العدوان المزدوج علي غزة
تجديد وسائل المجابهة وتوسيع قاعدتها الشعبية

 

 

شبكة المنصور

م . عادل خلف الله  / الخرطوم

لعبة إعادة السيناريو :


أعاد مشهد وزيرة خارجية الكيان الصهيوني ( ليفني ) وبجانبها رصيفها المصري ( أبو الغيط ) ، ومن عاصمة عربية ، وهي تؤكد هدف ( تغيير الوضع القائم في غزة ) لتعقبها بعد ساعات الآلة العسكرية الصهيونية علي تنفيذ العدوان علي شعب فلسطين في غزة .. أعاد للأذهانة مشهد وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد وبجانبه الملك فهد ( عليه الرحمة ) في قصر السلام ، وفي مدينة عربية ، وهو يعلن موافقة السعودية علي دخول القوات العسكريةالأمريكية الأراضي السعودية ، لتباشر عدوانها علي شعب العراق ، في الوقت الذي كانت فيه القوات الأمريكية قد وصلت إلي الأراضي السعودية قبل ذلك الإعلان .
إنها لعبة أعادة السيناريو ، بكل تفاصيلها ، في عدوان التحالف الأمريكي الصهيوني ، وأن تعددت ميادينها ، إبتداءً من التهيئة الذهنية والنفسية له ، في مرحلة أتسم فيها تنفيذ التحالف لتوقيتات عدوانه ( بالأجندة المعلنة ) . في الحالة العراقية كان ( إسقاط نظام صدام حسين ) هو الهدف المعلن لأنه ( يقف حائلاً دون تعميم النظرة الأمريكية للحياة في المنطقة ) كغطاء أيدولوجي لإستراتيجية التحالف المرتكزة علي عدم المساس بأمن الكيان الصهيوني وضمان تفوقه من جهه ، والسيطرة علي منابع النفط وممراته من جهة أخري .. بيد أن تجربة البعث في العراق بقيادة المجاهد الشهيد ( صدام حسين ) قلبت الموازين في كليهما ، ببناء عراق مقتدر ومستقل ومسيطر بالكامل علي ثرواته الوطنية بما فيها النفط الذي وضعه تحت الإرادة الوطنية في كامل مراحله بعد قرار التأميم الذي شمل الثروات العراقية ومن كافة الشركات الأجنبية في الفترة من 1971 م وحتي اكتوبر 1973 م .


أما في الحالة الفلسطينية فكان ( تغيير الوضع في غزة ) هو الغطاء الأيدلوجي أو الزريعة التي يجري الترويج لها علي نطاق وأسع تمهيداً للعدوان ... في الحالتين العراقية والفلسطينية أحكم النظام العربي الرسمي ومؤسساته الحصار والتجويع .. وصلت به في الحالة العراقية إلي الحيلولة دون وصول حتي أقلام الرصاص لتلاميذ المدارس بزريعة ( الإستخدام المزدوج ) في الوقت الذي أودي فيه الحصار والتجويع وإستمرار القصف الأمريكي ، ومن الأراضي العربية ، إلي ما يفوق مليوني مواطن عراقي .. اما في الحالة الفلسطينية فقد أحكم النظام الرسمي العربي حصاره علي شعب فلسطين حتي أصبح الحصول علي ماء الشرب وجازولين محطات توليد الكهرباء أصعب من الحصول علي لبن الطير ... في الحالة العراقية تقاسموا تنفيذ الدور المطلوب منه ، وبإتقان منقطع النظير ، مع إيران التي صرح مسئولاً فيها ( لولا الدور الإيراني لما أستطاعت أمريكا غزو العراق وأفغانستان ) ... علي الرغم من شكواه السرية والعلنية مما يطلق عليه ( تعاظم النفوز الإيراني في المنطقة ) .. فيما لم يتجاوز دور إيران ( المتعاظم ) والرافعة لشعار تحرير القدس عبر كربلاء ومعادات ( الشيطان الأكبر ) في الحالة الفلسطينية سوي الخطابة وتسير التظاهرات ، في الحالتين ، يتم الأعلان الرسمي عن البدء العملي في تنفيذ عدوان التحالف الأمريكي الصهيوني من عاصمة عربية لينتقل النظام العربي الرسمي بعد ذلك برمته لمباركة العدوان ، من خلال عدم حرصه حتي علي التداعي لعقد لقاء رسمي أو قمة لأحدي موسساته يصدر عنها موقف مستند لإرادة وإستعدادات الجماهير بديلاً للشجب والإدانه ... ليتكامل هذه التوجه بإستخدام الإدارة الأمريكية لنفوزها للحيلولة دون صدور موقف من ( المنظمة الدولية للأم المتحدة ومجلس أمنها ) .. بعد أكثر من أسبوع من إستمرار العدوان علي غزة يصرح مجرم الحرب بوش الصغير ( لن تتوقف العمليات العسكرية الاّ بعد أن تكمل مهمتها ) أما موسسات النظام العربي فهي تتلكأ حتي الآن في التوصل لعقد ( قمة عربية ) وأكتفي السيد الأمين العام للجامعة العربية بنصيحة أبو مازن ( عليك سيدي الرئيس بالتوجه . إلي مجلس الأمن ....!!! ) وإنا هنا لقاعدون ، المضحك والمبكي كان في قمة مجلس التعاون الخليجي الذي تزامن عقد قمته في عُمان مع بداية العدوان علي غزة ، حيث حرص مضيفه السلطات قابوس علي عدم الإشارة ، إلي ما يجري في غزة ، رغم وحشية ولا إنسانيته العدوان ، حرصاً منه علي ما يبدو علي عدم تعكير مزاج أصحاب الفخامة والسمو ... إنفض سامر مجلس التعاون ولم يتوصل إلي إصدار بيان ختامي عنه .. أطفال غزة الذين عرضت الفضائيات وقفتهم وهم يرتلون قرآن الفجر من علي أنقاض جامع الخلفاء الذي دمرته الآلة العسكرية الصهيونية تكشف جسارة وتصميم وصمود شعب البطولات والطلاق الباين بين النظام العربي وشعبه ، وإنتقاله من العجز والإفلاس والتواطو ، إلي مرحلة الإندماج الكامل بالتحالف الأمريكي الصهيوني ... والسؤال الذي يتردد وسط قطاعات وأسعة من الجماهير عن مصير الجيوش التي ينفق عليها ما يقارب 35 % من الدخل القومي ويتم شراء أحدث الأسلحة والطائرات بصفقات لو لم تتم لإنهارت مالياً العديد من شركات تصنيع السلاح الأمريكية .. ما مصيرها ؟ وهل أصبح واجبها إستعراض القوة لأرهاب الجماهير ... ؟


