بين الموقف الفلسطيني والاسرائيلي الا ان تصريحه: (أن الحفاظ على أمن إسرائيل له الأولوية بالنسبة الى الولايات المتحدة الأميركية، والتي هي حليف قوي للدولة العبرية) يؤكد ان سياسة اوباما القادمة تجاه القضية الفلسطينية سوف لا تشهد تغيرا وكما يحلم بعض القادة العرب ويشيع له بعض الكتاب والمحللين العرب في الصحف العربية وكعادتهم من باب التفأؤل بالمستقبل الامريكي متناسين ان المصلحة الامريكية تؤشر ان المشرع الامريكي سوف يركزعلى المحاور الاتية في اعداده لبرنامج العمل لتنفيذ الاستراتيجية للمرحلة القادمة:

 
اولا_ان المصلحة القومية الامريكية وخاصة بعد تزعم الولاياة المتحدة للعالم ان تبقي بل ان تحافظ على نظام الاحادي القطبي ,وحيث كان قد صدرت في عهد بوش وثيقة الامن القومي والتي ذكرت و بوضوح نهاية عصر الاحتواء والردع والتي كانت في سائدة في زمن الحرب الباردة واعلنت بداية عصر جديد هوعصر الضربات الاستباقية واعطت كل الحق للولاياة المتحدة ان توجهها لاية دولة تتسبب في تهديد الامن القومي الامريكي ,أي ان الضربات الاستباقية ستعتمد ويبقى التقدير للقيادة الامريكية في توقيتها وتحديد الاماكن وهذا بحد ذاته كان تغيرا وتكيفا في نفس الوقت للاستراتيجية الامريكية بالتحول من الردع الى الاستباق بالضرب وتماشيا مع التغير الذي حصل في الوضع الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. والان هنالك ايظا تغيرا في الموقف الدولي ولكن هذه المرة ليس في صالح الولاياة المتحدة لذا يتطلب تكيفا للاستراجية الامن القومي الامريكي ويمكن ان يتحول من الحرب او الضربات الاستباقية الى الدبلوماسية الاستباقية وهذا يتوافق مع مجئ الرئيس الجديد ومع صيرورة رأي عام امريكي باتجاه التغيرفي كل شئ ورأي عام عالمي ضاغط بضرورة حضور امريكي لحل المشاكل الدولية وليس باتجاه خلقها وزيادتها وتعقيد حلولها .


ثانيا-ان العقيدة الاستراتيجية الامريكية مصممة وعلى الاقل للنصف الاول من هذا القرن وخاصة بعد زوال نظام الثنائية القطبية الى الاحادي القطبية و لصالح الولاياة المتحدة تركز علىضمان الهيمنة الامريكية على العالم لذلك الزم المفكرين الاستراتيجين الامريكين وزارة الدفاع الامريكية بوجود الخطط لاجهاض أي قوة او دولة في العالم تفكر في المنافسة مع الامريكان على زعامتها للعالم وبالتاكيد ان هذه الخطط العسكرية تشمل في حساباتها الصين التي امتدت كثيرا باتجاه المصالح الامريكية و كذلك باتجاه روسيا الاتحادية في سعيها لاعادة هيمنتها على بعض دول الاتحاد السوفيتي السابق وكذلك احراج امريكا في تعرض روسيا لبعض الدول التي تدعي الاستقلال وهي مرتبطة بالمشروع الامريكي كما هو حاصل في جورجيا.


ثالثا_من الحقائق التي لا يمكن اخفائها عن العالم ان الصناعة العظيمة في امريكا والمتقدمة جدا فرض تنامي في الحاجة الى كميات هائلة للنفط وقد يصل الى استيراد ثلثي من الحاجة الاميريكية للمنتجات البترولية, وان العرب يزودون 25%من الحاجة العالمية وكل الدراسات تؤكد ان هذه النسبة سوف تزداد الى ثلث الحاجة العالمية وخلال العشر السنوات القادمة, وان العرب ينتجون الان وتقريبا 35%من الغاز العالمي,وهذا يعطي مؤشرا مؤكد ان الولاياة المتحدة سوف تصبح اكثر اعتمادا على النفط العربي,وبالمقابل يوجد تنامي الحاجة للنفط من قبل مستهلكين عملاقين الهند والصين وناهيك التنامي في حاجة العالم للطاقة وبمعدلات كبيرة.


رابعا_ان الموقف الأمريكي في المنطقة العربية والاسلامية لابد ان يراعي الكيفية التي يمحي أو حتى يخفف من مشاعر الكره لامريكا الذي خلقته مرحلة البوشين مراعين أولا عامل الطاقة الذي يزداد اهمية بعد ان تدخل الدول الاسلامية كمنتجين للطاقة إلى الجانب العربي ,والعامل الثاني هو الموقع الجغرافي للدول العربية و الاسلامية فالممرات باب المندب ومضيق هرمز و كومبوك وماكاسار و مالاقا وهي صلات حقيقية في تجارة الطاقة ولدعم الأمريكي اللوجستي لقواتها المنتشرة في العالم.  وان الدول الاوربية وامريكا لا يمكنهما الوصول إلى مناطق التي فيها مصالحهما الاقتصادية و العسكرية والسياسية بدون العبور في اجواء الجوية والبحرية وحتى البرية للبلدان العربية والاسلامية , وعلى الولايات المتحدة كقوة عالمية ان تضع في حساباتها الكيفية الملائمة للمحافضة على بيئة وسلامة الحاجة الامريكية وخاصة فيما يتعلق بسلامة الدعم اللوجستي للقوات الامريكية ,وان وجود علاقات عدائية مع هذه الدول سوف يشل القدرة الامريكية في الحفاظ على مصالحها.
خامسا_هنالك حقيقة مهمة وهي ان جهل الأمريكان بموضوع الاسلام والعرب وهذا الجهل كان سببا في فشل الإستراتيجية الامريكية السابقة مع العرب و الاسلام وانها تسببت الضرر الكبير في الحوار بين الحضارات والمفترض الان ان تعد الدراسات المستيفضة حول فهم هذا الدين الحنيف الاسلام وموقفه من الحركات الاسلامية المتطرفة و السلفية والتركيز على الخصائص السلمية وروح التعاون الموجودة في التعاليم الدينية وكذلك فهم وتوضيح الاهداف الحقيقية للقاعدة والتطرف الذي تحمله وكذلك ما تشيع له ايران من تطرف طائفي, كل هذه سوف يساهم في الحرب الامريكية ضد ما اسمته( الحرب على الارهاب ).

 

وعلى أمريكا ان تتجاوز بل ان تخذف من وقواميسها بعض المصطلحات الغريبة على المفاهيم المعاصرة  والمتحضرة مثل(الفاشية الاسلامية).وذلك لانها لا تتماشى مع لغة و مفاهيم العصر والذي يدعوا التعاون و التقارب والفهم المشترك بين الشعوب وهي تعابير استفزازية وان القاعدة والمتطرفين يستغلونها استغلالا غير صحيح وباتجاه التصعيد ضد التعاون ومن ثم توضيفها لصالح نظرة المتطرفين. 

 

والله يهدي من يشاء .... امين

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ٠٩ صفر ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٤ / شبـــاط / ٢٠٠٩ م