عام عبد الناصر ...

 

 

شبكة المنصور

طلال الصالحي

 

سلسلة   لبرنامج  مهم  يقدمه  د. الجنابي   يوميّاً  من قناة  "المستقلّة"  تبحث  فحواه  الكثير مما  يحيط  ,  ناصر  الكارزما  , أو ناصر "الدولة" المؤسسة  لمشروع  القوميّة  العربية  , كان فيها  المتداخلون المصريّون  على وجه الخصوص هم  أبطال   دوّامة  الحنين  الكبير  لحكم  ينتظر  فرجه  الشعب المصري  بأغلبيته الساحقة  , كما تبين ذلك من خلال فورة  مشاعر الحب الجياشة لعبد الناصر  التي أظهرها هؤلاء المتداخلين  والكثير من  المتداخلين العرب أيضاً  والذين  مزج   بعض منهم  بشيء  من  الاندفاع  , وتلميحي  أحياناً  , ما  بين  عبد الناصر  وصدّام  حسين  انتثر  بريق  ذلك على "وفيق السامرّائي"  باعتباره  "نموذج!"  يذكّرهم  بقوّة وبهيبة  جيش العراق العظيم  يحنّ  لزمنه المصريّون  كثيراً  وكما  لاحظنا ذلك   وآمالاً  عريضة  منهم  تعلّقت  بحتميّة  ظهور فارس جديد  يقود الأمة  العربية  وينتشلها مما هي فيه , عل  وعسى أن يكون  ذلك , عودة  بنمط  جديد  يولد  من  بين  قدح صدامات  دوليّة  ملتهبة وتقلبات  مالية  وتنافس قوى عظمى  ابتدأت  تتزاحم  فيما بينها   أيّهم  قبل الآخر  له  شرف طرق  العد التنازلي  لابتلاع  ميراث  القطبية  الأميركية ..


لوحظ  على  طريقة  تقديم البرنامج  الحذر الشديد  من مقدمه  د. الجنابي  من خلال  تجنبه  التوسع أكثر في حلقات  مهمة من البرنامج  لفت مجرياتها   الفاصلة  المنطقة والعالم  العربي  في فترة حكم ناصر , والرجل  معذور لأسباب شتى ! ,  تحتاج  هذه الحلقات,  فيما  لو  توسّع  بها البرنامج ,  إلى سلسلة  حلقات أخرى تتفرّع  عنها   وتندرج  ضمن  سلسلة متفرعة   أخرى  تصب  في نفس الأهداف التي أتت  منها  إحياء  ذكرى جمال عبد الناصر  رغم   محاولة  البرنامج  قدر الإمكان  ملامسته   سطح  لظروف التي أحاطت بتلك الحقبة السياسية والاجتماعية  والعسكرية   وخصوصاً  فترة   حكم  ناصر التي ملأت  سماء العرب  بالشحن  القومي  ودعوات  بعث أمجاد الأمة ....


طريقة  دعوة  برنامج   "المستقلة"   للاستفتاء  هذه ,  تحمل الكثير من الغبن  لرئيس  مصر  الذي خلف   جمال عبد الناصر  الخائن  "السادات"  , ذلك أن وجه المقارنة    معدوم  تماماً  بين الرجلين ـ ناصر والسادات ـ  كما عبّر عن  ذلك الكثير من المتداخلين , وكما قد  تجلـّى  أكثر من خلال  دعوات المشاركين بالبرنامج  لتغيير صيغة الدعوة الحالية  بصيغة أخرى  من المقارنة  تكون منصفة بحق الرجلين  تكون  أكثر  واقعية  ما بين  رجل أسس أول دولة نهضت  بالقومية العربية  ودعت  إلى تجمّع العرب  وسط ظروف غاية في الصعوبة   كانت  تعاني  منها  بلدان عربية  كثيرة  يدور في فلك أروقة  ودهاليز  قمم  إهراماتها القيادية  ذوو  أصول  غير عربيّة   تشابه  إلى  حد  بعيد هذه الظروف التي  نشهد  مآسيها  حالياً   السياسية  منها  والاجتماعية والبنيوية  في العراق "المنطقة الخضراء"  والتي  تعج  بالأغراب  من المدّعين  بعراقيتهم  وبعروبتهم  بينما  هم في حقيقتهم  ذوو  أصول  فارسيّة  مجوسيّة ويهوديّة  صهيونية ادّعت الإسلام ! بالضبط  كما كان عليه  وضع  مصر وغيرها  قبل  ثورة يوليو  "مع تحفـّظنا عن  <بعض>  الأسباب التي من الممكن  أنها صبت   في صالح الغرب  الاستعماري  جراء  تفجّر تلك الثورة !"  وما بين  رجل  افتتح  عهده بالانكسارات الحادة  التي نزلت على أمّة العرب  والتي جرّتها  تدريجياً وعلى سرعات  متفاوتة  إلى مهاوي  الرذيلة والعبودية  وشرّعت أبواب  المنطقة العربية  لزحف  كل هامّة وطامّة  وكل متردّية ونطيحة وكسيحة لافتراس كل ما هو عربي وفق خارطة طريق تشبه كثيراً  فصولها  طرق ابتلاع الهنود الحمر !  ...


