المذهب شئ ... والطائفية السياسية شئ آخر
الشيعة شئ ... والحركة الصفوية شئ آخر
(  بين الحقائق والمغالطات )

 

 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس  / أكاديمي عراقي

 

أرى ان المذاهب الكريمة في اسلامنا الحنيف مثل تظاهرة تتشكل من عدة مجاميع تردد كل مجموعة اهزوجة مختلفة غير ان النتيجة الجمعية للتظاهرة واهدافها واحدة لا تتجزأ. وأرى ان الطائفية السياسية هي تمزيق للاسلام قبل أي شئ وتهديد للامن الوطني بل اختراق فايروسي ومايكروبي للجسد الواحد ان لم يقطعه فانه يوهن كيانه ويجعل الهزال والوهن علامة فارقة فيه تنتهي بالتقطيع شاء من شاء وابى من ابى .....

 

لن ادخل ولن اتدخل في الجدل الدائر حول الاسلام من جهة والاسلام السياسي من جهة اخرى لانني اظن ان لا وجود لشئ اسمه الاسلام السياسي طالما ان الاسلام السياسي قد جبل اصلا بهيئة توأمين لا يشبهان بعضهما بشئ ولا يجمع بينهما أي جامع والقاسم الوحيد بينهما انهما متضادان ومتناقضان ولا يمكن ان يرضعا من صدر واحد ولا يمكن ان يقتسما رغيف خبز ولا يمكن ان يجلسا على مائدة مشتركة قط .. لقد انقسم الاسلام حين تحول الى غطاء سياسي الى اسلام طائفي ووضع الاسلام الطائفي حاجزا لا يسمح لا بالتنافذ ولا يجيز الاختلاط لان قاعدة الفصل قد تمت على اساس قاعدة تحجر نهائي تقولب فيها الطرفان ووضعا بينهما التكفير او الشرك او الظلالة مع استحالة ان تفرز حيثييات ومكونات الافتراق.

 

المذهب وفق ما نفهم هو اشتقاق من الفعل يذهب في صيغة المضارع وذهب في صيغة الماضي والذي يجب ان يقترن فيه الزمن بالاتجاه سواءا كان الاتجاه معلوما او مجهولا لكنه لا يفارق المعنى الايحائي في الفعل قطعا .... والمذهب هو اتجاه في البحث او الاستقصاء او التفكير فصارت عندنا مذاهب في التربية واخرى في وسائل البحث واخرى في الاقتصاد منها المذهب الاشتراكي والرأسمالي مثلا ومذاهب في طرق العلاج من الامراض والوقاية وبناء الاجسام والزراعة وسبل الري وغيرها.

 

وفي الدين يعني المذهب اجتهاد في التفسير. لما يحتاج الى تفسير من غامض الامور, والتي لا يفهمها عامة الناس كما جاءت في القرآن المجيد والسنة النبوية الشريفة. فهنا يكون المذهب اتجاه فكري تحليلي واستنباطي واعمال للفكر والعقل في هذه الميادين يراد منه التوضيح والتبسيط قدر المستطاع في ما يحتاجه عامة الناس في فهم الاحكام والقواعد ... والاجتهاد هو الاساس في مذاهب الاستنباط والتفسير ولذلك صار ثمة اناس مجتهدون في الفقه والشريعة واشتقاقاتها المختلفة. وتوزع المسلمون بدءا على مذاهب الاجتهاد في مدارس الفقه والشريعة كل حسب ما يوحي له عقله بانه هو الاصلح والاسلم لتطبيق العبادات والاحكام الاسلامية ومنها توسعت دوائر الاستقطاب عندما انتقلت عملية تقليد تلك المدارس الى عامة الناس الباحثين عن التفسير .. والثابت تاريخيا ان المذاهب كتجمعات بشرية وظاهرة من ظواهر الاستقطاب قد تشكلت عمليا بعد سنوات طويلة من تشكل الافكار المدرسية المذهبية وبروز اسماء المفكرين المجتهدين من جهة وتواصلت في ظاهرة الانشطار والتكاثر حتى اللحظة.

