ذكرى مجيدة للقائد الملهم الرئيس الشهيد صدام حسين

 

 

شبكة المنصور

د. فؤاد الحاج

في ذكرى استشهاد شهيد الحج الأكبر، الرئيس المجاهد صدام حسين، حري بنا وبكل وطني وقومي حر شريف أن نعمل على تحقيق أفكار وطموحات الرئيس الشهيد الذي ضحى بنفسه وبأولاده من أجل الأمة ومن أجل الوطن، كي تخلد روحه بأمان، لأن روح الشهيد ترقبنا وهي ترفرف فوقنا.. لا أن نتخذ من الذكرى مناسبة للتغني بما قدمه الشهيد فقط، وأننا عندما نتخذ من صاحب الذكر رمزاً للنضال علينا أن نعيد بقراءة متأنية كل ما قاله في كل المناسبات، وعلى الأحرار والشرفاء من أبناء عراق التاريخ والحضارات وأبناء الأمة العربية الذين يمتلكون كتب وخطب الرئيس الشهيد أن يعيدوا طباعتها وأن يوزعوها على المهتمين، كما عليهم أن ينشرونها في مواقع مختلفة على شبكة الانترنيت، وهنا ألوم نفسي وأعتذر لأني أمتلك مكتبة تضم العشرات من الأفلام الوثائقية والخطب والكتب الخاصة التي ربما مفقودة في الأقطار العربية، من هنا ألوم نفسي وأعتذر لأنني غير قادر على تحويلها إلى صور إلكترونية ولا إلى أفلام ديجيتيل كي يتم تداولها وتوزيعها عبر شبكة الانترنيت لأنها تحتاج إلى برامج وتقنيات خاصة لا توجد لدي، على أمل أن يأتي يوم أقدر فيه على نشر وتوزيع تلك الأقلام والوثائق.

 

وفي هذه الذكرى المجيدة، أستلهم كلمة للشهيد من خطاب ألقاه في الذكرى الثامنة للمنازلة الكبرى أم المعارك الخالدة عام 1999، طرح فيها فكرة مستقبلية، وكأنه يتنبأ فيها بما آل إليه وضع العالم الاقتصادي اليوم، للحفاظ على خيرات وثروات ليس البلاد العربية فقط، بل على ثروات باقي دول العالم التي قد تقبل بتلك الرأي أو الفكرة ألا وهي أن يتأسس تجمع دولي عرف مبدئياً باسم (التجمع المؤسسي) وفي الوقت نفسه للحفاظ على التوازن والسلام في العالم.

 

وبعد مقدمة أشار فيها إلى البدايات الأولى لحركة الاستعمار في العالم، وخروج الغرب وتوجهه إلى الشرق، ليس بقصد الدعوة للخير والفضيلة، أو لنشر قضية إنسانية ذات طابع ومعنى، وإنما بقصد الاستعمار والاغتصاب والاعتداء ونهب الخيرات مما أدى إلى إفقار ملايين الناس وزيادة متاعبهم ووضعهم تحت ظروف قاسية، وإلى التضحيات التي قدمها أبناء البلدان المضطهدة لإخراج المستعمرين من بلدانهم وإنهاء الاستعمار القديم، الذي عاد المستعمرون من بعده بأسلوب جديد، هو الاستعمار الحديث، الذي لا تزال كثير من بقاع العالم، وخاصة آسيا، تعاني من ويلاته. ذكر أن الوضع الدولي وأوجه لاختلال فيه، وإلى الأخطار التي تهدد البشرية بسبب سيطرة جشع رأس المال الصهيو-أمريكي، تمنى أن تصل دعوته إلى تأسيس ذلك التجمع الدولي من الراغبين من دول العالم، ابتداءً بدول الشرق، وأن يكون لذلك التجمع "أنظمة ومواثيق متفق عليها لإقامة تعاون جدي في الميادين الاقتصادية والسياسية والعسكرية لحفظ التوازن وتحقيق السلام.. على أن ينظر للأمة العربية بأنها أمة واحدة من حق أي من دولها الانتماء إلى هذا التجمع ابتداء، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي، سواء في آسيا أو أفريقيا".