البرنامج  , وكما  اتضح  ذلك من  المتداخلين  والضيوف ,  كان  بمثابة  فرصة  كبيرة  للتعبير  عمّا  تزدحم  بها  صدور العرب المملوءة  بمكابدات  الحسرات  والغيض  والحنق  حاول  البعض  من المشاركين  أن  يجدها  فرصة  ليفجّر ما  بداخله   كتعويض  عن ما  يجثم  فوق صدره  من ركام  لأنواع الذل والمهانة  والاحتقار والتشفي  التي أذاقها  له المستعمر الأشرس عبر كل التاريخ  والتي طالت  الشعب العربي من أقصاه إلى أقصاه  من  دون  أدنى  رحمة أو  أدنى شفقة  أو رأفة , بسيف أحاديّ  القطبيّة  مسلـّط  فوق رقاب العرب كشفت  دمويّته  المستبسلة  المستبيحة  للعراق ,  ما  برنامج  "حرب النجوم"   الذي بدأ بالتوسع  زمن "ريغن"  سوى برنامج   أعدّ أساساً  لإبادة  العرب  جميعاً  وبدءاً بجمجمته  ( العراق )  !  ....


الملاحظ والطريف من الأمر  في البرنامج , برنامج الثلاثاء على الأقل , وليس  غريباً  ذلك ,  أن   حسني   مبارك  كان  في هذه  الحوارات  من البرنامج  أو مع  مرور  زمن  المداخلات  , قد أهمل  تماماً وسقط ذكر اسمه  من  منضدة الحوار  ولم  نسمع  له  أيّ  دور  أو  تأثير على ألسنة المحاورين والمتداخلين  يمكن  تناوله  في البرنامج  سوى  اعتباره  لدى ذكر اسمه  همزة  وصل  لا أكثر  لاستمرار عهد الخيانة الساداتي ونتيجة  مروّعة  له , حتى  بدا  للمشاهد  وكأن وجود  الرئيس المصري الحالي  على رأس السلطة   جاء  به  الزمن  ككمالة  عدد  لحين  قدوم رئيس مصري  حقيقي ! , وقد  استشعر  ذلك  وفيق  السامرائي  فبادر  إلى  تخصيص  دقيقة  أو  نصف  الدقيقه  من آخر  وقت البرنامج   ليكيل المديح  لهذا  الطحش   العميل  الذي رمى  مصر   في  حقبة سياسية واجتماعية ونفسية  مظلمة  أحاقت  مأسيها  بالتالي على بقية الاقطار  العربية   ولتدخل  مصر  تحت  عهد  طاغوتها  هذا  حالة  من  التجاهل شبه  الكاملة  عربياً ودولياً ,  حتى كاد  اسم  مصر  يدخل  غابة النسيان  في المنطقة والعالم  فلم  يعد   يذكر اسمها  بشكل  ملفت للانتباه   إلاّ  عند  قرب انتهاء  فترة حكم أي رئيس أميركي ! ...


نأمل  من القائمين  على البرنامج  هذا  وكادر  قناة  "المستقلة"  أن يعدّوا العدّة  لسلسلة  برامج أخرى  أكثر  شمولية بهذا الخصوص تتوسع  بشيء  من التفصيل عن  حياة  عبد الناصر  لإطلاع المشاهد  العربي  على ما  أحاط  فترة حكم عبد الناصر في المنطقة العربية والعالم  من خفايا وأسرار  ذات  تأثير كبير, يكاد  يجهلها  الجيل  العربي  الحالي المغيّب ,  على  أن يعلن  عن هذا التوجّه   من ضمن  دائرة  إعلامية  عربية  تحت  شعار ( عام  عبد الناصر )  أسوة بالكثير من البرامج   المعروفة , مع الفارق  بالطبع , وبالتأكيد  ستجد  لها  صدىً  لدى بعض القنوات الفضائية العربية  بتبني  نفس الاتجاه ومنها بعض الفضائيات العراقية , على وجه الخصوص   من  التي  لا تخضع بالكامل  لإرادة  ميليشيات  المنطقة الخضراء , وأملاً  بكسر الكثير من القيود  التي  فرضت نفسها  في عصر الأحادية القطبية    كعوائق  وأسلاك  شائكة نخرت  في السلوك  الثقافي  للوجدان  العربي  وانحرفت  به   فطمّسته  أكثر وغاصت  به  إلى الحضيض من خلال ما نشهده  من التوجّهات المريبة للأغلبية الساحقة  من  قنوات العهر  الفضائي  الـ"عربي"  ذات  التوجهات  "الردحيّة"  والعولمية  الصهيورأسمالية   البغيضة  ....

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ٢٣ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٢ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م