خطابا الرفيق المجاهد عزَّة إبراهيم - الرسائل والانتقادات !

﴿ الجزء الثالث

 

 

شبكة المنصور

سعد داود قرياقوس

قَّدمنا في القسم الثاني من هذه المساهمة إجابات عن تساؤلات وملاحظات وتحفًّظات من شخصيَّات وطنيَّة ركَّزت على محتوى رسالة المجاهد عزَّة إبراهيم الموجَّهة للرئيس الأمريكي المُنتخب حينذاك، السيِّد براك أوباما، التي تضمِّنها  خطابه في مناسبة الذكرى الثامنة والثمانين لتأسيس الجيش العراقي المقدام. نكمل في هذا الجزء عرض ما تبقَّى من ملاحظات وتحفُّظات، َّ والردُّ عليها.

 

أوَّلاً، فسَّر عدد من المتحفِّظين ما جاء في "الرسالة" عن استعداد المقاومة الوطنيَّة والقوميَّة والإسلاميَّة والقوَّات المسلَّحة المجاهدة للحوار على إقامة علاقات مع الولايات المتَّحدة وفقًا للشروط الواردة في نصِّ "الرسالة"، على أنَّه تطُّوعٌ غير مباشر من قيادة الحزب للتعاون مع الإدارة الأمريكيَّة المقبلة لاحتواء إيران، وربَّما شنُّ حرب عليها نيابة عن الولايات المتَّحدة. هذا الجنوح في التفسير، مع تقديرنا لأصحابه، لا يحمل أيَّ قدر من الصواب، ومستندٌّ على تأويل غير موفَّق للنصِّ.

 

مع عدم التقليل من الطبيعة العدوانيَّة للنظام الإيراني الراهن، وسجلِّ جرائمه، وأهداف مشروعه القومي التوسُّعي المغلَّف بخطاب ديني مذهبي، فقوى العراق الوطنيَّة تُدرك ذلك جيِّدًا. وليس أدلُّ على ذلك من أنَّ المقاومة العراقيَّة جعلت أجهزة النظام الإيراني المتواجدة داخل الأراضي العراقيَّة هدفًا معاديًا مشروعًا. إلاَّ أنَّ شعبنا ومقاومته لا يضمرون نوايا عدوانيَّة للشعوب الإيرانيَّة، ولا تحتوي برامج المقاومة خططًا لتصعيد الصراع مع النظام الإيراني، إلاَّ في حالة الدفاع المشروع عن أمن شعب العراق ومصالحه.

 

معادلات الصراع الراهنة والمستقبليَّة وأولوَّياته مشخَّصة ومعروفة من قيادات فصائل المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة والقوى السياسية الوطنيَّة، في مقَّدمتها حزب البعث العربي الاشتراكي. والدخول في حروب إقليميَّة كانت أم كونيَّة لا يندرج ضمن نطاق برامج المقاومة وخططها، إلاَّ في حدود الدفاع عن المصالح الوطنيَّة وتأدية الالتزامات القوميَّة، واسترداد الحقوق المشروعة.

 

تأسيسًا على هذا الفهم والمسلَّمات، من الخطأ تفسير محتوى الرسالة الأولى "تعبيرًا عن استعداد قيادة الحزب للتعاون مع الإدارة الأمريكيَّة المقبلة لاحتواء إيران، وربَّما شنُّ حرب عليها"، أو كما يوصف بـ: "محاربة إيران بالنيابة". شعب العراق وقيادة الحزب المجاهدة لم يقاتلوا، ولن يقاتلوا إلاَّ دفاعًا عن حقوق العراق والأمَّة العربيَّة واستردادها، وأهمُّها حقوق شعبنا الفلسطيني.

