العدوان على غزة وتراجع الدور المصري

 

 

شبكة المنصور

أ.د. غياث بوفلجة

لقد كان الدور المصري في عهد الرئيس جمال عبد الناصر رياديا، حيث ساعدت مصر كثيرا من الدول العربية والإسلامية على التحرر، وكانت تقف إلى جانب القضايا العادلة في العالم. وهو ما أدى إلى تأنيب الغرب عليها بقيادة الولايات المتحدة، وأدى إلى عدة حروب عليها.


إلا أن وفاة جمال عبد الناصر، قائد القومية العربية، ومجيء أنور السادات الذي قام بزيارة إسرائيل العدو اللدود لمصر، وإبرام معاهدة سلام معها، قلب السياسة المصرية رأسا على عقب، وأصبحت مصر حليفا للولايات المتحدة، متعاونة مع إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.


لقد اغتيل أنورالسادات، وجاء حسني مبارك، وحافظ على نفس سياسة سابقه، متعاونا مع إسرائيل، وقد زاد هذه العلاقة قدوم محمود عباس الذي جاء به الأمريكيون بعد اغتال ياسر عرفات، لتصفية القضية الفلسطينية. وهكذا بدأ نوع من التعاون الإستراتيجي بين مصر وإسرئيل والسلطة الفلسطينية إلى جانب المملكة السعودية إلى حدّ كبير.


وقد بدأ التحالف الإستراتيجي بين مصر والعربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب إسرائيل في الحرب ضد العراق. فلولا الضوء الأخضر من الدول العربية ومساعدتها للقوى الغربية ماديا ودبلوماسيا وعسكريا ما دخل الغرب إلى العراق وما حلّ به من احتلال وتدمير.


نفس الشيء من التنسيق تم بين نفس الدول في حرب إسرائيل ضد لبنان، حيث اشتهر الموقف المصري، بتصريحه بأن تصرفات حزب الله كانت غير محسوبة العواقب.


وهو ما يتكرر اليوم مع قطاع غزة، حيث يؤكد غالبية المحللين السياسيين تواطء كل من مصر والسلطة الفلسطينية والعربية السعودية، إلى جانب الولايات المتحدة مع إسرائيل، رغبة في تحطيم حركة حماس، وبيع القضية الفلسطينية. حيث ضاق العرب بالقضية الفلسطينية وأرادوا التخلص منها، وهم يرون ضرورة القضاء على حركات المقاومة قبل تصفية القضية نهائيا.


وهكذا أمكن رصد التصرفات المصرية قبيل، وأثناء الحرب على غزة، فيما يلي:


- قامت بدور مدعم للسلطة خلال عملية المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية.
أشرفت على عقد الهدنة بين حماس وإسرائيل ولم تحرص على إلزام إسرائيل باحترامها، وقد وصل الأمر بسبب ذلك إلى تصريح ببعض مسؤولي حماس بأنهم لا يثقون في الدور المصري.


- عرقلت بعض الدول العربية، على الأخص مصر وبتنسيق مع السعودية، الإسراع في عقد مؤتمر قمّة عربية.


- ساهمت مصر في حصار غزة ومنعت فتح معبر رفح، واشترطت وجود مراقبين أوروبيين وعناصر السلطة الفلسطينية على المعبر. وقد اندلعت الحرب، ومصر مصممة على غلق المعبر، حتى أصبحت الإحتجاجات الشعبية ضد مصر وضد مواقفها الداعمة للإحتلال الإسرائيلي، من خلال إصرارها على غلق المعبر. وحتى عند فتحه جزئيا كان من أجل إدخال الدواء فقط أو إخراج عدد جدّ محدود من الجرحى، وكأنها عمليات لامتصاص غضب الشارع ومن أجل الدعاية الإعلامية.


كما أن تخلف الدبلوماسية المصرية وجمود الدبلوماسية السعودية، دفع إلى ظهور فراغ حاولت بعض الدول الأخرى ملأه.