إفتقاد البدر المنير :
بضلوع النظام العربي الرسمي في سيناريو حصار العراق وإحتلاله يكون قد أسهم في تصفية مركز النهوض والإستقلالية وحافظ التوازن في مواجهة التحالف الأمريكي الصهيوني الذي أختصر أجندته المحافظون الجدد بمقولة ( تعميم النظرة الأمريكية في المنطقة ) وهو ما تفصح عنه نذر الفوضي والإضطراب وحدة الأزمات والمواجهات التي لا يسلم منها أي بلد عربي حالياً .. وأن إتبع سيناريو التحالف قاعدة الإستفراد بالعراق كقطر الاّ أن إمكانيات المواجهة جاءت متحسبة لمقدرات الأمة كلها .. طول وإتساع وبربرية العدوان علي العراق ( المالية – الإعلامية – العسكرية – اللوجستية ) . كما لا يمكن تصورها تستهدف قطراً بعينه ... وكلما عبرت علي صعيد آخر علي الإنزعاج من المنجز العراقي والتشفي في القيادة التي ناضلت وجاهدت علي بناءه .. كان واضحاً أن المستهدف ليس ( صدام حسين ) الشخص وإنما القيم والنهج والمبادئ التي جسدها ، وإن العراق هو البداية ..


وعليه فإن ما يتعرض له شعب فلسطين وما يجرى الآن في غزة ليس معزولاً عن إفتقاد البدر المنير الذي كان محط أنظار الأحرار إينما كانوا ورمزاً من رموز صمودهم وإلهامهم ... عملت قوي الإستسلام والتسوية علي توظيف ذلك لتضيق الخناق علي المقاومة الفلسطينية ومحاولة تجفيف مصادر دعمها كخيار في مقابل دفع السلطة الفلسطينية ، إلي المذيد من السير في خط التسوية بما في ذلك التخلي عن حق العودة ودفع أطراف عربية أخري للعبتها .. لقد أكد عدوان التحالف الأمريكي الصهيوني في جانب منه علي عبثية ما يطلق عليه ( عملية السلام ) التي تشير تسميتها إلي أن المقصود بها مضيعة الوقت في جهود لا طائل من ورائها ودون سقف زمني محدد للإستفراد بالأطراف العربية كلاً علي حده وسحب البساط العربي عن القضية الفلسطينية للإستفراد بالفلسطينين لاحقاً ، لتكون المحصلة أفراغ القضية الفلسطينية من محتواها والتفريط في حقوق الشعب الفلسطيني الذي ظل ، ومايزال ، يناضل في سبيلها بأروع ما يكون . لقد بدد العدوان أوهام أنابوليس وما سبقها وما أطلق عليه ( المبادرة العربية ) وبذلك تكون مدرسة ( الواقعية ) العربية قد إستنفدت خيارتها ووصلت إلي الطريق المسدود .


