الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

المقاومة الوطنية العراقية
المشروع العابر للطوائف والمناطق

 

 

شبكة المنصور

بقلم المحامي حسن بيان

 

 ما اعتدنا يوماًعند التطرق الى القضايا الوطنية،ان نلجأ الى استعمال المفردات ذات المدلول الديني او الطائفي او المذهبي،لأن هذا بعيد عن قناعاتنا في لغة خطابنا السياسي وفي التعبير عن الفكر السياسي الوطني والقومي وكنا نحاذر دائماً الاستدراج الى هذا المضمون من المخاطبة السياسية،

 

لاننا كنا وما زلنا  وسنبقى نعتبر ان ادارة النقاش السياسي حول قضايا وطنية وقومية بالاستناد الى رؤى مكونات دينية او طائفية او مذهبية هو وقوع في فخ منصوب دائماً للنزول تحت سقف الخطاب الوطني الى مقرعميق تنعدم فيه الرؤى الوطنية الجامعة والشاملة،وتحل محلها مفردات خطاب طائفي ومذهبي،يتعايش اصحابه لحظات ويتناحرون دهوراً.

 

لكن عدم الدخول في السجال السياسي استناداً الى مفردات المكونات الطائفية،انسجاماً مع القناعات الفكرية والالتزام السياسي الوطني والقومي،لا يعني ان الواقع الطائفي غير موجود،واذا لم يكن موجوداً في مكان معلن فالعمل جارٍ لايجاده ورسم معالم سياسة لحدوده وادوار قواه.وهذا ينطبق بطبيعة الحال على العراق الذي ينتمي بحكم واقع التاريخ والجغرافية الى الامة العربية،وهو في تكوينه البشري يضم تلاوين مختلفة من مكونات شعبية تتمايز قومياً نظراً لوجود اقليات قومية واهمها الاقلية الكردية،فضلاً عن تعددية دينية،ومن ثم تعددية مذهبية واذا كانت المسألة الكردية قد فرضت نفسها في الواقع العراقي في وقت مبكر لاسباب بعضها ذاتي،والبعض اخرى  تدخل خارجي في شؤون العراق عبر توظيف الورقة الكردية في الضغط على الداخل،فإن المسألة الطائفية التي كانت نائمة كمظهرية سياسية ناتجة عن وجودها في مرحلة ما قبل حصول التغيير في ايران نهاية السبعينات الا انها اكتسبت حيوية دافعة لها بعد الحدث الايراني وبلغت عملية التسييس الطائفي للمكون الشعبي العربي مرحلة متقدمة جداً مع المقدمات العملانية التي سبقت غزو العراق وكرست عملياً كواقع سياسي في ظل الاحتلال الذي ما يزال يرخي ثقله على الواقع المجمتعي العراقي.

 

ففي المقدمات التي سبقت الغزو ومن ثم الاحتلال صار التعاطي مع المكون الشعبي العراقي على انه مكون مثلث التركيب،واضلع هذا المثلث،السنة والشيعة والاكراد.وعلى هذا الاساس وضعت الاسس لاعادة تركيب كعراق ككيان وطني،بعد تفكيك عراه الوطنية واسقاط كل مؤسساته الوطنية الارتكازية.

 

ضمن هذا السياق جاء قرار الحاكم الاميركي بريمر،وضمنه ايضاً وضعت اسس النظام السياسي الذي يقوم على المحاصصة القومية بالاشارة الى الاكراد والمحاصصة الطائفية بالاشارة الى السنة والشيعة،ومع التحفظ على نسب التوزيع السكاني بحسب الانتماء القومي او الطائفي،فإن الشيعة اعتبروا اكثرية على المجموع السكاني العام،وبهم انيطت المواقع المقررة في هرمية السلطة وخاصة التنفيذية منها وان ما يطلق عليه العملية السياسية التي تنظم وتدار في ظل الاحتلال انما تتم على قاعدة هذه المحاصصة اي بمعنى آخر،ان العراق يحكم عملياً من قبل الاحتلال ونظرياً من قبل ادارة محكومة بنظام الطائفية السياسية.

