أزمة المال العالمي كيف حدثت ؟!

 

 

شبكة المنصور

ودود فوزي شمس الدين / محام وباحث قانوني

 

قبل ثلاثة عقود خلت بدأت الأزمة في القطاع المالي العالمي حيث تنامى تطور قطاع الخدمات على حساب القطاعات التقليدية الاقتصادية الأخرى مثل التجارة والصناعة والزراعة وبعد التطور الهائل في قيمة الأصول في العالم وأهمها العقارات وتراكم فوائض مرتفعة من السيولة لدى المصارف والمؤسسات المالية والتي لم تجد لها منافذ استثمارية.


اتجهت السيولة إلى قطاع العقارات باعتبارها من الملاذات الآمنة للاستثمار وفقاً لنظرية رأس المال جبان وعرضت القروض العقارية في وسائل الإعلام بأسعار فائدة مفضلة دون الحاجة إلى ضمانات فازداد حجم القروض العقارية وباتت مشكلة تؤرق المصارف التي بدأت بالشعور بضرورة إيجاد حل لها بدلاً من أبقائها ديوناً في دفاترها الحسابية.


فقامت المصارف الاستثمارية بتجميع تلك الديون وتوريقها من خلال سندات دين بضمان القروض العقارية نفسها وقام كبار مسؤولي الاستثمار في تلك المصارف بتصنيفها حيث يتم إصدار سندات مقسمة إلى فئات، فالفئة الأولى تمثل القروض التي لها أمل كبير في التحصيل والفئة الثانية متوسطة التحصيل والفئة الثالثة تمثل الديون المعدومة وبجبل محاسبية تعطى تلك السندات أسماء جديدة للمباشرة في تسويقها وللإيغال في خداع الجمهور وتضليلهم تقوم المصارف الاستثمارية بشراء سندات خزانة مقابل الفئتين الأولى والثانية أو التأمين عليها وبعد تهيئة هذه السندات على أنها جيدة تقوم وكالات التصنيف الائتماني بمنحها تصنيفاً جيداً لتسهيل بيعها وبفائدة طفيفة على السندات الممتازة وفوائد أكبر على السندات العادية وفوائد عالية جداً على سندات الديون المعدومة وتباع سندات الفئة الأولى إلى صناديق الاستثمار التعاونية في دول الخليج أو آسيا أو للمجالس المحلية في المدن الصغيرة في ألمانيا التي تريد استثمار موازينها أما فئة الديون المعدومة فيشتريها كبار موظفي مصارف الاستثمار أو معارفهم مقابل فوائد عالية عليها.


وبعد انهيار أسعار العقارات في الولايات المتحدة وبعدها في أسبانيا والمملكة المتحدة وأيرلندا وغيرها انكشفت كل أساليب الغش والخداع والتضليل الاستثمارية لإخفاء القروض العقارية المعدومة غير القابلة للتحصيل وقعت مصارف كبيرة في العالم في مشكلة بسبب تمويلها تلك القروض أو لقيامها بشراء سندات الديون المرهونة بها. مما أفقد المصارف والمؤسسات المالية الثقة في بعضها البعض ولم يعد أحداً يصدق ما يعلنه الآخر عن وضعه المالي والمحاسبي، ونتيجة لذلك توقفت المصارف عن أعمال الأقراض بينها مع صعوبة الحصول على قروض من مصادر الأقراض الثانوية ولأن المصارف تحتاج للاقتراض فيما بينها على المدى القصير لتتمكن من تغطية القروض متوسطة الآجال أو الطويلة لتمويل الأعمال والأفراد فقد نشأت أزمة الانكماش الانتمائي ولم تستطع كل محاولات شراء الحكومات لبعض المؤسسات المالية المنهارة أو ضخ الأموال معالجة هذا الانكماش أو القضاء عليه.