 

ثانيًا، أوَّلَ عدد من السادة منتقدي الخطاب جملة المحافظة على مصالح الولايات المتَّحدة الاستراتيجيَّة المشروعة" بما يناقض ما قصدته "الرسالة"، وحمَّلوها مُغالين مضامين تجاوزت الهدف المنشود من استخدام  الجملة، ثمَّ فسَّروها "تعبيرًا" عن استعداد قيادة الحزب والمجاهد عزَّة إبراهيم التخلِّي عن التزامهم العقيدي والمبدئي من قضيَّة شعبنا في فلسطين! لن نستغرق الوقت في محاولة تفسير "المصالح الاستراتيجيَّة"، ولن ندخل في مواجهة تنظيريَّة مع مقدِّمي هذا الرأي. الغرض المنشود واضح، ومن الخطأ تأويل النصِّ وفقًا لاجتهاداتهم في معزل عن مواقف الحزب وتراثه القومي، والتزامه بقضيَّة شعبنا في فلسطين. مواقف لا يملك أحد حقَّ المزايدة عليها باستثناء أبناء شعبنا، وعوائل شهدائنا في فلسطين. مواقف الحزب التاريخيَّة المُشرِّفة من النضال ضدَّ الكيان الصهيوني، وثقتنا الراسخة بإيمان المجاهد عزَّة إبراهيم ورفاقه، والتزامهم بالثوابت القوميَّة والوطنيَّة، وعزمهم المعلن على استرداد كامل التراب الفلسطيني، من القوَّة بمكان لدحض أيَّة محاولة للنيل من التزام الحزب بالقضية الفلسطينيَّة. موقف الحزب المبدئي والثابت والراسخ منها مسلَّم به، وتعكسه مواقفه التاريخيَّة من الصراع العربي الصهيوني، ابتداء من تطوُّع أعضائه لقتال العصابات الصهيونيَّة عام 1948.

 

وأدبيَّات الحزب تعكس عمق الالتزام بالقضيَّة الفلسطينيَّة التي تحتلُّ الموقع المركزي في نضاله، وتمثِّل أساس منطلقاته النظريَّة والعقيديَّة. حزب البعث، بكلِّ بساطة هو حزب فلسطين. وتمثِّل فلسطين روح الحزب ومحور نضاله القومي. ويشكِّل تحرير التراب الفلسطيني أحد أهمِّ مستلزمات تحقيق أهداف الحزب الكبرى في الوحدة والحرِّيَّة والاشتراكيَّة. والأهم من كلِّ هذا، أنَّ القيادة الراهنة، تشكِّل امتدادًا عقيديًّا وشرعيَّا للقيادة التاريخيَّة التي تجرَّأت في أعقد الظروف وأكثرها صعوبة على دكِّ العمق الصهيوني بالصواريخ بعيدة المدى، مسجَّلة أول سابقة لحكومة عربيَّة تتجرَّاء على ضرب العمق الصهيوني في مثل هذا النوع من الأسلحة.

 

ثالثًا، أكثر فقرات "الرسالة" إثارة للتحفُّظات والتساولات، كانت تلك التي أشارت إلى "مصالح الولايات المتَّحدة الاستراتيجيَّة في العراق وفي المنطقة." فريق اعترض على وصفها بـ "استراتيجيَّة"، وغيره آخرون اعترضوا على وصفها بـ "المشروعة" وفريق ثالث انصبَّ اعتراضه غير الموضوعي والمغاير للنصِّ على صفة: "المحافظة" و "ضمان". وذهب فريق رابعٌ بعيدًا بأن فسَّرها: "تعهُّدًا" من المجاهد عزَّة إبراهيم وحزب البعث لضمان المصالح الأمريكيَّة في العراق والمنطقة!

 

أين يكمن الخطاء في هذه الاعتراضات والتحفُّظات؟

لنتأمَّل النصَّين اللذين أثارا التحفُّظات والملاحظات المشار إليها أعلاه.

 

الأوَّل: "وأقول للرئيس أوباما: إن أردت وأرادت إدارتك المحافظة على مصالح الولايات المتحدة الستراتيجية المشروعة في بلدنا وفي منطقتنا، فالقادر الوحيد على حفظها هو شعب العراق الحر المستقل وشعوب المنطقة الحرة المستقلة، وليس العملاء والدخلاء الذين باعوا شرفهم وباعوا وطنهم وشعبهم. وان أردتم مصالح غير مشروعة على حساب حرية شعبنا واستقلاله وخياره في الحياة فوالله  لن تحصلوا عليها ولن تهنئوا بها، بل ستكون وبالا عليكم."  

