عثمان إدريس أبوراس في إفادات قوية للوطن

 

 

شبكة المنصور

 

 

 * الانتخــابات يجـــب أن تقوم بالاحتكـام إلى قانون ديمقراطي وفــق تعداد سكاني دقيق

* الموافقة على قانون الانتخابات تعني تحريم حق التباين والاختلاف

* الأزمة المالية العالمية تعتبر أزمة في الفكر والفلسفة للنظام الرأسمالي

* تمسك الحركة بتقرير المصير يعني عملياً الاستغناء عن وحدة السودان 

 

دوماً يتميز موقفهم بأنه نسيج وحدة ولا يكون له شبيه في الساحة السياسية كحزب حتى إن حزب البعث تعرض لكثير من الاتهامات بسبب رفض العمل الخارج ضد نظام الإنقاذ في سنواته الأولى، ولكن في الفترة الأخيرة برز اسم الحزب كثيراً في أروقة المعارضة لنظام الإنقاذ وصار مرشحاً لقيادة أو الانضمام لتحالف الأحزاب ضد النظام، لكن طالت الحزب اتهامات عدة مثل عدم القدرة على العمل وسط الجماهير التي يقول الحزب إنه يراهن عليها كثيراً.

 

«الوطن» جلست إلى الأستاذ عثمان إدريس أبوراس نائب سر قيادة قطر السودان، ووجهت له أسئلة حول الانتخابات ومبادرة أهل السودان وتحالف المعارضة وعدد من المسائل الفكرية، فخرجت منه بالحصيلة الآتية:

 

حوار/ بشير أربجي

 

ألا يشكل التعدد الديني والعرقي في السودان معضلة تواجه حزب البعث ونشاطه في السودان ؟  

صيغة السؤال الذي تفضلت به ، تدعو التأكيد على ضبط المفاهيم ، وعلى تسمية الأشياء بأسمائها:

أولاً .  السودان بلد متنوع الثقافات والفرق شاسع بين استخدام التنوع لا التعدد ، اضافه إلي أن حركة التاريخ ومعطيات العلم أكدت على انتقاء ( نقاء الاعراق ) . وبنظرة فاحصه يكاد يكون التنوع هو السمه العامه للمجتمعات والبلدان وعلى أساس هذه الحقيقه فالسودان لا يشكل إستثناء والتنوع ليس معضله في حد ذاته . حزبنا إضافه لما سبق ، لا ينطلق من نظره ساكنه لمقومات  الوجود الوطن والقومي في السودان ولا يعتبر أن هنالك تنافس أو تناقض فيما بينهما سيما وأننا نعتقد أن حزبنا يعبر عن الفطرة  الأنسانيه السليمه التي تؤهله ، اكثر من غيره ، ليكون المعبر وبجديه وإخلاص عن تطلعات ومشاعر ووجدان السودانيين كافه وبمختلف تنوع مكوناته الثقافية والحضارية وتفاوت درجات التبلور الوطني والنمو الإقتصادي والإجتماعي . ومن يتصور غير ذلك إما أنه ينطلق من تصورات خاطئه وغير صحيحة أو يعبر عن مواقف فكريه أو سياسيه خاصه به ، ولعل ما جاء في خطاب جعفر نميري ، الذي كرسه للهجوم على الحزب يقف مثالا لذلك  ، حيث استغرب نميري نشاط حزب البعث ونموه وسط أبناء شعبنا في جبال النوبة ، وحينما نقول بذلك ننطلق ، شأن حزبنا دائماً من حقيقة واقعنا الوطني ، لا واقعه ، هذه الانطلاقة هي التي جعلت البعث بأن يكون دائماً حركة إيجابية وتفاؤلية ، الحقيقة تؤكد أن السودان بلد عربي إفريقي إسلامي حيث عروبيته تنطلق من العروبة كوجود ثقافي وانتماء حضاري واستعداد نضالي ، فيما تؤكد أفريقيته ، مثله مثل بقية بلدان القارة الأفريقية ، إنتماءه وتعبيره عن المحتوى السياسي للقارة ، أما إسلاميته ، فإضافة إلى كون الإسلام دين الغالبية من سكانه وسكان افريقيا ، فلقد اسهم السودان في بلورة وتشكيل عروبته وثقافته ، دون أن يعني ذلك إغفال الحقيقة القائلة بالتمايز ( في إطار التنوع ) بين شماله وجنوبه الذي ظل ، وما يزال ، يحتفظ بثقافاته المتنوعة ضمن وحدات قبلية ، وفوق قبلية . ولعل أوضح تعبير للبعث في هذه الناحية قد عبر عنه القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق عليه الرحمة ، في لقاءه عام 1982 بوفد الحزب الاتحادي الديمقراطي حينما قال ( الوطنية السودانية هي العروبة بعينها ، والعروبة السودانية ، هي الإسلام في جوهره )

