النفط مقابل الأمان

﴿ الحلقة الثانية ﴾

 

 

شبكة المنصور

جاسم الرصيف

 

قبل سنوات انتشرت في أمريكا أغنية شبابية طريفة عنوانها يبدأ بصراخ عال: (هو ليتز ذا دوكز اوت)، اي: من أطلق الكلاب؟


* * *


واليوم نرى ان الاحتلالات النفطية في العراق، وبعد أن مزقت كلابها ما استطاعت تمزيقه من لحم الشعب العراقي، بحجة (الحرب الأهلية) المفتعلة تطرح مقايضتها الأخيرة: النفط لقوات الاحتلالات المشتركة مقابل الأمان، ليس للشعب العراقي، بل لمنتسبي المضبعة الخضراء الذين سوّقوا وسهّلوا هذه الاحتلالات، الذين يسعون حثيثا لترسيخها في العراق، من خلال كانتونات تجار الحروب ائتزروا ثياب الطائفية وعمّات المحاصصة العنصرية،

 

فيما يبقى الشعب العراقي طرفا ثالثا في هذه المعادلة، بلا حول ولا قوة، ومادّة للبيع، بالجملة والمفرد، مسبقا او لاحقا، مقايضة وبالإقراض والاقتراض، بعلمه ومن دون علمه، بدمه ومن دون دمه، وتحت كل الأحوال والظروف التي تشاؤها شركات.. النفط الغربية وتاجها الأمريكي.


ما دعي بالمجلس التنفيذي، او (3+1)، وهو المجلس الذي يدير مصالح شركات النفط الأجنبية، ويرضع معسكرات الاحتلالات المركبة باسم (العراق) زورا: جلال الطالباني ونوري المالكي وعادل عبدالمهدي وطارق الهاشمي، وعرابو الأجندة الأمريكية الجديدة: النفط مقابل الأمان، التي لا يمكن تحقيقها الا من خلال (الاتفاقية الأمنية) المزمع توقيعها بين المضبعة الخضراء وراعيها عميد تجار الحروب الخاسرة بوش، وقبل ان يرحل عن البيت الذي لطّخ بياضه بدماء العراقيين الأبرياء حتى دماء جنوده الذين ارسلهم (لتحرير) آبار النفط العراقي من أهلها واصحابها.


ومجلس متعددي الولاءات هذا يتكتم، تكتم المثلوم في قيمه، على البنود السرية الملحقة بهذه الاتفاقية، وما رشح عنه معروف، ولكن الأكثر من طريف وظريف في هذه الاتفاقية هو ضمان واحد من اكثر (الحقوق) إضحاكا وسخرية في عالم الدول المستقلة ذات السيادة: (حق) قوات الاحتلال في تفتيش البريد الوارد والصادر من اي فرد في العراق، و(حق) اعتقال اي عراقي بتهمة الإرهاب، و(حق) تفتيش الجميع بالسونار كاشف العورات وبغيره، و(حق) استقدام قوات مسلحة أجنبية، و(لا بأس) من قتل اي عراقي اذا اعترض على النفط لأمريكا والأمان للمضبعة الخضراء.


ومجلس عرّابي الإذلال المنظم للشعب العراقي، (3+1)، سيحيل، كما يدعي، (الاتفاقية الأمنية) الى ما هو أنكى وأسوأ منه: (المجلس السياسي للأمن)، وهو مسمّى كما ترون أطرف من الأول ، ألحقت به تزكية (الوطني) بقوّة السلاح، وتديره الأحزاب التي سوّغت وسهّلت اندلاق قوات الاحتلالات المركبة نحو العراق، كما أنه المجلس المسؤول مباشرة عن فرق الموت والميليشيات المحلية التي تتولى (النهيبة) المنظمة وغير المنظمة للنفط العراقي، كما تتولى تركيع الشعب العراقي لكل غاز أجنبي ووفق أجندة (النفط لأمريكا وايران والكوند وضباعها، والأمن لمرتزقة الحروب).


وعندما تلكأت، هذه المجالس (الوطنية) الملحقة بدوائر البنتاجون ومرافقات شركات النفط، في البصم على الاتفاقية، بدأ الطرف المتضرر من التأخير، البنتاجون، يهدد مرتزقته المحليين (بالعواقب الوخيمة) اذا لم يسارعوا إلى الموافقة على الاتفاقية ومن دون مراجعة لبنودها، اي أنه طالبهم علنا وأمام شعوب العالم كلها: بتوقيع صك انتداب و(نهيبة) لنفط العراق، وعلى بياض يكتب فيه البنتاجون ما يشاء، بضمانة وكفالة مرتزقة حروب (عراقيين) تسابقوا في تبييض مواقفهم أمام ارباب عملهم في اعلان تأييدهم المطلق لأجندة:
(النفط لأمريكا والأمان لمرتزقة الحروب).


* * *


هذه هي الصورة (المثالية) لأي دولة من دول الشرق الأوسط، نفطية او ذات موقع استراتيجي لأمريكا وهي الصورة المثالية لأجندة (النفط مقابل الأمان) التي يؤسس لها بدموية لا مثيل لها تجار الحروب، دوليين ومحليين، وقد أدخلت عليها ايران تعديلات أقرّ بأنها (ذكية) في لغم دول الخليج العربي بخلايا نائمة يمكن لها ان تستنسخ ذات الدور الذي لعبته خلاياها النائمة والصاحية ضد العراق.


لذا نرى ايران اليوم تهدد كل دول الشرق الأوسط (بالويل والثبور وعظائم الأمور) اذا لم توافق مع امريكا واوروبا على ايران نووية من خلال ذات المقايضة: (النفط ــ والمضحك هنا انها تقايض نفطها ونفوط كل الدول العربية ــ لأمريكا واوروبا والأمان.. لايران) من خلال مضيق هرمز، ومن خلال التهديد بضغط زر الحروب العنصرية الذي (جمّد) وبشكل آجل ومعلن خلاياها النائمة في كل دول المنطقة، أمّا دولنا العربية المعتدلة وغير المعتدلة فقد رضيت (سعيدة) ببيع النفط ولكنها قلقة، تنتظر الأمان من امريكا وحدها من دون شعوبها التي فقدت الأمان والنفط في آن.


* * *


وعند هذا نجد ان الإجابة الصحيحة عن سؤال تلك الأغنية الامريكية عمّن أطلق الكلاب: إنهم تجار الحروب.
* كاتب عراقي مقيم في أمريكا.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٢٨ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٧ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م