الحاج منتظر الزيدي

 

 

شبكة المنصور

سلام الشماع

 

ستصبح الحذاء التي قذف بها الصحفيُّ العراقيُّ منتظرُ الزيديُّ الرئيسَ الأمريكيَّ بوش حداً فاصلاً في تاريخِ المؤتمراتِ الصحفيةِ العالميةِ، بحيثُ سيقالُ: (المؤتمراتُ الصحفيةُ قبلَ الحذاءِ، والمؤتمراتُ الصحفيةُ بعدَ الحذاءِ).


وعلى الرغم من غرابة الموقف الذي أبداه الصحفي العراقي في ذلك المؤتمر إلا أنه كان سابقة معتبرة، والغرابة هنا ليست للاستنكار وإنما لتبيان أن هذا الحدث لم يكن متوقعاً وسط إرهاب دولة المنظمات الميليشياوية والقوات الأمريكية، فإذا عدوت قوات الاحتلال التي يمثل لها بوش (المركوع بالحذاء) الرمز والقائد الأعلى، فان لكل مسؤول في حكومة الاحتلال، صغر أم كبر، ميليشياه الخاصة به المؤتمرة بأمره، فكيف يجرؤ صحفي شاب على فعل ما فعل وهو يدرك هذا كله؟!..


إن ما فعله منتظر الزيديُّ إذا استقبله شعب العراق والعرب والعالم في كل مكان بالعاطفة والتعاطف والفرح والإشادة بهذا العراقي الشريف النبيل الشجاع ابن وطنه وأمته ثم عشيرته وعائلته، فإنه لابد تارك آثارا عميقة على شباب العالم في المستقبل، فقد أظهر لهم أن أقوى دولة في العالم إذا اعتدت على كرامة شعب وانتهكت حرماته واستهترت بأرواح أبنائه فأن أصغر وأبسط شاب بإمكانه أن يمرغ سمعتها في التراب، وكنت أتمنى لو نهد للأمر نفسه صحفي في أفغانستان من الذين حضروا المؤتمر الصحفي الذي حضره بوش بعد مغادرته العراق وضربه بحذاء أفغاني.. فما فعله المحتلون الأمريكيون في أفغانستان ليس بأقل مما فعلوه في العراق.


سمعت من يتعكز على ثقافة أشاعها المحتلون في استنكار ما فعله الزيديُّ وتخطئته والنيل منه والتقليل من موقفه البطولي بأن مهنة الصحفي لها قواعد تعتمد الحوار لا الضرب، وهذا صحيح في الأحوال العادية، ولكنه يصبح استكانة وأنت تقف أمام أكبر رمز من رموز احتلال بلدك وتخريبه وقتل أهلك وانتهاك حرماتك.. والموقف الذي يجب أن يدان ويستنكر ويشجب في مثل الحالة هذه هو موقف أولئك الذين سارعوا للاعتذار من بوش.. وكأنهم قوم يعتذرون عن وجود شريف أو نبيل أو أصيل بين ظهرانيهم، فما أغرب ما فعلوا وما أمجَّه وما أنكره؟..


*****


اتصل بي عالم دين صديق لديه درجة الاجتهاد في الدين في وقت متأخر من الليلة التي أعقبت ضرب بوش بالحذاء، وسألني متلهفاً: ترى ماذا فعل هؤلاء المجرمون بالحاج منتظر الزيدي وقد رأيناهم يضربونه وهو يصرخ أمامنا.. هل لديك يا أيها الصحفي من خبر عنه يطمئننا عليه؟


قلت له: يا شيخنا ليس السائل بأعلم من المسؤول.. ولكن منتظر شاب صغير وهو لم يذهب لحج بيت الله الحرام.. فأجابني: بل هو حاج... فما الذي يفعله الحجاج في مكة.. أليسوا هم يرمون الجمرات على مكان يرمز للشيطان؟؟.. لكن الحاج منتظر رجم الشيطان الأكبر الحقيقي بفردتي حذائه.. أفليس من حقي وحقك، بعد هذا، أن نطلق عليه لقب (الحاج)؟..


*****


وقفت لطلاء حذائي أمام عامل صبغ أحذية كان يجلس أمام محطة الحجاز للسكك الحديد التاريخية في الشام، فقال لي: هل تدري كم كنت أحس بالخجل والإحراج من مهنتي هذه ولكنني اليوم أشعر بالفخر بها فالحذاء تستطيع الثأر لكرامة أمة وشعب.


وقال هذا العامل: سأرفع لوحة أينما أجلس أكتب فيها هذه العبارة: (هنا صبغ البطل منتظر الزيدي حذاءه).


*****


كنا مجموعة من العراقيين نقف في ساحة المرجة وكنا نتحدث عن حذاء منتظر الزيدي ونضحك، فتقدم منا شاب أعمى ظنناه يستجدي منا.. لكنه انقض عليّ تقبيلاً وأكب على يديّ يقبلهما من دون أن أستطيع منه خلاصاً.. وقال: أنا فلسطيني وعندما سمعت حديثكم يا عراقيين هفا قلبي إليكم، فأنتم رفعة رأس العرب ودائماً تبتكرون أسلحة جديدة تقاتلون بها أعداءنا.. إني أجد في كل واحد منكم منتظر الزيدي.. ورفض بإباء شديد ما قدمناه له من نقود.. لأنه تاجر غني، كما قال.


*****


لم يعجبني موقف نقابة الصحفيين ولا تصريح نقيبها الزميل مؤيد اللامي من قضية رجم بوش بالحذاء، فقد بدا هذا التصريح وذاك الموقف متهافتين خجولين (ديمقراطيين للكشر)، وحقيقة كنت انتظر من هذه النقابة أن تعبر عن مشاعر من انتخب أعضاء مجلسها، لا أن تطلع علينا بموقف لا يشبه مواقفها الصلبة الأخرى، ولا أن تتملق حارس مرمى الأحذية السيد نوري المالكي.. لكن آه ومليار آه..


*****


ستجد الحكومة العراقية أنها أمام حاجة ماسة لإنشاء (كيشوانية) أمام أية قاعة يعقد فيها مؤتمر صحفي ليدخل الصحفيون إلى المؤتمر الصحفي حفاة.


و(الكيشوانية) كلمة أظن أنها فارسية تعني المكان الذي يخلع الناس أحذيتهم فيه قبل الدخول إلى المساجد والمراقد المقدسة.. لكن على هذه الحكومة أن تعلم أن العراقيين لديهم دائماً ما هو جديد من الأسلحة.. فهل، مثلاً، سيجففون أفواه الصحفيين العراقيين قبل الدخول إلى المؤتمر الصحفي لكي لا يستعملوا سلاح (البصاق)!!.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ١٨ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٦ / كانون الاول / ٢٠٠٨ م