رؤية وموقف حزبنا ، كما ترى ، تتجاوز الانطلاق من ردود الأفعال وسلبيات عهود التخلف والسيطرة الاستعمارية والأنظمة المستبدة والفاشلة ... وعلى الخلط بين ممارسات وحقائق مقومات الوجود الوطني وآفاقه المستقبلية من جهة وبين نتائج الصراع السياسي والخلافات السياسية والفكرية . وبهذا المعنى ، حزبنا يرى ان عروبية وإسلامية وأفريقانية السودان هي أهم محركات نهوضه وممانعته في مواجهات الاتجاهات التفتيتية التي تعبر عنها تحديات المرحلة التي تستهدف الأوطان والهويات والخيارات والمصير الإنساني برمته .

 

فالاعتراف بالتمايز وحل الخلافات مت ما ظهرت حلاً سلمياً ديمقراطياً عادلاً والارتقاء بالهويات الفرعية بالوعي وبالنضال وبالتربية الوطنية الرفيعة إلى الهوية الرئيسية ( الوطنية ) تضع شعبنا وبكل قطاعاته وخبراته وتقاليده في مواجهة معوقي تطوره ونهضته وتحقيق تطلعاته في إطار الوحدة المعززة بالسلام الشامل والعدالة والمساواة .    

الفترة الانتقالية تدخل مرحلتها الحاسمة، والانتخابات على الأبواب والآمال معلقة على التغيير والتحول الديموقراطي الذي يمكن أن تفضي إليه: ماذا أعددتم لها ؟

 

-  في الظروف الطبيعية التي تتكرر فيها الدورات الانتخابية في زمان معلوم وادارة (قومية) ومستقرة وجداول للناخبين في كل دائرة يجري وضعها وفق تعداد دقيق للسكان، وتقوم الانتخابات بالاحتكام إلى قانون ديموقراطي محل إجماع وطني، بعد مراجعات وتمحيص للتجارب السابقة وفي مناخ من الاستقرار للاوضاع السياسية والاجتماعية والامنية وتكافؤ الفرص بين المتنافسين.. الخ، في مثل تلك الظروف الطبيعية غالباً ما يتم الحكم على الانتخابات بانها حرة ونزيهة.ولكن حتى ضمن تلك الظروف نفسها كثيراً ما يشار إلى تدخل الحزب أو التحالف الحاكم ودوره في تحديد نتائج الانتخابات وانحيازه لمرشحيه بالتزوير .

 

فكيف إذا كانت الأوضاع كما هي حالنا الآن على نقيض ما سميناه بالحالة الطبيعية؟ إذ تتميز الانتخابات المقبلة بأنها تجيء في إطار استحقاقات اتفاقية نيفاشا، وكجزء من منظومة من الالتزامات المقابلة لأطراف الاتفاقية، والتي تاتي في مقدمتها صيغة قسمة السلطة والثروة وحصة كل طرف من أطراف الاتفاقية منها حتى نهاية الفترة الانتقالية عام 2011م، حين يجري الاستفتاء في جنوب السودان على حق تقرير المصير بالوحدة أو الانفصال. لذلك نستطيع التوصل إلى نتيجة منطقية مفادها استحالة حدوث تغيير في معادلة السلطة بالانتخابات، ومن ثم انعدام فرصة إنجاز الأهداف والبرامج من موقع السلطة أو من موقع مؤثر في المؤسسة التشريعية. إن ذلك يتناقض مع ما نصت عليه الاتفاقية والتي تم تضمينها في الدستور الانتقالي. ولهذا يمكن لأبسط المتابعين إدراك مغزى التطابق في الموقف من قانوني الاحزاب والانتخابات الذي توصل اليه المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، بالرغم من ان الاخيرة ناورت كثيراً على عديد من القوى التي تحالفت معها في التجمع الوطني حول هذين القانونين، لكنها في الختام اصطفت مع شريكها المؤتمر الوطني وفق مقتضيات نيفاشا ومصالحها كحركة. لذلك فإن تطلع البعض لحدوث «تحول ديمقراطي» أو بتعبير أكثر دقة «استعادة للديمقراطية» بالانتخابات هو بكل أسف محض أوهام. وما ندعم به حديثنا هذا هي شروط تاييد اتفاقية نيفاشا والزام الحزب السياسي أو مرشحيه بها وبأحكام قانوني الاحزاب والانتخابات كي يحصل على الاهلية القانونية لخوض الانتخابات.

