النفط مقابل .. الأمان

﴿ الحلقة الاولى

 

 

شبكة المنصور

جاسم الرصيف / كاتب عراقي مقيم في أمريكا

 

أراهن ان (99%) من العرب، ومثلهم من العالم الاسلامي، لا يعرفون ان جزءا من المخصصات التي يقرها الكونجرس الأمريكي لوزارة الدفاع الأمريكية يصرف للاستيلاء على نفط العراق.. معلومة هي حدود العهر الأخلاقي في قيمة الـ (300) مليون دولار التي خصصها البنتاجون لشراء ذمم الإعلام العراقي والعربي، ولكن رفض عميد الاغبياء العرب وغير العرب من تجار الحروب، (بوش)، لطلب قدّم له من قبل الكونجرس بعدم استعمال مخصصات البنتاجون للسيطرة على النفط العراقي، وعدم بناء قواعد دائمة في العراق، جاءت فاقعة لدافع الضرائب الأمريكي، وفاجعة صادمة للجهلة العرب، تأخر إعلانها على مدى سنوات الاحتلال حتى بانت اليوم لكل الأطراف المعنية بالعراق من كل الخنادق المحلية والاقليمية والدولية.

 

على حماقات وجشع وازدواجية ولاء كثرة من مواطني الشرق الأوسط، كبارا وصغارا، تبتكر روابط تجار الحروب المحليين والدوليين لكل حقبة حقيبة من الأجندات، غير المسبوقة، بما يعاكس اتجاهات شعوب الشرق الأوسط ويفرغها من معانيها ومبانيها في آن، واذا كان غزو العراق هو اول (نماذج) هذه الابتكارات الخارجة عن القانون الدولي والقيم الأخلاقية، وما صاحب هذا (النموذج) من دويلات تجار الحروب من فيضانات دموية على حساب إنسانية العراقيين، و(منجزات) مناجل وافران وخناجر و(دريلات) ومتفجرات الطوائف وعنصرية القوميات التي تقودها قوات الاحتلال المشتركة، فقد أغطس وغيّب، عن عمد، واقع الأجندة الأساسية التي تسيّر جميع دول وشعوب الشرق الأوسط، واولها العراق، اليوم:


النفط مقابل.. الأمان.


وهذه الأجندة المستعارة عن نجاح أجندة (النفط مقابل الغذاء)، التي أوهنت جيشا عربيا كان يعد خامس اقوى جيش في العالم، ودولة عربية لم تظهر فيها جرائم حروب مثل تلك التي ابتكرتها لنا قوات الاحتلالات المشتركة، وهذا ما مهّد لغزوها واحتلالها وهي في اضعف حالاتها، فإن الأجندة الجديدة (النفط لأمريكا مقابل الأمان لتجار الحروب) هي: المعادل الموضوعي البديل لمشروع دويلات (الشرق الأوسط الكبير)، الذي اسقطته المقاومة الوطنية العراقية، هذه المقاومة التي بدلا من أن تشكرها الدول العربية وغير العربية وتدعمها علنا وصراحة عمّا أنجزته لها ومن دون مقابل من تجنب مصير دموي كمصير العراق، راحت هذه الدول ترضع الحماقة التأريخية مع (حسنات) أمريكا المالية و(فضلات) تجار الحروب في المضبعة الخضراء ضد الشعب العراقي.


ربما غابت عن ذاكرات العرب، وغير العرب في الشرق الأوسط، صورة «العجوز« المهزوم رامسفيلد في اوائل أيام الاحتلال وهو يخاطب، باستعلاء وغرور مضحكين، دول العالم، منتشيا بوهم (النصر)، كمن يخاطب عمّال بطاطا كسالى لا يستحقون ان يكافأوا من قبل مالك كل شيء في مزرعته التي ورثها بقوّة السلاح وقوّة الإفلاس الأخلاقي: العراق وجميع دول الشرق الأوسط.


وربّما نسوا، كعادة شعوبنا، عنجهية بوش التي تعامل بها مع الدول التي لم تسانده على غزو العراق.
ولكن الأيام تترى على عنجهية التهمتها ضربات المقاومة العراقية عرّت وبوضوح نفي امريكا في حينها انها غزت العراق للاستيلاء على نفطه فقط، واذا بالأيام الأمريكية نفسها، ومن دون اكراه، توثق ومن أعلى سلطاتها بتحميل تجار الحروب في ادارة بوش فيها وزر مقتل اكثر من مليون عراقي وتهجير اكثر من ستة ملايين لاجئ، ولكن بعد ان انزلت جريمة غزو العراق امريكا الى ما دون حضيض السمعة في كل انحاء العالم، لذا بدأ الكونجرس الأمريكي، متأخرا، يحاول معالجة هذه الخطورة في تجارة (النفط مقابل الأمان)، فطلب إلى راعي الحروب الخاسرة ان يتوقف عن الاستيلاء على النفط العراقي لأن المنطقة كلها، حتى أمريكا، فقدت الأمان من جراء هذه الأجندة الدموية، كما طلب الكونجرس إلى بوش ان يتوقف عن بناء القواعد العسكرية الدائمة، بنقود البنتاجون، بعد ان طالبته اكثرية الشعب الأمريكي بالرحيل العاجل عن العراق، ولكنه رفض بعنجهية الأحمق الموهوم.


مازالت دماء عرب العراق، سنة وشيعة، ساخنة في ذاكرات العراقيين، وكل شعوب العالم، تحت مسمّى (الحرب الطائفية) التي قادتها فرق الموت، وجميعها تابعة لقوات الاحتلالات المشتركة، ومازالت قبور اكثر من مليون عراقي شاهدا على اكبر جريمة استهل بها عصر أمريكا في عهد بوش مع خيام ملايين من العراقيين هجّروا أو هاجروا ليخلوا الطريق أمام تجار حروب المضبعة الخضراء للاستيلاء على النفط العراقي، وكانت وزارة النفط الهدف الأول في طريق الغزو، للتذكير، ومازالت الهدف الأدسم الأول الذي يحرص تجار الحروب الدوليون والمحليون على رضاعته، حتى ان حقيقة تفرض نفسها على واقع الحال العراقي تفيد:


اذا توقف النفط العراقي زالت الاحتلالات.


وعندما يتنفس المواطن العراقي نسمة: (صار الأمن أفضل)، فالواعون يعرفون ان هذا المواطن دفع ثمن هذا (الأفضل): سبعة ملايين عراقي بين شهيد ومهاجر ومهجر، اي ما يعادل ربع الشعب العراقي، في تجربة (النفط مقابل الأمان)، وانه اذا شاء المزيد من (الأمان) فعليه ان يوافق على دفع المزيد من النفط المنهوب بأبخس الأسعار، من خلال (الاتفاقية الأمنية) التي مازالت طبول تجار الحروب المحليين والدوليين تصدّع آذاننا للقبول بها، على محاولة ايهامنا بأنها ستحقق (الأمان) في العراق، وفي حقيقة أمرها أنها ستحقق الأمان لتجار النفط الأمريكان والمرتزقة المحليين حتى عام (2011)، ريثما تجهّز لنا عصابات النفط حقيبة جديدة لحقبة جديدة من أجندات الاستتزاف اللاأخلاقي لثرواتنا الوطنية حتى قيمنا التي صار النفط من اكثر الأخطار التي تهددها بلا حدود.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٢٨ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٧ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م