وقد كتب بيير روسلين في افتتاحية صحيفة لوفيغارو الفرنسية الصادرة الأربعاء الفائت «أن الأزمة المالية الحالية أدت إلى تسارع خطى التطور الراديكالي للسياسة الأميركية فبين التخلي عن المصرف الاستثماري «ليمان براذرز» بإسم «قدسية عدم التدخل في السوق» وبين القرار الذي اتخذ لاستخدام خطة بولسون من أجل إعادة تمويل المصارف بمبلغ يصل إلى 250 مليار دولار هو في الواقع ثورة إيديولوجية حقيقية في الشاطئ الآخر للمحيط الأطلسي. فقد تركت الإدارة الأميركية ليمان براذرز تنهار دون أن تقدم لها ضمانات فإن ذلك يعود إلى فشل براغماتي لإدارة وزير الخزانة هنري بولون ورئيس الاحتياطي بن برناكلي في إقناع المنظرين الذين رأوا في إنقاذ رابع أكبر مصرف بوول ستريت بداية الاشتراكية هذا الهلع هو الذي حمل عددا من أعضاء الكونغرس الجمهوريين على رفض خطة بولسن أواخر سبتمبر / أيلول الماضي تلك الخطة التي تمت المصادقة عليها في النهاية في صيغة تخول الخزانة الأميركية استخدام 750 مليار دولار لشراء «السندات المعدومة» للمصارف لكنها لا تضع في الحسبان على الإطلاق إعادة تمويلها غير أن ذلك على ما يبدو أن الأموال ستستخدم فيها حاليا ولحسن الحظ فالكونغرس لم يكن ليوافق أبداً على تلك الخطة لو علم أنها تحّظر للتأميم الجزئي للمصارف. فالبراغماتية عقيدة الأميركيين الحقيقية الوحيدة وهي التي تمكنهم من تحطيم أصنام كانوا يعبدونها».
وفي ألمانيا وافق البرلمان الألماني على خطة لإنقاذ القطاع المصرفي في البلاد تبلغ قيمتها نحو 500 مليار يورو وذلك بتأسيس صندوق حكومي يقوم بضخ الأموال في المصارف بينما سيقبل بالأصول المشكوك في تحصيلها من المصارف كضمان لهذه الأموال. وبين وزير الاقتصاد الألماني ميشائيل كلوز في كلمته أمام البرلمان الجمعة أن خطة الحكومة تهدف إلى حماية مصالح مواطني بلاده وليس حماية المستثمرين والمصارف.


وبإلقاء نظره على مؤشرات البورصة في العالم عموماً وفي خليجنا العربي خصوصاً نرى أن انهيارات كبيرة حصلت أدت إلى خسارة مئات المليارات من الدولارات في لحظات بسبب أزمة كان سببها الطرق الاحتيالية والخداعية التي تصرفت مصارف مالية واستثمارية كبيرة في الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية أخرى، ورغم أن مؤشرات ظهرت على عودة جزئية للهدوء إلى أسواق المال بعد فترة من الاضطراب ورغم أن الهدف من الإجراءات المالية في العالم اليوم هو تنظيف النظام المالي من الديون المعدومة وسندات الدين المرهونة بها وأوراق التأمين عليها وسندات الخزانة المشتراة مقابلها إلا أنها لن تكن حلاً نهائياً لعوامل الخلل الأساسية في النظام المالي العالمي فبات العالم بحاجة إلى نظام مالي جديد بعد انهيار زعامة الولايات المتحدة للعالم الحر مالياً سبق ذلك الانهيار والاعتباري والأخلاقي في احتلالها للعراق فمتى يعي أصحاب الرساميل العربية حكومات وأشخاص أن الاستثمار في الولايات المتحدة والعالم الغربي لم يعد آمناً وأن الفكر الغربي على استعداد تام لإتباع سياسات براغماتيه لإنقاذ مصالحها على حساب مصالح الآخرين. أليس الشعب العربي من خليجه إلى محيطه أولى بالاستثمار العربي ومتى نعي أهمية حماية نعمة الله سبحانه وتعالى على أمتنا العربية والإسلامية بدلاً من أن تذهب إلى جيوب أعداء لا يريدون خيراً لأمتنا ـ فهل حان الوقت لذلك!؟

 
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ اشْتَرُواْ الضّلاَلَةَ بِالْهُدَىَ فَمَا رَبِحَتْ تّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ﴾
صدق الله العظيم

 

 
 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٢١ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٠ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م