 

ذلك ما نصت عليه بوضوح لا يقبل اللبس المادة (103) من قانون الانتخابات التي تقرأ (يجب على كل شخص او حزب يزكي مرشحاً أو يرشح قائمة حزبية أو قائمة مرأة لأي انتخابات، أن يقدم شهادة موقعة منه وموثقة توثيقاً قانونيا تفيد باحترامه لاتفاقية السلام الشامل والالتزام بها وتنفيذها)... كما نصت المادة (3) من نفس القانون بان الحزب  يقصد به (الحزب السياسي المسجل وفق أحكام قانون الاحزاب السياسية لسنة 2007م) وليس في ذهني من تفسير لموقف المتراضين الآن على قانوني الأحزاب والانتخابات سوى ثلاثة احتمالات: إما أن يكونوا قد جبلوا على التنكر للعهود والمواثيق والالتزامات.. إذ إن نص القانونين على نقيض ما تعاهدوا على التمسك به وبدون تهيئة المناخ الديمقراطي الذي ينبغي أن تجري فيه.. أو أن الأمر الذي كانوا قد تعاهدوا عليه لا تتجاوز قيمته عندهم قيمة الأحبار التي كتبت به، أو أن يكون الشعور بالعجز وعدم القدرة على تحمل تبعات ما تعاهدوا عليه قد سكن فرائص هؤلاء. ولعل الذي ينبغي الإشارة إليه هنا هو أن هؤلاء لا يبنون مواقفهم بما يتطابق مع مصلحة جماهير شعبنا والرهان عليها، وعلى التفافها حول تلك المواقف كقوة دفع أساسية لها قدر اعتمادهم ورهانهم على تقديرات ومواقف القوى الخارجية الإقليمية والدولية. فهي تقترب بالتراضي مع النظام كلما خفتت انتقادات القوى الخارجية له أو طبّعت علاقاتها به، وتتباعد خطاها عنه ويعلو صوتها المعارض مع ارتفاع التهديدات والانتقادات الخارجية له. أي كأن مواقف هؤلاء ليست سوى مجرد صدى للموقف الدولي من النظام.

 

إن الموافقة على قانون الأحزاب والانتخابات بحسب المواد التي أشرنا إليها تعني إلغاء حق الاختلاف والتباين والتفكير بل تجريمه، وأن تكون القوى السياسية مجرد تابعة للمؤتمر الوطني أو الحركة الشعبية، ونحن لا نرضى لحزب الثورة العربية هذا المصير، كما ولن نسلم صكاً بمشروعية النظام الذي اغتال بالقوة في 30 يونيو 89 التعددية السياسية ثم إن انفراد المؤتمر الوطني بالسلطة منذ انقلاب 89 وهيمنته على الدولة : " الخدمة المدنية – القوات النظامية – المؤسسات المالية والاقتصادية – الإعلام .. الخ " المصحوب بإقصاء القوى الأخرى عن كل تلك المؤسسات وتشريد كوادرها واعتقال المئات منهم ومصادرة ممتلكاتهم واستئثار المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بتسمية عضوية مجلس الأحزاب ومفوضية الانتخابات ومعلومات التعداد السكاني .. تجعل الحديث عن نزاهة الانتخابات وتكافؤ الفرص بين المؤتمر الوطني ومنافسوه ضرباً من الخيال يفتقر للمصداقية الواقعية حيث لا يزال المؤتمر الوطني هو الدولة في الواقع لا سيما مع استمرار ترسانة القوانين المقيدة للحريات التي تقيد حرية التعبير في الصحف بالرقابة القبلية وتقيد حرية اتصال الأحزاب بالجماهير بالعسف الذي يحول دون قيام الندوات وبالاعتقالات المستمرة وبالإجراءات الإدارية الجائرة التي تحارب المواطنين في أرزاقهم وقوت عيالهم وتعليمهم وعلاجهم .. الخ ثم أخيراً نتساءل هل بالإمكان إجراء الانتخابات في المناطق التي تفتقر للأمن دارفور مثلاً أو غيرها ؟

 

ونختم قولنا بأننا في كل الأحوال سنحرص على النضال بين أبناء شعبنا على ضرورة حشد قواها من اجل استعادة الديمقراطية، لنفتح سوياً طريق الخروج من الأزمة الوطنية الشاملة.

