صهاينة لا يهود !!

 

 

شبكة المنصور

فارس الخطاب

"لا أستحق الشكر.

 

وأضيف: أنا مدين لكم باعتذار أرجو قبوله. اعتذار عن كل ما تفعله دولة إسرائيل بحقكم. هؤلاء صهاينة لا يهود".

 

بهذه العبارات رد جراح التجميل في جامعة باريس البروفيسور جاك بيرس على شكر احد الإعلاميين الذي أجرى مقابلة صحفية معه بمناسبة تطوعه للعمل في إحدى مستشفيات قطاع غزة المجاهد في فلسطين المحتلة .. البروفيسور جاك بيرس (يهودي) يعيش حياة مترفة في باريس لكنه ونتيجة الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي عدوانا بحق المدنيين العزل وما نجم وينجم عنه من خسائر كبيرة نصفها في الأطفال والنساء قرر التطوع للعمل في مستشفيات غزة .لكن ما جعلني أتوقف عند عباراته تلك ليس تطوعه الإنســـاني النبيل لخدمة جرحى العدوان الإسرائيلي النازي وإن كان هذا تميز بذاته ولكن يكون لهذا التميز طعم ووقع آخر عندما يكون يهوديا وهذا بدوره جعل من عباراته الأخيرة : ( هؤلاء صهاينة لا يهود) مدخلا لهذا المقال ودعونا نتساءل ما اليهود ؟ وما الصهيونية ؟ ومالفرق بينهما ؟ وما هي سبل التعامل والخطاب الموج لكليهما ؟


بدءا نقول أن البعض عرّف الصهيونية على أنها "حركة ظهرت في القرن التاسع عشر استجابة لمشكلات أوروبية، وقد استثمرت التراث الثقافي اليهودي والدعم الأوروبي فانتهت إلى إقامة دولة عنصرية في فلسطين، مرتكزة في إقامتها لدولتها هذه على جدلية الإجلاء والتوطين، إجلاء للفلسطينيين أصحاب الأرض وتوطين اليهود بدلا عنهم". وفي هذا التعريف إشارة إلى الواقع التاريخي الذي شهدته أوروبا نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين حيث كان الحافز الأول عند الدول الغربية لنشر ودعم فكرة دعم وطن قومي لليهود خارج أوروبا هو "التخلص من اليهود" أولا وتوظيفهم لخدمة المصالح الاستعمارية الغربية ثانيا. وفي هذا السياق تندرج دعوة نابليون الذي كان معاديا لليهود إلى تشكيل وطن خاص بهم في فلسطين. ونفهم كذلك الدافع إلى صياغة وعد بلفور، مع أن بلفور نفسه كان له موقف معاد لليهود!.


إن هذه الازدواجية ألتي أبداها قادة الغرب أي معاداة اليهود مع العمل على تمكينهم من وطن خاص بهم مرتبطة بفترة صعود البرجوازية وما أحدثه ذلك من تحول مجتمعي هائل نتج عنه شرخ كبير في الإطار الاجتماعي والاقتصادي الأوروبي، حيث نجح التحول الاقتصادي والثقافي في أوروبا الغربية وفشل في أوروبا الشرقية، الأمر الذي دفع بجماعات يهودية كبيرة إلى الهجرة من شرق أوروبا إلى غربها. ولم تتحمل أوروبا الغربية هذا الكم الديموغرافي اليهودي الوافد والمشاغب فكان لابد من العمل على تهجيره إلى الخارج وتوظيفه انسجاما مع التقليد الاستعماري الذي اشتغلت به أوروبا في استيطان أميركا وغيرها من المستعمرات، وهو تصدير الجماعات والفئات غير المرغوب فيها، ولم تكن فلسطين هي المطلب الأول بل أي بقعة من الأرض، لكن مع ضعف العالم الإسلامي، ومع التخطيط الأوربي لتجزئته واستعماره، ولمنع صعود قوة عربية أو إسلامية موحدة، ونظرا لقيمة فلسطين الإستراتيجية وقيمتها الرمزية للفكر الديني اليهودي، ظهرت داخل الفكر الاستعماري الإنجليزي فكرة توطين اليهود في فلسطين تحديدا لإنشاء دولة تكون عبارة عن حاجز بشري ومادي يقطع جسد العالمين العربي والإسلامي في موقع مفصلي إستراتيجي يمنع توحده ولملمة أجزائه.