 

وقد أوضح الرئيس رحمه الله طبيعة ذلك التجمع، بأنه "ليس موجهاً ضد أحد، ولكنه ليحمي منتسبيه، ويدافع بالحق، وفق قياسات إنسانية صحيحة عن أمن ومصالح أعضائه والأمن الدولي.. وأن التعاون الايجابي بين الأعضاء هو الأساس الذي يبني عليه، ليحقق ما هو لصالح الأعضاء ولصالح الأمن الدولي والإقليمي، وهو منفتح أمام من ينضم إليه وفق أسسه وشروطه".

 

وقد أتت دعوة الرئيس الشهيد في أعقاب تجارب ومسيرة حافلة بالآلام والآمال، كما أتت في أعقاب أحداث جسيمة هزت العالم، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في فترة تباينت فيها التغيرات الدولية، التي يمكن تشخيص ظواهرها الشاذة في الوضع الدولي اليوم وتأثيراتها في عدد من المؤشرات التي بدأت بما سمي بأزمة العقارات في أمريكا، وتركت سلبيات متعددة أدت إلى مزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية على الصعيد ليس العربي فحسب بل على العالم أجمع، حيث أصبحت أخطاراً قد تقود إلى نتائج أكثر سوءا في الوضع الدولي.

 

ومن أبرز تلك المشكلات التي أشار إليها الرئيس الشهيد، "غياب الأمن، والتوازن، والعدل بين الدول والشعوب، والمعاناة الاقتصادية والسياسية لكثير من شعوب العالم". وأوضح قائلاً: "ويرجع ذلك إلى ظواهر في الوضع الدولي من أبرزها تفرد الولايات المتحدة الأمريكية في التسلط الدولي، واستخدام القوة المسلحة ضد الدول والشعوب، وطغيان (العولمة الامبريالية)، وتسخير القوى الاقتصادية لصالح الأقوياء، والنفوذ الذي تمارسه القوى الدولية على المنظمات والهيئات الدولية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة. وإن التسلط الدولي الأحادي على النظام الدولي، مكّن الولايات المتحدة من القفز إلى موقع مصدر القوة الأولى المتفردة في الجبروت، وبذات الوقت فرضت السيطرة الأحادية".

 

وقال: "ولهذا التسلط أخطاره، ليس على آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية فحسب، بل هذا الخطر يمتد إلى أوروبا أيضاً، حيث نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد دفعت إلى مزيد من التشبث من أجل إحكام السيطرة بالأحادية دون مراعاة لما يصيب شعوب العالم من أضرار مادية ومعنوية، حيث أن الإدارة الأمريكية تمسك اليوم بكل الخيوط في وقت واحد في العالم من أجل تسيير الأمور وفق مصالحها ومصالح أعوانها".

 

لقد طرح الرئيس صدام حسين رحمه الله، فكرة إنقاذ لا تحتاجها الدول والشعوب المعنية بها، لحماية مصالحها وأمنها وسيادتها، وحفظ الأنفس فيها فحسب، وإنما الإنسانية جمعاء.

 