لكن البعض يقول إن القوى السياسية تستطيع متى اجتمعت (على قلب رجل واحد) هزيمة المؤتمر الوطني وإنهاء هيمنته على السلطة؟

 

-  نحن لا نشكك في إمكانية هزيمة المؤتمر الوطني ونثق في قدرة أبناء وبنات شعبنا على الانتصار عليه، ذلك ما قالته تجربة ثورة أكتوبر 64 وانتفاضة مارس ابريل 85، لذلك فإننا نراهن على إرادة هذه الجماهير واستعداداتها لتحمل مسؤولية التغيير، ولكن ليس عبر بوابة الانتخابات بضوء تلك المآخذ التي أوردناها سابقاً لان الرهان على الانتخابات يمثل تضليلاً للجماهير وإيهامها بان المنافسة ستكون عادلة وهي ليست كذلك. وخوض الانتخابات في ظل هذا المناخ يعني إضفاء مشروعية على النظام اللاشرعي، ثم نضيف أننا سبق أن اجتمعنا على ماظنناه (على قلب رجل واحد) عام 86 في دائرة الصحافة التي حققنا فيها الفوز بحسن شبو على د.حسن الترابي مرشح الجبهة الإسلامية القومية آنذاك فماذا كانت النتيجة؟ لقد أشركوا فيما أسموه حكومة الوفاق الوطني عام 88 الترابي وحزبه السياسي، لذلك لن تصبنا الدهشة إن وجدناهم غداً أو بعد غد يبرمون تحالفاً انتخابياً مع المؤتمر الوطني ـ كما فعلوا من قبل مع الجبهة الإسلامية القومية.

 

يقول آخرون إن الرهان على الحركة الشعبية بإسناد مرشح منها لرئاسة الجمهورية من شانه هزيمة المؤتمر الوطني بتجريده من أهم منصب ألا وهو رئيس الجمهورية، مما يقود برأي هؤلاء إلى تحقيق هدفين هما إنهاء هيمنة المؤتمر الوطني وجعل أبناء الجنوب عند الاستفتاء على حق تقرير المصير يصوتون على الوحدة ؟

- السؤال الذي يتبادر إلى الذهن عند محاولة الإجابة على سؤالكم يقول: هل اتفقت الحركة على مرشح لها؟ وهل كانت تجاربها مع من تحالفت معهم في التجمع الوطني مشجعة لابرام عقد جديد معها؟ وكيف تخلت عن حلفائها بل والعديد من كوادرها.؟. وأين هي من مقررات ما سمي بمؤتمر اسمرة للقضايا المصيرية..؟ بل اين التجمع نفسه الذي ضم الحركة مع آخرين الذين فصلوا برامجهم بعد التنكر لبرنامجه وميثاقه المعلن في أكتوبر 89؟ على قياس خيارات الحركة ( الكفاح المسلح وليس الانتفاضة الشعبية ) كآلية لإسقاط النظام .

 

ان تمسك الحركة بما عرف بحق تقرير المصير والاستفتاء بوحدة السودان او انفصال الجنوب يعني عملياً تنكر الحركة لوحدة السودان بصرف النظر عما ستسفر عنه نتيجة الاستفتاء، كما أن اتفاق الحركة مع المؤتمر الوطني في نيفاشا ليس من المنظور تخليها عنه والعودة للرهان على الالتقاء مع بقايا ما كان يعرف باسم التجمع. ولان قوى الدفع الراعية للاتفاقية لن تسمح لها بذلك لان هذه القوى الدولية كانت تمثل معين دعم قوي للحركة. وكذلك لاسيما وان حلفاءها السابقين في التجمع قد تخطفهم المؤتمر الوطني أفراداً وجماعات، بالدينار او المقاعد في المجلس الوطني او مجلس الوزراء او غيرها من المناصب والامتيازات.

 

ولقد اختبرت الحركة في يناير 1997، حدود قدرات حلفائها في التجمع بعد أن نجحت هي في اعادة السيطرة على الكرمك وقيسان بعملية الثعلب الاسود التي كان يفترض أن تتزامن معها انتفاضة عجز عن القيام بها حلفاؤها في التجمع. كذلك ليس من المنظور او المنطقي الرهان على مرشح للرئاسة من الحركة اذ يمكن ان يكون هو نفسه على راس دولة الجنوب المنفصلة عن السودان اذا رجحت نتائج الاستفتاء كما هو متوقع انفصال الجنوب. وطالما ظلت الحركة تعتبر المساس باتفاقية نيفاشا ونظام الشراكة الذي يحميها خطاً أحمر لا يجوز عبوره فإن أي رجاء بفصم العلاقة بينها والمؤتمر الوطني رغم كل ما بينهما من اختلافات هو محض تفكير مثالي لايستوعب طبيعتها البراغماتية والتي اكتسبتها من علاقاتها المميزة بالادارات الامريكية والغربية بشكل عام.

