الاتفاقية الامنية الاميركية - العراقية
قراءة في ديباجيتها وملحقها وموادها ...

 

 

شبكة المنصور

المحامي حسن بيان

 

الاتفاقية الامنية الاميركية-العراقية التي استكملت تواقيع المصادقة عليها خلال تشرين الثاني/2008

تضمنت ديباجية وثلاثين مادة وملحق سري.

 

واذا كان الملحق السري لم يشر اليه في مواد الاتفاقية،فإن الديباجية على اختصارها،قد اختصرت الاطار العام للعلاقة بين الطرفين واستحضرت بنود الملحق السري وان لم تدخل في التفاصيل،

واشرت على المضمون الفعلي للهدف السياسي الكامن وراء نصوصها وان بدا واضحاً في العديد من المواد الثلاثين.

 

وانه قبل الدخول في تحديد الابعاد والاهداف الفعلية التي وردت في المواد التي شكلت مع الديباجة متن الاتفاقية فإنه لا بد من التوقف عند مسألة هامة والا وهي الملاءمة الدستورية لهذه الاتفاقية.

 

لقد جاء في الديباجة ما نصه الحرفي/ان الولايات المتحدة الاميركية وجمهورية العراق.اذ يقران اهمية امنهما المشترك والمساهمة في السلم والاستقرار الدوليين ومحاربة الارهاب في العراق والتعاون في مجالات الامن والدفاع لردع العدوان والتهديدات الموجهة ضد سيادة وامن العراق ووحدة اراضي العراق ونظامه الديمقراطي الاتحادي الدستوري...

 

واذ يؤكدان ان مثل هذا التعاون مبني على اساس الاحترام الكامل لسيادة كل منهما وفق اهداف ومبادىء ميثاق الامم المتحدة ورغبة منهما في التوصل الى تفاهم مشترك يعزز التعاون بينهما،دون تجاوز سيادة العراق على ارضه ومياهه واجوائه وبناء على كونهما دولتين مستقلتين متكافئتين ذواتي سيادة فقط اتفقا على ما يلي...الخ

 

هذه الاتفاقية التي اقرت من المراجع المعنية ذات الصلة بالموضوع في كلا البلدين،في شهر تشرين الثاني2008، هل كانت بين طرفين متكافئتين ذواتي سيادة كما ختمت به ديباجة الاتفاقية؟

 

اولاً:في الاهلية الدستورية:

 

ان السيادة حسب المفهوم الدستوري واحكام القانون الدولي هي ان تكون المجموعة البشرية المسماة شعباَ سيدة نفسها وصاحبة الحق الحصري في تقرير مصيرها وتمارس سلطتها التامة على اقليمها الجغرافي."

 

وانه لدى مقاربة وضع الطرفين لا يثار نقاش حول وصف اميركا بالدولة السيدة لتوفر عناصر الدولة الثلاثة وهي الجماعة البشرية الموحدة(بفتح الحاء)والاقليم المحدد والسلطة السيدة.وهذا التوصيف لا ينطبق على واقع العراق اليوم وفي اللحظة التي تم فيها التوقيع على الاتفاقية واعتبارها اصبحت نافذة المفاعيل.فالجماعة البشرية التي تعيش على ارض العراق بحدوده المتعارف عليها دولياً،ليست الان جماعة موحدة والامثلة كثيرة وعلى سبيل المثال لا الحصر،

النزوع الانفصالي لدى القوى السياسية المهيمنة في الشمال،والمحاولات والخطط التي يراد تنفيذها لتكريس واقع متجمعي منقسم في ظل نظام فيدارلي يقوم على التوزع الطائفي والمذهبي للسكان.

 

وفضلاً عن تفكك عرى التوحد الوطني،فإن ما يعتبر شريكاً اساسياً لقيام الدولة وهو السلطة السيدة،فإنه يفتقر الى مقوماته الاساسية.

 

ان العراق اليوم ليست دولة سيدة حسب مفهوم القانون الدولي العام،لأنه بلد يقع تحت الاحتلال،وان الامم المتحدة في قراريها1500و1511/2003 وصفت الوجود الاميركي بالاحتلال.