ولا بد من التنويه هنا إلى أن دعوة الرئيس الشهيد هذه إنما هي تعبير صادق وأمين عن الترابط الأساسي مع مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي ومنهج ثورة 17 – 30 تموز المجيدة في السياسة الدولية، تلك المبادئ التي أشارت مبكراً إلى المعركة بين الوجود السطحي والوجود الأصيل في حديث الرفيق القائد المؤسس عام 1955عن "الطابع التحرري الإنساني لثورة الشعوب الشرقية للتحرر من الاستعمار الغربي" وأكدها الرئيس الشهيد الرفيق صدام حسين في رده على سؤال لأحد الصحفيين بتاريخ 20 كانون الأول 1979 قائلاً: "إن البعث يرفض المعاهدات التي تجعل منه امتداداً لاستراتيجية دولة أخرى.. ولكن البعث ليس ضد الإعلان التعهدي الذي يعلن مستوى من الصداقة، وإنما ضد الأحلاف العسكرية ذات الطبيعة العدوانية أو الامبريالية". ولا زال العديد من أبناء العراق والأمة العربية يذكرون كلماته التي جسّدها اقتراحه من المنظور الإنساني للبعث عندما اقترح باسم العراق "إنشاء صندوق عالمي لمعاونة الدول الفقيرة"، وذلك في مؤتمر قمة هافانا لحركة عدم الانحياز عام 1979 التي عقدت في بغداد. وما أكثر الخطب وأحاديث الرئيس الشهيد التي يمكن تغني الباحث والكاتب القومي العربي الأصيل، التي أذكر منها كلمة له عام 1990 حيث أكد على "سقوط النظرية الرأسمالية حتماً بعد سقوط النظرية الشيوعية".

 

وأنقل هنا فقرة مما ورد في تقرير لمكتب الثقافة والإعلام للحزب حول المعطيات الموجبة لتأسيس التجمع المؤسسي:

 

"أ - قال الرفيق القائد في دعوته إلى تأسيس التجمع: منذ زمن معروف، عندما خرج الغرب من حدود دوله وتجمعاته السكانية ليتجه نحو الشرق، جاء من جاء إلى الشرق ليس داعياً إلى خير وفضيلة أو لقضايا إنسانية ذات طابع ومعاني تحمل معها الاهتمام المشترك لصاحب الدعوة بالوسط الذي يدعوه إليها، وإنما جاء الغرب مستعمراً، مغتصباً، معتدياً، ناهباً خيرات الناس، وبذلك ازداد الناس غمّاً وهمّاً وفقراً على ما كانوا عليه، وصاروا يرزحون تحت ثقل أعباء إضافية رتبها عليهم الاحتلال العسكري والاستعمار. ولم يجل الغرب عن الديار التي احتلها عسكرياً واستعمرها إلا بعد تضحيات هائلة لأبنائها، وبعد أن أدركت دول الاستعمار المعنية أن لا سبيل لبقائها وفق ما كانت عليه من حال وأساليب، فرحل من رحل بجانب من جيوشه البرية التي أصبح وجودها غير ممكن ومكلفاً للغاية واستبدل الاستعمار القديم بما هو جديد يناسب التطور والحال. وبعد كل حرب تقع في الغرب إثر تنافس على المصالح في ما بينهم أو شؤون أخرى تدفع الإنسانية المعذبة بهم، وخاصة في الشرق، ثمناً باهظاً، فضلاً عن حملاتهم القديمة المعروفة على بلاد الشرق. إن كل هذا ومستوى التهديد الذي تقوم به أمريكا ومن يتحالف معها ضد الإنسانية جمعاء، وإبقاء الغرب على الحلف الأطلسي وزيادة المنتسبين إليه وتوسيعه باتجاه الشرق، بعد أن تفكك الاتحاد السوفياتي السابق الذي كان الحلف الأطلسي قد أقيم بذريعة مواجهة مخاطره، فضلاً عما يمكن قوله، من أن الغرب غرب بمفاهيمه ومصالحه وتراثه وقياساته وشؤونه الأخرى، والشرق شرق بموقعه ونشأته ودوره وعمق هذا الدور تاريخياً وما يترتب عليه هو وثقافته وتراثه، وما بني عليه أساسه، وما هو عليه من معان وشؤون أخرى. ولأن سياسة أمريكا وبريطانيا والصهيونية المتحالفة معهما قد أصبحت خطراً على أمن واستقرار العالم أجمع ومصالحه الدولية والإقليمية.. فأن العراق، بعد تأمل غير مقتصر على ظرف مجتزأ يرى أن يتأسس بين الراغبين من دول العالم مبتدئين بالشرق تجمع مؤسسي..

 

ب - إذن، لا بد من جهود توقف استمرار الخطر وتفاقمه، فالعالم يقف اليوم أمام قوة وسلطة الممسكين بزمام المال، وخاصة عبر منظومة وآليات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وبما يحمي هذه السلطة ويعززها ويوسعها من قوى سياسية وعسكرية وأيديولوجية وهيمنة إعلامية مضللة."