 

ثم إن هنالك جانباً آخر يجدر بنا ان نتمعنه جيداً وهو ان كان المؤتمر الوطني قد حاول ان يضفي في ما سبق بعداً دينياً لصراعه المسلح مع الحركة التي كانت تدور رحاها في الجنوب واجزاء اخرى من جنوب كردفان وجنوب النيل الازرق.. فان الحركة بدورها سعت لالباس صراعها مع الانقاذ ثوباً جهوياً وعنصرياً وكأنه صراع بين جنوب مسيحي او وثني لاعربي مع شمال اسلامي عربي، مما غيب عن الكثيرين الوعي بجوهر مشكلة جنوب القطر وعمقها التاريخي باعتبارها البؤرة المركزية للازمة الوطنية الشاملة.. ازمة التنمية المستقلة والشاملة والعادلة والمتوازنة جهوياً واجتماعياً وازمة الديمقراطية وتوطينها، وهي الأزمة المستفحلة الممتدة والمتفاقمة في الشمال والجنوب على حد سواء رغم اتفاقات نيفاشا وعائدات النفط الذي تجاوز سعر البرميل من قبل الازمة المالية العالمية الأخيرة وعلى مدى يزيد عن 18 شهراً 100 دولار للبرميل، ورغم نصيب الجنوب من الثروة وفق اتفاقية المحاصصة في نيفاشا..

لماذا قاطع حزبكم ملتقى أهل السودان؟

 

بسبب غياب الحريات ومن بينها حرية الصحافة والتعتيم القبلي الذي تفرضه الأجهزة القمعية عليه لذلك لم يجد تصريح الناطق الرسمي باسم البعث حول موقف الحزب من ملتقى أهل السودان الفرصة في النشر ـ وإن قامت بعض الصحف بإيراد فقرات يسيرة منه وغيبت الرقابة القبلية الأجزاء الأكثر أهمية من التصريح ـ سيما وان انعقاد الملتقى تزامن مع واقعة اعتقال الأستاذ شمس الدين أحمد صالح عضو قيادة القطر، وأمين سر تنظيمات البعث في دارفور لمجرد إعلانه لموقف حزبنا في اللقاء الذي عقده وفد المبادرة القطرية عند زيارته لمدينة نيالا بالقوى السياسية. وكما غيبت الرقابة على الصحف نبأ اعتقال رفيقنا فإنها كذلك حجبت الجزء الذي يشير إلى واقعة الاعتقال كأحد الأسباب التي وردت في تصريح الأستاذ محمد ضياء الدين الناطق الرسمي باسم الحزب، الذي اعتبرها دلالة على عدم استعداد المؤتمر الوطني للاستماع لآراء الآخرين وانتقاداتهم، وبالتالي عدم أهليته أو جديته في الاشتراك في إدارة حوار وطني بين الفرقاء لمناقشة سبل الخروج من الأزمة الوطنية الشاملة، وممارسات أجهزته الأمنية سواء الاعتقال أو التعتيم الإعلامي تغتال كل مسعى نحو التقاء أهل السودان بهم وتحكم على تحركهم في هذا الاتجاه بعدم المصداقية، سيما وان رفيقنا شمس الدين ظل قيد الاعتقال طوال فترة انعقاد الملتقى بكنانة، فكيف تستقيم المشاركة مع ظل السيف المسلط على الحريات؟! ثم إن فكرة الملتقى لم تكن وليدة يوم او اثنين لتتم دعوتنا لها وبدون تحديد لأجندتها قبل 48 ساعة من موعد الملتقى.

 

إننا لا نستطيع قبول مزاعم أن أجندة الملتقى مفتوحة أمام القوى السياسية، وحتى إن قبلنا بذلك فما الذي كان يمنع توضيح ذلك في نص الدعوة وإيصال الدعوة قبل وقت كافٍ، بالاضافة إلى ما نعتقد انه امر جوهري ويتمثل في ان تكون الدعوة لملتقى لاهل السودان تتطابق مع مسماها حتى وان بادر بطرحها شخص ما او حزب ما طالما سميت باسم اهل السودان، وأن تكون مشاركة القوى السياسية فعالة وذلك ما تجاهلته الجهة المنظمة للملتقى عندما قصرت مشاركة بعض الأحزاب بفرد واحد ـ كما هي حالنا ـ فهل سيتمكن ممثلنا من المشاركة في اكثر من لجنة ام ان المشاركة في لجنة واحدة تغني عن المشاركة في الأخريات؟

 

واذا كان الأمر كذلك ـ وهو غير كذلك حتماً ـ فلماذا تعددت اللجان؟!

