مواقف نضالية في زمن الايام الطويلة

﴿ الحلقة الحادية عشر ﴾

 

 

شبكة المنصور

ابو عمار المخضرم / بغداد

هكذا كنا            ونبقى هكذا
همما شامخة          رغم الاذى
**********************************


* انتخابات حزبية بعثية على ضفاف هور الحمّار
* مجلس عزاء الطليعة العربية في الناصرية

****************************************


كثيرة هي اساليب الاضطهاد التي كان المناضلون البعثيون يحاربون بها في عهود النضال السرّي فمن سجن واعتقال وتعذيب واغتيال الى الفصل من وظائف الدولة والابعاد الى مناطق كان المسؤولون يعتقدون انها خارج نطاق المجال الحيوي لنشاط حزب البعث


وهذا ما حدث بعضه لي كما ذكرت في الحلقة السابقة والذي كان اخره قرار الحاكم العسكري بأبعادي الى الناصرية حيث وصلتها بتأريخ 1\4\1960 مخفورا وبعد تسجيلي في مركز الشرطة (واستلامهم ) لي سمحوا بالاقامة في احد الفنادق المتواضعة على ان اسجل حضوري يوميا (حسب الاصول) ولكن المسؤولين والحق يقال تساهلوا معي في هذا الامر ولقد فوجئت بوجود الرفيقين عبد الوهاب البكاء وسعدي عياش عريم رحمهما الله وهما من قيادة تنظيم الديوانية بأنظاري بعد علم منظمتهم بتسفيري الى الناصرية حيث نزلا معي في نفس الفندق لبضعة ايام بعد ان امّنا اتصالي الحزبي في منظمة الناصرية . وقد وجدت في نفس الفندق بعض المبعدين من مناطق العراق المختلفة اخص بالذكر منهم المرحوم الشيخ معاوية الاموي اليزيدي من شيوخ اليزيدية في منطقة باعذرة قضاء الشيخان بتهمة (البعثية) وهو والد السيد انور اليزيدي الذي يتردد اسمه هذه الايام في اجهزة الاعلام كأحد الابطال المدافعين عن هوية المواطنين اليزيدين وعروبتهم ضد محاولات الحزبين الكرديين العميلين اللذين تسلطا على مقدرات بلدنا بدعم واسناد المحتلين الامريكان والصهاينة والصفويين لتزيف هويتهم العربية الاصيلة ...


في الايام الاولى لوصولي زارني مندوب الحزب وكان من الرفاق الذين اعرفهم وابلغني انه سيرافقني مساء اليوم التالي الى المنظمة التي نسبت اليها وهي عضوية قيادة المنظمة . وفي الموعد المحدد كنت معه في بيت احد الرفاق مع بقية الاعضاء والمسؤول , ولقد كرس ذلك الاجتماع بالترحيب بي عملا بتقاليد الحزب ثم اعطاني المسؤل صورة مكثفة عن وضع التنظيم والحالة العامة في المحافظة والمشاكل والعقبات التي كانت تواجه البعثيين وفي مقدمتها الاساليب القمعية الحاقدة التي كان يمارسها الشيوعيون وبعض اجهزة السلطة ضدهم .


بعد دخولي في خضم العمل الحزبي فوجئت بأن التنظيم برغم تلك الظروف القاسية كان يتّسم بالنشاط والحيوية وانه يتغلغل في جميع شرائح مجتمع الناصرية مركز المحافظة واطرافها بين الفلاحين والعمال والطلبة والنساء والعاملين في اجهزة الدولة ومن بينهم ابناء القوات المسلّحة الباسلة حيث كان اكثر منتسبي حامية الناصرية من اصدقاء ومؤيدي الحزب لدرجة ان النادي العسكري كان احد الامكنة الآمنة التي نلتقي فيها نحن اعضاء قيادة التنظيم اضافة الى مقهى (العروبة) القريب من مبنى المحافظة الذي كان مقرا ومحطة لعموم البعثيين واصدقائهم , وكما هو معلوم فقد تم بتوجيه من الرفيق الشهيد الخالد (صدام حسين) احياء ذكرى هذه المقهى بأعمارها ورعاية القائمين عليها باعتبارها تراثا حزبيا نضاليا يستحق التكريم اسوة بجميع المقاهي والنوادي والاوكار الحزبية التي كان يرتادها البعثيون ايام النضال السري ...


ولقد كانت سعادتي غامرة عندما التقيت عددا من الرفاق المعلمين في سوق الشيوخ والرفاعي والناصرية من الذين كانوا طلابا في دار المعلمين في بعقوبة وكنت مسؤولهم الحزبي حينذاك منذ عام 1955 ولغاية 1958 واذكر من هؤلاء الرفاق الاعزاء :- ح.الركابي و ع .ب.احمد وص . بهية وممتاز وناصر وغيرهم


مجلس عزاء الطليعة العربية
***********************


كان الحزب انذاك يتفاعل ويشارك ايجابيا في كل المجالات الاجتماعية والسياسية والدينية مع ابناء الشعب ومشاركتهم افراحهم واحزانهم وكان البعثيون لا تفوتهم مناسبة الا وشاركوا فيها , فكنا نزور مجالس العزاء والفواتح ونقدم باسم الحزب المساعدة التي تتيحها لنا امكاناتنا المتواضعة وكنا نتبنا حل مشاكل المواطنين والتوسط لأيجاد العمل للعاطلين من خلال رفاقنا واصدقائنا العاملين في اجهزة الدولة وهم كثر .


