عمائم الشياطين لا تحارب شيطانها الأكبر

 

 

شبكة المنصور

علي الصراف

منذ ثلاث سنوات على الأقل والولايات المتحدة تقول أنها تعد خططا لتوجيه ضربة عسكرية لإيران لوقفها عن مواصلة برنامجها النووي.

 

ومرت منذ ذلك الوقت مياه كثيرة، ونجحت إيران في تعزيز قدراتها العسكرية، كما عززت نشاطاتها النووية بتسخير أكثر من 5000 جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، ولكن الضربة العسكرية لم تأت.

 

إسرائيل بدورها باعت للعلن الكثير من الخطط "السرية" لتوجيه ضربة عسكرية. وتلك الخطط كانت من السريّة بحيث أن وزارة الدفاع الإسرائيلية دعت الصحافيين لمشاهدة الطائرات التي ستتولى توجيه الضربة، والتمارين على تحديد الأهداف.

ولكن الضربة لم تأت أيضا.

 

ويشعر الكثيرون في المنطقة انه بمقدار ما تبيع الولايات المتحدة وإسرائيل كلاما فارغا عن الضربة العسكرية، فان إيران تبيع بدورها كلاما فارغا مماثلا عن حالة العداء بينها وبين الولايات المتحدة وإسرائيل.

 

وبينما تتخذ طهران من خرافات وأساطير الضربة العسكرية المنتظرة غطاء لتعزيز قدراتها العسكرية ودورها الإقليمي وتهديداتها لدول الجوار، فان الولايات المتحدة تتخذ من التهديدات الإيرانية ذريعة لتخويف دول المنطقة من اجل ابتزازها ولدفعها الى الرضوخ لجميع المطالب الأميركية المتعلقة بمبيعات الأسلحة وترتيبات الأمن، بل وربما كمية إنتاج النفط، وكيفية توظيف الصناديق النقدية...الخ.

 

وتقدم إيران والولايات المتحدة نفسيهما على أنهما "عدوان". وعلى الرغم من أن حكاية الضربة العسكرية تحولت الى خزعبلات وأعمال شعوذة، مماثلة للأعمال التي يمارسها الدجالون، فان حقيقة هذه الخزعبلات لا تتضح بجلاء في أي مكان بمقدار ما تتضح في العراق. فكلا هذين "العدوين"،..

 

1ـ يدعمان حكومة واحدة في بغداد.

2ـ يعتمدان في حواراتهما على وساطة عمائم واحدة.

3ـ يحاربان العدو المشترك نفسه: المقاومة المسلحة العراقية.

4ـ يستخدمان قائمة مصطلحات واحدة ضد هذه المقاومة (تعكس منظورا مشتركا): "إرهاب"، "قاعدة"، "تكفير"...الخ.

5ـ ينسقان الجهود الأمنية فيما بينهما عبر لجان مشتركة.

6ـ يضعان برامج عملية مشتركة تتعلق بالتعاون التجاري والسياسي والأمني.

7ـ يساندان مليشيات طائفية واحدة، ويوفران لها الأسلحة والغطاء لكل الجرائم التي ترتكبها ضد الأبرياء.

8ـ يتستران على أعمال النهب المشتركة للنفط، كما يتستران على نهب الأموال (والكثير منها يتجه الى إيران).

9ـ ينفذان مشروعا إستراتيجيا مشتركا لتقسيم العراق على أسس طائفية يحفظ لكل طرف منهما "حصته" في "نظام المحاصصة".

10ـ ينظران الى العراق بوصفه منطقة نفوذ ومصالح خاصة.

 

هذا هو الإطار الذي تدور حوله علاقات الدجل والخزعبلات.

ولكن، كأي علاقة بين حلفاء، فان هناك اختلافات وخلافات بينهما، ولكن من النوع الذي "لا يُفسد للود قضية".

تقاسم الحصص في العراق كان أبرز الاختلافات، في حين أن الملف النووي ما يزال عالقا كأبرز الخلافات.