 

وأخيراً ولمن لم يطالع كلمة الرئيس الشهيد ودعوته أو مبادرته إلى تأسيس التجمع المؤسسي أنقل أدناه نص الخطاب كاملاً الذي ألقاه في الذكرى الثامنة للمنازلة التاريخية الكبرى بتاريخ 17/1/1999.

 

************************************************************

 

بسم الله الرحمن الرحيم

                      ﴿ قل أعوذ برب الفلق، من شر ما خلق صدق الله العظيم

 

أيها الشعب العظيم..

أيها النشامى في قواتنا المسلحة الباسلة..

يا جماهير أمتنا العربية المجيدة..

السلام عليكم، ولكم يا أبناء أمتنا في الشارع العربي، وفي كل بيت وعائلة..

السلام على كل طالب، ومثقف، وعسكري، وفلاح، وعامل.. نساء ورجالا، صبية وصبايا، وأطفالا..

السلام لكم، والسلام عليكم، ومعكم شعب العراق برجاله وماجداته من رفاق صدام حسين في القيادة، ومن أخيكم وابن شعبكم وأمتكم: صدام حسين، الذي أصابه مرض الحب لكم: المرض الذي ليس للمسؤول في أمته صحة من غيره.. إنه المرض الذي اتهمه به بعض المسؤولين العرب عندما قالوا أن صدام حسين مريض بالشارع العربي، وفي ظنهم أن ذلك سبّة على صدام حسين، ولكنها الحقيقة، أيها الأخوة، وهو شرف لنا أن يكون مرضنا حب أبناء أمتنا في الشوارع، والمدن والقرى، والمعامل، ودور العلم والثقافة، والأزقة، والأحياء الفقيرة، والريف، وكم كنا نتمنى أن يصيب هذا المرض المسؤولين العرب المعنيين بدلاً من مرض حب الصهيونية وأمريكا، والاستخذاء أمامهما، وتلبية أوامرهما، والاستجابة لخططهما على حساب أمن العرب، وقضاياهم ومصالحهم العليا، إذ لو أصاب بعض الحكام العرب مثل هذا المرض الصحة والشرف، لما أصاب الأمة ما أصابها من أمريكا والصهيونية وأعوانهما..

فالله اكبر.

وعاش مرض حب الشعب والأمة.. وليخسأ المرضى بحب طاعة الصهيونية وأمريكا، ومن حسب عليهما، أو والاهما على حساب أمته وشعبه..

وكل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الفطر المبارك، أعاده الله عليكم وانتم بأحسن حال..

والله اكبر.

 

مرة أخرى نذكركم، أيها الأخوة العرب، وأيها الأصدقاء، بحالة لا تنسى.. ففي مثل هذا اليوم، السابع عشر من كانون الثاني من عام 1991، وفي ليلته الليلاء، قبل الفجر، كان الليل الأعمى يحد النهار المشرق البهي، وكان برزخ يفصل بينهما، أراده الله أن يتسع لخطايا وأرواح شريرة لمن ارتكبوا الجريمة والسوء، تشرف عليه من الجهة الأخرى، وتترفع عن هوته السحيقة النتنة، قمة شامخة شاهقة من المبادئ العظيمة والمجد في عراق الإيمان، والصبر، والتضحية، والجهاد..

