صدام حسين في ذكرى استشهاده الثانية : سيبقى عنواناً للعراق والامة

 

 

شبكة المنصور

المحامي حسن بيان

في تاريخ الشعوب والامم محطات نضالية مضيئة يتوقف فيها قطار المسار التاريخي ليزود بوقود الاستمرارية الى المحطات التي تلي.واذا كانت هذه قاعدة عامة،فإنه من الطبيعي ان تكون الامة العربية واحدة من الامم التي يزخر تاريخها القديم والوسيط والحديث بمحطات نضالية كانت وستبقى علامات فارقة لا يمكن لأحد ان يتجاوزحضورها وفاعليتها وتأثيرها.


ان المحطات النضالية تبقى تاركة بصماتها وعلاماتها المضيئة،لأن المعطى النضالي لهذه المحطات،لم يتكون بفعل التراكم التلقائي لخلاصة الفعل الجمعي والمتفاعل وحسب،بل لأن عناصر اخرى تلعب دوراً اساسياً في صناعة الاحداث وفي تحويل التراكم الكمي الى حالة نوعية تتصف بسمات خاصة تجعلها متميزة عن حالات أخرى.


ان ابرز العناصر التي تلعب المحفز في سياق التحول الكمي الى حالة نوعية متميزة،هو الانسان الذي يتشابه مع غيره من بني الانسان بالسمات البيولوجية العامة،لكن يختلف عنها بمعطيات الشخصية التي تساهم في تكويناتها جملة عوامل اهمها،الالتصاق المجتمعي العميق لمعطى الشخصية العامة،وجدلية التفكير والاستنتاج والاستشراف المستقبلي،هذه الشخصية المتميزة تختصر فيها السمات الاساسية التي يجد فيها كل انسان في بيئة مجتمعية معينة،ان فيها بعضاً من ذاته.


ان الشخصية التي تتميز بسمات خاصة لا تتوفر لغيرها تمنح صاحبها موقعاً متميزاً قي بيئته المجتمعية،وتدرج الفكر السياسي على نعت هذه الشخصية،بالشخصية القائدة التي هي ضرورة مجتمعية،لأنه لا يمكن تصور جمع بشري بدون راعٍ او قائد.ولهذا فإن الشعوب التي تجد نفسها في مراحل تاريخية معينة مفتقرة للشخصية القائدة سواء كانت شخصاً طبيعياً او معنوياً،فإنها تبحث عن قائد أسطوري،لأنها بحاجة الى من يحقق لها امتلاءً نفسياً واليه تسكن في لحظة البحث عن السكينة والاطمئنان.


والشخصية القيادية تتميز بسماتها الخاصة المجتمعة لديها والتي لا تكون متوفرة جميعها لغيرها وتتطلب البيئات المجتمعية صفات خاصة بها للشخصية القيادية لديها قد لا تكون مطلوبة في بيئات اخرى.


وفي مجتمع كالمجتمع العربي،فإن الشخصية القيادية لا تستقيم مكوناتها الا اذا كانت متميزة برحابة العقل وجدلية التفكير،واستيعاب المعطى التاريخي للتطور المجتمعي وفهم الحاجات المجتمعية بأبعادها الانسانية والوطنية والتميز بالاقدام والشجاعة وقول الحق دون لومة لائم والقدرة على اتخاذ القرار وتحمل تبعات هذا القرار فضلاً عن الكرم والصدق والوفاء والاستعداد الدائم للتضحية في سبيل الاهداف التي نذرت نفسها لأجلها.


هذه السمات الواجب توفرها في الشخصية القيادية،حفل التاريخ العربي بالكثير من اصحابها وهم تركوا بصمات واضحة في حياة العرب على تعاقب مراحل تطورهم التاريخي.


ان الامة العربية التي كانت غنية بشخصياتها القيادية كما غناها في تراثها الانساني،انتجت في تاريخها المعاصر قادة كانوا ويبقون علامات فارقة في مسار التطور العام للامة بكل مجالات حياتها ودون ان تؤدي الانكسارات والاخفاقات السياسية في لحظات اختلال موازين القوى الى حجب الرؤية عن حجم ومستوى التحولات العميقة في التكوين الفكري والسياسي والنفسي للكم المجتمعي المتفاعل.