 

الثاني: "فنحن في المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية وفي القوات المسلحة المجاهدة نتعهد لكم إن أعلنتم الانسحاب الشامل من العراق وتركه لأهله حرا مستقلا سنتحاور معكم فورا لإقامة أفضل وأوسع وأعمق العلاقات الستراتيجية مع أمريكا على أساس المصالح المتبادلة والمشتركة وعلى أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير وعلى أساس الند للند واحترام حرية واستقلال الشعوب وخياراتها في الحياة ".

 

نعترف مقدَّمًا أنَّ التعامل مع النصَّين، وإقناع الآخرين لقبول قراءتنا مهمَّة ليست باليسيرة في ظلِّ التأدلج المُشار إليه، والاستعداد التلقائي لرفض كلِّ ما يُقدَّم من تفسير موضوعي وتحليل سياسي للخطاب، لأسباب سبقت الإشارة إليها في القسم الأوَّل من هذه المساهمة. وفي أحسن الأحوال، لا نملك القدرة على تغيير قناعات أصحاب المواقف المعبَّئة وأنصاف الآلهة. لذا، سنركِّز على مخاطبة السادة الأكثر استعدادًا لتقبُّل وجهات نظر مغايرة لقناعاتهم والتعامل معها بموضوعيَّة، معوِّلين على حكمتهم واستيعابهم الأخطار المستقبليَّة المحدقة بالوطن التي قد يفوق حجمها وتأثيرها ما تعرَّض له خلال المرحلة المنصرمة من الاحتلال، مؤكِّدين استعدنا للتحاور معهم وسعادتنا في مواصلة الحوار.

 

بالنسبة إلى النصِّ الأوَّل، نثبت ما يلي:

 

أشرنا  في الجزء الثاني إلى أن توظيف عبارة "المصالح الاستراتيجيَّة المشروعة" قد عكس معان تختلف تمامًا عن الهدف المنشود منها. لكن هذا لا يلغي ضرورة مناقشة بعض التساؤلات المتعلقة بهذا الجانب. بالتأكيد، لن نناقش موضوع: "هل للولايات المتَّحدة الأمريكيَّة في العراق والمنطقة مصالح تعتبرها الإدارة الأمريكيَّة مشروعة واستراتيجيَّة، وتتعامل معها القوى السياسيَّة الأخرى في العالم والمنطقة كذلك!" مثل هذا النقاش لن يغيَّر طبيعة المصالح، وتعامل الأطراف الدوليَّة معها وفقًا لهذا الوصف، ولن يغيَّر اعترافنا بها أو رفضنا لها من حقيقة وجودها في ظلِّ تقسيم العمل الدولي الراهن. الحوار على مشروعيَّة أو عدم مشروعيَّة، وعلى استراتيجيَّة المصالح الأمريكيَّة في المنطقة أو عدمها، أمر، في تقديري، غير ذي جدوى في المرحلة الراهنة. المهم ألاَّ تكون هذه المصالح متعاكسة مع  مصالحنا الوطنيَّة والقوميَّة، وألاَّ يقود التعامل معها إلى تنازلات أو مساومة أو تخلٍّ عن عناصر السيادة والمصالح الوطنيَّة والقوميَّة، وثوابت المقاومة والتحرير.

 

نحن نفهم تحسُّس بعض الزملاء من كلِّ ما له علاقة بالولايات المتَّحدة الأمريكيَّة ومصالحها، ونفهم كراهية الشعوب لها ونشاركهم مواقفهم وضرورة النضال ضدَّ المشروع الإمبريالي الأمريكي. لا بل إنَّ كاتب السطور أكثر تطرُّفًا من الآخرين حيال هذا الموضوع. لكن مشاعرنا شئ، ومصالح شعب العراق ومستقبل العراق المستقلِّ المُحرِّر شئ أخر.

 

من الواضح أنَّ "النصَّ" لا يتضمَّن أيَّة إشارة إلى "ضمان "و "ضمانة"  بل "حفاظ" و "محافظة"، وثمَّة فرق كبير بين المحافظة المشروطة على المصالح  وضمانتها.

