المنطقة إلى أين بعد تمرير اتفاقية العار؟‍‍!!

 

 

شبكة المنصور

د. فيصل الفهد

 

انتهت مناقشات مايسمى مجلس النواب في العراق المحتل كما كان متوقعا الى تأجيل التصويت على اتفاقية العار ورغم علم الجميع ان هذا المجلس ان وافق ام لم يوافق ( مازاد حنون في الاسلام خردله ) ، ورغم أنّ هذه الاجتماعات المثيره للاشمئزاز أصبحت ذات طابع روتيني ، ولا تفسّر الماء بعد الجهد إلاّ بالماء ، فإنّ أغلب قراراته تبقى حبيسة الورق الذي كُتبت عليه .... ورغم أنّ الاجتماعات الاخيره اهتمت بموضوعة تمرير الاتفاقيه باجماع كل العملاء ، وكيف يمكن أن تحقق غاياتها ، التي تحوم حولها الشبهات والشكوك ، وبالذات من قبل الموقعين أنفسهم .



إنّ الملفت للانتباه هو تجاهل هذه الاجتماعات لقضايا خطيرة جداً باتت تؤرق العراقيين ، وفي مقدمتها تداعيات احتلال العراق.. وإذا ما أخذنا ما يحدث في العراق من كوارث في كلّ ساعة والتي تفوق ما يحدث في كل مناطق الاحتراب في العالم نلاحظ أنّ مصالح أمريكا فيها تقتضي التدخّل في الشأن تلك الدول بكلّ السبل والوسائل ، وأصبح موضوعات مثل دارفور قاسماً مشتركاً في أيّة لقاءات أو مناسبات تعمد الإدارة الأمريكيّة إلى استغلالها … وفي نفس الوقت تضغط هذه الإدارة باتجاه منع طرح أيّ موضوع يخصّ تورطها في العراق وأفغانستان وما حلّ فيهما من كوارث نتيجة احتلالها من قبل القوات الأمريكيّة الغازية .



إنّ احتلال العراق لم يكن حدثاً عابراً ، بل كان أكبر وأعمق من ذلك ، نظراً لما أسسه من تداعيات وما سيترتب عليه من استحقاقات ونتائج ربما هي الأخطر في المرحلتين الحالية والقادمة لاسيما بعد توقيع اتفاقية العار والعبوديه ، ليس على العراق حسب بل على محيطه وصولا الى إعادة تشكيل عالم الغد الذي تعمد الولايات المتحدة لتحقيقه من خلال مشروعها الكوني . وتأسيساً على ذلك فإنّ دول العالم بلا استثناء ستشهد أوضاعاً وعلاقات وإرهاصات ستفوق إمكانياتها وقدراتها، نظراً لما حاولت الإدارة الأمريكيّة الحالية القيام بـه الأمر الذي أصبح من الخطورة بمكان ما يمكن أن يؤسس لعالم جديد تتفرّد بـه أمريكا بامتياز أكثر بكثير مما نعيشه اليوم.



إنّ احتلال العراق كان بالنسبة لصنَّاع القرار الأمريكي نقطة الانطلاق لتحقيق الأحلام المريضة في تغيير خريطة العالم ، لا سيّما في منطقتنا التي ستكون ساحة العمليات الأساسية فيها ، والتي في ضوء ما تفرزه من نتائج سترتب على المناطق الأخرى في العالم انعكاسات ستجعل الجميع تحت رحمة الشيطان الأمريكي ولو بدرجات متفاوتة .