 

ونحن اذ نسوق هذه المقدمة فاننا نعرف انها بديهية يعرف المختصون ما هو اعمق واوسع منها بكثير, غير اننا نسوقها لنصل الى القول ان القضية برمتها قد تحولت في الطائفية او المذهبية السياسية من محض تصريف فكري لأمور دينية صرفة وتوضيح لما هو غامض لنا نحن العامة ويقتضي حتما حصول جدل فكري حي وخلاق للوصول الى اعماقه التي اقتضتها شمولية الاسلام الحنيف واختتامه المنطقي لفكرة التنزيل الالهي عن طريق الوحي برسالة خاتم الرسل والانبياء محمد بن عبد الله العربي الهاشمي عليه صلوات الله وسلامه وتبريكاته ... تحول بالطائفية السياسية الى محض خناجر تطعن وحدة الاسلام الحنيف كما جاء به رسول الرحمة دينا واحدا لا طائفة فيه ولا مذهب  وبدلا من  ان تكون المذاهب مثل مجاميع التظاهرة الواحدة ذات الهدف الواحد او مثل عربات القطار المربوطة بعرى وثيقة لا تنفصم حتى لو تحطم القطار من مقدمته حتى نهايته او كمثل الجسد الذي ان تداعى منه عضو استجابت كامل الاعضاء بالسهر والحمى تحولت للاسف الشديد الى ما يمكننا القول فيه انها صارت اكثر من دين، لان الاستقطاب السياسي يفترض الحق هنا كله والباطل هناك كله ولان الاستقطاب السياسي يجعل من المذهب قاعدة الانطلاق بالادوات البشرية المذهبية لتحقيق الاغراض والغايات السياسية ومثل هكذا ولاء يعتمد في العادة على السذاجة والجهل ومظاهر التخلف .. ان الطائفية السياسية تعمل على تجزئة المسلمين كمسلمين بدءا كطريق لاحتراب يراه السياسيون الطائفيون هو وسيلتهم في تحقيق الغلبة السياسية وليس في تحقيق الارتباط برب الخلق والكون تعبدا وانبهارا واحتكاما كما اراد الاسلام اصلا. وان الاغراض والغايات والاهداف السياسية تختزن كما هائلا من الاعتبارات المادية والمكاسب الارضية التي لا تتوافق مع حقائق التعبد والاخلاق الالهية التي اراد الاسلام بثها فينا، وان الكثير الكثير من توجهات وغايات السياسة التي نعرفها اليوم تتقاطع كليا حتى مع ما اراد العديد من مسيّسي الاسلام او الذين نظروا للاسلام على انه دين حكم وحكومة اذ تظل مبادئ الاسلام كلها اخلاقية المنطلقات واخلاقية التنفيذ على غير ما قدمت لنا التجربة السياسية الطائفية من تداعيات مخجلة وبعيدة عن ابسط مسلمات الاسلام. فالتجربة السياسية الطائفية لم تكتفي بتمزيق الاسلام الواحد بل مزقت الامة والاوطان وحولت الاجتهاد المذهبي ونتائج العقل الاسلامي الجدلي المبدع الى مواقع متقابلة للقتل وسفك الدماء المجاني بين اهل الدين الواحد.

    الطائفية السياسية قسمت الدين الاسلامي الذي اراد له الله سبحانه ورسوله المفدى ان يكون خاتم الاديان وموحد الامم فتحولت الطائفة المسيّسة الى عدو للطائفة المسيّسة الاخرى في حين كانت فيه المقاربة الطائفية محض جدل فكري يغني العقيدة وينور دروب تطبيقها في تعبد المسلمين تضرعا بين ايدي الباري جل وعلا ... الطائفية السياسية اطلقت الرصاص على بعضها لتحقيق مكاسب سلطة وثروة وجاه زائل على حساب الدين بمذابح جمعية.