وان انسى فلن انسى الاحتفال الجماهيري الكبير الذي اقمناه بمناسبة يوم عاشوراء تحت اسم (مجلس عزاء الطليعة العربية) الذي كرس لتمجيد قيم الشهادة والفداء من اجل المبادئ وحاجتنا الى تلك القيم لمجابهة الحكام الظالمين والتصدي لهم وكان معظم الكلمات والقصائد (والردات) التي القيت ضد النظام القاسمي والارهاب الشيوعي بشكل مكشوف وصريح , ولقد حضر احتفالنا هذا الذي كان مكانه محلة عرفت باتجاه اهلها البعثي والقومي لذلك فقد اطلق عليها اسم محلة (الجعيفر) تشبيها لها بمحلة الجعيفر في كرخ بغداد .


أن معظم انشطتنا كانت وليدة المبادرات الذاتية المشروعة وفقا لأجتهادات قيادة المنظمة الاّ ان ذلك لا يعني انعدام العلاقة التنظيمية مع القيادة القطرية بل كانت هذه العلاقة وثيقة وتتجسد في اتصال المندوبين من تنظيم الناصرية بها لأستلام التعليمات والنشريات وكذلك زيارة مندوبي القيادة القطرية لنا حسبما كانت تسمح به تلك الظروف الصعبة . واذكر هنا زيارة احد الرفاق اعضاء القيادة واجتماعه بنا في سوق الشيوخ في دار الرفيق (ع.الدهش) ودار الرفيق نعيم حداد ومغادرته بعد ذلك الى البصرة بمهمة حزبية بسيارة (فولكس واكن ) تعود للحزب


معوقات غير متوقعة
*****************


في اوج تصاعد انشطتنا الحزبية فوجئنا بانشقاق اثنين من اعضاء قيادة المنظمة عن خط الحزب المشروع والتحاقهما بما سمي انذاك (جماعة الريماوي) وهما كل من (م.عبد الرحيم) و (ع . حساني ) وقد بذلنا كل جهد ممكن لأعادتهما الى طريق الحزب القويم ولكن دون جدوى فكان من الضروري تطبيق النظام الداخلي بحقهما فتم فصلهما من الحزب , ومن حسن الحظ انهما لم يتمكنا من التأثير على بقية الرفاق في مختلف المستويات الحزبية ولم يترك فصلهما أي تأثيرات سلبية على التنظيم والدليل على ذلك ان الانتخابات الحزبية التي سأتحدث عنها فيما يلي قد تمت بعد ذلك بشكل طبيعي وبنجاح كبير

 

انتخابات بعثية على ضفاف الهور
****************************


كان الحزب بكل تنظيماته (ولا زال ) يمارس الديمقراطية المركزية والنقد والنقد الذاتي على اوسع نطاق , ومن بين اهم الانشطة على هذا الطريق قيامنا بأجراء الانتخابات الحزبية مخترقين بذلك حواجز الحذر ومتحدّين كل اجهزة القمع والرقابة المعادية حكومية كانت ام شيوعية ومؤكدين بأصرار على ممارسة الديمقراطية داخل الحزب التي تشكل الانتخابات احدى اعمدتها الرئيسة .ولغرض توفير اقصى درجات الامن والسلامة لهذه الممارسة فقد قررنا اجراءها في احد ايام الجمع في دار الرفيق الفلاح (س.ظاهر) في قريته الواقعة جنوب مدينة سوق الشيوخ وفق خطة دقيقة حيث (تسلل) الرفاق اعضاء المؤتمر الانتخابي فرادى ومجموعات صغيرة الى سوق الشيوخ ومنها (بالمشاحيف ) الى دار الرفيق المذكور الذي كان بانتظارنا مع الرفاق في منطقته .


بعد اكمال الانتخابات على وفق النظام الداخلي فاز الرفاق اعضاء قيادة التنظيم انفسهم مع رفيق اخر(عدنان .ع. ق) الذي كان يعمل في احدى الشركات الهندسية في الناصرية .


وعند عودتنا مساءا استأجرنا باصا خشبيا كبيرا حيث نقلنا الى الناصرية لأننا لم نعد نخشى الكشف بعد ان اكملنا مهمتنا الانتخابية وكان الرفاق في الباص يهزجون ويرددون القصائد والهوسات الشعبية ومن بين تلك الهوسات التي ظلت عالقة في ذاكرتي الى اليوم اهزوجة تمجد الرفيق القائد المؤسس (احمد ميشيل عفلق) وشرف الانتساب اليه وهي :


(( حنّا فروخك ياميشيل والنعم والنعمتين ))
- أي نحن اولادك ياميشيل وانعم بذلك واكرم –


ولقد رويت هذه الواقعة للرفيق القائد المؤسس رحمه الله بعد ثورة 17\تموز\1968 في بغداد فسرّ بها ايّما سرور وطلب مني اعادتها على مسامعه عام 1988 عندما لقيته في داره ببغداد بحضور الشهيد المرحوم صلاح الدين البيطار .


ان الذكريات النضالية في الناصرية مهد معركة ذي قار التي (انصفت) العرب من العجم كما قال الرسول محمد (ص) , ومدينة الخالدين اليعاربة امثال الشاعر المجاهد محمد سعيد الحبوبي ستبقى شلاّلا يتدفق في الذاكرة رغم بعد المدى وكرّ السنين .


ولا بد لي ان اسجل في الختام ان ابناء ذي قار شانهم في ذلك شان كل ابناء شعبنا العراقي العظيم كانوا وسيبقون مثلا مجسّدا لكل القيم العربية والاسلامية الاصيلة , يعمر قلوبهم الايمان المطلق برسالة الامة وبنصرها الحاسم على الاحتلال الامريكي الصهيوني الصفوي البغيض وعملائه الخونة بعون الله تعالى وتوفيقه .

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ١٧ محرم ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٤ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م