انتخابات مجالس المحافظات في العراق : محاولات التضليل لم تعد تنطلي على أحد

 

 

شبكة المنصور

عبد الكريم بن حميدة

ممنوع الجولان.. ممنوع الطيران.. ممنوع العبور.. تلك هي أبرز ملامح انتخابات مجالس المحافظات في العراق، وهي الانتخابات الثانية بعد انتخابات 2005. وقد جرت السبت الفارط وسط إجراءات أمنية مشددة، حيث كان منتظرا أن يتوجه نحو 15 مليون عراقي إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في عملية اعتُبرت الأضخم من حيث عدد المرشحين والناخبين والكيانات السياسية المتنافسة والميزانيات التي رُصدت لها والأموال التي أنفقت فيها. فقد تقدّم 14431 مرشحاً لشغل 440 مقعداً، وهذا يعني أن كل ثلاثة وثلاثين مرشحا تقريبا يتنافسون من أجل الظفر بمقعد واحد!!


ورغم محاولات أذناب الاحتلال الترويج لإقبال واسع على هذه الانتخابات تأكيدا لنجاحاتهم غير المسبوقة في قتل العراقيين وتهجيرهم وإفقارهم، فقد كذبت الوقائع رهانات الحكومة العميلة، وبدا أن مشاركة العراقيين في الانتخابات كانت أقرب إلى المقاطعة غير المعلنة إذ لم تتجاوز وفق الإحصاءات الرسمية نسبة 51 في المائة، وهو الأمر الذي سفّه ادّعاءات نوري المالكي وأعوانه. فمنذ الساعات الأولى ليوم الاقتراع   أشاد رئيس الوزراء المعيّن بالمشاركة الواسعة المتوقّعة قائلا: "أعبر عن سروري بهذا اليوم لأن كل الدلائل والمعلومات تشير إلى الإقبال الواسع للعراقيين على صناديق الاقتراع".

 

وأضاف  أن هذا "الأمر يعطي تصورا عن طبيعة ثقة الشعب بحكومته والانتخابات وبحقه في هذه الممارسة الديمقراطية". وأكد أن "هذه الانتخابات ستوفر للمواطنين فرص العيش الكريم لأن مجالس المحافظات في دورتها المقبلة ستكون لها صلاحيات واسعة في عملية البناء والإعمار وتوفير الخدمات".


ولأن مسار الانتخابات قد جرى على خلاف ما أراده أعوان الاحتلال، فقد أمر"رئيس الوزراء العراقي" برفع حظر التجول لإتاحة الفرصة أمام الناخبين للتحرك بحرية للوصول إلى مراكز الاقتراع في عموم مناطق العراق.


وكان واضحا أن هذا الإجراء يهدف إلى تلافي ضعف الإقبال على مراكز الاقتراع وتأكيد "النجاحات المتتالية" التي حققتها حكومة الاحتلال في مجالات الإعمار والأمن والخدمات. وفي الوقت ذاته يحاول تضليل الناس بادّعاء أن منع الجولان وحظر التجوال هما اللذان منعا الناخبين من الوصول إلى مراكز الاقتراع. ووفقا لما قاله نوري المالكي فإن الانتخابات كشفت بصدق عن "طبيعة ثقة الشعب بحكومته"، وهي ثقة لم يكن العقلاء في انتظار يوم الاقتراع لتبيّن ملامحها وحدودها، فقد كان واضحا لدى الخاص والعام أن المواطن العراقي لا يطمئن إلى هذه الحكومة، ولا يثق في وعودها بعدما عانى في عهدها كل أنواع القهر وأشكال التعذيب.


إن المواطن العراقي لم يعرف معاناة أشدّ ولا أقسى من تلك التي عرفها منذ الغزو الأمريكي وإسقاط النظام الوطني الحاكم. وقد جرّب مجلس الحكم الانتقالي وحكومة إياد علاوي ثم حكومة إبراهيم الجعفري قبل أن يحصل توافق الطامعين على اختيار نوري المالكي، ولم تكن الأوضاع تزداد إلا سوءا رغم الوعود المتكررة وادعاء نظافة اليد.. انتشر الفساد حتى أصبح العراق يحتل المرتبة الثانية على الصعيد العالمي، وأثرى الطامعون واللصوص وامتلكوا العقارات في العواصم الغربية، وطاردوا الوطنيين وهجّروهم أو قتلوهم.. وفي عهودهم استشرت الطائفية وغاب مفهوم الوطنية تحت سطوة المذهب والطائفة الأمر الذي دفع الملايين إلى الفرار خارج العراق هربا بحياتهم وحياة أبنائهم.


إن انتخابات مجالس المحافظات أيّا تكن النتائج التي ستسفر عنها لا يمكن أن تُعدّ نجاحا لحكومة الاحتلال، كما أنها لن تساهم في إضفاء أيّ قدر من الشرعية عليها. فعناصر النجاح لا تصنعها الفضائيات المأجورة ولا الإعلانات مدفوعة الثمن، وبكل تأكيد لا تصنعها تلك الملصقات والمعلقات التي كادت تغطي الشوارع والساحات العراقية بما دعا البعض ليتساءل عن مصادر الأموال التي غذّت بها الأحزاب والكيانات السياسية حملاتها الانتخابية في بلد لم يعد يسأل أو يحاسب أحدا عن مصادر تمويله.


كما أن خضوع هذه الانتخابات إلى مراقبة محلية ودولية لا يمكّنها من شهادة براءة تخص نزاهتها وديمقراطيتها، فكثير من الذين انخرطوا في العملية السياسية حذروا من تزوير واسع لنتائج الانتخابات، لا سيما أنهم يتخوفون من استثمار إمكانات الحكومة وأجهزتها لخدمة البعض دون الآخر. مثلما أن حصول عمليات اغتيال طالت بعض المرشحين في مناطق متفرقة من العراق من شأنه أن يثير الشكوك حول المستفيدين من هذه العمليات.


إن هذه الانتخابات لا تعدو أن تكون استكمالا للمخطط الذي رسمته دولة الاحتلال عبر كل التشكيلات السياسية التي أنشأتها والقوانين التي أقرّتها والدستور الذي وضعته، والذين يتسابقون للفوز بمقعد في هذه المجالس إنما يبحثون عن أقرب وسيلة للكسب والثراء أسوة بمن سبقوهم خلال السنوات الخمس الماضية. أما المواطن العراقي فإن من الصعب أن تخدعه الشعارات أو تغريه المرجعيات. ولقد عبّر أحد العراقيين عن الفهم العميق لطبيعة هذه الانتخابات وأهداف المترشحين منها عندما علق على شعار (أنا خير من يخدمك) بقوله: "المقصود أنا خير من يسرقك"!!

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

السبت / ١٢ صفر ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٧ / شبـــاط / ٢٠٠٩ م