القضاء محنة أم منحة ؟

 

 

شبكة المنصور

عبيد حسين سعيد

 

القاضي وضيفة خطرة وتكمن خطورتها في تماسها مع المجتمع والوقوف الحازم أمام كل ما يترتب من إجراءات للحيلولة دون المساس بحقوق ومصالح أفراده ومن أولى مهماته البحث واستجلاء الغامض الغاطس من حقوق الناس وإدخال الموضوع في محكمة النفس (محكمة الموضوع) ودراسته من جوانبه الإنسانية والشرعية دون الخوض في أي موضوع يجانب الإنسان نفسه دون النظر إلى جنس أو شكل أو انتماء المدعي والمدعى عليه وهذا يجعل القاضي عند الحكم يقف على حد سيف باشط فالقاضي كجيش طارق البحر من أمامهم والعدو من امامهم وليس له إلا الصبر وتحري الدليل فقد ذبح بغير سكين. ولكي يحيط القاضي بما يدور حوله والقاضي عليه أن يتحلى بصفات لا بد منها للوصول للحقيقة وجلوها كجلو النحل بدخان الحكمة, والمروءة حتى وان كانت في السر لتستحي منه الناس في العلن, وان يتقبل اللوائم ويحب العزل ويكره المدح,يشاور وان كان عالماً,ولا يسمع شَكِيّة إلاّ مع خصم, فكان القضاة لا يستغنون عن العلماء ليسددوهم إن اخطئوا,وان يتعفف عما في أيدي الناس, مسمراً بباب العدالة.يتحرى دعاوى المظلومين قبل أن تعرج إلى العدل دون حجاب يحجبها أو مَلَك يمنعها, متوشحاً ومتجملاً بالقصد الحسن في الأحكام لكي يأمن به الخائف ويرتدع الحائف ويبعد من أعوانه المرجف الكذاب,وقد تكرر ذكر العدل في آيات كثيرة كما في 48والاية123 والمائدة الآية 95 و106 وهناك عشرات الإشارات القرآنية التي تدعو للعدل والقِسط وقوله تعالى:

 

إنّ َ الله يأمرُ بالعدلِ والإحسان وإيتاء ذا لقربى وينهى عن الفحشاء والمنكر يعظكم لعلكم تذكّرون 90 النحل.وقد أغنت السنة النبوية الباحثين عن االتحصن من الزلل والخطأ في تطبيق الأحكام وإشاعة روح العدل بين الناس لكي  يقوى عضد المجتمع والدولة لوعورة طريق الحق وقلة سالكيه..

 

عن أبي هنيدة وائل بن حجر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فقال: يا نبي اللَّه أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما بأمرنا؟ فأعرض عنه. ثم سأله فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم  اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم  رَوَاهُ مُسلِمٌ. ومعنى ذلك ان الله ليس بغافل عما يعمل الظالمين الذين سيجزيهم الله نكالا وعذاب شديد (جزاءً وفاقا) إنهم كانوا لا يرجون حساب 27-26 النبأ.

 

