لأن المقاومة العراقية كسَّرت قرون الثور الأميركي
فإذا خارت قوى الثور فلا تدعوه يلتقط أنفاسه

 

 

شبكة المنصور

حسن خليل غريب

 

منذ نجاح اليمين الأميركي المتطرف في الاستيلاء على السلطة في الولايات المتحدة الأميركية، تحوَّلت أميركا إلى ثور هائج حسب نفسه أنه سيطيح بكل مصارعيه على الحلبة الدولية، واستمرأ سرعة الانتصار في بلاد البلقان في ظل غياب الاتحاد السوفياتي، ومن بعدها سرعة الانتصار في أفغانستان مرتداً على حلفائه الذين أرغموا الاتحاد السوفياتي على الانسحاب منها تحت ضربات رجال حرب العصابات. وراح يكمل الشوط في العراق، الذي كان يحكمه نظام حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أظهر كل أنواع الممانعة للمشروع الأميركي الصهيوني، وأعدَّ العراق لكي يكون حصناً منيعاً في وجه ذلك المشروع.


في العراق، بداية، غرزت المقاومة العراقية جنازير دبابات الاحتلال في رمال متحركة، فلا هي تتقدم بأهداف مشاريع الاحتلال، ولا هي بقادرة على التراجع، فواجهتها عقدة هزيمة أكبر جيش في العالم.


كان من أبرز معالم المأزق الأميركي، أن المقاومة الوطنية العراقية لم تمنع الاحتلال من سرقة ما تريد سرقته من بترول العراق فحسب، وإنما جعلته يدفع ثمن وجوده دماً غزيراً من دماء الشبان الأميركيين أيضاً.


لم يصدق العالم أن فاتورة الاحتلال ستضع الولايات المتحدة الأميركية أمام مرحلة استنزاف مادي هائل، وأن هذا الاستنزاف سوف يؤثر بشكل سلبي كبير على عجلة الاقتصاد الأميركي، إلى أن حصل ما حصل، وكان الثالث عشر من أيلول من العام 2008، بداية الانهيار الاقتصادي الكبير.


وإنه كما أن الاحتلال الأميركي دأب على تجهيل دور المقاومة الوطنية العراقية في مواجهته التي وضعته على حافة الانهيار العسكري، راحت إدارة جورج بوش تعمل على تجهيل دورها في وضع الولايات المتحدة الأميركية على حافة الإفلاس الاقتصادي. وحمَّل جورج بوش مسؤولية الانهيار لأصحاب «عمليات الاحتيال» التي مارستها المصارف الأميركية، متناسياً أن عصبة من لصوص إدارة اليمين الأميركي المتطرف نفسها، ليعلق في رقبته وزر ذلك الانهيار.


لقد قدّمنا لمقالنا بما سبق قوله لكي تشكل مدخلاً للإعلان عن أن الثور الأميركي الهائج قد تكسرت قرونه، وليس أكثرها إيلاماً انكسار «القرن الأميركي الجديد». وجاء هذا الانكسار على أيدي أبطالنا في المقاومة الوطنية العراقية الذي على العالم الناقم على نظام الرأسمالية الأميركية أن يدين بالاعتراف الصريح بهذه الحقيقة. وإن هذا الأمر يدفع بنا إلى مخاطبة أحبائنا في المقاومة أن يتأكدوا أن النصر أصبح بين أيديهم، وأن يتابعوا ما هم بادئين به بمعرفة أن الثور الهائج قد خارت قواه وأن لا يأمنوا لواقع حاله، وأنه يأخذ استراحة يلتقط فيها أنفاسه، ولذلك نرى أن من أهم ما يأمل به، هو الحصول على عطف العالم كله من أجل إنقاذه من ويلات الإعصار الاقتصادي الذي لاقى اهتماماً جامعاً من دول المنظومتين الرأسمالية ومما تبقى من المنظومة الاشتراكية.


فتحت حجة إعطاء الأولوية لإنقاذ الاقتصاد العالمي قد يشيح المجتمع الدولي بوجهه، حتى المناهض منه للرأسمالية الأميركية ومشاريعها، عن الساحة العراقية، ويخفضون من مستوى اهتمامهم بما يجري عليها.
ورداً على هذا الواقع نرى أنه كما ابتدأت المقاومة الوطنية العراقية نضالها ضد الاحتلال من دون نصير فإنها ترى نفسها الآن في واقع مماثل، السبب الذي يدفعها إلى مواصلة زخمها وزيادة منسوبه في الأشهر القليلة القادمة. وكل ذلك من أجل هدفين أساسيين، وهما: منع الثور الأميركي من التقاط أنفاسه أولاً، وثانياً، من أجل فرض نفسها عاملاً أساسياً في صياغة مستقبل العالم الجديد، من أجل شد أنظار الدول التي انهمكت بمداواة جروح الإعصار الاقتصادي الثخينة وكسوره المؤلمة.


كنا قد أصدرنا كتاباً، في حزيران من العام 2004، تحت عنوان «المقاومة الوطنية العراقية: الإمبراطورية الأميركية بداية النهاية»، وأصبحنا اليوم على قناعة بأن هذه الإمبراطورية أصبحت على عتبة «نهاية النهاية» بفعل نضال تلك المقاومة. وإن ذلك أصبح مسنوداً بما يلي:


1-مارست القوى الدولية، الممانعة للحرب ضد العراق، في العام 2003، سياسة «اليد التي لا تستطيع عضَّها، قبِّلها وأدع عليها بالكسر»، فاستجابت المقاومة الوطنية العراقية لهذا الدعاء على الرغم من أن أحداً لم يقدّم لها حجراً لتكسر به اليد الأميركية الغاصبة والمعتدية.


