هل تعيد ( حماس ) النظر بتموضعها السياسي ؟

 

 

شبكة المنصور

المحامي حسن بيان

كل شيء يمكن ان يقال في وصف هذا المشهد ية الدموية التي لفت حياة غزة ببشرها وحجرها وشجرها،يصح فيها قول المحرقة كما المجزرة،وهذه لم تكن المرة الاولى التي يطل فيها الكيان الصهيوني على العالم من خلال ما يرتكبه من جرائم موصوفة بحق شعب فلسطين.وبطبيعة الحال لن تكون الاخيرة،طالما ان الصراع بقي مفتوحاً بين مشروعين متناقضين،لا تستقيم الحياة لأحدهما الا بإسقاط او نفي الاخر.


ولذلك فإنه بالقدر الذي يجب ان نسلط فيه الاضواء على طبيعة الجرائم الصهيونية المتتالية واخرها التي وقف العالم عليها وهو يرى كتلة شعبية بكاملها تحت مرمى النيران القاتلة والحارقة،فإن الاهتمام يجب ان ينصب أولاً على الوقف الفوري لهذه المذبحة التي تنفذ بإيد باردة وفك الحصار وثانياً،لإنطلاق من هذا الواقع المفجع انسانياً الى البحث السياسي في اليات عمل تحول دون تكرار هذا المشهدية بالصورة التي رأها العالم.


ان استمرار الحراك الشعبي وبزخم اكبر هو على قدر كبير من الاهمية كونه يشكل الوسيلة المتاحة في ظل المعطيات العربية والدولية لوقف حمام الدم الذي يغتسل به ابناء غزة وقطاعها.لكن الاهم من كل ذلك يبقى النظر الى الوضع بعيداً عن التموضع العسكري القائم على الارض.لأنه على اهمية الدلالات النضالية للصمود واطلاق الصواريخ على المدن والمستعمرات الصهيونية فإنه من الخطأ الحديث عن هذه الجولة الصراعية الجديدة بالاستناد الى موازين القوى العسكرية كون الاهمية في تناول الموضوع يجب ان تركز على التموضع السياسي.


فإذا كان التموضع العسكري يرتبط بمسرح العمليات الميدانية، فإن التموضع السياسي يربتط بمسرح عمليات اخرى وفي دوائر متعددة ومن هنا يجب البدء بالقول بأن "اسرائيل" دخلت هذه الجولة من الصراع المفتوح ليس استناداً الى ترسانتها العسكرية ذات الفعالية التدميرية الهائلة،بل دخلتها استناداً الى موقف سياسي توحدت حوله كل القوى السياسية من يسمى منها مجازاً معتدلاً،او متطرفاً،فيما الجانب الفلسطيني فرضت عليه هذه المنازلة وهو في اشد لحظات انقسامه السياسي والمناطقي،كما ان" اسرائيل"دخلت هذه الجولة وهي طليقة اليد بالنظر الى المعطيات العربية والاقليمية والدولية القائمة، فيما الوضع الفلسطيني مقيد بتعقيدات الداخل الفلسطيني وتناقضاته،والمواقع العربية المقيدة بضوابط الاتفاقيات الثنائية والقرارات الدولية واشارات لتسوية موعودة فضلاً عن وضع دولي ما يزال تحت تأثير الصدمة المالية الكبرى.


وحتى لا تكون النتائج السياسية كارثية كتلك التي ارخت ظلالها على الكتلة الشعبية برمتها فإن الانطلاق بالبحث السياسي يجب ان ينطلق من النقطة التي اعتبرت مقتلاً للواقع الفلسطيني،باعتبارها شكلت نقطة الضعف الاساسية فيه.


ان نقطة الضعف الفلسطيني القاتلة هي حالة الانشطار السياسي بين القوى السياسية الفلسطنينة،والذي ادى في ظل تراكم سلبياته الى واقع انقسامي على الارض،وهذا لو لم يكن موجوداً لكانت "اسرائيل" عملت الى ايجاده.


لذلك،فإن التعامل مع ما جرى في غزة وعلى اهمية الموقف التعبوي،يجب ان ينطلق من حيث بدأ الانزلاق الى هذا القعر اي بالعودة الى صيغة توحد فلسطيني على قاعدة تغليب تناقض الصراع مع العدو على تناقض الصراع السياسي الداخلي على السلطة.لأن استمرار هذا الصراع على حديته،سوف يضع الجميع في فم التنين الصهيوني وانه عندما تؤكل غزة وتنتهي عملية الهضم السياسي لهذه الجولة سيأتي دور الضفة وكل موقع فلسطيني او عربي تختلج فيه روح المقاومة.


ان عودة الجميع الى رحاب الوحدة الوطنية الفلسطينة ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطنينة باعتبارها المرجعية السياسية الاعلى يزيل التباساً شديداً حول السلطة ودورها ويضعها تحت اشراف المنظمة التي هي الاطار الاكثر مشروعية للتمثيل السياسي للشعب الفلسطيني في داخل فلسطين وخارجها.


وليس ضعفاً لحماس ان تعترف انها وقعت في خطأ التقدير السياسي بدخولها لعبة ادارة السلطة وهي تعرف انها لا تسطيع ان تديرها استناداً الى خطاب تعبوي وهي محكومة في ادائها وحراكها بتعقيدات الداخل الفلسطيني والاحتلال والقيود المفروضة من وعلى المواقع العربية.


ولذلك،فإن الخروج من المأزق السياسي،مدخله مبادرة من قبل حماس،تقوم على نقطتين الاولى،اعتبار الحكومة الحماسية بحكم المستقيلة والثانية الدخول في بحث سياسي حول اعادة تركيب بنية منظمة التحرير الفلسطينية.


ان استمرار وجود حماس وغيرها من فصائل خارج منظمة التحرير يجعل هذه الاخيرة محكومة بالخلل البنيوي وبالتالي بقاء الوضع الفلسطيني محكوماً بالتجاذبات السياسية حول شرعية مرجعياته المتعددة.


لذلك،فإن المطلوب هو اعادة توحيد المرجعية السياسية،في اطار منظمة التحرير الفلسطنية باعتبارها تجسد شرعية التمثيل الفلسطيني .


وعندما تصبح حماس كما غيرها اعضاء في اطار المنظمة تستطيع ان تلعب دوراً في تصليب الموقف الوطني الفلسطيني وتعيد تصويبه باتجاه الخيارات الوطنية ببعديها المرحلي والاستراتيجي وبدون الوحدة الوطنية الفلسطنية على قاعدة الموقف السياسي الموحد من التعامل مع الاحتلال وافرازاته،والوضع العربي بكل تناقضاته وتعقيداته عبثاً يجري البحث عن مخارج للمأزق الفلسطيني الراهن والمستقبلي.


ان التحدي كبير وكبير جداً،والمسؤولية الوطنية تفرض اتخاذ قرارات بحجم هذا التحدي،ومن يعتبر نفسه انه المعني بالتعبير عن الطموحات الوطنية يجب ان يكون مبادراً لاطلاق الموقف المسؤول،واذا كانت حماس تعتبر نفسها هكذا،فعليها ان ترد على هذه الهجمة ليس بالعزف على وتر الصمود السياسي في الموقف وحسب،بل بالمبادرة الى اعادة النظر في تموضعها السياسي ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطنية.وعندئذ يمكن القول ان "اسرائيل"فشلت في تحقيق اهدافها السياسية لأن حربها على غزة اعادت الوحدة الوطنية للفلسطنيين.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٠٩ محرم ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٦ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م