كلاً يغني علي ليلاه
والنظام الأمريكي يمر بمرحلة ( تسليم وتسلم ) عملت إدارة مجرم الحرب بوش في أيامها الأخيرة علي تجديد مسارات السياسة الخارجية القادمة في أكثر المناطق سخونه وحيوية حسب مفهوم ( الأمن القومي الأمريكي ) ... في العراق ، بعد خمس سنوات من إحتلاله وإستمرار مقاومته الباسلة ، لجأت للهروب من مأزقها بما أطلق عليه ( الأتفاقية الأمنية ) لتكريس إحتلالها رغم تكذيب الحقائق علي الأرض وبإعتراف الأمريكين أنفسهم علي ما يسمونه ( تحسن الأوضاع في العراق ) .. وفي افغانستان وبعد أكثر من سبع سنوات من العدوان لم يجد النظام الأمريكي سوي زيادة حجم القوات والتفاوض مع طالبان .. أما فلسطين فقد كان نصيبها إطلاق يد الكيان الصهيوني بالعدوان علي شعبها للإستمرار في تصفية المقاومة ، ولفت الأنظار عن الأزمة التي يعيشها النظام الرأسمالي وتداعياتها الداخلية وتصاعد الرفض لسياسات النظام الأمريكي التي اتخذت من حذاء منتظر الذيدي حالة رمزية لها ... وإن أقتضي ذلك حرق بعض أدواتها التنفيذية في النظام العربي .. وهو موقف يستحق التوقف عنده بالسؤال البديهي .. هل إستنفد بعض الحكام العرب أغراضهم لدرجة دفعهم بالتورط في العدوان وبهذا الشكل المكشوف والسافر ؟!


علي الصعيد الصهيوني فالإضافة إلي الإلتقاء الإستراتيجي مع الهدف الأمريكي والعربي الرسمي في تصفية المقاومة كخيار وكحالة رمزية مغضوب عليها .. هنالك مشاغل داخلية تتعلق بالحالة المعنوية للمؤسسة العسكرية ولترميم النظام المتصدع بالفساد و الفضائح والبدء ، من خلال العدوان ، في سباق الإنتخابات القادمة لتأهيل أكثر القوى عدوانية للفوز وهي بهذه المناسبة محاضرة قيمه لبعض الكتاب الذين أتحفوا القراء بالإشتهاد والتبجيل لديمقراطية ( إسرائيل )


غزة ضمير الأمة والإنسانية وملهمتها :
أربكت التظاهرات الشعبية المستمرة والمتصاعدة علي نطاق العالم حسابات أطراف العدوان الأمريكي الصهيوني علي غزة لدرجة تمكن من الإستنتاج بأن معاناة شعب فلسطين وارواح ودماء شهدائه وجرحاه أصبحت ضميراً يقظاً للأمة العربية والإنسانية .. أفاقها وهي تستقبل عام جديد وعلي الرغم من برودة الطقس وحملات القمع التي جوبهت بها حملات رفضها وتضامنها ، لتواجه المخاطر المحدقة بالمصير الإنساني برمته جراء نوازع وتوجهات التحالف الأمريكي الصهيوني والمسايرين له .


1. فلقد أتضح وبما يدع مجالاً للشك بأن ما أطلق عليه ( النظام العالمي الجديد ) ما هو في حقيقته إلا النظام الإستعماري القديم بثوب أمريكي جديد ، وإن هذا النظام من خلال إذدراءه لحق الشعوب وخيارتها ومصالحها وتلاعبه بالموسسات الدولية والإقليمية قد افلس أخلاقياً وفكرياً قبل إفلاسه الإقتصادي والسياسي وهو ما ينقل مهمة التظاهرات العارمة . إلي مهمة التنظيم بإتجاه ، إعادة بناء وهيكلة المؤسسات لعالم متعدد الأقطاب وتسوده قيم الحوار والعدالة والسلام الدائم والشامل والمساواة .