من هذه الشخصيات العربية في عصر الامة العربية الحديث،تبرز شخصية صدام حسين،كواحدة من الشخصيات القائدة التي جسدت في مرحلة تكون سماتها العامة والخاصة وفي لحظة زمنية مفصلية عنواناً وطنياً خاصياً وقومياً عاماً بحيث يمكن القول بأن المرحلة التي عايشها في مرحلة النضال السلبي ومرحلة النضال الايجابي كانت انبعاثاً متجدداً لأمة كانت مهد حضارات عظيمة وهي عادت انتاج نفسها في حقب تاريخية متعددة وهي اليوم في قلب عملية صراعية تدلل المؤشرات على ان مخاضها سيفصح عن ولادة جديدة لم يكن التشخيص المسبق ليغير من حقيقة التصور الذهني لهذا المولود.


ان هذه الولادة الجديدة للامة ما كانت لتتسم بهذا الوضوح لولا سياقات المواجهة المفتوحة بكل أشكالها مع أعداء الامة المتعددي المشارب والمواقع والتي وصلت الى ذروتها في التحشد الدولي والاقليمي الذي قادته اميركا لاحتلال العراق بعد ما فشلت كل محاولات الحصار والتضييق من اسقاط الحالة العراقية الوطنية التي استمرت لعقود عصية على التطويع والاحتواء،فما كان الا الاحتلال وسيلة للاسقاط الوطني والسياسي لموقع اثبتت سياقات الاحداث ان لا حصانة لامة دون حصانته،ولا امان لداخل قومي عربي دون سور عراقي عالٍ شاءت الجغرافية الطبيعية والسياسية او يكون البوابة الشرقية للوطن المترامية اطرافه من الخليج العربي الى المحيط الاطلسي.


ان العراق الذي قادت اميركا تحشداً دولياً واسع الاصطفاف السياسي والمشاركة العسكرية،لضربه وتدميره واحتلاله،كان يشكل نقطة ارتكاز لمشروع قومي نهضوي وكان بمضامينه وابعاده المشروع النقيض للقوى التي ائتلفت ضده وتوزعت الادوار فيما بينها ظناً منها انها بذلك تزيل عائقاً امام نفاذ مشروعها الشامل والتي اطلقت عليه اميركا اسم الشرق الاوسط الكبير.


وعلى هذا الاساس،اتسمت الهجمة على العراق بالشمولية،لأن المطلوب كان اسقاط العراق كياناً وطنياً،ونظاماً سياسياً،واعادة صياغة اوضاعه على اسس تحول وتجدد التجربة التي قادها حزب البعث وعلى رأسها القائد صدام حسين.


ان الحرب على العراق التي شارك فيها البعيد والقريب،كانت حرباً متأخرة عقوداً على قرار تأميم النفط،وكانت حرباً على نتائج الحرب مع ايران،وكانت حرباً لضرب الوحدة الوطنية التي اختبرت صلابتها ومتانتها في اختبارات عملية وكانت حرباً على مشروع قومي نهضوي تجسدت قاعدته المادية في العراق الذي بما يملكه من قدرات وامكانات يؤهله لأن يشكل مركزاً جاذباً قومياً لملء فراغ احدثه اخراج مراكز ثقل عربية من مجرى الصراع القومي مع اعداء الامة.


لقد كشفت سياقات الحرب على العراق،ان اطرافها الذين شاركوا جهارة والذين شاركوا مداورة،ان سلوكهم تجاوز،السلوك السياسي الذي تحكمه ضوابط قوانين الحرب،لتتحكم به السلوكية السادية التي تعطي بعداً للثأر الشخصي في سياق المواجهة العامة.


وهذه السادية كما تجلت بالاشكال التدميرية الفظيعة التي طالت بنى المجتمع العراقي،فإنها تجلت ايضاً بأنماط التعذيب الذي مورس على الانسان العراقي في تشخيصه الجمعي وكما في تشخصيه الفردي،وهذا الذي وقف العالم عليه في معسكرات الاعتقال وخاصة بعض ما نشر من داخل اسوار الاعتقال في ابو غريب وغيره يكشف كم هي السادية متجذرة في نفوس الذين اراد الـثأر من العراق تاريخاً وشعباً ودوراً عبر ممارسات اقل ما يقال فيها بأنها تتناقض والحقوق الاساسية الاولية للانسان وتنال من المكونات الاعتبارية للشخصية الانسانية.


هذه السادية التي بدأت ممارستها منذ وطأت اقدام الاحتلال ارض العراق،تواصلت واسمترت وهي تستمر بأشكال مختلفة،وكان الحدث الكبير الذي تجسد بعملية الاغتيال المنظمة للقائد صدام حسين،هي الاثبات الحسي الاضافي،الذي بيّن مستوى الاحتقان المعادي ضد العراق،والذي اراد اصحابه من خلال عملية الاغتيال ان ينفثوا كل حقدهم الدفين وكل عدوانيتهم ،وانهم بالثأر من صدام حسين يثأرون من العراق،وبالتالي يمكنهم ان يرتبوا الاوضاع كما يحلو لهم بعد ما زال كابوس كان يؤرق سكينتهم ويخافون منه وهو في قيود الاسر.