 

في هذا اليوم، وفي ليلته الليلاء، خاب من خاب، وأصاب من أصاب، بوقفة مثلت على طرف الذي ناش جلد بغداد بقذائفه، فكانوا أكثر من ثلاثين خيبة من مواقف، سيلاحقها العار والشنار، على مدى الدهر، وثمانية وعشرين جيشا، طاشت سهامها، إلا على من كتب الله له شرف الشهادة والمجد، وما دمروا من ممتلكات.. وعلى الطرف الآخر، وقف من استلهم الماضي المجيد العريق، وأعلى شأن ومجد بغداد التاريخ، والفضيلة، والمعاني العالية.. وقف شعب العراق الأبي ينتخي، هو وقيادته التي أحبته، وأحبت أمتها حتى أصابها حبها (بالمرض) العافية العظيم، وضحت من أجلهما العمر كله، والزمن كله، فكانت مفارقة قل نظيرها، ولوحة من زهو الإيمان والفضيلة والمجد، ليس لها قياس على طرفنا، وسوءا ليس له مثيل على طرف الأشرار المعتدين، حيث ارتضى مستسلماً، طائعاً طائشاً، أو مستخذياً وذليلاً، من قادته أمريكا والصهيونية، على فعلته الشنعاء..

 

وقف العراق كله في هذا اليوم بهمته وإيمانه بسلاحه، وجلده، ومعانيه، ومعه أبناء أمته الغيارى، في دعائهم إلى الباري عز وجل أن ينصر عراق الإيمان والعروبة، والإنسانية، والمعاني العالية، على أعدائه، أعداء الأمة، وكل على أساس موقفه، وما أتيح أمامه، أو مكنه حاله من أن يأخذ لونه، وطريقه، وتعبيره..

 

هكذا كان الحال قبل ثماني سنوات خلت، وذلك في مطلع النصف الأول من يوم السابع عشر من كانون الثاني سنة 1991.

ومع هذا، وكل ما تلاه من حصار قل نظيره في السوء والأذى، سجل من سجل له أو عليه مواقف، كلها على الطرف الذي استمر في الحقد، والضغينة، والعدوانية، والشر، يندى لها جبين الإنسانية المعذبة والمظلومة بهم، وعلى طرف العراق، ومن أعانه الله في قول الحق، أو في اتخاذ وقفة حق، تشرف النفس الزكية، الأبية النـزاعة للخير والفضيلة والعافية، من شر ودنس الصهيونية والامبريالية العالمية، التي تقودها أمريكا إلى الهاوية.

 

أيها العراقيون الأماجد، وأيتها العراقيات الماجدات..

أيها الأخوة أبناء أمتنا، يا هوانا وليس من غيره هواء..

مرة أخرى نعيد السؤال المسموع: لماذا استهدفت قوى الشر العراق وحده، وركزت عليه، في هذا الاستهداف، هذا الزمن كله، وبخاصة في العقدين الأول والثاني من عمر ثورة تموز 1968 ومسيرتها العظيمة؟

 

إن أهم صفات طهارة الإنسان، أيها الأخوة، ومستوى جديته تجاه ما يقوله ويعلنه، أو يعد به، هو أن يكون صادقاً، وعندما يكون صادقاً فأنه يكون أميناً على ما يؤتمن عليه.. وأن المبادئ، وما تتضمنه من وعد، كأهداف لنضال الشعب والأمة، وسلطة الدولة وما فيها، وتعبئة الناس على مواقف للنضال والجهاد ضد أطماع الأجنبي، في مرحلة ما قبل الحكم، والثبات على أهدافها.. كلها، هي أمانة يتوجب حملها، ورعايتها، والوفاء بها، صدق عظيم، ونضال وجهاد كبيران.

 

وأن أهم ما ينبئ بتخلي أي من أبناء الأمة عنها، عندما يكون أي منهم في مسؤولية ذات طابع، ودور، ومهمة جمعية، هو تخليهم عن احترام هذا، وتحولهم من صفة الصادق الأمين، إلى مستوى آخر، لا يعز النفس ولا الأمة..

