الرئيس الأمريكي ساق مبررات كاذبة لشن حرب على العراق
جريمة بوش الأخطر فى التاريخ الأمريكي

 

 

شبكة المنصور

ابــو جـعـفـر

 

"محاكمة جورج بوش بتهمة القتل" هو الكتاب الذي صدر توا في الولايات المتحدة ليهز بعض أركان مؤسستها القانونية وليطرح سؤالا بسيطا في ظاهرة ولكنه بالغ التعقيد في تفاصيله: هل يمكن محاكمة الرئيس الأمريكي أمام محكمة جنائية أمريكية بعد أن يغادر البيت الأبيض - ومن ثم يفقد حصانته ضد أغلب الإجراءات القانونية - بتهمة قتل جنود أمريكيين ومدنيين عراقيين في حرب أسسها على حفنة من الأكاذيب وكثير من الخداع المتعمد؟ بل إن الكتاب يأخذ السؤال إلى آفاق أبعد حيث يطرح احتمال صدور عقوبة الإعدام ضد الرئيس الأمريكي ومحاكمة آخرين في الإدارة مثل ديك تشيني وكوندوليزا رايس وكارل روف بتهمة التواطؤ مع القاتل لارتكاب جريمته؟


والمؤلف ليس ناشطا سياسيا غاضبا أو أحد المثقفين الأيديولوجيين الذين يعادون بوش من البدء وحتى النهاية. إنه فنسنت بجليوسي المدعي العام الذي عرف في مطلع حياته المهنية بمحاكمة تشارلز مانسون الشاب "الهيبي" الذي قاد مجموعة من الفتيات في عملية اقتحام منزل النجمة السينمائية شارون تيت - وكانت في مرحلة متأخرة من حملها - وذبحها بطريقة بشعة عبر طعنها في البطن وقتل ضيوفها بدم بارد ثم جلس يتعاطى المخدرات فوق الجثث. ونجح بجليوسي في الحصول على إدانة لمانسون وفتياته في محاكمة شهيرة عام 1970 ولم يغادر أي منهم السجن حتى الآن.

 

وبعد ذلك تولى بجليوسي الذي بات نجما صاعدا في الأفق القانوني الأمريكي محاكمة عشرات المتهمين في قضايا معقدة من جرائم الجريمة المنظمة إلى عصابات تهريب المخدرات إلى تجاوزات مالية وضريبية لبعض الشخصيات العامة من الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة على حد سواء. إلا أن كل تلك القضايا كانت جنائية في شكلها وفي مضمونها أي أنها لم تكن قضايا سياسية من قريب أو بعيد. وهو يقول عن قضية محاكمة بوش: "إنها ليست قضية سياسية. إنها قضية شخص استخدم موقعه لإرسال 4 آلاف أمريكي و100 ألف عراقي إلى حتفهم بدم بارد ولخوض حرب عرض أسبابها وكان يكذب في كل كلمة من عرضه ذلك عن عمد وعن معرفة سابقة بأن ما يقول يخالف الحقيقة".

 

ويقول المؤلف في مطلع كتابه: "إن هذا الكتاب الذي توشك أن تقرأه يتناول واحدة من أكثر الجرائم خطورة في تاريخ الولايات المتحدة. فقد قام رئيس البلاد عن عمد وسبق إصرار بالكذب على الأمة لدفعها إلى حرب مع العراق بمبررات ملفقة. وقد أدت هذه الحرب إلى مصرع عشرات الآلاف من الأمريكيين والعراقيين في وقائع مأساوية تابعها العالم مروعا".



ويتابع: "و الهدف من هذا الكتاب ليس هدفا سياسيا بأي شكل من الأشكال. صحيح أنني أكثر قربا من الحزب الديمقراطي ولكن موقفي السياسي ليس جامدا. فقد كنت أدعم جون ماكين مثلا حين خاض الانتخابات عام 2000 وسبق أن منحت صوتي مرتين لرونالد ريجان. إن مصداقيتي كرجل قانون هي ما حاز على اهتمامي خلال عملي. وتعد الحقائق هي السيد الوحيد بالنسبة لي. وأستطيع أن أؤكد للقارئ أن أي رئيس ديمقراطي كان سيصبح هو موضوع هذا الكتاب لو كان قد ارتكب الجرائم التي ارتكبها جورج بوش".