 

وان هذين القرارين نصا على ان الولايات المتحدة الاميركية هي دولة محتلة للعراق وتتحمل الحكومة الاميركية حماية العراق بوصفها دولة احتلال.

 

هذا التوصيف الاممي لطبيعة الوجود الاميركي في العراق كان بتاريخ توقيع الاتفاقية والمصادقة عليها ما يزال ساري المفعول.وبمعنى آخر ان العراق عندما وقع وصادق على الاتفاقية كان محتلاً وتحت الحماية الاميركية.ومن يكون محتلاً واقعاً تحت حماية دولة اجنبية،هل يكون حراً وسيداً ومستقلاً.

 

ان الجواب البديهي،ان البلد عندما يقع تحت الاحتلال،انما يصبح مفتقراً لاهم ركن من اركان قيام الدولة الا هي والسيادة.

 

هذا ان كان الاحتلال قائماً والبلد المحتل ما تزال دولته قائمة فكيف اذا كان الاحتلال قائماً؟والبلد قد اسقطت دولته وتعرضت مؤسساتها الارتكازية للتقويض،واعيد تكوين مؤسسات وسلطة تعمل في ظل الاحتلال وتحت اشرافه،وهو الذي يمارس السلطة العسكرية والامنية الامرة والنافذة!!!

 

ان ما اشارت اليه الديباجية بأن الاتفاقية هي بين دولتين مستقلتين متكافئتين ذواتي سيادة يناقض واقع الحال لأن اميركا التي تتوفر لها شروط الدولة المستقلة وذات السيادة،لا توازيها الحالة العراقية بجانبها الدستوري،لأنه لا توجد في العراق دولة تمارس السيادة على ارضها بواسطة سلطة سيدة،وان العراق بتاريخ توقيع الاتفاقية كان ما يزال تحت الحماية الاميركية وفق منطوق القرار الدولي.

 

ولهذا فإنه من نافل القول ان هذه الاتفاقية كانت بين دولتين مستقلتين وذواتي سيادة وذلك لافتقار احد اطرافها وهو العراق لهذين الركنين الاستقلال والسيادة واستتباعاً لذلك،فإن افتقار العراق لركني الاستقلال والسيادة لا يقتصر على ما يعتبر اركان اساسية دستورية لقيام الدولة،بل ايضاً ان الافتقار ينسحب على المؤسسات التنفيذي والتشريعي منها التي انشئت في ظل الاحتلال.لأن الاحتلال كما يشكل نفياً موضوعياً لموضوعي السيادة والاستقلال،فإن هذا النفي يسحب نفسه على كل الافرازات التي ينتجها الاحتلال.وباتالي فإنه لا قيمة  دستورية لما سمي توثيقاً رئاسياً،ولما سمي اقراراً تشريعياً نظراً لكون هذه المؤسسات تمارس وظيفتها في ظل الاحتلال وهي اعيد تكوينها بإشراف الاحتلال ومتى كان الاحتلال مفتقراً لأية شرعية او مشروعية فإن كل ما ينتج عنه يكون منعدم الشرعية والمشروعية ايضاً.

 

وتأسيساً على ذلك،فإن هذه الاتفاقية التي اعتبرت ذات نفاذ دستوري انما تفتقر للاسس التي تشكل قاعدة لدستوريتها وبالتالي لا تعتبر دستورية شكلاً واصولاً وعليه فإنه لا قيمة دستورية لها وهي باطلة لعدم دستورية المؤسسات والاطارات التي منحتها شرعية دستورية.

 

هذا في جانب البعد الدستوري،اما في الجوانب الاخرى السياسية والامنية فهذه الاتفاقية ليست اتفاقية بين طرفين متكافئتين كما جاء في نهاية الديباجة،بل هي اتفاقية اذعان،لانها بين طرف قوي بكل المعايير والمقاييس وطرف ضعيف،وعندما يكون التوازن مختلاً بين طرفي عقد،فإن الاقوى هو الذي يملي شروطه وما على الاخرالا القبول .وعليه فإن الاتفاقية هي لمصلحة اميركا لانها الاقوى.ومن يقف على ما جائ في الديباجة يرى ان الاتفاقية بنصها على عدم تجاوز سيادة العراق على ارضه ومياهه واجوائه لم تشر الى ثرواته.وهذا التغييب للسيادة على الثروة وحصرها بالجانب الفني لم يكن تغييباً عبثياً بل المقصود منه ان يبقى التعامل مع هذا الموضوع خاضعاً للعقود الموقعة مع الشركات النفطية والتي تعمل لاعادة وضع الثروة النفطية تحت سيطرتها مجدداً انتاجاً وتسويقاً.اليست السيطرة على النفط العراقي كانت سبباً رئيسياً من اسباب غزو العراق واحتلاله؟