 

لقد اكتشف أعداء الأمة والطامعون بها أن من يقودون الثورة، ومسيرة الحكم والبناء والجهاد فيها، صادقون في دعواهم، أمناء على ما كلفوا أنفسهم، أو كلفهم الشعب، بالائتمان عليه، وزادهم شراسة، عندما عرفوا، بدلائل غير قابلة لان تتغير، أن من يقودون المسيرة قادرون، بعد الاتكال على الله، على تحويل المبادئ المعلنة إلى خطط عملية، وتطبيق الخطط، ومن ذلك أنهم قادرون على تحويل قدرات العراق، الغني بموارده الطبيعية، والبشرية، وبتراثه العميق المجيد، من مجرد موارد عامة مطمورة داخل الأرض، أو تحفظها الذاكرة، أو معطلة الفعل عليها، هي وأرضه، ومياهه، إلى ثروة وقدرات حية، واستنباط المعاني العظيمة من تراث العراق الروحي والحضاري، وتراث أمتنا الخالدة، وتفعيلها، وليس النظر إليها كمادة للثقافة العامة والاطلاع فحسب، وذلك لتساهم بصورة فعالة وملموسة في عملية انبعاث جديدة لإنسان الحضارات والأدوار العظيمة، الذي كانت نسبة كبيرة منه لا تملك إمكانية أن تلبس حذاء في مطلع ثورة تموز العظيمة، إذ كانت نسبة الحفاة في الريف نسبة طاغية، بل أن الاستثناء هناك في حينه كان لمن يلبس حذاء، وقد نهشت الأمراض، والابتعاد عن الدور، والتناقض بين الماضي التليد، والحاضر العاجز والمتخلف، هممهم، وكانت بغداد، التي تحمل كل ما تحمله من تاريخ أمة مجيدة ودور حضاري كبير، أقرب إلى قرية كبيرة مهملة، شكلاً وخدمات، منها إلى مدينة بهذه المعاني التاريخية، وتعيش في القرن العشرين، وكانت ميزانية الدولة خاوية، لأنها رهينة خطط شركات النفط الاحتكارية وأطماعها، والذين يعملون من مواطني بلادنا قلة، وتضرب الأمية أطنابها في أرجاء العـراق، والتخلف، والموقف العاجز من الحياة ينهش العقول.. وهكذا، أو على ما هو أدنى من هذا، حال مدن العراق الأخرى، وبعد الثورة أصبحت هي والحياة على ما هي عليه الآن، رغم مؤامرات قوى الشر، التي جاءت تترى، وكلها من مستوى الفعل الاستثنائي، لتقمع الإرادة الجديدة، التي انطلقت تبني، وتجدد الدور بعد انبعاثه، وتنمي الثروة بعد خلقها، وتنمي الأمانة بالصدق والاقتدار بعد تثبيتها على قاعدة صحيحة، لا تفسد الذمم والهمم بالعجز ومثل السوء، فحافظ الأمناء على ثروة الأمة، بعد أن خلقوها وحولوها من مجرد موارد طبيعية، وثروة غير حية، إلى ثروة حية، انعكست في كل بيت، وفي كل حي، وقصبة، ومستشفى ودار علم، في الريف وفي المدينة على حد سواء.. وكان هم من يقودون هذه المسيرة، ومازال، أن يمتعوا أنفسهم، وعيونهم، وعقولهم، وضمائرهم فحسب، بما يعرفون ويرون ويسمعون عن تملك الشعب لما ملك، وعن حيازة ما حاز من معاني الارتقاء والتقدم، ويقطعون اليد التي تمتد إلى ثروة الشعب وأمواله من أي عنوان كان بالسوء والأذى والاستغلال، ولذلك حرموا بنوك الغرب من أن تغص بحسابات العناوين المسؤولة في دولة العراق، مثلما كانت في العهود السابقة، وبخاصة العهد الملكي، ومثلما هو حال عناوين أخرى في الوطن العربي الآن، لذلك أدركت قوى الشر أن الثروة الطبيعية، ومنها النفط، تستخدم لتقوية دور الإنسان وتحوله صعوداً في العراق لا تخريبه أو مجرد أن تسمنه ليأكله الغرب، وأدركت مع هذا، أن الصدق في الانتماء للأمة والشعب والمبادئ، والأمانة عليها، وعلى مسؤولية ما اؤتمن عليه المؤتمنون، هو حالة لا تراجع عنها، لا بالإغراء الذي تقدمه السلطة، ولا بالتهديد الذي يقوم به الأجنبي، لقد وجدوا في صفات الصدق والأمانة خطراً كبيراً على مصالحهم غير المشروعة، لأن مصالحهم هذه لا يمكن أن تتعايش لتنمو مع مسؤولين صادقين مقتدرين وأمناء على أمتهم وشعبهم، فارتفع مستوى خطورة المؤامرات وما يزج لها من إمكانات، وصارت الدسائس التي كان بعض الحكام العرب، الذين هم من صنفهم، يقومون بها في الخفاء غير كافية، وأصبحت الخطط بحاجة إلى ادوار مباشرة، بعضها علني.. وهكذا، انكشفت أدوار وعناوين في صفحة العدوان الثلاثيني من أم المعارك، وانفضحت،على أوسع نطاق، أمام الجماهير العربية كلها، وأمام العالم كله في صفحة المجابهة في يوم الفتح، أدوار وعناوين ما كانت لتنفضح هكذا لولا ما اقتضته مستلزمات المجابهة من الباطل للحق، وأن صمود شعبكم العظيم في العراق، وإسنادكم له، يا أبناء أمتنا المجيدة، قد جعل مثل هذه الأدوار، واللعب على المكشوف لتنفيذها، حالة لابد منها..

