يا غبي ، كُلّك على بعضك ، غبي

 

 

شبكة المنصور

علي الصراف

 

شيئان كانا محوري الكلام الذي أدلى به روبرت غيتس وزير الدفاع الأميركي أمام مؤتمر "حوار المنامة الاستراتيجي" حول أمن دول الخليج السبت.


الأول، دعوة دول الخليج الى فتح أبواب التعاون مع العراق لكي "لا يُترك لإيران"، معتبرا أن "إيران تحاول بشدة التأثير على اتجاهات الحكومة العراقية".
والثاني، دعوة دول الخليج الى إلغاء ديونها على العراق.


ولا يستطيع، حتى الجنّي الأزرق، أن يعرف ما إذا كان غيتس يضحك على نفسه أم على ذقون الآخرين عندما يطالب دول الخليج بعدم ترك العراق لإيران بعدما كانت واشنطن هي التي نصبت (وما تزال تدعم) حكومة عميلة لإيران في بغداد.


من المستحيل، حتى على الجنّي الأزرق، أن يعرف ما إذا كان غيتس غبيا (بالخلقة)، أم أنه يستغبي الآخرين عندما يكتشف، إكتشاف المُندهش، أن إيران "تحاول التأثير بشدة على اتجاهات الحكومة العراقية".
ربما كان الأجدر القول لوزير دفاع القوة العظمى الوحيدة: يا غبي، ألا يفترض بك، بما أنك قوة الاحتلال، أن تكون أنت الذي "تؤثر بشدة على اتجاهات الحكومة العراقية" بدلا من إيران.


وإذا اتضح لك، يا... غبي، أن إيران هي التي "تؤثر بشدة"، فما الذي كنت تفعله طوال خمس سنوات؟
وإذا كنت، يا... غبي، لا تعرف كيف تُوقف هذا التأثير، فما الذي يُبقيك هناك أصلا؟
وإذا تبين لك، يا... غبي، أن جيوشك ومرتزقتك والأموال التي تنفقها على الإحتلال، لم تنفع في الحد من تأثير إيران، فكيف يمكن لدول الخليج أن تفعل ما لم تقدر عليه؟
ألم يكن من الأجدر بك، يا... غبي، أن تسكت، لكي لا يتحول غباؤك الى فضيحة عظمى، بحجم القوة العظمى التي تمثلها؟


وغيتس غبي، فيما يبدو، الى درجة تثير الشك بأنه، في الواقع، يستغبي، وأن غباءه يحث على التأويل. ولكننا نسارع الى القول انه حتى تأويل الغباء لا يكفي لتفسير ما أصبح ظاهرة عامة لاحتلال، كُله على بعضه، غبي.
فالاحتلال نصّب حكومة عملية لإيران في بغداد أملا منه بكسب المجد من أطرافه. أي كسب العراق، وكسب إيران معا.
وهذا ما تدركه طهران جيدا. وهذا ما تلعب معه عليه. فكلا هذين الإحتلالين يناوران من أجل تحديد الحصة التي يملكها كل منهما في العراق.


فطهران تعطي للاحتلال إستقرارا وثباتا (وتأييدا لتوقيع الاتفاقية الأمنية) من خلال ملاحقة قوى المقاومة المسلحة. وفي المقابل، يُبقي الإحتلال على حكومة العملاء الإيرانية في بغداد، على سبيل التعبير عن الامتنان.
المشروع الطائفي الذي تديره طهران في العراق، من خلال أحزابها ومليشيات المرتزقة الصفوية الحاكمة، هو بالأحرى مشروع أميركي.


فمنذ اللحظة الأولى لتأسيس مجلس الحكم بقيادة بول بريمر، كان الهدف الطائفي واضحا، وهو الهدف الذي يقاتل الطرفان، بالعزيمة نفسها، على جعله أساسا لتقاسم الحصص فيما بينهما.
وما يبدو انه "محاصصة طائفية" بين الأحزاب، هو في الواقع "محاصصة اقليمية" بين الولايات المتحدة وطهران.
وكل ما تأمل به واشنطن، في هذه المحاصصة، هو أن تُشرك أطرافا إقليمية أخرى فيها، تتولى المساهمة في دفع تكاليف الاحتلال، بينما يجلس البنتاغون على رأس الطاولة، بوصفه الرئيس التنفيذي للتحالف الإقليمي الذي يجني لنفسه جل الفوائد.