صحيح أنّ الأوربيين تحديداً والدول الأخرى في مناطق العالم المختلفة قد أصبحوا على يقين من أنّهم جميعاً في قلب الهدف من كلّ ما تقوم بـه الولايات المتحدة الأمريكيّة في العراق ومنه إلى كلّ دول الإقليم ، فإنّ رد فعلهم لا يزال محدوداً وسلبياً للكثير منهم وكأن المسؤولين في هذه القوى الدوليّة يقرّون بحقيقة عجزهم ، أو بتبعيتهم للمنهج الذي تقوده إدارة بوش ولكلّ مبرراته ، لا سيّما وأنّ أغلب هذه القوى لا تزال في حالة الدفاع عن النفس داخل مجتمعاتها أمام الهجوم الأمريكي المستمر ، ويبدو أنّ أيّاً منها لم تخطط أو تبادر بتحويل عملية الدفاع السلبي في مجتمعاتها إلى هجوم فعَّال ينقل المعركة إلى داخل المجتمعات الأمريكيّة (حتى بعد انتخاب الرئيس الجديد ...) ولو وضعنا فرضية تقوم على أساس قيام الدول المهمة في العالم بسلوك الاتجاه الصحيح بممارسة الهجوم سبيلاً للدفاع ضدّ السياسات الأمريكيّة ، فإنّ ذلك سيمنع الإدارة الأمريكيّة أيا كانت ديمقراطيه ام جمهوريه من الاستمرار بغيّها وغطرستها واستهدافها للآخرين، وهذا ما سيدفعها إلى تغيير استراتيجيتها وإفراد قسم مهم منها للدفاع في الداخل ... فأمريكا وعلى طول تاريخها الامبريالي تعمد إلى الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع وتجعل من كلّ ساحات العالم مسرحاً لعملياتها القذرة لأنّ قادتها أيّاً كانوا – جمهوريين أم ديمقراطيين- يعلمون علم اليقين أنّ وضعهم الداخلي أضعف من أن يتحمّل أيّ نوع من الصدمات .



وإذا ما أخذنا أحداث سبتمبر 2001 كمثال ( رغم قناعتنا أنّه سيناريو مخابراتي أمريكي صهيوني بامتياز ) ، فإنّ هذا الحدث يدلل في أبسط قراءاته أنّ الوضع الأمريكي الداخلي من الهشاشة والتفكك والضعف ما يجعله هدفاً سهلاً وسيترتب على اختراقه نتائج وخيمة لا تستطيع كلّ مراكز صنع القرار في أمريكا تحمّل عواقبه ، وستجعل هذه الدولة العدوانية في أوضاع مضطربة قد تحتاج إلى سنين لكي تستعيد توازنها (والازمه الماليه مثال بسيط على ذلك) ويكون العالم حينها قد تخل‍ّص من هذا الشيطان الذي يجثم على صدور الجميع .



إنّ خشية المسؤولين الأمريكيّين من وضع كهذا هو الذي يدفعهم باستمرار لفتح الجبهات خارج قارّتهم وبسيناريوهات وحجج مفبركة باطلة ، وفي كثير من الأحيان تستهدف الأصدقاء والأعداء على السواء ... فالأمريكيون لا يحترمون أحداً إلاّ مصالحهم ومن يلبّيها ، فصديق الأمس ربما هو هدفهم اليوم أو غداً ، والعكس يمكن أن يكون صحيحاً أيضاً ولا يمكن إغفال حقيقة مركزية تمثّل جوهر الأهداف الأمريكيّة في المنطقة ونعني بها قضية السيطرة على منابع وإنتاج النفط ، حيث يبرز هذا الهدف في مقدمة ماخططت له مصادر صنع القرار الامريكي ( وهو احد اهم اهداف الاتفاقيه الامنيه بين الاداره الامريكيه وعملائها في العراق المحتل) اضافه الى ما تستهدفه إدارة بوش في تمزيق أوصال المنطقة وإعادة تشكيلها بما يجعل 75 % من حقول إنتاج النفط وخزينه الاستراتيجي في العالم تحت الهيمنة المباشرة للولايات المتحدة الأمريكيّة ، الأمر الذي سيجعل أمريكا قادرة ليس على تأمين احتياجاتها النفطية حسب ، بل تحكمها بأغلب الإنتاج النفطي العالمي وبما يضع رقاب كلّ الدول المستهلكة للنفط تحت رحمة الولايات المتحدة الأمريكيّة وفي مقدمتهم أوربا واليابان والصين وغيرها.