 

ثانياً:في الملحق السري:

 

هذا في الديباجة فماذا في الملحق  السري الذي جاء تحت بنود سرية،والتي حذفت من النص الاصلي خلال المناقشات الصورية حول الاتفاقية بين اللجان التي كلفت وضع صيغة مشروع الاتفاقية وبعدها خلال الاقرار الشكلي في الجمعية الوطنية.

 

ان الملحق ينص على ان يكون ما يتم الاتفاق عليه،هو اتفاقية وليست معاهدة،ويسمح للقوات الاميركية بناء قواعد ومعسكرات ومراكز امنية،اون افراد القوات العسكرية وافراد المؤسسات المدنية المتعاقدة معها،يتمتعون بحصانة كاملة ولا ولاية قضائية عراقية عليهم كما ان المحلق يتناول حتمية اعطاء الحكومة الاميركية صلاحية العلم والمشورة بشأن العلاقات الدولية والاقليمية والمعاهدات بحجة حفظ الامن والدستور.

 

ويختتم الملحق بنوده بأن يكون السقف الزمني لبقاء القوات الاميركية طويل الامد وغير محدد بزمن والقرار يخضع لظروف العراق ويتم اعادة النظر بين الحكومة العراقية والاميركية،وكله مرهون بتحسن اداء المؤسسات الامنية والعسكرية العراقية وتحسن الوضع الامني وتحقق المصالحة والقضاء على الانشطة المسلحة واخطار الدول المجاورة وسيطرة الدولة وانهاء حرية وتواجد الميليشيات ووجود اجماع سياسي على خروج القوات الاميركية.

 

هذا الملحق السري نشرت بعض بنوده في صحيفة الاندبندت البريطانية وصحيفة الحقيقة الدولية الاردنية وبذلك يتضح ان الملحق هو الاتفاق الاساسي بين الطرفين وهو الناظم للعلاقة بينهما،وان النص المعلن للاتفاقية ليس الا النص الذي وزع ليصور ان الاتفاقية وضعت لمصلحة العراق وليس العكس.

 

وهنا تجدر الاشارة الى ان تشديد الطرفين على ان الاتفاق هو اتفاقية وليس معاهدة فلسببين اساسيين،الاول كي يتمكن الرئيس الاميركي من اعطاء صيغة النفاذ لها دون المرور بالكونغرس والثانية وهي الاهم،لأن معاهدة فيينا لقانون المعاهدات الدولية1980/،تنص على ان المعاهدات التي تعقدها الدولة الواقعة تحت الاحتلال مع الطرف المحتل تكون باطلة،وبما ان العراق بتاريخ توقيع الاتفاقية كان واقعاً تحت الاحتلال وان الطرف الاخر هو المحتل الاميركي،فإن اطلاق صفة المعاهدة

على الاتفاق الثنائي يجعله مشوباً بعيب الابطال المطلق لمخالفته صراحة نص معاهدة فيينا ولذلك تم تجاوز تسمية المعاهدة الى الاتفاقية لتقدير بأن ذلك سيجعلها غير خاضعة لضوابط القانون الدولي العام والمعاهدات الدولية ذات الصلة.

 

ثالثاً :في بنود الاتفاقية

 

ان  المادة (2)،شملت العنصر المدني المرتبط بالقوات العسكرية بالحصانات نفسها التي فتحت لافراد القوات العسكرية وايضاً المتعاقدون والمستخدمون لدى المتعاقدين الذين يمكن ان يكونوا اميركيين او من جنسيات اخرى،كما ان البند السادس من هذه المادة اكد بأن المركبات الرسمية انما يقصد بها المركبات التجارية والتي يجوز تعديلها للاغراض الامنية.