 

إيران والولايات المتحدة تودان لو كان العراق حصة خالصة لكل منهما. ولكنهما تعرفان أنهما بحاجة الى بعضهما البعض. المليشيات الصفوية الحاكمة في بغداد لا تستطيع الاعتماد على الدعم الإيراني وحده للبقاء في السلطة. وقوات الاحتلال لا تستطيع أن تبقى من دون دعم هذه المليشيات. ولهذا السبب فان التقاسم ضروري. ويبدو أنه يقوم على عنصرين:

الأول، أن تبقى السلطة بيد أحزاب المليشيات التي تدعمها إيران، وهو ما يعني بقاء أحزاب الائتلاف الحاكم الراهن تُقلّب بيضات الحكم فيما بينها.

 

والثاني، ضمان مصالح الشركات الأميركية في برامج ومشاريع إعادة البناء والاستثمار. وهو ما حددته اتفاقية التعاون الاستراتيجي التي وقعت الى جانب الاتفاقية الأمنية.

وفي الواقع، فان اتفاقية التعاون الاستراتيجي هي "الاتفاقية الأمنية" الحقيقية، أما الاتفاقية المتعلقة ببقاء وانسحاب القوات الأميركية فليست سوى غطاء لها.

 

وعندما يأتي الوقت لتُطرح اتفاقية الانسحاب على التصويت في يونيو/حزيران المقبل، فمن المرجح أن تبقى اتفاقية التعاون الاستراتيجي مخبأة في الأدراج، بحيث لا يشملها التصويت، لأنها هي "عقد الاستعمار" بين حكومة طهران في بغداد وبين الولايات المتحدة. ولأنها، بمعنى آخر، هي عقد "تقاسم الحصص" بين آية الله وشيطانه الأكبر.

"لنا الإمارة، ولكم التجارة". لنا السلطة، ولكم نصف النفط والغاز. هذه هي خلاصة الصفقة بين طهران وواشنطن، التي وقعّها رئيس الوزراء الإيراني في العراق نوري المالكي مع الرئيس جورج بوش.

 

على هذا الأساس، لم تعد هناك مشاكل بين طهران وواشنطن فيما يتعلق بالعراق. وهذا ما يمهد السبيل، اليوم، لكل ما يقال عن الحاجة الى استئناف الحوار حول الملف النووي.

العنصر الجوهري في الخلاف حول هذا الملف، هو أن إيران تخشى من أن تكون، في وقت من الأوقات، عرضة للتهديد بالغزو، أو تغيير النظام. وتريد أن تطوّر لنفسها قدرات نووية لتكون رادعا، بل وربما علاجا لشهوات التوسع الإستراتيجية الأميركية.

 

ولكن، وكأي علاج آخر، فقد بدا أن له "أعراضا جانبية"، وهي انه يهدد التفوق الاستراتيجي لإسرائيل في المنطقة.

وإسرائيل لا تريد أن يتفوق عليها أحد. وهي تعتبر الأمر مسألة مصير شاملة. وفي بيئة العداء المألوفة للكيان الصهيوني في المنطقة، فان إسرائيل لا تريد أن تكون هناك أي قوة، حتى ولو كانت قوة تواطؤ، تتفوق عليها عسكريا.

فحتى لو كانت إيران حليفا ضمنيا، فان امتلاكها لأسلحة نووية يجعل مصير إسرائيل معلقا بحسن النوايا الإيرانية، لا بقدرات تل أبيب الخاصة على الردع.

 

وتخشى إسرائيل أن يأتي يوم وتتغير النوايا. فآيات الله الإيرانيون الذين يجدون اليوم مصلحة في التواطؤ مع الاحتلال الأميركي وتسيير أموره في العراق، قد يتغيرون في المستقبل. وعمامة العمالة قد تنقلب بتأثير عوامل داخلية لا حصر لها.

وإسرائيل تستطيع أن تلاحظ أن عمامة التواطؤ التي يرتديها آية الله علي خامنئي وأقرانه مضطرةٌ هي نفسها أن تتاجر بشعارات معادية للولايات المتحدة وإسرائيل. فالبيئة الثقافية العامة في المنطقة ما تزال بيئة معادية لإسرائيل. وقد تُساير تلك العمائم هذه البيئة لكي تنجو، إلا أن ذلك يعني أيضا أن الغلبة ما تزال تميل لصالح هذه البيئة.