واذا كانت القوى التي ابرمت اتفاقات مع المؤتمر الوطني تشكو من عدم وفائه بما التزم به، فكيف يؤتمن على عهد جديد معه؟

لكن قوى كثيرة (معارضة) شاركت، وأخرى معارضة وملتقية مع المؤتمر الوطني في اتفاقات قد شاركت؟

- نحن لا نفرض على هذه القوى او تلك المشاركة او المقاطعة، لكننا نملك الحق في التساؤل حول محصلة اتفاقات هذه القوى مع المؤتمر الوطني واقتسامها للسلطة والثروة معه؟! ما هو حصاد الجماهير من هذه الاتفاقات والمشاركات السابقة؟

 

وهل تحقق السلام (الشامل) الذي سميت به احدى تلك الاتفاقات (نيفاشا).. ألا يكفي لدحض هذا الزعم ما تعرضت له ابيي وما يتعرض له المواطنون في مدن اخرى من جنوبنا الحبيب، بل إن الذاكرة الحاضرة لاتنمحي عنها الاحداث الدموية التي اعقبت وفاة قرنق... أم هل اوقفت اتفاقات (ابوجا) الحرب الدائرة في دارفور؟ بل أو لم تتمدد الحركات المسلحة في دارفور ليشمل مسرح عملياتها مدينة أمدرمان في مايو المنصرم، بل وحتى فصيل أركو مني لم يخلُ سجله من معارك دموية مع الانقاذ بعد ابوجا سواء في دارفور او العاصمة القومية ـ هل جاءت اتفاقات القاهرة وجدة بتحول ديمقراطي، وهل ساعدت تلك الاتفاقات او بالاحرى نهج المؤتمر الوطني ومن تناغم معه على تعزيز الوحدة الوطنية أم أنها دقت إسفيناً في قلبها... كيف نصدق ان المؤتمر يدعو للقاء لاهل السودان ـ بينما أجهزته قامت باعتقال رفيقنا الاستاذ احمد ابراهيم ابوالقاسم وعدد من زملائه، عندما كانوا يناقشون ورقة رابطة البني هلبة لمؤتمر الصلح الذي يجمع قبيلتهم بقبيلة الترجم؟!

 

فلئن كان الملتقى يهدف لإيجاد حل لمشكلة دارفور. فاننا على قناعات بان دارفور جزء من المشكلة.. جزء من الازمة الوطنية الشاملة التي يستحيل حلها ببقاء النظام ونهجه.. لان توسيع قاعدة المشاركة الجماهيرية ديمقراطياً تعني من بين ما تعني الغاء كافة القوانين المقيدة للحريات، ورد المظالم ومساءلة الجناة، فهل من مؤشرات على ارض الواقع تدعم القول باستعداد المؤتمر الوطني للالتزام بذلك ـ واذا كان غياب التنمية في دارفور أو غيرها من ولايات السودان هو اس الازمة، فهل يمكن لسياسات اقتصاد السوق التي تنتهجها الإنقاذ الرهان عليها في تحقيق التنمية البشرية والمادية التي عجزت عن تحقيقها حتى فيما يسميه البعض المثلث الذهبي -مثلث حمدي. المؤتمر الوطني وشركاؤه في تقديرنا لا يهدفون من الملتقى لجمع كلمة اهل السودان على الحق.. أي هم يريدون جمعنا على باطل الانقاذ وتحالفاتها ـ فاذا كان بهذا المعنى فنحن لا نعول على هذا الملتقى، ونجدد القول بان الضمانة للالتزام بما قد يصدر عنه من قرارات لا يمكن وضعها بيد المؤتمر الوطني.

 

شاركتم في اجتماعات القوى الوطنية الديمقراطية لكنكم لم توقعوا على برنامجها ولم تخاطبوا احتفالها؟

-  ابتداء نقول : أصابت القوى الوطنية عندما أوردت في مقدمة برنامجها توصيفاً للوضع الراهن، يقول ان بلادنا قد دخلت في ازمة وطنية شاملة. ولئن كانت السمات الـ 6 التي حددها البرنامج لهذه الازمة حقيقة واقعة الا ان السمة السابعة- ألا وهي الوجود الكثيف للقوات الدولية والاقليمية على الاراضي السودانية بعد تدويل الازمة السودانية- قد جاءت في معرض الصياغة العامة للبرنامج. كأنها عند من أجازوا البرنامج ليست سمة بينما نراها السمة الاكثر خطورة. لأنها تطعن استقلالنا في الصميم وتصادر الإرادة الوطنية.