إن الصهيونية كحركة ليست نتاج يهودي محض بل إن دور العامل الأوروبي سواء كتحول مجتمعي من الإقطاع إلى الرأسمالية أو كإرادة سياسية استعمارية بتوظيف الجماعات غير المرغوب فيها كأداة للاستخدام الاستعماري، هو دور أساس في تشكيل الصهيونية كحركة، واستوائها لاحقا كدولة استيطانية.


هذا بالنسبة إلى الصهيونية كحركة ولكن الصهيونية كفكرة جاءت قبل هذا التاريخ بقرون طويلة وتحديدا منذ السبي البابلي وهو ما نجد دلالاته واضحة في محددات كثيرة داخل التراث الديني اليهودي كما يتضح ذلك أيضا من النسق التاريخي لليهود عندما سيطر كورش ملك الفرس على بابل سنة 537 ق.م وأعاد اليهود المتحالفين معه من بابل إلى فلسطين حيث بقي اليهود متحالفين مع الفرس طوال فترة احتلال الفرس لأرض كنعان وسورية وفلسطين وبلاد ما بين النهرين حتى سقوط هذه الأراضي بيد الأسكندر المقدوني سنة 330 ق.م ، في هذه الحقبة ظهرت الفكرة الصهيونية حيث أجتمع دهاقنة الفكر اليهودي المتصهينين وقرروا مبدأين مهمين لضمان بقاءهم بعد تجربة السبي البابلي ثم تجربة الأسكندر المقدوني فاليونانيين وغيرهم ، القرار الأول هو التشتت في الأرض بجهاتها الأربع لضمان بقاء العرق اليهودي وعدم تمكين اعدائهم من القضاء عليهم مجتمعين في مكان واحد ، والثاني هو مبدأ التشكيك وزراعته في اي مكان يحلون فيه ؛ التشكيك بعقائد الأمم التي يحلون فيها بملوكهم ، بإقتصادهم . .الخ .


وحتى تتحول الفكرة الصهيونية إلى "حركة" وإستراتيجية عملية كان لابد من حدوث تحولات فكرية داخل التراث الثقافي الديني اليهودي، وهي التحولات التي تمثلها إسهامات مفكرين وحاخامات الصهيونية أمثال القلعي وكاليشر.. الذين قاموا بتحريف فكري تجاوزوا به التحريم الديني الذي كان يحرّم العودة الجماعية لليهود إلى فلسطين ويشرطها بنزول المسيح ( يسمى في أدبيات اليهود :المسيا)، الذي نظر إليه في التراث الديني اليهودي بوصفه الإذن الإلهي بانتقال اليهود جماعيا إلى فلسطين فقام هؤلاء الحاخامات بنقد هذه العقلية الانتظارية والدعوة إلى ما يمكن أن نسميه استنزال المسيح، بمعنى أن عودة اليهود الجماعية إلى فلسطين ستضطر المسيح إلى النزول!!.


إذن كان هناك دائما الصهيونية كفكرة ثم جاءت الصهيونية كحركة أستثمرت التراث الثقافي اليهودي والدعم الأوروبي في سبيل تحقيق الصهيونية كدولة.


أما اليهود فهم العبرانيون المنحدرون من سلالة الأسباط أبناء يعقوب من بعد موسى عليهما السلام ألذي بعثه الله إلى بني إسرائيل في مصر لتقويم انحرافاتهم العقائدية والسلوكية ولإخراجهم من اضطهاد فرعون ، فدعاهم إلى التوحيد وأنزل الله تعالى التوارة ليحكموا بها وبعد موته وموت هارون عليه السلام انحرفت بنو إسرائيل انحرافات عظيمة منها إعتقادهم أنهم شعب الله المختار ، وأن أرواح اليهود جزء من الله تعالى وأن الفرق بين درجة الإنسان والحيوان هو بمقدار الفرق بين اليهودي وغير اليهودي، الطعن في الأنبياء وإتهامهم بالعظائم ، تحريف التوراة , وغيرها الكثير مما يدخل في صلب العقيدة والذات الألهية ، وهذه الأمور والمخالفات برمتها تدخل في صلب العقيدة الدينية التي تأخذ منحى آخر لا يدخل في صلب الصراع العربي الصهيوني .

