مواقف نضالية في زمن الايام الطويلة

﴿ الحلقة السادسة ﴾

 

 

شبكة المنصور

ابو عمار المخضرم

 

مؤتمر الحزب الوطني الديمقراطي العام
* حضور بعثي متميز وموقف شعوبي حاقد *
***************************************


استكمالا لحديثي السابق في الحلقة الخامسة أقول :- بعد انعقاد مؤتمر حزب الاستقلال العام بأيام قليلة قام الحزب الوطني الديمقراطي بتأريخ 27\11\1954 بعقد مؤتمره العام في نفس قاعة سينما النجوم التي شهدت مؤتمر حزب الاستقلال العام الذي رويت ماحدث فيه سالفا , وكان هذا المؤتمر – الوطني الديمقراطي – هو اخر مؤتمر عام شهده تأريخ هذا الحزب حيث انقسم بعد ثورة \1958 على نفسه وغادره الكثير من قادته أنفسهم وكان ذلك بتشجيع من (عبد الكريم قاسم) ورعايته , إضافة الى أن الشيوعيين الذين كانوا ينضوون تحت اسم (الوطني الديمقراطي ) انفضوا عنه للعمل تحت راية الحزب الشيوعي العراقي الذي أصبح وجوده شرعيا على ارض الواقع وبالأحرى الحزب (الأوحد) الذي يصول ويجول برعاية مطلقة من السلطة الدكتاتورية (القاسمية) , كما انه (الحزب الشيوعي) تنكر لحليفه وحاضنته حزب (كامل الجاد رجي) وشنّ عليه حملة عنيفة لم يسلم منها قادته أنفسهم .ومن بين من شملتهم هذه الحملة المرحوم (هديب الحاج حمود العطية) الذي كان آنذاك وزيرا للإصلاح الزراعي (وعلى عهده صدر أول قانون للإصلاح الزراعي) حيث هزجت (هوّست) جموع الشيوعيين في تظاهراتهم ب (الهوسة) الشهيرة (( شلون يصير هديب إقطاعي يسن قانون . اسمع يكريم )) ...


الحاصل فأن أجواء المؤتمر المذكور كانت تختلف كثيرا عن سابقه مؤتمر حزب الاستقلال حيث كان أكثر من 90% من الحضور هم من منتسبي الحزب الشيوعي العراقي وأنصاره الذين كانوا يتخذون من الحزب الوطني الديمقراطي ستارا يلوذون خلفه مستغلين صفة المشروعية القانونية لهذا الحزب واعتراف السلطة القائمة به. كان جو المؤتمر حماسيا والشعارات والهتافات الشيوعية تتردد في أرجاء القاعة ما عدا الحيّز الذي تجمع فيه البعثيون في الطابق الأرضي حيث انطلقت منه هتافاتنا وشعاراتنا البعثية بقوة ووضوح يعبران عن وجودنا وأهدافنا القومية الاشتراكية , الأمر الذي جعل الأجواء متوترة لم يستطع معها المرحوم (كامل الجادرجي) رئيس الحزب من أكمال خطابه ولم يكن ممكنا مع هذه الأجواء المشحونة أكمال بقية منهاج الاحتفال فقد عمّت الفوضى حينما حاول الشيوعيون إسكاتنا وجاوزوا ذلك الى محاولة الاعتداء على بعض الرفاق فحدث تشابك بالأيدي في مناطق الاحتكاك معهم وبدأوا - الشيوعيون - بإطلاق الشتائم الوقحة علينا مثل (( يسقط الفاشست أيتام هتلر )) وقد رددنا عليهم بشعارات مضادة مثل ((يسقط أخوان الصهاينة)) , وإذ أنسى فلن أنسى ما هتف به احدهم واسمه (خالد) وهو ذات الشخص الذي ساهم في إفشال احتفالنا في نادي كلية التجارة والاقتصاد الذي كرسناه للتضامن مع شعبنا العربي في تونس بعد مجزرة (بنزرت) حيث صرخ بعصبية (( انتم البعثيون فاشست واليهود اشرف منكم )) و ((تعيش إسرائيل على عنادكم))... وكان يجلس بجانب الدكتور (إبراهيم كبة) وهو احد قياديي الحزب الشيوعي وأستاذ في كلية التجارة حينذاك وأصبح بعد (14) تموز وزيرا للاقتصاد ..


لقد كان لابد بعد هذه الفوضى أن يلغى الاحتفال وينتهي المؤتمر بالفشل ... فانطلقنا خارج القاعة وكذلك فعل الشيوعيون في حالة من التوتر والحماس وكل يردد ويهزج بشعاراته وحدثت بعض الاشتباكات بيننا وبينهم بالأيدي ... لم ينته الأمر الى هذا الحد بل امتدت أثاره ردود فعله الى قادة الحزب الوطني الديمقراطي وفي مقدمتهم (كامل الجادرجي) الذي حمّل البعثيين وحدهم مسؤولية ما حدث دون أن يحمّل الشيوعيين ولو جزءا من هذه المسؤولية وذلك من خلال مقال له نشرته جريدة (الأهالي) لسان حزبه في اليوم التالي للمؤتمر بعنوان ((العفالقة)) .. وأتذكر هنا أنني كنت بين مجموعة من موظفي الدائرة التي اعمل فيها آنذاك نقرأ الصحف ونناقش ما فيها وقد تساءل البعض بعد اطلاعهم على مقالة الجادرجي عن ((هذا الحزب – حزب البعث)) وتهجم احدهم وهو شعوبي عليّة فما كان مني إلا القيام بالردّ عليه وتوضيح صورة ما حدث في سينما النجوم والإشادة بمبادئ الحزب التي تعبر عن ضمير الأمة على خلاف مبادئ الحزب الشيوعي الذي يؤمن بالتبعية المطلقة (لموسكو) وبهذا الوقت انكشفت هويتي البعثية الأمر الذي كانت له نتائج مؤذية لي بعد ثورة 14\تموز\1958 وانطلاق المدّ الشيوعي ... المهم هنا وكرد فعل على مقال الجادرجي قامت مجموعة من شباب البعث بزيارته لمعاتبته على نقده غير المنصف الذي نشره في جريدة الأهالي ودافعوا عن موقف الحزب وكيف أن الشيوعيين هم الذين بدءوا باستفزاز البعثيين وغيرهم من أعضاء حزبه أنفسهم وسألوه عما إذا كان يقبل بهتاف احد الشيوعيين بتمجيد اليهود وإسرائيل , ولقد كانت نتيجة هذا اللقاء ايجابية عندما اقتنع المرحوم الجادرجي بوجهة النظر البعثيية وعبّر عن تلك القناعة بإيضاح نشر في جريدة الأهالي تضمن اعتذارا للبعثيين وإشادة بهم باعتبارهم فصيلا وطنيا جديرا بالتقدير .


والى اللقاء في الحلقة القادمة انشاء الله

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

السبت  / ١٧ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٥ / تشرين الثاني / ٢٠٠٨ م