خيار واحد لا خيارات : تعقيبًا على مقال الأستاذ وليد الزبيدي

 

 

شبكة المنصور

سعد داود قرياقوس

 

في مساهمة متميِّزة جديرة بالتوقُّف والمناقشة، قدَّم لنا الأستاذ وليد الزبيدي عرضًا لما وصفها بـ "خيارات أمام المقاومة العراقيَّة"، تتطلَّب ضرورات المرحلة "الركون إلى أحدها واعتماده في ضوء الفرز الدقيق والقراءة الموضوعيَّة للمرحلة المقبلة واستشراف أبعادها". الخيارات الأربعة تتمثَّل في: إلقاء السلاح والانخراط في العمليَّة السياسيَّة وإصلاحها واستمرار المقاومة على ما هي عليه، والخيار الأخير، خيارالمعارك الكبرى.


تكمن أهميَّة المساهمة في تناولها واحد من أكثر المواضيع أهميَّة لشعب االعراق وقواه السياسيَّة، وأعمقها ارتباطًا بنضالهم ضدَّ مشروع الاحتلال وهزيمته. ومع تقديرنا لجهد الأستاذ الزبيدي وشجاعته في معالجته موضوع مهمٍّ وحسَّاس، تجنَّب الخوض في حيثيَّاته كثير من المحلِّلين، ومع اتِّفاقنا مع بعض جوانب المساهمة، إلاَّ أنَّها تضمَّنت فجوات تستدعي التوقُّف والمناقشة.


أول ما يسهل تسجيله على المساهمة، يكمن في تبنِّيها أسلوب تعويم الفكرة، وتقديم صورة ضبابيَّة وتجنُّب تقديم موقف واضح وحاسم. فالأستاذ الزبيدي لم يحدِّد لنا فيما إذا كانت الخيارت الأربعة هي خيارات مطروحة أمام فصائل المقاومة لدراستها واختيار أحدها! أم أنَّها مجرَّد خيارت نظريَّة واجتهاد فكريٍّ منه! لا شكَّ أنَّ الأستاذ الزبيدي يتَّفق معنا على أنَّ الفرق بين الحالتين شاسع وجوهري. كان حريًّا به كاتبًا ذا خبرة متراكمة، وإعلاميًّا وطنيًَّا يعوَّل على مواقفه الإنتباه إلى هذا الجانب المهم ومعالجته بوضوح.


تعويم الفكرة، كان أكثر حضورًا في الاستنتاج النهائي للمقال حيث تجنَّب الأستاذ الزبيدي تحديد الخيار الأكثر فعاليَّة وتحقيقًا لمصالح شعب العراق بين الخيارت الأربعة. نعم، استعرض المقال مزايا كلِّ خيار وفجواته، وألمح إلى احتمال رفض المقاومة بعضها، لكنَّه تركنا حائرين عند إغلاقة أبواب المقال ونوافذه. فخلاصة المقال، تنصُّ من جانب على أنَّ "الأامور واضحة وجليَّة، والخيار الوحيد الذي يحسم قضيَّة العراق واضح إذا ما توفَّرت الإمكانات والمستلزمات الضروريَّة، طالما أنَّ الإرادة متوفِّرة والتصميم على إنجاز المهمَّة العراقيَّة راسخ لا يتزحزح." لكنَّه تجنَّب لأسباب نجهلها تحديد هذا الخيار الوحيد. ليس هذا فحسب، بل إن الأستاذ الزبيدي زجَّنا في دوامة أخرى بطرحه: "ويبقى الميدان مفتوحًا على جميع الخيارات"! لن نحاول تفسير ما عناه الأستاذ الزبيدي بهذه العبارة، لكنَّنا نعتقد بأهميَّة توضيح هذه الإشكاليَّة.


الملاحظة الثانية التي يمكن تثبيتها على المساهمة، تتعلَّق بصواب الخيارات المقدَّمة. نستميح الأستاذ الزبيدي العذر في إعادة ترتيب خياراته الأربعة، وتقليصها إلى خيارين أساسين: خيار الاستسلام والخنوع، وقبول واقع الاحتلال والمشاركة في عمليَّته السياسية. وخيار رفض الاحتلال ومقاومته والتصدِّي المسلَّح لقوَّاته، بصرف النظرعن طبيعة استراتيجيَّة المواجهة. في تقديري المتواضع، إنَّ عرض الخيار الأوَّل على فصائل المقاومة، وإن كان عرضًا مقتصرًا على الجانب النظري، مسألة غير مجدية. فالمقاومة الوطنيَّة العراقيَّة كانت وما تزال غير معنيَّة بأيِّ خيار دون هزيمة المحتلين وحلفائهم، واسترداد السيادة الوطنيَّة، وإلغاء جميع تبعات الاحتلال السياسيَّة والاقتصاديَّة. دوافع الإصرار على مقاومة الاحتلال ودحره لا تعود إلى كون المقاومة الخيار الأكثر فعاليَّة فحسب، بل لكونها تجسيدًا لإرادة شعب العراق في رفض الخنوع للإرادة الأجنبيَّة وتمسُّكه بحرِّيَّته ورفضه التنازل عن سيادته وكرامته الوطنيَّة، ودفاعه عن وجوده بصرف النظرعن الخسائرالماديَّة والبشريَّة المترتبَّة على رفض الاحتلال ومقاومته. المقاومة، بكلِّ بساطة تعكس أصرار شعبنا على العيش في فضاء الوطن بحرِّيَّة وكرامة، وعدم التخلِّي عن حقِّ اتِّخاذ قرارته الوطنيَّة، ورفضه العيش بذلَّة تحت أقدام الغزاة الطامعين. وهنا يكمن الفرق بين المقاومين ومشروعهم الوطني، والخانعين وصفقاتهم الخيانيَّة. وانطلاقًا من هذه المسلَّمة الوطنيَّة فإنَّ شعبنا ومقاومته إزاء خيار واحد فقط، خيار المقاومة الشاملة لمشروع الاحتلال ولا سيَّما مجابة قوَّاته عسكريًَّا. هذه المسلَّمة التي تمثِّل جذر قضيَّتنا الوطنيَّة لن يحيد شعبنا وقواه الوطنيَّة المتصديَّة للاحتلال عنها حتَّى تحقيق النصر. شعبنا ومقاومته الوطنيَّة إذًا إزاء خيار واحد لا خيارات كما اجتهد الأستاذ الزبيدي.