 

لا يتضمن "النص" أيَّة إشارة إلى "تعهُّد الحزب أو المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة" بالمحافظة على المصالح الأمريكيَّة. إنَّه يشير بكلِّ جلاء ووضوح إلى أنَّ "شعب العراق الحرِّ المستقل وشعوب المنطقة الحرَّة المستقلَّة القادر الوحيد على حفظها." فأين الزلل في هذا الطرح؟ مَن يملك صلاحية الحفاظ على المصالح المشروعة غير الشعوب الحرَّة المستقلَّة ومؤسَّساتها الدستورية؟ ثمَّ عن أيِّ نوع من المصالح تشير الرسالة؟ "المصالح المتبادلة والمشتركة، وعلى أساس عدم التدخُّل في الشؤون الداخليَّة للغير، وعلى أساس الندِّ للند، واحترام حرِّيَّة الشعوب واستقلالها وخياراتها في الحياة.

 

ونصُّ الفقرة الثانيةّ يشير محتواه بوضوح غير قابل للتأويل إلى تعهُّد المقاومة الوطنيَّة والقوميَّة والإسلاميَّة والقوَّات المسلَّحة المجاهدة  للحوار مع الإدارة الأمريكيَّة الجديدة التي تعهَّد رئيسها بسحب قوَّاته المحتلَّة من العراق. متى يتمُّ الحوار؟ بعد إعلان الإدارة الأمريكيَّة الجديدة "الانسحاب الشامل من العراق وتركه لأهله حرًّا مستقلاًّ". ما الخطاء في هذه الدعوة؟

 

وعلامَ  يكون الحوار؟ أليس على إقامة علاقات على "أساس المصالح المتبادلة والمشتركة، وعلى أساس عدم التدخُّل في الشؤون الداخليَّة، للغير وعلى أساس الندِّ للندِّ واحترام حريَّة الشعوب واستقلالها وخياراتها في الحياة!"

 

من الواضح أنَّ النصَّ يشترط على عمليَّة بناء علاقات مستقبليَّة مع الولايات المتَّحدة دون التخلي عن عناصر السيادة والمصالح الوطنيَّة. بناء علاقات اقتصاديَّة أو أيِّ نوع آخر من العلاقات مع الولايات المتَّحدة أو أيَّة دولة أخرى، بعد تحقيق الاستقلال الكامل، ليس أمرًا مفتوح النهايات، بل قضيَّة  تتحكَّم فيها ضوابط واعتبارات وطنيَّة وقوميَّة، ويجب أن تستند على أسس التكافوء السيادي. ويشير النصُّ بوضوحٍ إلى ذلك. نحن شعب قادر على استرداد سيادتنا، وبرهنَّا عبر تاريخنا المعروف في مقارعة المحتلِّين ودحرهم قدرتنا على حفظ مصالحنا.

 

نوهنا، كما سلف إلى عدم موضوعيَّة قراءة الرسالة وصوابها، وتفسير محتواها في معزل عن مسيرة الحزب التاريخيَّة وتمسُّك قيادته باستقلاليَّة القرار السياسي العراقي، ودفاعها الرجولي عن مصالح العراق. مَن أمَّم الثروة النفطيَّة! كان حزب البعث العربي الاشتراكي وليس غيره. لا شكَّ أنَّ دعم القوى السياسيَّة الوطنيَّة الأخرى وصمود شعبنا، ساهما في انتصار قرار التأميم الخالد. لكن كان ذلك قرار قيادة الحزب والثورة. قيادة تقدم على تأميم الثروة النفطيَّة وتحسم وجود المصالح الأجنبيَّة في العراق، وتصرُّ حتَّى الساعات الأخيرة لحكمها الوطني على عدم التفريط بسيادة العراق ومصالح شعبه، لن تفرِّط في برميل نفط واحد، وليست معنيَّة بالمحافظة على مصالح الدول الأخرى، بل معنيَّة فقط بالمحافظة على مصالح شعبها وأمَّتها. قيادة تعتزُّ بقرار تأميمها الثروة النفطيَّة، ستعيد حتمًّا مليكة الثروة النفطيَّة لشعب العراق.

