حظيرة الخنازير

 

 

شبكة المنصور

د همام احمد محمد

 

الخنزير بذاته منفر للطبع النظيف القويم . . ومع هذا فقد حرمه الله منذ ذلك الأمد الطويل ليكشف علم الناس منذ قليل أن في لحمه ودمه وأمعائه دودة شديدة الخطورة [ الدودة الشريطية وبويضاتها المتكيسة ] . ويقول الآن قوم:إن وسائل الطهو الحديثة قد تقدمت , فلم تعد هذه الديدان وبويضاتها مصدر خطر لأن إبادتها مضمونة بالحرارة العالية التي توافرها وسائل الطهو الحديثة . . وينسى هؤلاء الناس أن علمهم قد احتاج إلى قرون طويلة ليكشف آفة واحدة . فمن ذا الذي يجزم بأن ليس هناك آفات أخرى في لحم الخنزير لم يكشف بعد عنها ?

 

أما طباعه فهو الوحيد من بين جميع المخلوقات يعين الفحل الغريب ( الذكر ) على أنثاه ليواقعها لكونه لا يمتلك الغيرة الفطرية .

 

يذكرني هذا الحيوان الذي حرم الله سبحانه أكل لحمه بالساسة العراقيين الجدد الذين هم من أشباه الخنازير الذين يتعاهدون مع المحتل على أبناء بلدهم هؤلاء هم الذين يحملون بويضات متكيسة همها تنفيذ الأحقاد وتجزئة البلاد وقتل الأبرياء وطمع المال .

 

وهؤلاء لايهمهم العراق لأنهم ليسوا من أهل العراق ، ذلك لأن إبن البلد البار بدينه وعرضه وأهله لا يساوم المحتل الغازي من أجل منافع الدنيا .

 

. . ما دلالة هذا ? إن بعض دلالته أن شريعة الله كل لا يتجزأ . كل متكامل . سواء فيه ما يختص بالتصور والاعتقاد ; وما يختص بالشعائر والعبادات ; وما يختص بالحلال والحرام ; ومايختص بالتنظيمات الاجتماعية والدولية . وأن هذا في مجموعه هو "الدين" الذي يقول الله عنه في بعض آياته:إنه أكمله . وهو "النعمة " التي يقول الله للذين آمنوا:إنه أتمها عليهم . وأنه لا فرق في هذا الدين بين ما يختص بالتصور والاعتقاد ; وما يختص بالشعائر والعبادات ; وما يختص بالحلال والحرام ; وما يختص بالتنظيمات الاجتماعية والدولية . . فكلها في مجموعها تكون المنهج الرباني الذي ارتضاه الله للذين آمنوا ; والخروج عن هذا المنهج في جزئية منه , كالخروج عليه كله , خروج على هذا "الدين" وخروج من هذا الدين بالتبعية . .

 

: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم). . وفصل في هذه الرسالة شريعة تتناول حياة "الإنسان" من جميع أطرافها , وفي كل جوانب نشاطها ; وتضع لها المبادى الكلية والقواعد الأساسية فيما يتطور فيها ويتحور بتغير الزمان والمكان ; وتضع لها الأحكام التفصيلية والقوانين الجزئية فيما لا يتطور ولا يتحور بتغير الزمان والمكان . . وكذلك كانت هذه الشريعة بمبادئها الكلية وبأحكامها التفصيلية محتوية كل ما تحتاج إليه حياة "الإنسان" منذ تلك الرسالة إلى آخر الزمان ; من ضوابط وتوجيهات وتشريعات وتنظيمات , لكي تستمر , وتنمو , وتتطور , وتتجدد ; حول هذا المحور وداخل هذا الإطار . .

 

والأحكام التفصيلية جاءت لتبقى كما هي . والمبادى ء الكلية جاءت لتكون هي الإطار الذي تنمو في داخله الحياة البشرية إلى آخر الزمان ; دون أن تخرج عليه , إلا أن تخرج من إطار الإيمان !