فلقد كانت كل المجتمعات الجاهلية والوضعية والسماوية تفرد أبوابا ومنارات زهو وفخار للمدافعين عن حمى العشيرة والوطن فتفاخر بهم وتقدمهم المجالس وتتحدث عنهم الأجيال بأنهم حموا الديار والذمار وفوتوا الفرص على الاعداء أن يعتدوا على الأعراض وسبي النساء وأحداث البلاء فكانت عكاظ مسرحاً للتفاخر بأمجاد وبطولات أبطالها من خلال الشعر الذي حفظ,أو الذي تداولته الأجيال  فبرز الدهاة والفضلاء ومن هؤلاء تمكن الكثير من القيام بمهمة الفصل بين الخصوم كل حسب العرف المتداول دون الولوج في موضوعة الحق والحقوق لان المجتمع الجاهلي كان يسيطر عليه كبراء قريش وكان كلامهم فصل ,الجاهلية من خلال بعض الأشخاص ممن تتوفر فيهم خصال أهمها عفة ذات اليد والكلمة المسموعة والنسب المعروف والصدق وما حادثة السيل الذي أتى على الكعبة واختلاف القبائل القرشية أسد, وعبد الدار, وعبد مناف, وزهرة ,ومخزوم, وتيم وتنافسهم في رفع الحجر فكل قبيلة تريد شرف رفعه     ووصل الامرالى الولوج في الشر فاجتمعوا على كلمة سواء من يدخل من باب السيل فطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخذ ردائه ووضع الحجر الأسود داخله فأمر بان يرفع وبذلك اشترك الجميع في رفعه وبعد أن جاء الإسلام كان رسول الله لهذه المهمة التي كان يعاونه جبريل مبعوث السماء في إيجاد قواعد قانونية تحفظ الحقوق بإطار جديد يختلف عن ما كان من التمايز بين السادة والعبيد الذي جاء الإسلام وساوى بينهم وكان النبي ذاته هو من يقضي بين الخصوم ويعطي كل ذي حق حقه,وبعد وفاة الرسول الذي خلفه صاحبه ورفيقه أبا بكر وتوسع الدولة وبروز صعوبات كان من أهمها القضاء على المرتدين وبروز خطر الروم الذي استغلوا الفتنة فتململوا واخذوا يهددون الدولة الإسلامية فكان من الضروري أن يجد الخليفة من يساعده في القضاء فانتدب عمر بن الخطاب لهذه المهمة والتي قام بها خير قيام متبع لا مبتدع واستمر لحولين كاملين والغريب العجيب المعجب هو أن هذه الفترة كلها لم يقف أمام القاضي -وهو عمر بن الخطاب- مدة قيامه بالمهمة وبعد وفاة أبا بكر واستخلاف كان لها ابن شريح واستمر يلي القضاء حتى استشهاد علي بن أبي طاب. وقد شهد القضاء الإسلامي تتابع قضاة كانوا يرغمون إرغاما للولوج في معتركه ودركه فقد رفض الزاهد عبد الله بن عمر بن الخطاب قبول تولي القضاء في خلافة عثمان قائلاً يا أمير المؤمنين استعيذ بالله منه هذه المهمة فما كان من عثمان إلاّ أن قبل توسلاته وكان قاضي عمر بن عبد العزيزاياس وكان يقول

 

استخر الله في السماء يخر الله لك في القضاء  وكيف ان عمر بن هبيرة ضرب احمد   بن حنبل حين رفض تولي القضاء,عبد الله بن عمر استعاذ بالله ان يكون قاضياً لعثمان   وكيف ضرب عمر بن هبيرة الإمام احمد بن حنبل لرفضه تولي القضاء قائلاً كيف اذبح نفسي بغير سكين هؤلاء جميعا لتولي القضاء محنة مسترشدين بأقوال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم (من سأل القضاء وكل إلى نفسه. ومن جبر عليه نزل إليه ملك فسدده) .يقول:علي بن أبي طالب يقول : بعثني رسول الله ،صلى الله عليه وسلم إلى اليمن. فقلت يارسول الله تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم،ولا أدري القضاء؟ قال، فضرب بيده في صدري قال(اللهم اهد قلبه وثبت لسانه) قال، فما شككت بعد في قضاء بين اثنين(إن الله مع القاضي، ما لم يجِر. فإذا جار وكله إلى نفسه). وقال رسول الله( إن خياركم أحسنكم قضاءً)

 

قال الأَزهري: يكون الانْتصَار من الظالـم الانْتِصاف والانْتِقام، ولما غطش الغاطشون وكثر الظالعون في زمن انقلبت الأمور رأساً على عقب وأصبح القاضي يسعى إلى النار برجله وتمكين عقله وعقاله لا يبتغي غير القضاء وليس القضاء بمعناه العدل وإنما القضاء على سنن الكون فبربك كيف تفسر ان شخصاً غيوراً على الدين والعرض يقتل عدو محتل ويصدر القضاء حكماً على  كريم إبراهيم القرغولي بالإعدام وغمط حق من حقوقه ...سؤال بريء أين القسم الذي أقسمتم فكيف تحكمون على رجل دافع عن أعراضكم ولنا سؤال نريد جوابه ممن وعاه ماذا لو كانت هؤلاء النسوة زوجاتكم أو أخواتكم فهل ستحكمون عليه بالإعدام ؟واعلموا أن اشد أهل النار عذابا من باع دينه بدنيا غيره!!.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

السبت  / ١٠ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٠٨ / تشرين الثاني / ٢٠٠٨ م