 

هكذا إذن، في هذا الجانب فحسب، هي الأسباب، التي جعلت قوى الشر المعادية لامتنا، وللإنسانية، فضلاً عن الأسباب الأخرى المعروفة، تستهدف العراق، وتنشغل به، كسد عظيم، في العقد الأخير كله، ذلك لأن انهياره، لا سمح الله، يفضي إلى طوفان يغرق الأمة زمناً طويلاً، ويبعد الإنسانية عن ممارسة دورها في مواجهة هذا الشر زمناً طويلاً أيضاً، وأن صمود العراق، كما أراد الله له أن يكون، سيقود إلى أن تعي الأمة الحقائق مثلما هي، وتؤسس قياساتها الجديدة على نماذج حية، مثلها أبناء بررة لها، في الوقت الذي تستوحي نماذج أمتنا في تراثها الخالد العظيم، بل أن نماذج أمتنا التي نعرفها، ونقرأ عنها في تراثها الخالد، أصبحت الآن مفهومة أكثر، ومصدقة أكثر من السابق، بعد أن اكتشفت الأمة إمكانياتها في الحياة والإبداع والخلق، وقدرة المقاومة، من خلال عناوينها النضالية والجهادية الأثيلة، يتقدمها عنوان شعب العراق العظيم ليحمل راية (الله اكبر).. لذلك، فوالله لن يكف الأشرار عن بغداد، حتى تخون نفسها وأمتها، وما كانت بغداد خوانة أبداً، أو أن يهزموا وييأسوا من إمكانية تحقيق أهدافهم الشريرة، وهذا هو الذي سيكون، إن شاء الله.. وإن غدا لناظره قريب..

 

أيها العرب..

أيها الناس في البشرية جمعاء..

منذ زمن معروف، عندما خرج الغرب من حدود دوله وتجمعاته السكانية، ليتجه إلى الشرق، جاء من جاء إلى الشرق، ليس داعياً إلى خير وفضيلة، أو لقضايا إنسانية، ذات طابع ومعان، تحمل معها الاهتمام المشترك لصاحب الدعوة بالوسط الذي يدعوه إليها، وإنما جاء الغرب مستعمراً، مغتصباً، معتدياً، ناهباً خيرات الناس، وبذلك ازداد الناس غمّاً، وهمّاً، وفقراً على ما كانوا عليه، وصاروا يرزحون تحت ثقل أعباء إضافية، رتبها عليهم الاحتلال العسكري والاستعماري، ولم يجلو الغرب عن الديار، التي احتلها عسكرياً واستعمرها، إلا بعد تضحيات طائلة لأبنائها، وبعد أن أدركت دول الاستعمار المعنية أن لا سبيل لبقائها وفق ما كانت عليه من حال وأساليب، فرحل من رحل، بجانب من جيوشه البرية، التي أصبح وجودها غير ممكن ومكلفاً للغاية، واستبدل الاستعمار القديم بما هو جديد يناسب التطور والحال، وبعد كل حرب تقع في الغرب، إثر تنافس على المصالح فيما بينهم، أو شؤون أخرى، تدفع الإنسانية المعذبة بهم، وبخاصة في الشرق ثمناً باهظاً، فضلاً عن حملاتهم القديمة المعروفة على بلاد الشرق...