2. اُكد لبلدان العالم الثالث أن الرهان علي لعبة الديمقراطية الأمريكية محض رهان خاسر ... فغض النظر عن نوايا المرشح الأمريكي للرئاسة ، فالثابت والذي لا جدال حوله أن السياسة الخارجية للنظام المركي تنطلق في الأساس من نظرة النظام الأمريكي لنفسه وللعالم وفقاً لمفهوم ( الأمن القومي والمصلحة الأمريكية ) وكلاهما من الرسوخ لدرجة أن النظام الأمريكي لا يكترس ، الاّ بتغيير وسائل التعبير عنها والدفاع ، بيد أن ذلك ليس من باب إحترام حقوق الآخرين أو مراعاة للقيم والتقاليد وإنما إستجابة تكتيكية لموازين القوي والإصطدام بالإرادات الأخري .


3. عربياً إنكشف وعلي نطاق واسع عدم مقدرة النظام العربي الرسمي علي الإنفكاك من تبعية التحالف الأمريكي الصهيوني بمقدار معاداته للجماهير وعزلته عنها وبنهجه الإقتصادي والإجتماعي الموغل في التبعية ..وهو ما جعله أخرص أصم في الإستجابة لقطع العلاقات ، بكافة مستوياتها واشكالها ، بالكيان الصهيوني ، وإغلاق مؤسساته وطرد ممثليه ... مثلما تفعل الدول في التعبير عن رفضها أو لمزيد من الضغط وفي قضايا وموضوعات لا ترقي لحجم الجريمة التي إرتكبها بحق شعب فلسطين ... وهو ما يؤهل الحركة الجماهيرية الصاعدة . إلي تطوير مبادراتها وتأطيرها في جبهات من اجل دعم المقاومة في فلسطين و العراق ومن أجل الوحدة والديمقراطية والعدالة الإجتماعية علي طريق تغيير هذه الأنظمة التي أعلنت أفلاسها الكامل هي الأخري . وصلت ( مدرسة واقعيتها ) ، إلي الطريق المسدود .


4. فلسطينياً يجيُ العدوان علي غزة ، إضافة لما سبق ، تأكيد علي طبيعة الكيان الصهيوني العدوانية التوسعية ، فالمجزرة التي يتعرض لها الفلسطينيون الأن ، ماهي إلا إعادة إنتاج لمجازر دير ياسين ، وكفر قاسم ، وصبرا وشاتيلا ، وقانا .... إن الطبيعة العدوانية لا تحتاج إلي زريعة أو مبرر .. وهل لتصفية الوجود الإنساني مبرر تحت اي مسمى ؟! لقد وظف الكيان الصهيوني ميزان القوى الذي أسهم النظام الرسمي العربي في جعله لمصلحته لتحقيق أهداف بعيدة وقريبة في إطار إستراتيجية تحالفه مع النظام الأمريكي ، مثلما أسهم الإصطفاف الفلسطيني حول الموقف من السلطة والمقاومة والتسوية في ذلك .. فليختلف الفلسطنيون حول تقدير الموقف ذلك شأنهم ، ولكن يبقي الأهم هو عدم الإختلاف في تقدير الحق الفلسطيني وثبواته الوطنية و أن يكون الحوار الفلسطيني الفلسطيني الوسيلة الوحيدة فض الخلافات .. الوحدة الوطنية الفلسطينية هي التي ظل يؤكد عليها شعب فلسطين وهي حجر الزاوية لتحرير أرضه والدفاع عن حقوقه الوطنية والتاريخية ... لقد أكدت مسيرة الثورة الفلسطينية وطبيعة التحالف الأمريكي الصهيوني وإمتداداته أن تحرير فلسطين يقترب بالقدر الذي يرتقي فيه النضال الفلسطيني بالتعبير عن إستعداد شعب فلسطين وبالكفاح الشعبي طويل النفس ( فلا ينتظر العرب المعجزة .. فلسطين لن تحررها الحكومات وإنما الكفاح الشعبي المسلح ) علي حد قول مؤسس البعث أحمد ميشيل عفلق ( عليه الرحمة ) . في الوقت الذي أكد فيه العدوان المزدوج علي غزة نهاية مرحلة بعد وصول قوي التسوية وخياراتها ووسائلها إلي طريق مسدود والإيذان بولوج مرحلة جديدة ، أبرز عناوينها الصمود والمقاومة والتي برهنت علي أنها المفصح عن وجدان الجماهير والقادرة علي إستنهاض إرادتها وتوحيد قواها وطنياً وقومياً وعلي إمتداد العالم وهو ما يقتضي ، تجديد وسائل المجابهة وتوسيع قاعدتها الشعبية وإعتبار الوحدة الوطنية وصيانتها والدفاع عنها ، الركيزة الأساسية للصمود والنهوض والتقدم ... وما عداها لعب ولهو في لعبة إعادة السيناريو .

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٠٩ محرم ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٦ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م