 

ماذا يعني هذا،ان هذا يعني،ان الولايات المتحدة الاميركية اذا ارتأت بأن لا تحرك قواتها العسكرية في مهام امنية،فبإمكانها تنفيذ المهام عبر الشركات الامنية والمتعاقدين معها،والتي سميت كيانات مشروعة،واكثر من ذلك،فإنه في حال واجهت تحركات هذه الشركات والمؤسسات صعوبات معينة فبالامكان توظيف المركبات التجارية في اعمال امنية.

 

انه استناداً الى هذه المادة تضمن الولايات المتحدة الاميركية لنفسها شرعية التحرك تحت صيغة متعددة ووفق ما تقتضيه مصالحها الخاصة.وان المادة(14) التي اجازت لافراد الولايات المتحدة الاميركية وافراد العنصر المدني الملحق بها والمتعاقدين معها دخول العراق ومغادرته من المنافذ الرسمية بواسطة هويات واوامر سفر اميركية،تعطي حصانة اضافية لافراد هذه القوات وتجعل المنافذ العراقية مشرعة للدخول لمن يحمل هوية اوامر سفر اميركية. وبحكم ان هذا الدخول المشروع مشروط بحمل الهوية الاميركية او امر السفر،فمن يعرف لمن تعطى الهويات او اوامر السفر؟واذا كانت الهويات تخضع لنظام ضبط رسمي اميركي،فمن يضبط اوامر السفر التي ترتقي بقوة نفاذها لجهة الدخول والخروج من العراق الى قوة مفاعيل الهوية.أليس هذا النص وضع لمصلحة العنصر المدني والشركات الامنية او غيرها والتي لا يعرف المرء بالهويات الوطنية لهذه العناصر طالما يمكنهم الدخول عبر اوامر سفر ويتمعتون بحصانة شاملة في تحركهم الذي يكون اكثر مرونة من تحرك القوات العسكرية ويتحصنون بحصانة قضائية كتلك ممنوحة للعسكريين!!!

 

ان هذه الاتفاقية عبر هاتين المادتين،شرعت لاميركا ان تُدخل الى العراق من تريد،وعندما يمَكن هؤلاء الدخول عبر اوامر سفر صادرة من طرف واحد،فإن المهام الاساسية لهؤلاء انما تكون مهام استخباراتية بالدرجة الاولى،وهنا سيفسح المجال للموساد الصهيوني ان يدخل العراق ليس تسللاً ولا تمويهاً بل عبر المنافذ الرسمية،فهل من مصلحة العراق بأن تكون ارضه ومرافقة ومؤسساته تحت المرأى المباشر للاجهزة الاستخباراتية والتي تقدم تحت عنوان العنصر المدني؟

 

ـ اما المادة الرابعة والتي وردت تحت عنوان"المهمات" فثمة ملاحظتان اساستيين:

الملاحظة الاولى:ان الاتفاقية لم تشر في هذه المادة ولا في غيرها الى تشكيل يطلق عليه الجيش وتعزيز قدراته العسكرية،بل تضمن النص/تعزيز قدرات العراق الامنية.

وهذا يعني ان الجيش هو مؤسسة ذات وظيفة امنية وليست وظيفة عسكرية ردعية.وهذه الاشارة هي مقصودة،لأن اميركا لا تريد ان يكون لدى العراق جيش قوي قادر على حماية العراق من اية تهديدات خارجية،وهذه مرده سببان:

السبب الاول،وهو والابعد ويقضي بأن لا يستحضر التاريخ العسكري للعراق وجيشه الذي استطاع ان يخرج خارج حدوده في مهمات وطنية وقومية،والسبب الثاني،ان يبقى العراق بحاجة الى المظلة العسكرية الاميركية وهذا ما اشارت اليه المادة(4)فقرة(1)عندما نصت على ان تطلب حكومة العراق المساعدة المؤقتة من قوات الولايات المتحدة لمساندتها في  جهودها من اجل الحفاظ على الامن والاستقرار في العراق.