 

إن معرفة "الإنسان" بهذه الحقائق الكبرى كما صورها هذا الدين هي بدء مولد "الإنسان" . . إنه بدون هذه المعرفة على هذا المستوى ; يمكن أن يكون "حيوانًا أو أن يكون "مشروع إنسان" في طريقه إلى التكوين ! ولكنه لا يكون "الإنسان" في أكمل صورة للإنسان , إلا بمعرفة هذه الحقائق الكبيرة كما صورها القرآن . . والمسافة بعيدة بعيدة بين هذه الصورة , وسائر الصور التي اصطنعها البشر في كل زمان !

 

نقول لمن لبس رداء الإسلام وهو يداهن المحتل منذ احتلال العراق والذين سايروه من اجل تمرير غاياتهم الرخيصة إن الدين ليس بضاعة لغرض التسوق ، إنما الدين المعاملة ، وكل الشعب عرف ميولكم ودسائسكم وتجاهلكم لفعل المحتل وزرع الفتنة بين الناس ، كما يعي أنكم غضيتم الطرف عن افعال المحتل المحرمة وشعبكم يعرف ويعاني ويلات الضلال والعمى , وويلات الحيرة والتمزق , وويلات الضياع والخواء , والذي يعرف ويعاني ويلات الطغيان والهوى , وويلات التخبط والاضطراب , وويلات التفريط والإفراط في كل أنظمة الحياة الجاهلية , هو الذي يعرف ويتذوق نعمة الحياة في ظل الإيمان بمنهج الإسلام . وإن الذين تعاهدوا مع المحتل الغاصب ولحقوا به فهم لحقوا بالنجاسة المادية والقذارة الحقيقية على هذا المعنى المشترك للنجاسة .. قال تعالى (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب , ويشترون به ثمنا قليلا , أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار , ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم , ولهم عذاب أليم . أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة . فما أصبرهم على النار ! ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق , وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد).

 

والتنديد بكتمان ما أنزل الله من الكتاب كان المقصود به أولا أهل الكتاب . ولكن مدلول النص العام ينطبق على أهل كل ملة , يكتمون الحق الذي يعلمونه , ويشترون به ثمنا قليلا . إما هو النفع الخاص الذي يحرصون عليه بكتمانهم للحق , والمصالح الخاصة التي يتحرونها بهذا الكتمان , ويخشون عليها من البيان . وإما هو الدنيا كلها - وهي ثمن قليل حين تقاس إلى ما يخسرونه من رضى الله , ومن ثواب الآخرة . وفي جو الطعام ما حرم منه وما حلل , يقول القرآن عن هؤلاء: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)

(ما يأكلون في بطونهم إلا النار). .

 

تنسيقا للمشهد في سياق هؤلاء الذين داهنوا ودلسوا على بلدهم لمصلحة المحتل وأنفسهم . وكأنما هذا الذي يأكلونه من ثمن الكتمان والبهتان نار في بطونهم ! وكأنما هم يأكلون النار ! وإنها لحقيقة حين يصيرون إلى النار في الآخرة , فإذا هي لهم لباس , وإذا هي لهم طعام ! وجزاء ما كتموا من آيات الله أن يهملهم الله يوم القيامة , ويدعهم في مهانة وازدراء والتعبير القرآني عن هذا الإهمال وهذه المهانة وهذا الازدراء هو قوله: ( لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم). . لتجسيم الإهمال في صورة قريبة لحس البشر وإدراكهم . . لا كلام ولا اهتمام ولا تطهير ولا غفران . .( ولهم عذاب أليم). .

وتعبير آخر مصور موح:

 

( ولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة). .

 

فكأنما الإتفاقية الموقعة مع الإمريكان ما هي إلا صفقة يدفعون فيها الهدى ويقبضون الضلالة ! ويؤدون المغفرة ويأخذون فيها العذاب . . فما أخسرها من صفقة وأغباها ! ويا لسوء ما ابتاعوا وما اختاروا ! وإنها لحقيقة . فقد كان الهدى مبذولا لهم فتركوه وأخذوا الضلالة . وكانت المغفرة متاحة لهم فتركوها واختاروا العذاب . .  وإلى جهنم وبإس المصير .

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٠٣ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٠١ / كانون الاول / ٢٠٠٨ م