- بدأ دور دولة قطر في النشاط، والتقدم إلى الواجهة الدبلوماسية، لحلّ القضايا الشائكة، مثل قضية لبنان، التي فشلت كل من مصر والسعودية، ولا حتى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، إيجاد حلول لها، وهكذا نجحت قطر فيما فشل فيه الآخرون. وقد بدا وضحا أنها أصبحت تشكل إزعاجا لكل من مصر والسعودية، فبدؤوا بعرقلة مساعيها في عقد القمة العربية إثر العدوان على غزة، وفضل العرب استجداء وقف النار من الولايات المتحدة ومجلس الأمن، وهو ما يدل على ضعف الأنظمة العربية في الوطن العربي.


وقد خرجت دولة قطر عن صمتها بوقوفها علانية إلى جانب الفلسطينيين في غزة، وإدانتهل لمماطلة بعض الدول في تأخير القمّة. كما دعمت مواقف حماس في نظرتها إلى حلّ قضيتها وتوقيف العدوان على سكان القطاع.


- كما دخلت تركيا على الخط في صراع الشرق الأوسط، وذلك لملء الفراغ المصري، وتخاذل دور مصر في المنطقة. فمكانة مصر قديما، كانت بسبب بمواقفها التحررية، ولما تخلت عن تلك المواقف، وانحازت إلى مواقف إسرائيل والولايات المتحدة، اضطرت حركات المقاومة إلى البحث عن الدعم السياسي والمادي والمعنوي من دول أخرى، ولو كانت غير عربية كإيران وتركيا. لذا في وقت تخلى العرب عن دورهم فلا يجوز لوم المقاومين على علاقاتهم بدول أخرى.


يقود تركيا حاليا حزب إسلامي – حزب العدالة والتنمية – وهي دولة تربطها علاقات حسنة مع حماس وسوريا، وكذلك الحال مع جلّ الدول العربية، وكان لرئيس وزرائها الطيب رجب أردوغان موقفا مشرفا، أكثر تقدما من جلّ الدول العربية، وخاصة التي يطلق عليها "دول الإعتدال"، وفي ذلك إشارة لتحالفها مع الولايات المتحدة التي هي حليفة وداعمة لإسرائيل.


وقد قامت تركيا برعاية مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل، وتدخلت إلى جانب حماس مطالبة إسرائيل بوقف عدوانها على غزة، وعدم تحميل حماس المسؤولية، كما فعلت مصر، التي لم تعد وسيطا نزيها في نظر حماس.


- تقاعس الجهات الدينية في مصر، ممثلة في الأزهر، الذي بقي دوره شاحبا ومتخاذلا على غير عادته في نصرة قضايا التحرّر والجهاد. وهكذا لم يكن دور الأزهر مشرفا، ولم يعد الأزهر "شريفا" – كما كان يطلق عليه -، بل هجن القادة السياسيون دوره، خاصة بعد أن وصل الأمر بالشيخ الطنطاوي إلى مصافحة شيمون بيريز، رئيس الدولة العبرية الملطخة يده بدماء الفلسطينيين الأبرياء، في واشنطن بمؤتمر الأديان الذي أشرف عليه الملك عبد الله العاهل السعودي خادم الحرمين.


- أما الدور الفارسي فهو كعادته نشط يصطاد أخطاء الدول العربية، ويبحث عن فراغات لملئها. وهكذا نجد إيران، إلى جانب المقاومة الفلسطينية، وخاصة حركة حماس والجهاد الإسلامي، التي تحاربهما مصر سرا وعلانية، وتتآمر ضدهما. كما تقف إيران إلى جانب سوريا التي تحاول كل من والسعودية عزلها عن الوطن العربي بسبب مواقفها التحررية والمقاومة.


لقد تميزت الفترة الأخيرة بظهور مجموعة من التحوّلات والتغيرات المتساعة في منطقة الشرق الأوسط والعالم قاطبة، لم تتمكن الدبلوماسية العربية عموما من مسايرتها والتكيف مع مستلزماتها. وهكذا تميزت الدبلوماسية العربية بخمولها وجمودها وبقي على رأسها شيوخ دبّ فيهم الضعف والمرض، وبقوا متشبثين بمناصبهم ومواقفهم البالية، وبفكرون بمنطق الماضي. لهذا على الدول العربية عموما، تجديد دمها والتفكير والتصرف بمنطق الألفية الثالثة، وعدم التشبث بأذيال الماضي بترسباته البالية، وفتح المجال أمام الشباب المتعلّم القادر وحده على رفع تحديات المستقبل.

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٢٢ محرم ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٩ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م