لكن كما اثبتت سياقات الاحداث والمواجهة،ان الاميركي المتغطرس طأطأ الرأس امام مقاومة العراق للاحتلال،واضطر للاعتراف ولو متأخراً بأنه كذب اثبتت الاحداث ايضاً وسياقات المواجهة،بأن النظام الايراني لا يقل خطورة في عدائية للعراق العربي عن المحتل الاميركي،ولهذا اراد ان يقتنص الفرص لتمرير مشروعه الخاص في العراق عبر فرض التقسيم الطائفي والمناطقي وتطييف الحياة السياسية واسقاط كل المرتكزات التي تمكن العراق من العودة الى التوحد على قاعدة الوطنية والمواطنة والعروبة والدولة الحاضنة،


وان هذا النظام الذي يتصرف على انه الوريث السياسي للاحتلال الاميركي،يقع في سوء التقدير مجدداً لأن الطرف الذي كان عصياً على التطويع المذهبي،قادر على مواجهة كل محتل وطامع.ومن يصارع ويقاوم اعتى الامبراطوريات في العصر الحديث لن يألوا جهداً في مقاومة الدور الخطير للنظام الايراني الذي يحاول ويسعى لاحتواء الوضع العراقي على قاعدة الاحتلال المستور.


ولهذا،فإن اميركا وادواتها في الداخل العراقي والنظام الايراني،الذين طربوا لاغتيال الرئيس صدام حسين،لظن منهم بأن هذه العملية ستكون المحطة الفاصلة التي تمكنهم من السيطرة على العراق سيطرة تامة،خاب ظنهم،وجاءت النتائج عسكية،لأن عملية الاغتيال،لم تكن الا جولة من جولات المنازلة بين العراق الذي كان الرئيس صدام حسين يجسدها في حضوره النضالي والسياسي،وها هي الايام التي تلت تثبت بأن العراق كان مع صدام حسين قوياً وبقي بعده قوياً،وهذا بفعل الحالة النضالية التي أرسى دعائمها شهيد الامة.


ان الشهيد القائد الذي حول محاكمته الصورية المفتقرة لكل المعايير القانونية والدستورية الى محاكمة الاحتلال،توج مسيرته النضالية بوصية نضالية في خطبة الوداع لخصها بكلمات معدودات،


عاشت الامة العربية عاشت فلسطين.


ان الرئيس القائد صدام حسين،الذي وقف وقفة العز المشهودة كان على يقين بأن العراق العظيم الذي ما بخل يوماً في بذل الغالي دفاعاً عن ارض العراق،وحرمة حرائر العراق،سيبقى حاضناً دافئاً لكل قضايا النضال القومي وبالاخص قضية فلسطين.


في هذه المناسبة تحية لقائد العراق الحاضر دائماً في الوجدان الشعبي العربي لأنه كان قائداً في حياته،وتجذرت شخصيته القيادية بعد استشهاده،وهي بدلالاتها اعطت زخماً نضالياً لكل رفاقه المناضلين ولجماهير العراق والامة العربية،وهم سيبقون يتذكرون وفقته البطولية التي قطعت الشك باليقين بأنه حالة رمزية وطنية وقومية انسانية.


صدام حسين،الشهيد الاكبر للعرب والعراق والبعث،هو الشاهد الحي دائماً وابداً لما تعرضت وتتعرض له هذه الامة،


ان صدام حسين في مسيرته النضالية كما في اللحظات الاخيرة قبل استشهاده كان نبع عطاء وهو كان سيبقى يضخ برمزيته التي جسدها في سلوكه النضالي زخماً نضالياً للمقاومة التي تقض مضاجع المحتلين ولن تنفع الاحتلال اتفاقيات امنية من هنا وتدوير زوايا من هناك،لأن مقاومة استطاعت ان تسقط مشروع القرن الاميركي في العراق،وشعباً بطله صدام حسين،وامة رمزها صدام حسين،وحزباً قائده الحاضر دائماً صدام حسين لا بد هم ينتصرون.


في هذه الذكرة،الشديدة الالم على نفوس ابناء العراق والامة العربية الغنية بالدلالات النضالية تحية
لكبير شهداء الامة وعبره لكل شهداء المقاومة وهو كما كل القادة الكبار سيبقى خالداً ما بقيت هذه الامة صاحبة رسالة خالدة.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة  / ٢٨ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٦ / كانون الاول / ٢٠٠٨ م