 

وطالما  اعتبرت المقاومة عنصر تهديد دائم لما يعتبر استقراراً سياسياً،فإن القوات الاميركية والعنصر المدني الملحق بها،سيبقون يؤدون دوراً في مواجهة اعمال المقاومة وان اميركا عبر هذه المادة منحت لنفسها شرعية الدفاع عن النفس داخل العراق،وطالما ان القوات الاميركية ستبقى هدفاً للمقاومة وفعالياتها،فإن من حق اميركا بموجب هذه الاتفاقية التصرف بما تعتبره دفاعاً عن النفس،وان التحرك العسكري الاميركي سيتناول الدفاع عن القوى العسكرية بأفرادها ومنشاءاتها وقواعدها وايضاً افراد العنصر المدني الملحق بها.وطالما ان افراد العنصر المدني سيتحركون خارج اطار المواقع التي ستنسحب اليها القوات العسكرية النظامية حتى نهاية حزيران/2009،فإن القوة العسكرية الاميركية لها حق التحرك بحرية تامة تحت عنوان الدفاع عن النفس ايضاً طالما ان العنصر المدني والمتعاقد هو كيان مشروع ويتمتع بالحصانات والتسهيلات التي تمتاز بها القوى العسكرية النظامية.

 

اذاً،لا شيء يتغير على دور القوة الاميركية كقوة احتلال وان ما اعتبرانسحاباً الى قواعد عسكرية لا يعدو كونه اعادة انتشار لهذه القوات بهدف سحبها من التداول الشارعي والتخفيف ما امكن من الخسائر التي تمنى بها من جراء عمليات المقاومة.

 

ان ما نصت عليه المادة(6)بإنسحاب القوات الاميركية من المدن خلال مدة اقصاها30/6/2009،لا يغير شيئاً من طبيعة مهمة القوات الاميركية في العراق،لأن هذه القوات اعطيت حق الدفاع عن النفس ليس فقط اذا ما تعرفت في اطار تموضعها الجديد لعمليات المقاومة بل ايضاً لمساندة القوى الامنية العراقية في مواجهة المقاومة ولحماية العنصر المدني واكثر من ذلك ما نصت عليه المادة(9)فقرة  5   بإعتبار الاجواء العراقية مفتوحة امام النشاط العسكري الاميركي الجوي.واذا ما اخذنا بعين الاعتبار الخطة الاميركية التي بدأت منذ فترة تعتمد في عملياتها العسكرية على سلاح الجو لتدارك الخسائر في صفوفها والمواجهة الميدانية المباشرة،فإن المادة(9) تعيد تأكيد الحقيقة،بأن العراق في ظل الاتفاقية هو كما كان  في السابق واقع تحت مظلة الاحتلال عسكرياً من خلال المظلة الاميركية الجوية.

ان ما يقال عن الجو يقال عن الممرات المائية حيث ان الطائرات والسفن تعفى من متطلبات التسجيل كما جاء في الفقرة(5)من المادة(9).ومن يستطيع ان يعرف ويتعرف الى هوية الطائرات والسفن التي تجوب المياه الاقليمية العراقية او تلك التي تحلق في الاجواء العراقية؟ اليس ذلك مدخلاً لتميكن طيران غير اميركي من التحليق في اجواء العراق دون حسيب او رقيب؟

 

اما المادة(10)والتي وردت تحت عنوان اجراءات التعاقد،فإنها اجازت للقوات الاميركية ان تتعاقد مع من تريد وان تختار المتعاقدين وان تبرم عقوداً بموجب القانون الاميركي لشراء المواد والخدمات،ونشدد على مهمة الخدمات لأنها الاخطر كونها تتراوح ما بين الخدمات المدنية والخدمات الامنية وهذه الاخيرة هي الاخطر،وبطبيعة الحال فإن"اسرائيل" على جهوزية تامة لتقديم خدماتها

الامنية خاصة وانها تقدم نفسها بأنها ذات خبرة وباع طويل في معرفة الاوضاع العربية اكثر من غيرها من الاستخبارات الاميركية.

 

اما المادة(11)،فهي تنص على تخصيص ترددات لقوات الولايات المتحدة الاميركية،العسكري منها والمدني والمتعاقد،وهذه الترددات لا تخضع للرقابة العراقية،وهذا التخصيص لشبكة ترددات سلكية ولا سلكية للقوات الاميركية،يجعل هذه القوات تتمتع بمنظومة كاملة من السيطرة،وبواسطتها يتم وضع شبكة الاتصالات العراقية تحت الرقابة الاميركية بحجة الامن والحؤول دون ما تعتبره اختراقات معادية.