 

ثم أن هناك آيات الله منشقون على مؤسسة النفاق التي يقودها خامنئي، مثل آية الله منتظري، يستطيعون أن يجتذبوا لأنفسهم دعما من هذه البيئة. ويمكن لهذا الدعم أن يقلب الكثير من المعطيات الإستراتيجية إذا ما سُمح لإيران أن تكون قوة نووية بالفعل.

 

الكثير من الزعماء الغربيين، وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما، يقولون اليوم للإيرانيين بوضوح أن أحدا لن يهدد بغزو إيران ولا بتغيير نظامها.

 

وما أن يحصل تجار الله على ما يُطمئنهم، فأنهم لن يبخلوا على إسرائيل والولايات المتحدة بما يطمئنهما. وسواء تعلق الأمر بوقف أعمال التخصيب، أو بإخضاع عملياتها لإشراف دولي مباشر، أو بإرجاء أو ترحيل حلقة من حلقاتها الى الخارج، فان التوصل الى صيغة لمنع إيران من اكتساب إمكانيات نووية كاملة لن يكون صعبا.

وعندما يُوضع "التعاون" و"التحاصص" في العراق في ميزان الحوار، فان الطرفين سيدركان أنهما قطعا من الشوط أغلبه في التحول الى حلفاء.

 

قبل ثلاث سنوات كانت السخرية من صحافي كبير مثل سيمور هيرش (الذي كشف "خططا" للبنتاغون لضرب إيران) تبدو مغامرة غير محمودة العواقب على سمعة أي كاتب.

وحتى اليوم، تبدو السخرية من صحافي كبير مثل باتريك سيل حماقةً لا تقل ضررا (هو الذي توقع أواسط الشهر الجاري قيام إسرائيل بضرب إيران خلال "الأسابيع الأخيرة" لإدارة الرئيس جورج بوش).

 

وعندما لا تخلو صحيفة أو موقع إخباري، في أي يوم من الأيام، من حديث ما عن هجوم عسكري وشيك ضد إيران، فان المنطق يقضي بالقول: عش مع المجانين وكن مثلهم.

ولكن، ها قد مرت السنوات والضربة العسكرية لم تأت. وهي لن تأتي في "الأسابيع الأخيرة" ولا في أي وقت أبدا.

لماذا؟

لأننا الوحيدون الذين نعرف ماذا يوجد تحت تلك العمائم.

 

لن يسأل أحدٌ هيرش وسيل عن مصير توقعاتهما الخائبة، وهما لن يخجلا من المشاركة في تسويق الخزعبلات، وسيظل يُنظر إليهما والى غيرهما على أنهم "خبراء" و"مطلعون" ويعرفون عن شؤوننا أكثر مما نعرف عنها.

ولكنهم لا يعرفون ما نعرف عن عمائم طهران.

 

زواج المتعة بين الاحتلال وممثلي تلك العمائم قد يكفي دليلا على أن هناك، بين شياطين الله وآياته، الكثير من المصالح المشتركة. وهما مثل الخشب والمنشار، بحاجة الى بعضهما البعض، ولا يعملان إلا معا، حتى وإن ظلا يتظاهران بالعداء.

العداء من جهة، والتواطؤ من جهة أخرى، هو جل بضاعة "التقيّة" التي يبيعها آيات الشياطين على السُذّج والمجانين.

ودعم حزب الله في لبنان، مقابل دعم مليشيات العملاء في العراق، جزء من تجارة نخاسة لا يُجيدها إلا آيات النفاق في طهران.

 

يقال: الديمقراطيات لا تحارب بعضها.

يصح القول أيضا: عمائم الشياطين لا تحارب شيطانها الأكبر.

وبيننا الأيام.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

السبت  / ٢٩ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٧ / كانون الاول / ٢٠٠٨ م