وكل ما أنتجته تلك المرحلة هو أن العالم، وعلى رأسه الأكثرية من الشعب الأميركي، هو أنه ضاق ذرعاً من عدوانية الولايات المتحدة الأميركية، و على الرغم من ذلك فقد وفَّرت الدول الممانعة غطاء شكلياً للاحتلال الأميركي ممثلاً بالقرار (1546). ولكنها لم تقدِّم، باستثناء المؤسسات العالمية الأهلية والمدنية، أي دعم حتى إعلامي لتلك المقاومة. وكانت كل مراهناتها أن تقف في وسط الطريق تراقب ميزان القوى في الصراع بين المقاومة والاحتلال.


2-إن القوى الدولية اليوم، بعد 13 أيلول/ سبتمبر، تقف منشدَّة إلى معالجة الإعصار المالي الذي يعصف في شوارع العالم كله، وليس في شوارع «وول ستريت» الأميركية وحدها، ويخشى معها من أنها قد تضع احتلال العراق وراء ظهرها، أو هي ربما لا تزال تراهن على جهود المقاومة الوطنية العراقية وحدها.


فسيان نسيت تلك الدول أن من واجبها أن تساعد المقاومة التي كسرت «القرن الأميركي الجديد»، أم أنها لم تنس، تبقى المقاومة الوطنية العراقية صاحبة الرسالة الإنسانية الأولى في التسريع برحيل الاحتلال عن أرض العراق. وهذا ما تعمل تلك المقاومة على هديه وخطاه.


3-إن العالم اليوم، ومنه النظام العربي الرسمي، بانتظار ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات الأميركية القادمة، تقوم بلعبة تجميع الأوراق من أجل تدعيم شروطها في صياغة عالم جديد، ومنه صياغة واقع جديد في الوطن العربي وفي الإقليم المجاور للعراق.


إن الاستراتيجية الأميركية القادمة، بعد الانتخابات الأميركية، ستكون مختلفة تماماً عن مرحلة استراتيجية «الصدمة والترويع»، و«الفوضى الخلاقة»، و«تصدير الديموقراطية الأميركية الليبرالية» بقوة السلاح، وحلم «القرن الأميركي الجديد». وستشهد المرحلة القادمة بعد انهيار استراتيجية «اليمين الأميركي المتطرف أو الجديد»، متغيرات كثيرة ومتشعبَّة بعد التداعيات الكبرى التي حصلت بدءاً من مرحلة استنزاف أميركا المعنوي والعسكري والمادي في العراق، وانتهاء بتداعيات الاقتصاد التي هزَّت ليس الولايات المتحدة الأميركية فحسب، وإنما طرحت مصير النظام الرأسمالي بمجمله أيضاً.


إنها مرحلة التقاط الأنفاس للولايات المتحدة الأميركية، كما هي مرحلة إعداد جداول الحسابات للعالم كله، إنها مرحلة استرخاء وتهدئة تسبق جولة «الماراتون» العالمي القادم. لذلك فلا نجد لحركة النظام العربي الرسمي تجاه حكومة العمالة في العراق ما يدعو إلى الخوف أكثر مما يدعو للأسف.


فيه ما يدعو للأسف، ونحن نرى أن حالة الخنوع والاستسلام العربية الرسمية لا تزال مستمرة أمام «صولجان» إمبراطور أميركي خائر القوى، منزوع الأنياب والمخالب، يستجدي عطف الدول ورأفتها، لكي لا تدع «لئيم قوم قد ذُلْ» فريسة أمام غوائل الدهر التي ارتكبتها يداه.


وفيه ما يدعو للأسف أيضاً أن الجوار الإيراني لم يظهر منه ما يدل على أنه قد تعلَّم الدرس. وليس فيه ما يظهر أنه قد تأكَّد من أن النزعة الإمبراطورية في التوسع، حتى ولو على حصان مذهبي، قد ولَّى عصرها، وأصبحت ذكرى أليمة من الماضي القريب أم البعيد.


وفيه ما يدعو للأسف أن تكون بعض الأوساط السياسية العربية، والأوساط المثقفة العربية، لا تزال تصر على التفكير والنظر إلى الأمور بمقاييس مجتزأة، وبعيون حولاء، وبتقية سياسية، وبمواقف تبريرية تحكمها مراحل وظواهر سياسية مؤقتة فيها من السُمِّ أكثر مما فيها من الدسم.


وحدكم أنتم أيها المقاومون الأبطال، خاصة على ضفاف الرافدين، وفي الأهوار، وفي معظم مدن الشمال العراق وقراه، تبقون ليس أمل العراقيين فحسب، بل أمل العرب، ليمتد إلى أمل للعالم الحر أيضاً.


نقولها، وكلنا ثقة، أن الثور الأميركي الهائج قد خارت قواه، وأن له استراتيجية جديدة سيفرضها العالم عليه، سواءٌ أوصل الرئيس الديموقراطي، أم وصل الرئيس الجمهوري، لأن الانهيار الاقتصادي لن يترك له خيارات أخرى للانسحاب من العراق كأحد أكثر المهمات استعجالاً لمعالجة ما تعرَّض من كسور سياسية واقتصادية وعسكرية.


ولهذا من أجل تسريع الانسحاب لا تتركوا الثور الأميركي حتى ولو كان ديموقراطياً فترة من الراحة أو الاسترخاء، فلعابه يسيل أمام إغراءات نفط العراق وموقعه الاستراتيجي إذا ما وجد أن بقاءه فيه لن يكون كثير الكلفة والثمن.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٢٨ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٧ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م