 

اما المادة(12)والتي تتناول الولاية القضائية،فإن الحصانة التي منحت لافراد القوة الاميركية بكل مفرداتها،منحت ايضاً للعناصر داخل المنشآت وخارجها اذا ما كانت ضمن مهام عسكرية وامنية.

وقد نصت  الاتفاقية على ان الولاية القضائية الاميركية تطبق على الافراد العسكري منها والمدني بشأن امور تقع داخل المنشآت واثناء تأدية الواجب خارجها،وتطبق عليهم معايير الاجراءات القانونية والحمايات المكفولة بموجب الدستور الاميركي والقوانين الاميركية.

 

ان هذا النص،بتحديد الولاية القضائية لجهة تطبيق المعايير الاميركية،يعني ان المنشآت حيث تتواجد القوات هي ارض اميركية وهي المساحات والمديات التي تتحرك فيها.وطالما ان هذه القوات لها الحق بالتموضع ضمن هذه المنشآت وعلى كامل الارض العراقية اذا ما اقتضت الضرورة لذلك،فهذا يعني ان الارض العراقية تعتبربمثابة اراض اميركية لجهة تطبيق احكام القانون الاميركي على القوات الاميركية بعنصريها العسكري والمدني.ولا تؤثر بقوة هذه الحصانة،ما نصت عليه من مقاضاة العناصر الذين يرتكبون جرائم عادية خارج نطاق تموضعهم العسكري،لأن الفقرة(8) من المادة(12)منحت المرتكبين لهذه الجرائم تطبيق معايير الاجراءات القانونية والضمانات المتماشية مع تلك المتاحة مع القانون الاميركي والقانون العراقي.

 

اما المادة(19)والتي وردت تحت عنوان خدمات وانشطة،فإنها فضلاً عن اجازتها لاميركا او من ينوب عنها انشاء وادارة انشطة تعنى من خلالها خدمات لافراد قوات الولايات المتحدة وافراد العنصر المدني والمتعاقدين مع اميركا،فإنها نصت على خدمات الاتصال السلكي واللاسلكي بما في ذلك الخدمات الاذاعية ولا يتطلب انشاء هذه الخدمات اصدار اجازات خاصة.

 

ان هذه المادة شرعت للقوات الاميركية انشاء اذاعة خاصة،وبيطعة الحال فإن هذه الاذاعة ستكون مهامهما الاعلامية مكملة للمهام العسكرية والامنية.وان اميركا بما تملكه من قدرات تقنية ستجعل من هذه الاذاعة منبراً اعلامياً للترويج السياسي والتغطية منطقة الخليج العربي وعمق المنطقة العربية.

وبالتالي فإن من لم تصله رصاصات القتل الاميركي عبر التموضع العسكري المباشر،ستصله عبر رسائل الاذاعية والتي ستكون منبراً متقدماً للترويج للمواقف الاميركية وتلك المؤيدة لها من داخل العراق وخارجه،ان ذلك سيشكل استحضاراً "لإذاعةالشرق الادنى" في خمسينيات القرن الماضي،وخطورة ذلك توازي ان لم تكن اكثر تأثيراً وفعالية من سلاح الرصاص.

 

كما ان هذه المادة تنص في فقرتها الرابعة على اعفاء الكيانات والانشطة التي تقدم الخدمات المشار اليها في هذه المادة بالاعفاءات المالية نفسها التي تتمتع بها قوات الولايات المتحدة الاميركية،

كما تنص الفقرة(5)على ان البريد المرسل عن طريق خدمات البريد العكسرية يحتاج فقط الى تصديق سلطات الولايات المتحدة ويعفى من التفتيش والمصادرة من جانب السلطات العراقية.