ويتابع: "ولعل أكثر الأمور غرابة مما واجهته خلال إعداد هذا الكتاب هو أولئك الصحفيون الليبراليون الذين يكتبون أن بوش كان كاذبا في تبريراته لضرورة شن الحرب على العراق ويبرهنون على ذلك بصورة أو أخرى ثم يتابعون مقالاتهم بصورة عادية وكأن ما ذكروه توا هو نهاية المطاف. إن ذكرهم أن رئيس البلاد ارتكب جرائم من نوع ما برهنوا هم عليه كان يستدعي أن ينتقلوا إلى الخطوة التالية أي إلى اقتراح ما ينبغي عمله. وثمة شيء واحد ينبغي عمله في هذه الحالات هو إقالة الرئيس ومن ثم تجريده من حصانته ووضعه أمام المحكمة ومعاقبته بحكم القانون. إن قلائل فقط هم الذين تحدثوا عن إقالة الرئيس. ولكن إقالة الرئيس وحدها كانت ستعني أنه سيواصل تناول قهوته كل صباح وربما عصير البرتقال وسيتردد كعادته على النادي الذي يحب وسيعيش الحياة المترفة التي عاشها دائما وقد يلقي خطبا مدفوعة الأجر أمام الجمهوريين الأوفياء الذين سيقابلونه بالتصفيق وقوفا. فهل هذا هو ما ينبغي أن يحدث في دولة تحترم القانون مع رجل قتل أكثر من 100 ألف نفس؟"



وقارن المؤلف بين صراخ البعض بضرورة إقالة بيل كلينتون بسبب فضيحته الجنسية مع مونيكا لوينسكي في التسعينيات وبين الصمت عن جرائم بوش الآن. وقال بجليوسي في ذلك: "كان هناك اقتراحات بإقالة ومحاكمة رئيس لأنه ارتبط بعلاقة جنسية وأخفى الحقيقة بشأنها. فهل يجوز التفكير بإقالة مثل ذلك الرئيس فيما نستبعد إقالة رئيس قتل أكثر من 100 ألف إنسان وكذب على الشعب الأمريكي وعلى العالم وزور في أوراق رسمية ومارس التعذيب وخالف دستور وقوانين البلاد مئات المرات؟"


ويقول بجليوسي: "إنني أرفض أن أقفز إلى الفقرة التالية التي لا علاقة لها بالموضوع. إن القانون يطبق على الجميع. وإذا كان الرئيس قد ارتكب جريمة وخالف الدستور والقانون فإن على أي بلد يحترم نفسه أن يقدمه إلى المحاكمة". ويتابع: "في مطلع ديسمبر 2005 كتبت نيويورك تايمز أن أغلبية ساحقة من الأمريكيين يعتقدون أن بوش ضلل الأمة ودفعها إلى شن الحرب ضد العراق بناء على مسلسل من الأكاذيب. وإذا كان قد فعل ذلك فقد خان القسم الذي ألقاه يوم تنصيبه وخان ثقة الشعب الأمريكي في حكومته. وحيث إن الأمريكيين يعتقدون أن أي شخص يقتل شخصا آخر عن عمد يستحق أن يعدم فإن ثبات التهمة على الرئيس جورج بوش تقتضي إعدامه إذ إنه لم يقتل شخصا واحدا بل أكثر من 4 آلاف أمريكي وأكثر من 100 ألف عراقي من بينهم أطفال ونساء وعجائز".


وتابع: "لقد بلغ غضب الأمريكيين مما فعله بوش حدا غير مسبوق. وقد سمعت عشرات المرات من أمريكيين لا علاقة لهم بالسياسة أن على أحد الأمريكيين أن يضع رصاصة في رأسه. ولكن من حسن الطالع أننا لا نفعل هذه الأمور في الولايات المتحدة. إن التصرف الوحيد السليم هو محاكمته والمطالبة بإعدامه وترك الأمور لهيئة المحلفين لتقرر الإدانة والعقوبة. وقد رأى البعض أن من الضروري تقديم بوش إلى المحكمة الدولية في لاهاي لمحاكمته على تعذيب السجناء في أبو غريب وجوانتانامو. إلا أن ذلك بكل أسف غير ممكن من الوجهة القانونية".


ويفسر بجليوسي حدود المحاكمة التي يقترحها بقوله: "حتى إذا ثبت أن بوش مذنب بقتل أكثر من 100 ألف مدني عراقي فإن أي محكمة أمريكية لا تملك صلاحية محاكمته إلا على قتل الجنود الأمريكيين وحدهم إذ إن هؤلاء الضحايا لم يكونوا فحسب غير أمريكيين بل إنهم أيضا قتلوا في بلد أجنبي".
 


ويضيف: "بل إن بوش نفسه يرى أن إدانة أي متهم بقتل شخص واحد يقتضي إعدامه. لقد شهدت ولاية تكساس أعلى معدل للإعدام بين كل الولايات الأمريكية حين كان بوش حاكما هناك. وقد سخر بوش حين كان حاميا للولاية من امرأة صدر عليها حكم بالإعدام حين التمست منه أن يخفف الحكم. وقال ضاحكا خلال مقابلة إعلامية: لقد استجدتني قائلة: أرجوك لا تقتلني. وحين طلبت هيئات حقوقية تخفيف حكم الإعدام الصادر بحق شاب متخلف عقليا رفض ذلك بإصرار إلا أنه ألغى الحكم الصادر على لويس ليبي مدير مكتب نائبه ديك تشيني الذي كان ينبغي أن يقضي خمسة أعوام وراء القضبان".