الملاحظة الأخيرة التي نودُّ تسجيلها على مقال الأستاذ الزبيدي تتعلق بالخيار الرابع. من البديهي أنَّ اختيار الاستراتيجيَّة العسكريَّة الملائمة لمواجهة القوَّات المحتلَّة وهزيمتها، قضيَّة يسيره من الجانب النظري، لكنَّها من الناحية التطبيقيَّة موضوع بالغ التعقيد، يتطلَّب دراسة متمعِّنة وقرارًا مستندًا على قراءة سليمة لطبيعة الصراع وتطوُّراته وأبعاده الإقليميَّة والدوليَّة. لقد سبق لعدد من كتَّاب المقاومة تناول موضوع استراتيجيَّة المواجهة العسكريَّة بحذر ودقَّة، واقترحوا على قيادات فصائل المقاومة أفكارًا وخيارات يقترب بعضها من تلك التي ناقشها المقال موضوع البحث.


الأستاذ الزبيدي في معرض تقديمه خياره الرابع، اقترح بشكل غير مباشر "خيارالمعارك الكبرى"، تبنِّي نموذجٍ مشابه للنماذج الفيتناميَّة والجزائريَّة والفرنسيَّة وتطبيقها في العراق. في تقديري إنَّ هذا المقترح يفتقر إلى عنصر الموضوعيَّة لأسباب لا تخفى على الأستاذ الزبيدي وغيره من المتابعين والمحلِّلين. من أهمِّ هذه الأسباب تباين طبيعة معادلة الصراع الدولي ومفرداتها، بالإضافة إلى عوامل الجغرافية السياسيَّة وتعقيدات احتلال العراق وأبعاده الإقليميَّة والدوليَّة.


نحن من المؤمنين بشكل قاطع بأن هزيمة المحتلِّين واندحار مشروعهم لن يتحقَّق إلاَّ من خلال توفُّر الشرط الأهم للهزيمة، والمتمثِّل في وحدة شعب العراق وقواه السياسيَّة، والتزامهم المطلق بثوابت المقاومة والوطن بكلِّ صلابة، والتخلَّي عن كلِّ مشاريع المساومة ومبادرات الالتفاف على المقاومة. وأهمُّ من كلِّ ذلك تحقيق وحدة الفصائل المقاومة. لا غبار في أنَّ للأحداث العسكريَّة الكبرى التي تطرَّق إليها الأستاذ الزبيدي تأثيرها السيكولوجي والتعبوي في معادلة الصراع، وعلى زيادة مستوى الضغوط الداخليَّة والخارجيَّة على الإدارة الأمريكيَّة، ودفعها إلى الانسحاب من العراق. لكن هذه "الاحداث الكبرى" في تقديرنا المتواضع، لن تتحقَّق في غياب وحدة فصائل المقاومة، ووحدة التجمُّعات والأحزاب السياسيَّة الوطنيَّة ودعمهما غير المشروط للمقاومة الوطنيَّة العراقيَّة.


ختامًا، نودُّ أن نستغلَّ هذه الفسحة لنشيد بالجهود الوطنيَّة الصادقة للأستاذ وليد الزبيدي، وتصدِّيه الصلب والشجاع لمشروع الاحتلال منذ ساعاته الأولى. فالأستاذ الزبيدي كان وما يزال صوتًا مقاتلاً في دفاعه عن قضيَّة شعبنا العادلة ومقاومته الشجاعة. كما لا بدَّ من الإشادة بموقفه النبيل والشجاع في تفقُّد عدد من الإعلاميِّين المعروفين عارضًا عليهم الانتقال إلى مسكنه حماية لهم من حقد المحتل وعملائه منذ دخول مغول العصر وعصابات الحقد الطائفي والعنصري إلى بغداد العروبة. فلهذا الموقف الشجاع النبيل، ولدفاعه الصادق عن حقوق شعبنا، نقف إجلالاً للأستاذ الوفي وليد الزبيدي.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

السبت  / ١٩ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٨ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م