 

ان هاتين الفقرتين،والذي لا يرتقي الغموض الى نصيهما، تمنحان قوات الولايات المتحدة والعنصر المدني والمتعاقدين معها وكذلك الكيانات التي تؤدي الخدمات ضمانات وحصانات،تمكنها من التحرك والنقل والتنقل دون رقيب او حسيب وفي هذا تمكين لمن يعمل في خدمة القوات الاميركية لان يعمل تجربة تامة،ومن يدري من يعمل في خدمة هذه القوات؟

 

اما المادة(21)والتي وردت تحت بند المطالبات،فالخطورة فيها انها تنص على التنازل المسبق عن التعويض عن اي ضرر او خسارة او تدمير يلحق بالطرف العراقي،وهذا التنازل يشمل انشطة القوات العسكرية والعنصر المدني والمتعاقدين،وبهذا النص،تكون الولايات المتحدة قد حمت نفسها من اية مطالبة لاحقة بالتعويض عن اضرار لحقت بالعراق من جراء احتلالها له،وان الاشارة الى المطالبات الاستحقاقية غير الناشئة عن الواجبات الرسمية فيتم تقديره وفقاً لقوانين ولوائح الولايات المتحدة.

وهنا التساؤل هل الاضرار التي طالت العراق هي نتيجة تصرفات فرديةقام بها افراد القوات الاميركية والملحق بها خارج نطاق المهمات الرسمية،ام هي بالتدمير الشامل الذي طال بنية العراق بكامله،وكلها تعتبر حصيلة قيام الولايات المتحدة بالواجبات الرسمية؟

ان النص على وضوحه لا يترك مجالاً لأي تأويل،بأن العراق تنازل مسبقاً عن تعويضات الاحتلال فيما لو تهيأت الظروف المستقبلية للمطالبة بها.

 

اما المادة(27) والتي وردت تحت عنوان ردع المخاطر الامنية ففي الامر مسألتان يجدر التوقف عندهما:الاولى،ان الاتفاقية لم تشر لا من قريب ولا من بعيد الى تشكيل يطلق اسم الجيش العراقي،بل كل ما جرت الاشارة اليه هو القوات الامنية،وهذا يقصد منه ان الجيش العراقي الذي يعاد تشكيله بإشراف اميركي مهماته الاساسية امنية والمعروف ان الوظيفة الامنية تتناول ضبط الوضع الداخلي وحمايته ممن يعتبرون مصدر تهديد للنظام السياسي القائم ولا يندرج تحت عنوان الوظيفة الامنية التهديدات الخارجية والتي تكون وظيفة التصدي لها هي من مهمات الجيوش.ويبدو ان هذه الصياغة لم تأت عبثاً بل لهدف محدد وهو ان تبقى الحاجة العراقيى قائمة لطلب تدخل اميركي بحجة ردع المخاطر الخارجية وهذا ما اشارت اليه الفقرة(1)من هذه المادة عندما نصت"عند نشوء اي خطر خارجي او داخلي ضد العراق او وقوع عدوان عليه،تتخذ الولايات المتحدة بعد مداولات استراتيجية الاجراءات المناسبة والتي تشمل الاجراءات الدبلوماسية او الاقتصادية او العسكرية او اي اجراء اخر للتعامل مع هذا التهديد.ان هذا يعني ان العراق سيبقى تحت مظلة الحماية العسكرية الاميركية.

 

اما المسألة الثانية والتي وردت في الفقرة(2)فهي موافقة الطرفين على التعاون الوثيق في تعزيز ادارة المؤسسات العسكرية والامنية والمؤسسات السياسية والديمقراطية في العراق.وهذا يعني ان اعادة بناء هذه المؤسسات العسكرية والامنية وحتى الديمقراطية التي تشمل المؤسسات المدنية التشريعي والتنفيذي  منها ستبقى تحت اشراف اميركا.وبذلك تكون عملية بقاء العراق تحت المظلة العسكرية الاميركية متكاملة مع عملية بقاء الاشراف الاميركي على كل نواحي الحياة في العراق.

هذه المادة،التي وردت بعد المادة(24)التي نصت على عملية انسحاب القوات الاميركية من المدن حتى نهاية حزيران2009 والخروج من العراق في موعد لا يتعدى31 كانون الاول/2011 تكون قد نسخت مفاعيل المادة(24)عندما نصت على التدخل الاميركي العسكري تحت ذريعة ردع المخاطر الامنية وايضاً على استمرار الاشراف على كافة المؤسسات الارتكازية للنظام.

