مسيحيون ولكن عرباً

 

 

شبكة المنصور

بقلم المحامي حسن بيان

 

الحملة التي تعرض لها مسيحيو العراق في الاونة الاخيرة وخاصة في الموصل والحوض الجغرافي لمحافظة نينوى،لم يكن المشهد الوحيد الذي ينم عن استهداف مكون أساسي من مكونات الشعب في العراق.فقبل هذا الذي جرى في الموصل من خطف وقتل ودفع للتهجير،كانت كنائس في بغداد عرضة للاعتداءات كما خطف رهبان وقساوسة ومواطنين عاديين،منهم من جرت تصفيتهم ومنهم من لا يزال مصيره مجهولاً،وقبل كل ذلك،فإن العراق يعيش تحت وطأتين،وطأة الاحتلال الجاثم على ارض العراق،ووطئة الاثارات والصراعات المذهبية التي احدثت فرزاً بين المناطق والمكونات البشرية ذات الانتماءات الدنينة والمذهبية المتمايزة وبرعاية هذا الاحتلال.

 

واذا كان من سياق من هذا الذي يتعرض له المسيحيون في العراق،فإنه بطبيعة الحال لا يخرج عن السياق العام لمخطط الذي يستهدف العراق وأياً تكن الاطراف التي تنفذ هذه الافعال الاجرامية على الارض.

 

فالعراق عندما احتل وقوَضت مؤسسات دولته وفرض التطييف المذهبي على حياته العامة،فإنما كان يهدف اسقاط ليس وحدة العراق الوطنية مؤسسات دولة وحسب،بل أيضاً اسقاط الوحدة المجتمعية التي كانت حالة متميزة بالقياس الى مجتمعات عربية اخرى تتشكل من مكونات ذات تعددية في انتماءاتها الدينية،وهذا الاسقاط لوحدة العراق الوطنية لا يستقيم الا اذا جرى تفتيت نسيجه المجمتعي وتحويله الى مجموعات طائفية خائفة من بعضها البعض ومتناحرة فيما بينها،ومن لم يستطع ان يبقى في ظل هذا الواقع ليس امامه الا الرحيل.

 

واذا كانت الانظار تتجه الى تحميل الحالة السياسية الكردية مسؤولية ما يتعرض له مسيحيو العراق في المناطق الشمالية،فإن ذلك ما كان ليتم لولا رعاية الاحتلال ولولا تواطء كل القوى التي يناط بها ادارة الشأن العراقي في ظل الاحتلال.

 

ولهذا فإن النظر الى ما يتعرض له هذا المكون البشري من مكونات الشعب العربي،يجب ان يخرج اطار تحقيق مصالح فئوية ذات نزعة انفصالية وحسب،بل يجب وضعه في سياق المشروع الهادف الى اكمال حلقات مخطط ضرب الوحدة الوطنية العراقية واسقاط عروبة هذا البلد.

 

وان ما يدعو للاسف ان التعامل مع هذه القضية لم يرتق الى مستوى الخطورة التي يجسدها،والاسف الاكبر،ان التحرك السياسي المضاد ما يزال خجولاً ان لم يكن تسللاً في بعض الحالات.

 

ان التصدي لحملة التعرض لمسيحيي العراق،يجب ان لا تأخذ طابعاً دينياً وكما يظهر من ردود الفعل وان لا يكون من الخط الاكثري وهو الاسلامي في هذه الامة،بل يجب ان يكون التصدي،تصدياً قومياً اداة ومضموناً حتى تكون العروبةهي الضامنة لكل ابنائها على اختلاف انتماءتهم الدينية.

 

ان المسيحيين في العراق كما في الاقطار العربية الاخرى،وان كانوا اقل عدداً من المسلمين الا انهم ليسوا اقلية في انتمائهم الوطني والقومي،ولهذا يجب الاقلاع عن التعامل مع ما يتعرض له المسيحيون في العراق بأنهم اقلية دينية،اواهل ذمة بل يجب النظر اليهم بأنهم من المكونات الوطنية الاساسية للشعب في العراق وانتمائهم الى عروبتهم هو فوق اي التباس.

 

صحيح ان في العراق مسيحيين بإنتمائهم الديني،لكن الاصح انهم عراقيون في انتمائهم الوطني وعرب في انتمائهم القومي وان وطنيتهم وعروبتهم ما كانت يوماً موضع شك او التباس ومنهم من لعب دوراً مميزاً في حركة النضال الوطني ضد الاستعمار على تعاقب مراحله ومنهم من وقف الوقفة الوطنية المشهودة ضد الحصار والغزو والاحتلال والكل يتذكر مواقف الكادرينال بداويد وصمود المناضل الوطني والقومي اسير الحرب طارق عزيز.

 

وحتى لا تضيع المسؤولية ويجهل الفاعل عن هذا الفصل الجديد من المخطط الاستعماري ضد العراق فإن اميركا كسلطة احتلال تتحمل المسؤولية السياسية والاخلاقية والقانونية عما تعرض له هذا المكون البشري الاساسي من اهل العراق، برعايتها لهذا العمل الاجرامي الذي تريده ان يكون مكملاً بنتائجه لما بدأت به بعد احتلالها للعراق وثأراً من مواقف هذا المكون الوطني الذي كان ضد الحصار والغزو والاحتلال.

 

ان العروبة كانت ويجب ان تبقى حاضنة لكل ابنائها واختبارها الجديد اليوم هو ارض العراق الذي تتصدى مقاومته للاحتلال الاميركي وعملائه وبإنتصارها في هذه المعركة لا تنتصر لمسيحيين في العراق بل تنتصر لنفسها لان المسيحيين كانوا ومازالوا وسيبقون عرباً لعبوا دوراً في نهضة هذه الامة واليهم يعود الفضل في تأسيس حركة النضال القومي.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الخميس  / ٠١ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٣٠ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م