 

نحن حين نتناول الطائفية السياسية لابراز جرائمها وخطاياها واثامها ضد الوطن والشعب فنحن لا نسئ الى المذاهب ولا علاقة لنا بالمذاهب الاسلامية الكريمة كواقع حال قائم ونحن جزء منه بمعانيه الايجابية التي ذكرناها, ولا يعني اننا مع هذا المذهب ضد ذاك على الاطلاق وان من يرددون ببلادة على اننا نثير خلافا طائفيا او نعتدي على مذهب فانهم يتحركون ضمن اطار واحد هو الاخطر على اوطاننا وامتنا ألا وهو اطار الخلط بين الطائفية السياسية وبين الانتماء المذهبي الذي عرفناها هنا .. اؤلئك الذين يريدون منا ان نضع الطائفة كلها تحت تصرف اجنداتهم السياسية ومن لا ينتمي منا الى التحزب الطائفي فانهم يعتبرونه قد خان المذهب ويدخل في عداد المطلوبين للتصفية الجسدية قبل التصفية الجسدية لابناء الطوائف الاخرى التي توصلهم الى مقتربات التطهير العرق.

 

ان التخندق الطائفي السياسي قد قدم براهين قاطعة بعد غزو واحتلال العراق انه تخندق اجرامي وخائن لبديهيات ومسلمات الانتماء الوطني فضلا عن كونه تمزيق لوحدة الدين الاسلامي الحنيف التي لم تر مثل ما رأته من تنفيذ فعلي على ايدي الاحزاب الطائفية رغم ان الطوائف الاسلامية الكريمة قد ظهرت تاريخيا سنوات طويلة قبل ظهور الطائفية السياسية. لقد تجاسرت الطائفية السياسية على مقدسات الوطن وسمو الانتماء الوطني الذي تقدسه كل شعوب العالم من اجل ان تحقق مآربها السياسية الحقيرة وقامت بعملها الخياني الاجرامي بطريقتين:

 

الاولى: عن طريق الترويج لفكرة الاستحقاق المذهبي في استلام السلطة السياسية على انها استحقاق للمذهب او الطائفة وان عدم استلام السلطة من قبل الحزب الطائفي هو مظلومية وها نحن نرى ونسمع كيف ان مظلومية الطائفة او العرق المزعومة قد تحولت الى مظلومية وطن وشعب كامل.

 

الثاني: محاولة اعطاء واضفاء شرعية عجيبة وغريبة على استقواء المجموعات المذهبية بقوات عسكرية اجنبية وتسويغ الغزو تحت ذريعة تحقيق الديمقراطية التي تفتح الطريق امام المذهبيون السياسيون للوصول الى السلطة.

 

ان الاشتباك النظري عبر الاعلام ووسائله المختلفة بين مفاهيم المذهب و بين المذهبية السياسية بحيث ان رواد الاشتباك هذا والمنافحين عنه تحت ظلاله يحاولون صفع كل من يؤمن بضرورة الفرز والتمييز بين الدين والمذهب كواقع لابد من التعايش معه والقبول به كممارسة عقلية ونتاج فكري نير وتطبيقات ايمانية يرى معتنقوها انها هي الامثل في التواصل مع عباداتهم التي تربطهم روحيا برب العباد وبين الطائفية السياسية التي تعمل على خندقة اهل المذهب شاءوا ام ابوا خلف مشاريع سياسية تتبرقع بالدين والمذهب لتنفذ اهداف سياسية لا صلة لها بالدين ولا بالمذهب. ان من المؤسف ان نجد الآن اعلاميين ومثقفين وسياسين يتهموننا بالطائفية عندما نتحدث ونهاجم الطائفية السياسية وبعض هؤلاء اهل فكر يساري كبعض الشيوعيين مثلا حيث انهم لا يجدون ما يحاججونا به ولا يستطيعون بسبب مكابرة فارغة ان يتوافقوا معنا فيرموننا بسهام الطائفية مع انهم يدركون تماما اننا نحتقر الطائفية ونحتقر ونعتبر أي طائفي خائن ومجرم. ان الشيوعيين وبعض العلمانيين المتحالفين تحالفا انتهازيا خيانيا مع الاحزاب الطائفية وبحكم سقوطهم المريع في مستنقع التناقض الفكري والعملي فانهم يحاولون ان يدافعوا عن الطائفية السياسية على انها قضية مذهبية في محاولة توضيح هي في الواقع اقبح من فعلهم. ان البعض من اهل الاصوات المبحوحة والمواقف الضعيفة المتهالكة يريدون ان يجعلوا أي نقد يوجه الى الاحزاب الطائفية الصفوية ومن يدعمها ويقف وراءها ويسندها وكأنه نقد يوجه الى الطائفة الشيعية الكريمة.

