أبو الغيط .. الحكيم الذي يرى فخّا لا يراه أحد

 

 

شبكة المنصور

عبد الكريم بن حميدة

"مصر أولا، وفلسطين ثانيا، والمصالح العربية ثالثا، واستقرار المنطقة رابعا". على هذا النحو حدّد وزير الخارجية المصري أولويات السياسة المصرية في الوقت الذي حذر فيه من الأطماع الإيرانية ومحاولات طهران دفع القاهرة باتجاه حرب مع "إسرائيل" قائلا: "إن مخطط إيران هو تطويع مصر ومحاولة النيل من خيارها الاستراتيجي القائم على السلام وجرّها بالتالي لمواجهة مسلحة مع إسرائيل.. ونحن لن نسمح بهذا أبدا".


من العسير أن تتبين حدود المنطق في تصريحات أبو الغيط، ومن العسير أن نصدّق أن مصر تلتزم بما حددته لنفسها من أولويات في إطار الحرص على مصالحها "القومية" وأمنها "القومي".

 
مصر أولا.. نسأل ونترك الإجابة لحكمة أبو الغيط  عساها تسعفنا بها:


هل تقتضي مصلحة مصر الوقوف خلف قيادة أوسلو وسلطة رام الله ودعمها ومناوأة مخالفيها بل ومعاداة "حماس" وبقية فصائل المقاومة؟ وهل من مصلحة الفلسطينيين بمرضاهم وجرحاهم أن تغلق القاهرة معبر رفح في وجوههم؟ وكيف يفسّر السيد أبو الغيط إفشال القاهرة لقمة الدوحة عبر إجهاض اكتمال النصاب القانوني لها مثلما صرّح هو بنفسه؟ وأين تكمن مصلحة القاهرة عندما تقف بقوة ضد محاولات قطر وسوريا تضمين نتائج قمة الدوحة في بيان قمة الكويت؟


مصر أولا؟ إذن أين مصلحة مصر عندما تقود معسكر التطبيع مع الكيان الذي يتعمّد إحراجها في كل مناسبة، وآخرها عندما أعطى ظهره للمبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة وعقد اتفاقا مع أمريكا يتضمن ترتيبات أمنية تهدد مصر والعرب؟
مصر أولا؟ إذن أين مصلحة مصر عندما تتحول من قائد إلى وسيط ينحاز إلى صف العدوّ ويمارس أقصى قدر من الضغوط على فصائل المقاومة لتقبل بالشروط "الإسرائيلية"؟


مصر أولا؟ إذن أين مصلحة مصر عندما تصرّ على عزل سوريا وتستكثر على دولة قطر نجاحها في وساطتها بين الأطراف اللبنانية، وتستكثر عليها محاولاتها لكسر الجليد بين طرفي الصراع الفلسطينيين؟


مصر أولا؟ إذن أين مصلحة مصر في النزول بالعمل العربي المشترك إلى أدنى مستوياته، والوقوف بسلبية مفرطة أو بتواطؤ ضمني إزاء كل العوامل المؤدية إلى تعميق الخلافات بين الأقطار العربية؟


قال الحكيم أبو الغيط في التصريحات التي أدلى بها مؤخرا لبرنامج "القاهرة اليوم" على قناة "أوربت": "هناك حاجة أكبر من غزة وفلسطين وهى الأمن القومي المصري..". ووفق منطق أبو الغيط فإن هذا الأمن يستدعي التشبث بالسلام خيارا استراتيجيا مع الكيان الصهيوني.. وعدم السماح بمرور السلاح إلى غزة، واحترام الالتزامات القانونية المصرية تجاه "إسرائيل"، وكذلك العمل على توفير أكبر قدر من الراحة والأمان للسائح الصهيوني الذي يمثل الحريف الأهمّ لـ 139 فندقا مصريا في جنوب سيناء..


بقطع النظر عن لهجة التهديد واستعراض القوة وترهيب المقاومة التي طبعت تصريحات وزير الخارجية المصري فإننا لا نستطيع أن نفهم أو أن نقتنع بهذا المنطق الذي يدافع عبره أبو الغيط عن مواقف مصر إزاء مأساة غزة ومأساة أهلها المحاصرين.. والمذبوحين.. والمحروقين..


إنني لا أرى أية مصلحة لمصر.. لشعب مصر في كل هذا الذي يردده حكيم الخارجية المصرية.. ولا أستطيع أن أقبل أو أفهم كيف أنّ نصْب كاميرات وكشافات على طول حدود مصر مع غزة لمنع "تهريب" السلاح إلى فصائل المقاومة يخدم الأمن "القومي" المصري!!!


كما لا أستطيع أن أفهم كيف أن مصر تقبل الانكفاء داخل حدودها منذ عقود، وترفض الوقوف إلى جانب المقاومة بمختلف انتماءاتها وتوجهاتها.. بل تعاديها، ثم تستكثر عليها تلقيها للمساعدات من جانب طهران.. فكيف تخنق القاهرة حركة "حماس"، وفي نفس الوقت ترفض أن تتلقى هذه الأخيرة دعما من أي طرف خارجي لا سيما إيران؟!!


إجابة وحيدة قد تغني عن كل إجابة: الأمن "القومي" المصري هو أمن النظام لا أمن الشعب.. واستقرار المنطقة هو استقرار "إسرائيل" حتى إن كان الثمن هو دماء الفلسطينيين وأشلاءهم الممزقة.

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

السبت / ١٢ صفر ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٧ / شبـــاط / ٢٠٠٩ م