وإذا ما عدنا إلى منطقتنا ومايمكن ان يترتب فيها في ضوء احتلال العراق أوبما ستؤول إليه الأوضاع في حالة نجاح المشروع الامبريالي الصهيوني في العراق التي يمكن ايجازها بما يلي :



أولاً- تنفيذ مخطط طفا على السطح يقوم على تفكيك التحالفات القديمة وبناء تحالفات جديدة . وهنا لابدّ من الإشارة بتركيز إلى أن جانب مهم من هذا المخطط الاستعماري يحمل بصمات بريطانية أي أنّ المستعمر البريطاني هو صاحب السبق في نسج خيوطه وتقوم الأيادي الأمريكيّة بتنفيذه .



ثانياً - بدأنا نسمع ومنذ شهور سبقت عن مصطلح جديد وهو ما يسمى الدول المعتدلة أو دول الاعتدال ( مصر الأردن السعودية ) وأنظمة هذه الدول كما هو معروف هي حليفة لأمريكا ، إلاّ أنّ هذه الأنظمة أصبحت تعيش حالة من الهلع بعدما اكتشفت أنّ علاقاتها ( الحميمة ) مع الإدارة الأمريكيّة والحكومة البريطانية لم تشفع لها وإنّها أصبحت هدفاً لعمليات ستطالها اليوم أو غداً وهذا ما أثار حفيظتها وشكوكها إلى حدّ التململ بعدما عجزت عن إصلاح ذات البين بينها وبين إدارة بوش في وقت يسود فيه اعتقاد أنّ هذه الأنظمة لم تعد قادرة على تلبية متطلبات دورها المفترض لتحقيق الأهداف الأمريكيّة في المنطقة وبالذات ما يتعلّق منه على وجه التحديد في العراق .



ثالثاً – هناك بوادر لتحالف جديد ستناط بـه مهمة تنفيذ ما تبقى من المشروع الأمريكي وهذا يقوم على توسيع دور كل من قطر والإمارات إضافة إلى إيران وغيرها بالتنسيق علناً وسراً مع الأمريكيّين لإعادة تقسيم خارطة المنطقة وإظهار كيانات مثل الكيان الكردي ليضمّ أجزاءً من العراق ومن خارجه وإطلاق يد الكيان الصهيوني وإيران لتستحوذ على أجزاء من العراق وربما من الأردن وربما من دول أخرى وقيام دويلات من لبنان تأخذ منحىً طائفي ، وكذا الحال بالنسبة للأراضي السعودية ولا ندري ماذا سيحدث في مصر والسودان ‍!



ورغم خطورة ما ذكرناه فإنّ هناك عقبة مهمة تعمل على إفشال هذا المشروع بدون أن يكون لأيّ من الأطراف المتضررة فضل فيها أو سلطان عليها ألا وهي المقاومة الوطنية العراقيّة ... هذه المقاومة التي ضربت المشروع الأمريكي في نخاعه الشوكي وحطمت ركائزه ومع أنّ هذه المقاومة بما قدّمته ولا تزال من تضحيات عراقية وطنية خالصة وما يتحقق للأنظمة سواء العربيّة أو غيرها من مزايا ( بدون مقابل ) إلاّ أنّه وللأسف الشديد فإنّ هذه المقاومة البطلة لا تزال تستهدف من قبل هذه الدول بمواقف وتآمر وجحود رغم أنّ منطق العقل يؤكّد أنّ على هذه الأنظمة العربيّة إن أرادت أن تحمي كياناتها المستهدفة فإنّ أبسط ما تقوم بـه هو تقديم دعمها اللامحدود للمقاومة العراقيّة .. لأنّ هذه المقاومة هي عنوان نصر العروبة والإسلام وضمان وجودهما ، وهي الوحيدة التي استطاعت دحر المشروع الإمبريالي الصهيوني بإرادة عراقية وطنية خالصة .. والسؤال المهم الذي يفرض نفسه : متى سيدرك العرب ذلك ؟! وهل سيتعظ بعض لم يتّعظ منهم حتّى الآن بعدما أصبحت النَّار تحت أقدامهم .

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الخميس  / ٢٩ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٧ / تشرين الثاني / ٢٠٠٨ م