 

نحن ندرك وجود أفراد وتجمُّعات عراقيَّة سياسيَّة تدعو إلى التحريم المطلق لأيِّ نوع من العلاقة المستقبليَّة مع الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة والدول الأخرى التي شاركت في احتلال العراق. ونفهم دوافعهم، ونحترم حقهَّم، ونشاركهم في الموقف إزاء الإداراة الأمريكيَّة السالفة، وكذلك موقفهم ممَّا اقترفته الإدارات الأمريكيَّة المتعاقبة من جرائم بحقِّ أمَّتنا وشعبنا. لكن هذا الطرح، مع مشروعيَّته، يحمل قدرًا من المراهقة السياسيَّة، ويبتعد عن الواقع الموضوعي، ويغفل عن حجم التحدِّيات المستقبليَّة ومتطلَّبات إعادة بناء العراق الحرِّ المزدهر. هذه ليست دعوة لغفران جرائم المحتلِّ الأمريكي أو لفتح صفحة جديدة مع الإدارة الأمريكيَّة الجديدة  بدو قيد أو شرط، أو مطالبة بتقديم تنازلات وطنيَّة، أو تخلٍّ عن أيٍّ من ثوابت الوطن والمقاومة. إن هدف استرداد حقوق شعبنا الكاملة وغيرالمنقوصة، كان وسيبقى أهمَّ طموحاتنا ومطالبنا. نحن بالتأكيد مع فكرة معاقبة المحتلِّين ومَن ساندهم دون استثناء، ومع تحريم أيِّ نوع من العلاقة بهم، لكنَّنا ندرك استحاله تلبية هذا الطموح في ظلِّ إمكانات شعبنا وقدراته الاقتصاديَّة والصناعيَّة، وطاقاته الإنتاجيَّة وهيكليَّة اقتصاده، وأحاديَّة مدخوله القومي، وفي ظلِّ النظام السياسي والاقتصادي الدولي السائد. المشكلة لا تكمن في عدم صواب مطالبات التحريم أو شرعيَّتها، بل في عدم منطقيَّتها واستحالة تطبيقها. فتبنِّي منطق تحريم العلاقة بالولايات المتَّحدة وبكلِّ مَن ساهم ومهَّد لاستباحة شعب العراق، بما فيها الدول التي اعترفت بالاحتلال وساهمت في شرعنته، وتلك التي اعترفت بالحكومة العميلة وطبَّعت العلاقة معها. يعني بكلِّ بساطة تحريم التعامل مع عدد كبير من دول العالم في مقدَّمتها غالبيَّة دول الجوار ومعظم الدول الصناعيَّة. دعوات كتلك، مع تفهُّمنا لدوافع أصحابها المشروعة، تبقى في تقديرنا دعوات غير عمليَّة وبعيدة عن الواقع، ولن تخدم مصالح شعب العراق ومستلزمات إعادة بنائه مستقبلاً.

 

لن نسهب في تقديم نماذج تاريخيَّة لشعوب تعرَّضت للاحتلال، ثمَّ أعادت العلاقات الاقتصاديَّة مع الدول والحكومات التي احتلَّتها بعد نيلها الاستقلال. الأمثلة كثيرة ومنها الجزائر وفرنسا، الاقطارالعربيَّة وتركيا، فيتنام والولايات المتَّحدة، فرنسا وألمانيا. لا نريد أن نسهب أيضًا في عرض نماذج لدول وحركات تعارض سياسية الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة الخارجيَّة ومشروعها الإمبريالي، وتسعى في الوقت نفسه إلى تحسين العلاقة بها وتطوير علاقاتها السياسيَّة والاقتصادية معها. قد يكون من المفيد تكرار ما سبق تثبيته: إنَّنا لا ندعو إلى دعم أو إسناد أو التعويل على أو التحالف مع الإدارة الأمريكيَّة، ولا نسوِّق لقبول برامجها وعولمتها وشركاتها. على العكس من كلِّ ذلك، نحن ندعو للنضال ضدِّ المخطَّط الأمريكي بصيغه الراهنة، ونطالب بالتمسُّك بحقوقنا وثوابتنا، والعمل على نيل استحققاتنا الوطنيَّة، واسترداد السيادة  الكاملة غير المنقوصة. وندعو أيضًا إلى التعامل الموضوعي والواعي المستند على قراءة معطيات المرحلة قراءة واقعيَّة مستندة على حسابات الوطن وتطوُّرات المقاومة، والتعامل مع المتغيِّرات الدوليَّة  بما يحقِّق مصالح الوطن وأمن شعب العراق ومستقبل أجياله دون تنازل أو مساومة.