 

وان ما يؤكد بأن المادة(27)قد وضعت احكام المادة(24)ضمن حدود الاحتمال وليس التنفيذ الحكمي هو ان المادة(30)التي نصت على مدة سريان مفعول هذه الاتفاقية ابقت الاتفاقية مفتوحية على احتمال التعديل لجهة النفاذ والالتزام بأحكامها عبر تأكيدها في الفقرة(2)على ما يلي:

لا يعدل هذ الا تفاق الا بموافقة الطرفين رسمياً وخطياَ وفق الاجراءات الدستورية السارية في البلدين".

ان هذا المادة ابقت امكانية تعديل الاتفاقية مفتوحاً على اتفاق الطرفين فقط،وحصر هذا التعديل بالطرفين الموقعين،هو استبعاد لاي طرف او هيئة يمكنه طلب تعديل هذه الاتفاقية والمقصود بذلك قطع الطريق على اي تدخل خارج نطاق الاتفاق الثنائي حتى ولو كان مجلس الامن الدولي.

 

ان ما تشير اليه المادة(28)على تولي الحكومة العراقية مهمة حفظ الامن في المنطقة الخضراء،فليس بالانجاز الذي يستحق الذكر او التوقف عنده،لأن هذه المنطقة  هي منطقة السفارات والمؤسسات الامنية وبالتالي فإن هذه السفارات تعتبر اراضٍ تابعة لدولها وتخضع لاجراءات امن خاصة بها،وفي مطلق الحالات،فإن اميركا اعطت لنفسها حق التدخل عندما يطلب منها،وسيطلب منها ذلك،لأن المنطقة الخضراء ليست ارضاَ خارج ارض العراق،وهي ستبقى هدفاً للمقاومة،طالما بقي الاحتلال قائماً.

ان هذه الاتفاقية كانت تنظيماً لاعادة انتشار قوات الاحتلال وكلام قائد القوات الاميركية بأن قواته ستبقى في المدن بعد 30/6/2009،وكلام الناطق بإسم حكومة المالكي/دباغ بأن الحاجة للقوات الاميركية تتطلب اكثر من عشرات يؤكدان هذه الحقيقة.

 

ان هذه الاتفاقية بديباجيتها وملحقها السري وموادها الثلاثين،هي اتفاقية اذعان فرضها الطرف الاقوى وهي اميركا،و أمن لنفسه كل المخارج وكل الشروط اللازمة لبقائه وتدخله،وان الطرف العراقي كان طرفاً شكلياً في صياغة احكام هذه الاتفاقية،أولاً،لانه لا يحوز على الاهلية الدستورية التي تمنحه سلطة وصلاحية توقيع اتفاقية ترهن العراق لسلطة الاحتلال تحت مسميات مختلفة،ولأن هذا الطرف يفتقر الى المشروعية السياسية،كون السلطة التي قدمت نفسها على انها الطرف العراقي المفاوض هي سلطة قائمة بفعل الاحتلال وهي من افرازاته وبالتالي فإن هذه الاتفاقية التي وقعت تحت هذه التسمية ولم يطلق عليها تسمية معاهدة لتفادي الطعن بها استناداً الى معاهدة فيينا،هي عقد املاء من فريق على آخر،وانه في مطلق الاحوال انما يحمل في طياته توفر عناصر الابطال لعدم الدستورية والشرعية والمشروعية وان هذه الاتفاقية التي تلزم الاطراف الموقعين عليها لا تلزم الشعب العراقي وقواه الوطنية والتي تعتبر المقاومة هي الممثل الاكثر مشروعية في التعبير عن اهدافه وطموحاته.وان هذه المقاومة التي استطاعت ان تضع المشروع الاميركي في العراق في مأزق حاد،قادرة على اسقاط هذه الاتفاقية والتي ستسقط حكماً بكل مفاعيلها مع سقوط الاحتلال،الذي يبحث عن مخارج لمأزقه،لكنه لن يستطيع الا اذا اعاد النظر بإستراتيجيته واولها التفاوض مع المقاومة على آلية الانسحاب وليس البقاء وهذا ما ستحدده الايام المقبلة وكل آت قريب.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ١٨ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٦ / كانون الاول / ٢٠٠٨ م