 

أن كل هذا، ومستوى التهديد الذي تقوم به الآن أمريكا ومن يتحالف معها ضد الإنسانية جمعاء، وإبقاء الغرب على الحلف الأطلسي، وزيادة المنتسبين إليه وتوسيعه باتجاه الشرق، بعد أن تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، الذي كان الحلف الأطلسي قد أقيم بذريعة مواجهة مخاطره، فضلاً عما يمكن قوله من أن الغرب غرب بمفاهيمه ومصالحه، وتراثه، وقياساته، وشؤونه الأخرى، والشرق شرق بموقعه، ونشأته، ودوره، وعمق هذا الدور تاريخياً، وما يترتب عليه هو، وثقافته، وتراثه، وما بني عليه أساسه، وما هو عليه من معان وشؤون أخرى..

 

ولأن سياسة أمريكا وبريطانيا، والصهيونية المتحالفة معهما، ومن يسندها ويتعاون معها، قد أصبحت خطراً على أمن واستقرار العالم أجمع، ومصالحه الدولية والإقليمية.. فأن العراق، بعد تأمل غير مقتصر على ظرف مجتزأ، يرى أن يتأسس، بين الراغبين من دول العالم، مبتدئين بالشرق، تجمع مؤسسي ذو أنظمة ومواثيق متفق عليها، لإقامة تعاون جدي في الميادين الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لحفظ التوازن، وتحقيق السلام، ابتداء في آسيا وما يتصل بها.. على أن ينظر للأمة العربية بأنها أمة واحدة من حق أي من دولها الانتماء إلى هذا التجمع ابتداء، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي، سواء في آسيا أو أفريقيا.

 

ومن الطبيعي أن نقول أن هذا التجمع، ليس موجها ضد احد، ولكنه مستعد ليحمي منتسبيه، ويدافع بالحق، وفق قياسات إنسانية صحيحة، عن أمن ومصالح أعضائه، والأمن الدولي..

وأن التعاون الايجابي بين الأعضاء هو الأساس الذي يبنى عليه، ليحقق ما هو ايجابي وطيب لصالح الجميع، ولصالح الأمن الدولي والإقليمي..

وهو منفتح أمام من ينضم إليه وفق أسسه وشروطه..

أن العراق وهو يدعو لهذا، يعرف أن هذه الدعوة ستجد صداها الايجابي في كل العقول الوطنية الشريفة، التي يهمها أمن شعبها وبلدانها، وأمن العالم أجمع، ولكن قد لا تكون قادرة كلها ابتداء على الإفصاح عنها خوفاً أو رهبة..

وأن العراق مستعد للحوار، على هذا الأساس، مع الجميع، لبلورة ميثاق هذا التجمع، وهيئاته واختصاصاته، وكل ما يتصل به..

وسوف ينشط، على هذا الأساس، مع من يعنيهم الأمر..

 

والله من وراء القصد..

عاشت أمتنا العربية المجيدة..

وعاش العراق وجيشه الباسل، جيش الأمة الصادق الأمين..

والمجد، وعليين لشهداء أم المعارك..

وعاشت فلسطين حرة عربية أبية، ضمن حدودها الطبيعية..

والمجد وعليين لشهداء أمتنا العربية المجيدة.

المجد ورعاية الرحمن الرحيم، القادر العظيم، للقدس وللحرمين الشريفين..

والله اكبر..

الله اكبر..

وليخسأ الخاسئون.

 

صدام حسين

بغداد

١٧ / ١١ / ١٩٩٩

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٠٢ محرم ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٣٠ / كانون الاول / ٢٠٠٨ م