 

ثمَّة نقاط قد يكون من المفيد أخذها في الاعتبار عند مناقشة العلاقات المستقبليَّة للعراق الحرِّ المستقل:

 

الأولى: نتائج حسابات مواقف الأشخاص والأحزاب والحركات السياسيَّة المتواجده خارج المؤسَّسات الدستوريَّة والتنفيذيَّة وتأثيراتها تختلف عن حسابات الدولة ومصالح الشعب تمامًا. قد يتاح لشخص مستقلٍّ كاتبًا كان أم ناشطًا سياسيًّا، أو قد يتاح لحركة سياسيَّة تعمل خارج السلطة تبنِّي أكثر المواقف تطرُّفًا دون أن تترتَّب عليها أضرار في مصالح الشعب أو الدولة، لكن هذه المرونة غير متاحة لصاحب القرار السياسي.

 

ثانيًا: الحديث عن قائمة الدول المحرَّم التعامل معها بعد تحقيق الاستقلال حديث سابق لأوانه. كما أنَّ صلاحيَّة تحديد الدول المحرَّم التعامل معها، أو رسم مسار علاقات العراق الاقتصاديَّة والسياسيَّة الخارجيَّة مناطة فقط بالمؤسَّسات الدستوريَّة لدولة العراق الحديث المنبثقة عن خيارات الشعب المعبِّرة عن إرداته. لا جدال بأنَّ هذه الصلاحيَّات الدستوريَّة في هذه المرحلة متجسِّدة في المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة ممثِّلاً شرعيًّا وحيدًا لشعب العراق.

 

ثالثًا: التحريم الوحيد الذي يجب الالتزام به بشكل مطلق، هو تحريم أيِّ نوع من التعامل مع الكيان الصهيوني.

 

إنَّ ثقتنا العالية بقيادة حزبنا ومقاومته، وقيادة فصائل المقاومة الأخرى، تطمئننا بأنَّهم لن يدخلوا أبدًا في صفقات التنازل والمساومات. وأنهم لن يتخلَّوا عن أيٍّ من ثوابت المقاومة، ولنا ثقة مطلقة بحكمتهم وشجاعتهم واستقرائهم التطوُّرات السياسيَّة، وقدرتهم على اتِّخاذ القرارت الصائبة. كما أنَّ إيماننا بقيادة حزبنا المجاهدة، تخوِّلنا طمأنة أبناء شعبنا وإخواننا في الحركات السياسيَّة المناهضة للاحتلال، وبأنَّ التزام قيادة الحزب بثوابت المقاومة والتحرير التزام جهاديٌّ يتجاوز الحسابات السياسيَّة التقليديَّة، فلا تنازل ولا مساومة في حقِّ شعب العراق حتَّى يتحقَّق النصر وعودته إلى أبناء شعبه حرًّا مزدهرًا.

 

أختتم بالقول إنَّ المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة بكلِّ فصائها جديرة بثقة أبناء شعبها. فهي القيادة التي هزمت أكبر مشروع استعماري وأعتى قوَّة عسكريَّة عرفها التاريخ. قيادة تستحقُّ الثقة والتقدير والاحترام. فلها حبُّنا وتقديرنا الكبيران، وإيماننا المطلق بقراراتها. ولكلِّ مَن تكرَّم على كاتب المقال بتقديم ملاحظاته وتحفُّظاته وتساؤلاته، أجدِّد شكرنا واعتزازنا، آملين أن نكون قد وفِّقنا في إقناعهم، وإلاَّ فإنَّنا مستعدون لمواصلة الحوار.

 
 
للاطلاع على الاجزاء السابقة :
خطابا الرفيق المجاهد عزَّة إبراهيم - الرسائل والانتقادات ! الجزء الاول
خطابا الرفيق المجاهد عزَّة إبراهيم - الرسائل والانتقادات ! الجزء الثاني
 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٠١ صفر ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٧ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م