هذا التأويل هو الوحيد الذي يجعل الغبي يبدو ذكيا في عين أمه. والقرد في عين أمه غزال، طبعا.
ولكن، ما لم يلتفت إليه الغبي، هو أن المقاومة العراقية التي ألحقت بالاحتلال كل الصعوبات التي جعلته يائسا الى هذا الحد، ليست في وارد أن تتوقف. وهي تقاوم مرتزقة واشنطن، بمقدار ما تقاوم عصابات طهران.
هذه المقاومة هي التي أفلست مشروع الاحتلال عندما كان في عز قوته. وهي أفلسته ماديا، بمقدار ما أفلسته تعبويا ونفسيا وعسكريا. وسيُفلس مع الولايات المتحدة كل الذين يتورطون بمشاريع الاحتلال.
وحيث أن الغباء الأميركي، هو الأعظم، فليس من المرجح أن تجد الولايات المتحدة أغبياء إقليميين يقبلون الانخراط في مغامرة غبية بدعوى "مواجهة التأثير الإيراني".


الخليجيون يستطيعون أن يروا انه توجد دمغة في مؤخرة "التأثير الإيراني"، تقول: "صنع في واشنطن".
والخليجيون يعرفون أيضا، أن العراقيين قادرون، بمفردهم على مواجهة "التأثير الإيراني". فهم فعلوها من قبل. ويمكن أن يفعلوها من بعد. وبثمن أقل كلفة.


العراقيون حاربوا إيران، دولة لدولة، بما يكفي لكي يعرف كل طرف حدوده ويحترمها. ولكن بما أن الإيرانيين صاروا جزءا من إحتلال مباشر، فان قواعد اللعبة اختلفت. وبعد كل الجرائم التي ارتكبها عملاء إيران ومليشياتها وحرسها الثوري، فمن الأرجح أن العراقيين لن يتركوا هذا الكيان العنصري والطائفي القذر قادرا على البقاء أصلا.
حرب الحدود انتهت. وستأتي حرب الوجود. هدم الإيرانيون، بمعونة شيطانهم الأكبر، الدولة الوطنية في العراق، وسيكون من تمام العدل والإنصاف أن يهدم العراقيون المعبد الصفوي على رؤوس أصحابه من الداخل. هذا ما يجب أن يحصل.


وهذا ما يعيدنا الى الجزء الثاني من كلام الغبي.
نعم، توجد ديون خليجية على العراق. ولكن بمقدار ما يتعلق الأمر بالكويت والسعودية، فان هذه الديون يجب أن تتم تسويتها في إطار صندوق يشمل التعويضات عن كل جرائم الحرب التي ارتكبت ضد العراق.
الكويت والسعودية كانتا ممرين لقوات الاحتلال التي غزت العراق بناء على أباطيل.
وهما تآمرتا على حكومته الوطنية الى الحد الذي يستوجب الاعتذار وتقديم التعويضات.
التخلي عن الديون العراقية، اليوم، هدفه مساعدة حكومة عملاء طهران على مواجهة عواقب انخفاض أسعار النفط. فهذه الحكومة تريد أن تنهب. والأموال التي ستتاح بسعر 40 دولارا للبرميل، لا تكفي لتغطية تكاليف النهب، فما بالك بالحاجة الى توفير بعض الأساسيات؟


أفضل للوطنيين العراقيين أن ينتظروا زوال الاحتلال ليضعوا الديون والتعويضات في سلة واحدة.
ما يهم في الأمر، هو أن جزءا كبيرا من الديون الخليجية على العراق، يجب ألا تعد ديونا أصلا. فالعراق كان يدفع من دماء أبنائه ثمن الدفاع عن دول الخليج نفسها.
وفي مقابل تصفية إيران، فان الأفضل للعراق ولدول الخليج أن تكون يدا واحدة، حلفا واحدا، لا ديون فيه، وربما لا تعويضات أيضا.


ولكن، إذا أصرت الدولتان الخليجيتان المعنيتان على استيفاء هذه الديون، فلربما جاز للعراقيين أن يقولوا: لا بأس. ولعله سيكون من الحكمة، تاليا، أن يتركوا الكلب الإيراني ينبح على المعنيين، لبعض الوقت على الأقل، ليروا إن كانوا يريدون من العراق ديونا أم لا.


ما لم يستطع الغبي أن يلتفت إليه هو الصلة بين جزئي كلامه. فلأنه، كله على بعضه غبي، فانه لم يسأل نفسه، كيف يطلب من الحكومات الخليجية أن تواجه إيران من جهة، وأن تخفف، من جهة أخرى، أعباء الديون عن حكومة واقعة تحت "تأثيرات إيران"؟


فإما هذه، أو تلك. يا... غبي

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين  / ١٧ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٥ / كانون الاول / ٢٠٠٨ م