ويشير المؤلف إلى أن الرئيس بوش وافق على 52 حكما بالإعدام من 53 حالة وردت أوراقها إليه حين كان حاكما لولاية تكساس وأن الشخص الذي ألغى حكمه كان محكوما عليه بالإعدام في قضايا قتل أخرى واعترف بأنه اعترف كذبا بحالة منها. وأضاف: "وكان كل واحد من هؤلاء الذين وافق بوش على إعدامهم قد حوكم وأدين في جريمة قتل شخص واحد وليس 100 ألف على الأقل. إنه لم يظهر أي رحمة ولو في حالة واحدة رافضا تخفيف الحكم إلى الحبس المؤبد حتى في حالات الإعاقة الذهنية. ويعد هذا السجل سجلا غير مسبوق في تاريخ حكام الولايات الأمريكية منذ مطلع القرن الماضي. وليس من المفهوم بالتالي تجنب المطالبة بإعدامه على ما ارتكب من جرائم".


وتلخص متن كتاب بجليوسي في سرد وقائع محاكمة وهمية لجورج بوش لعب فيها المؤلف دورا يتسق مع عمله أي دور المدعي العام. وفي فصول الكتاب تتوالى مرافعة بجليوسي على نحو دامغ يدفع القارئ إلى التساؤل : لماذا حقا لا يحاكم الرئيس الأمريكي ويصدر ضده حكم عادل من هيئة محلفين طبقا للقانون الأمريكي؟



بيد أن المطالبة بالإعدام كانت هي الشق الضعيف في الكتاب إذ إن حكم الإعدام يظل في القانون الأمريكي وربما في أغلب قوانين دول العالم مشروطا بالتعمد والتآمر لارتكاب جريمة القتل بالذات وليس إرسال الجنود إلى الحرب. وما لم يتمكن بجليوسي من إثبات أن بوش تآمر لقتل الضحايا – وهو أمر مختلف من الوجهة القانونية عن شن الحرب – فإن عقوبة الإعدام تكون موضع شك.


وفي الفصل الأول من الكتاب الذي سماه المؤلف: "كيف فتحت عيناي" يقول بجليوسي: إن على رجل القانون أن ينظر إلى أي قضية بعيدا عن "القصص" التي تحيط بها أي بالتركيز على الحقائق وحدها. ويضيف: "يتعين على أي مدع عام كما يعرف من مارسوا هذه الوظيفة الصعبة أن ينظر إلى الأمور وليس إلى الرداء الذي ترتديه. وفي حالة إعلان الحرب على العراق ثمة حقائق محددة وثمة حكايات تروى لا حصر لها من قبل مسؤولي الإدارة حول ما قيل وما حدث سواء في ادعاءات منسوبة إلى أجهزة المخابرات دون أي سند رسمي أو في تفسيرات روجت لها قيادات وزارة الدفاع آنذاك كانت جميعا مختلقة من أساسها".



ويورد الكاتب بعد ذلك مسلسلا من تصريحات المسؤولين بداية بالرئيس بوش إلى نائبه ديك تشيني إلى مستشارة الأمن القومي آنذاك كوندوليزا رايس إلى وزير الخارجية السابق كولن باول تعد كلها بلا استثناء واحد تصريحات كاذبة.



من ذلك مثلا ما قاله بوش في خطاب إلى الأمريكيين: "كيف يمكن لنا أن نتعايش مع قائد يهدد العالم بأسره بأقوى السموم والأمراض (أي بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية) وباستخدام قنبلة نووية تودي بحياة مئات الآلاف من الأبرياء؟"



ومن تلك التصريحات أيضا ما قاله نائب الرئيس ديك تشيني من أن "لدى العراق طيارات بدون طيار يمكن استخدامها لاستهداف المدن الأمريكية. ويبدو ذلك مخيفا في ضوء البرنامج النووي العراقي إذ إن ذلك يمكن أن يؤدي إلى كارثة بالنسبة للولايات المتحدة".



وتوالت التصريحات التي يوردها المؤلف لإثبات أن الرئيس وإدارته و ومساعديه المقربين خاصة اتبعوا دربا من نشر الادعاءات لإرهاب الشعب الأمريكي وتخويفه ومن ثم للتسويق لضرب العراق بدون معارضة تذكر. وهو لا يورد تلك التصريحات التي استغرقت فصلا ونصف الفصل من باب التوثيق لما حدث وإنما يوردها لإثبات جزء أساسي من مداخلته خلال محاكمته الافتراضية لجورج بوش وإدارته.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

السبت  / ١٥ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٣ / كانون الاول / ٢٠٠٨ م