 

المعضلة الاخرى هي اننا ان قبلنا بفكرة ان يكون الاسلام المسيّس هو المعتمد في منهج خدمات الدولة وتصريفاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية فاننا سنصطدم بحقيقة ان القضية ليست قضية شريعة اسلامية بل امام شريعة مذاهب ... ذلك لان الاحزاب الطائفية تعمل من اجل قضاياها السياسية الوضعية او الارضية الدنيوية وتجعل من اهل المذهب اداتها في التنفيذ ... وان من لا يتوافق مع الاجندة المذهبية الساسية يتحول الى خائن للمذهب ويحكم عليه بالموت.

 

ان الفرز بين المذهب الجعفري العروبي وبين الاحزاب الطائفية الصفوية امر ضروري ويمثل حاجة وطنية عراقية ملحة لانه فرز مواقع التبعية الذليلة لايران والعمل السياسي المقنن والمنظم الذي تديره هذه الاحزاب لاسقاط العراق في شراك الامتداد الايراني التوسعي والخضوع لدولة الولي الفقيه التي تتعكز وتتستر ايران وراءها لاقامة امبراطوريتها القومية الفارسية. هذا من جهة ومن جهة اخرى فان ايقاع ملايين الشيعة الجعفرية العروبيون جميعهم تحت لافتة الاحزاب الصفوية الفارسية ومن يسندها من المراجع الفرس هو محاولة وسخة ومريضة لايهام العالم بان الشيعة كلهم مؤيدون او موالون للاحزاب الصفوية الفارسية الامر الذي يعمل حاجزا من العداء غير المسوغ ولا المبرر بين اهل المذهب العروبيون المسلمون و عموم المسلمين وبين الشيعة العرب الذين لا يربطهم أي رابط مع الاحزاب الطائفية. ان الادعاء زورا بالتداخل الكامل بين اهل المذهب عموما وبين اهل التحزب الطائفي هو مخطط فارسي صفوي لئيم لمزج الالوان وخلط الاوراق لتحقيق ارجحية عددية وسعة قاعدة شعبية لاحزابهم العميلة لا وجود لها على الاطلاق.

 

ان الشيعة الجعفريين العرب ينتمون الى مرجعيات دينية مختلفة, عروبية رافضة للاحتلال, ومنهم كثر من لم يقلد احد من المراجع طيلة حياته, ومنهم وبمئات الآلاف ان لم نقل ملايين منتظمون في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي واخرون قوميّون وشيوعيّون واخرون كثر وطنيّون لا يمكن ان تضيع عليهم بوصلة الولاء الوطني المخلص. وعلى الجميع ان يدرك ان مؤامرة وضع حاجز العداء بين الشيعة العرب واخوتهم في الاسلام الحنيف لن تنطلي على احد وان مسلمي الامة والعالم لن يخسروا اخوتهم شيعة العراق ولن يفرط شيعة العراق العرب الاقحاح باخوة الدين الحنيف ولا باخوة الدم مع ابناء الامة المجيدة.

 

وسنظل نردد حتى يدرك العالم كله ان الصفويين العملاء قد قتلوا مئات الآلاف من الشيعة العروبيين قبل ان تمتد ايديهم الآثمة لتقتل اخوتنا في الدم والدين من الطوائف الاخرى. كما ان الاحزاب او التيارات الطائفية السنية هي الاخرى تمارس ذات العمل الاجرامي من العمالة والخيانة والقتل المجاني .. وكلا التيارين الطائفيين عملاء وقتلة وخونة للعراق العظيم ... وحاشى لطوائف الاسلام الكريمة الا ان تعلن براءتها الى يوم الدين من كل خوان عميل سفاح.

 

الله اكبر  .. عاشت وحدة الاسلام الحنيف .. عاشت وحدة العراق العربي الاصيل ... عاشت فصائل البطولة من اسود النصر والتحرير.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٢٧ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٥ / تشرين الثاني / ٢٠٠٨ م