 
إذن الصهيونية كحركة ظهرت منذ حوالي قرنين و هي تهدف لاقامة دولة يسمونها إسرائيل أو كيان يشمل كل يهود العالم ، وفي اليهود هناك يهود صهاينة أي يعتنقون هذا الفكر ويؤيدون المبدأ نفسه ويساعدون على تحقيقه وهناك أيضا نصارى صهاينة يعينون بإقتناع وعقيدة على تحقيق أهداف الصهاينة ، ووفق هذا التصنيف ليس كل يهودي صهيوني كما ليس كل صهيوني يهودي فقد يكونوا مسيحيون أمثال المحافظون الجدد أو بعض الشخصيات المحسوبة على الأسلام كبعض القيادات التي ساهمت وتساهم في تذليل الصعوبات التي تعترض المخططات الصهيونية وهم واضحون معلومون من تاريخ الصراع العربي الصهيوني طيلة أكثر من ستين سنة .


لقد خرجت في تل أبيب عاصمة الكيان الصهيوني المغتصب لإرض فلسطين تظاهرات كبيرة قام بها اليهود منددة بالعدوان النازي الذي ترتكبه حكومة الكيان المسخ ضد قطاع غزة كما نادت أربعة من كبرى المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة بوقف العدوان على الفور وتقديم المعونة الإنسانية العاجلة للقطاع وهكذا فعل آخرون في لندن وسواها من دول العالم . كما أن نموذج مجرم الحرب بوش وزبانيته كان واضحا في تحالفه وتمكينه للحركة الصهيونية وسبل تنفيذ مآربها خلال فترة حكمه وكان أهم ماكان من هذه المآرب التي حققها المجرم بوش الأجهاز على العراق العظيم (بابل) والقضاء على قائده الكبير الرئيس الشهيد صدام حسين ( نبوخذ نصّر) ومن ثم دعمه وإسناده المطلق للعدوان الذي الذي ذهب ضحيته الآلآف من المدنيين في قطاع غزة المجاهد .


لقد وضع الرئيس القائد المجاهد الشهيد صدام حسين رؤيته للتاريخ حول الكيان الصهيوني ، فمنذ عام 1969 قا الرئيس الشهيد في كلمة له في التنظيم الفلاحي لحزب البعث العربي الأشتراكي في بغداد " لم يعد الكيان الصهيوني في الحقيقة مثلما كان في النوايا مجرد مجاميع تعرّضت للأضطهاد النازي تبحث عن أرض سلام تبتعد بها عن الأحتكاك مع التقلبات النازية أو الوقوع تحت أضطهادها كما حصل في السابق . إن الكيان الصهيوني الآن فعليا ومثلما أنشأ في النوايا :بؤرة للعدوان وللتوسع وتعمل اطراف عديدة على تمكينه من أن يجعل الأمة العربية محكومة في قانون هذا الكيان وليس حالة تعيش بسلام مثلما كان يصور قبل عام 1967". ووفق هذا المنطق والعقيدة علّم الرئيس الشهيد شعبه ، شعب العرق العظيم كيف يخوض الصعاب وكيف يحوّل العدوان إلى نصر وكيف يجعل من التخريب حالة تنقل بالفعل إلى البناء ، قائد خطر ؛ لإنه كان يسأل أطفال العراق : من عدوكم الأول ؟ ثم يصحح لهم ويقول " عدوكم الأول هو إسرائيل" !!


إننا مطالبون ووفق المتغيرات التي أحدثتها وسائل وتقنيات الأتصال الحديثة والفضائيات أن نوجه خطابا نفرق فيه بين اليهودية والصهيونية بما يحد من الاعتقادات التي توصف العرب والمسلمين بالعداء للسامية فلقد رفض الكثير من اليهود الصهيونية كحركة وكدولة وعلينا أن نوضح الفروق التي تفصل بين مفاهيم مثل "الصهيونية" و"اليهودية"، وإسرائيل كدولة وأرض، والفروق بين الصهاينة سواء كانوا يهودًا أو مسيحيين، وبين المعادين للصهيونية سواء أكانوا يهودًا أو مسيحيين . علينا أن نثقف جماهيرنا بإننا لا نعادي اليهود كدين أو كوجود على أرض فلسطين ولكننا نعادي الصهيونية كحركة وكدولة على أرض فلسطين والفرق كبير بالطبع والخلط بينهما خطير جدا وهو ما استغلته الحركة الصهيونية منذ تأسيسها وحتى الآن ، ويكفي الدلالة إلى أنه ومنذ ثلاثين عاماً، وفي 8 ت2 1975 تحديدا، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قراراً برقم 3379 اعتبرت فيه « الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري» فكيف أستثمر العرب والمسلمون هذا القرار الخطير؟.


هذا ما أردت قوله في تفسير أعتذار الجراح البروفسور جاك بيرس عندما قال :

 

" هؤلاء صهاينة لا يهود ".

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاحد  / ٢١ محرم ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٨ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م