 

ثانياً: لقد قدم الرفيق محمد ضياء الدين ـ عضو قيادة القطر وممثله في اجتماعات القوى الوطنية الديمقراطية ملاحظاتنا على مشروع برنامج القوى الوطنية، حيث أكدنا فيها أهمية تقييم التجارب السابقة واتخاذ موقف واضح من التحالفات القائمة واستبيان موقف بعض القوى السياسية المرتبطة بأكثر من تحالف مع المعارضة ومع النظام، وطالبنا بفرز الخنادق بإعلان إجراءات مسئولة من القوى المعارضة بالانسحاب من مواقع المشاركة في السلطة وأجهزتها التشريعية والتنفيذية، وأكدنا كذلك ان البرنامج المقدم من القوى الوطنية قائم في مجمله على إدارة الصراع السياسي والاجتماعي في إطار النظام وسياساته ومؤسساته، اي انه لا يطرح مخرجاً وطنياً من الازمة الوطنية التي يمثل بقاء النظام عمودها الفقري ـ وجددنا ما ظللنا نقوله من ان الاتفاقات التي وقعها النظام مع بعض الاطراف لاتلزم الا الموقعين عليها ـ باعتبارها محل خلاف لا اتفاق وكذلك الحال بالنسبة لدستور 2005م، ومن ثم لا يمكننا المطالبة بتبنيها او تنفيذها بل نحن نعتقد ان هذه الاتفاقات قد ساهمت في مفاقمة الازمة، وأنها كانت مشرعنة لتدويل الازمة واصبغت طابعاً جهوياً وقبلياً احياناً على الصراع السياسي الاجتماعي، واعطت شارة مرور لحمل السلاح كطريق وحيد لانتزاع حصة السلطة والثروة من النظام.. ودعونا لإعادة الاعتبار للحركة الجماهيرية واستنهاضها لتتحمل مسؤوليتها في عملية التغيير الجذري.

 

وحفاظاً على وحدة قوى المعارضة وفعاليتها رأينا أن يقتصر العمل المشترك في هذه المرحلة على النضال من أجل الثوابت المتمثلة في استعادة الديمقراطية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والدفاع عن الاستقلال والسيادة والوحدة الوطنية بما يضمن مشاركة كافة القوى الوطنية، على أن تستمر صيغ التنسيق القائمة سواء لمناهضة زيادة الأسعار، او مناصرة المفصولين والمعاشيين، وصياغة قانون انتخابات ديمقراطي... إلخ باعتبارها صيغاً مرنة وعملية وتحفظ لكل حزب أو إطار استقلاليته الفكرية والسياسية والتنظيمية.

 

وإن القيمة الحقيقية للمواثيق والتحالفات تكتسبها فقط من قدرة قواها على تحقيقها في أرض الواقع وليس في ما عدا ذلك من الصيغ الاحتفالية، فذلك وحده ما يؤكد واقعية التحالفات ومواثيقها وجدية وأهلية قواها ومصداقية التزاماتها ـ وهذا بكل اسف ما افتقدته التحالفات والمواثيق السابقة بلا استثناء، كافة المواثيق والتحالفات التي عقدت في مواجهة الإنقاذ لم تعش ولم تترجم كفعل يمشي بين الناس.. وهو ما جعل جماهير شعبنا تتعامل مع هذا التقليد بنوع من اللا مبالاة ـ ونحن لا نريد لها الانعزال بل نسعى لان تمسك بزمام امرها بنفسها ـ لذلك كله لم نوقع.. أما مخاطبة الاحتفال فلم تتم دعوتنا له

 

سؤال أخير: كيف تفسرون الأزمة المالية العالمية وما هي الآثار التي ستصيبنا منها؟ 

 

-  الازمة المعنية هي ليست ازمة مالية او اقتصادية فحسب، لانها اعمق من ذلك بكثير ـ انها ازمة الفلسفة والفكر والنظام الرأسمالي. وهي ليست حدثاً مفاجئاً.. انها ليست زلزالاً طبيعياً او طوفان او صاعقة من السماء ـ لان العالم لم يعد يفاجأ بهذه الاحداث الطبيعية ـ وكذلك هي الازمة لا سيما بالنسبة لاهل النظام الراسمالي وللغربيين بشكل عام.. أوليسوا هم من أرخ لانهيار الامبراطورية الرومانية بالعبارة التي خلدها التاريخ " Rome which has not been built in one day, took a long time falling

 

فهذه الأزمة كما وصفها الاستاذ علي الصراف (من الشمول بحيث انها تعد ليس بتغييرات في آليات عمل النظام الراسمالي بل بافكاره وثقافته وفلسفته)، وهي كما يقول عنها الاستاذ/ صلاح المختار (ازمة بنيوية وليست اقتصادية او ماليةـ فتلك مظاهر خارجية للازمة البنيوية ـ اي ازمة شيخوخة الرأسمالية التي لايمكن ان تعالج الا مؤقتاً).. ومنذ تاريخ انفجارها الحديث فان ما كتب عنها فاضت به الشبكة العنكبوتية، ولقد انكبت اللجنة الاقتصادية لحزبنا على دراستها من حيث البعد التاريخي ـ الاسباب ـ النتائج ـ الدروس المستفادة ـ والمهام التي ترتبت عليها وما قامت به اللجنة قيد المراجعة والتدقيق ـ وسنقوم بنشرها حال الفراغ من ذلك ـ بيد اننا نسارع الى التنبيه مما سيحاول النظام توظيفه منها بفرض المزيد من الأعباء الضريبية او التراجع التنموي ـ بذريعة الآثار التي ترتبت عليها والتي من بينها ـ تراجع أسعار النفط.

 

وسنركز حديثنا عبر إلغاء نظرة عابرة على الموازنة العامة للدولة للاعوام 2007 و2008م لنتعرف من خلالها على ان هناك فائضاً قد تحقق تجاوز الـ (1611) مليار دينار لعام 2007 و 12 مليار جنيه لعام 2008 بحسب ارقام الدولة واحصاءاتها الرسمية وهو الكفيل بان يجنب شعبنا الاثار السالبة لتلك الازمة.. بعد توجيه السؤال المهم: أين ذهب هذا الفائض؟ 

 

الجداول التي أقرأها عليك هي جزء من الدراسة الحزبية التي ذكرتها لك المستمدة من خطابات الميزانية للعوام 2007 ، 2008

 

العام المالي

الايرادات العامة

المصروفات العامة

العجز

2007

2323 مليار دينار

2358 مليار دينار

35 مليار دينار

2008

21 مليار جنيه

26 مليار جنيه

5 مليار جنيه

 

نلاحظ من خلال الأداء الفعلي لشقي الموازنة للعامين المذكورين ما يلي :

أولاً : إن الإيرادات تحققت بنسبة تفوق الـ 110% في المتوسط خلال العامين .

ثانياً : ان المصروفات تحققت بنسبة تتراوح بين 30 – 40 % من المقرر خلال عامين .

ثالثاً : أن سعر برميل النفط قدر بمبلغ 39 دولار للعام 2007 و 45 دولار للعام 2008 بينما تجاوزت في الواقع أسعار برميل النفط الـ 100 دولار لأكثر من عام .

 

رابعاً : إنه وبإسقاط ما قلناه في أولاً وثانياً على موازنتي عامي 2007 و 2008 فإن الناتج سيكون

 

 

الإيرادات بزيادة 10%

المصروفات بنقصان 60%

الفائض

العام 2007

2555 مليار دينار

944 مليار دينار

1611 مليار دينار

العام 2008

23 مليار جنيه

11 مليار جنيه

12 مليار جنيه

 
 

فأين ذهبت هذه الفوائض ؟ هل وظفت في مشروعات التنمية ؟ الإجابة قطعاً لا ، ذلك لأننا نعلم أولاً أن مشروع سد مروي قد تم تمويل معظم تكلفته من قروض بلغت 1.9 مليار دولار ، ثانياً أن إعادة تأهيل السكة حديد مولت بقرض بلغ 1.2 مليار دولار ، ثالثاً أن كهرباء الريف تم تمويلها بقرض بلغ 600 مليون دولار ، رابعاً أن تعلية خزان الروصيرص تم تمويلها بقرض بلغ 500 مليون دولار .

 

لذلك فإننا نحذر من اتخاذ أي قرارات اقتصادية تثقل من كاهل أبناء شعبنا لتزيد حياتهم ضنكاً على ضنك بذريعة الآثار السالبة للأزمة العالمية سيما وأن أهل النظام بالإضافة إلى سنين النفط السمان والتجنيب كان ينبغي أن تنفعهم في سنين النفط والأزمة العجاف إن كانوا يزعمون بأنهم يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله أو هكذا يستفاد من قصص الأنبياء او قصة سيدنا يوسف بشكل خاص

 

 
نشرت بصحيفة الوطن بتاريخ الأحد 23 نوفمبر 2008

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ٠٥ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٠٣ / كانون الاول / ٢٠٠٨ م