 

بعد خمسة اعوام ونصف على الاحتلال ومع بدء السجال السياسي حول المدى الذي ستبقى فيه قوات الاحتلال في العراق ووفق اية ضوابط،والنقاش السياسي حول تعديل الدستور وقانون الانتخابات فإن ثمة مسائل اساسية لا بد من التوقف عندها:

 

المسألة الاولي: ان مشروع مقاومة الاحتلال بحكم الظروف المحيطة بوضع العراق قبل الاحتلال وبعده،كانت ارضيته الجغرافية الفعلية في مناطق الانتشار السكني للسنة،وان المناطق الاخرى وخاصة في المراحل الاول الاحتلال،لم تكتف بالتفرج بل مارست بعض القوى السياسية ذات التركيب العقيدي المذهبي وذات الصلات بالخارج وخاصة الايرانية منهاعدائية ضد القوى والعناصر المقاومة للاحتلال وضد المناطق التي كان مزاجها الشعبي يمانع الاحتلال ويتجه للانخراط في فعاليات المقاومة.ومع ان القوة الاساسية في المقاومة هي وطنية التركيب البنيوي ووطنية الخطاب السياسي الا انه لا يخفى ان قوى اخرى مارست الفعل المقاوم استناداً الى مذهبية في تكوينها البنيوي وطائفية  في خطابها السياسي،وهذا ما جعل المقاومة العراقية تواجه بالاضافة الى قوى الاحتلال والقوة المتلاقية موضوعياًمعه،تعقيدات داخلية ان بسبب ظروف العمل الصعبة في بعض المناطق وان بسبب طائفية خطاب بعض القوى المقاومة،ولهذا بدت المقاومة وكأنها"سنة" لجهة تركيبها البنيوي وسنية التموضع والانتشار الجغرافي.

 

وعلى اساس هذا التموضع السياسي والمكاني والجغرافي لم تأخذ المقاومة بعدها الوطني الواضح،وهذا كان من اكبر التحديات التي واجهت وما تزال المقاومة،بحيث ان الاحتلال بما هو تجسيد لمشروع يستهدف كل مقوماته اقتصرت مقاومته او على الاقل بانت مقتصرة على ضلع واحد من مضلعاته الثلاث الاساسية.

 

المسألة الثانية:  اذا كانت عملية تحرير العراق من الاحتلال،واجهت تعقيدات وصعوبات للاسباب التي جرت الاشارة اليها،فإن حكم العراق وان في ظل الاحتلال،لم يكن اقل شأناً في مواجهة تحديات وصعوبات اعترضت المنظومة السلطوية التي انيطت بها ادارة شؤون البلد وهو تحت الاحتلال وقد بدا واضحاً انه ومنذ اللحظات الاولى التي وقع فيها العراق تحت الاحتلال،اتجهت الامور نحو تكريس ارجحية الموقع المقرر في هرمية السلطة للمكون السياسي ذي التركيب البنيوي الشيعي بكل اطرافه مع امتياز لاصحاب العلاقات المميزة مع اميركا والنظام الايراني.هذا المكون السياسي ذي الارجحية في"التقرير السياسي" تحالف مع "الحالة السياسية" الكردية بثنائيتها "البرازاينةوالطالبانية".

 

وظهر جلياً،ان كل القرارات التي كانت تتخذ لجهة ادارة الموضع السياسي كانت محكومة بهذا التناغم الايجابي بين الطرفين خاصة وان كل منهما بدا وكأنه يسير في اتجاه تثبيت الامتيازات السياسية التي وفرها واقع احتلال العراق وبما يرضي نوازع وطموح كل منهما.هذه الثنائية التي كانت تمرر خياراتها في مرحلة اعتبرت اولية لاعادة تركيب العراق كياناً ونظاماً وسلطة،كان الحضور السياسي "للسنة"في تحديد اتجاهات المسارات السياسية هامشياً،لأن من اعتبر ممثلاً للسنة في العملية السياسية،لم يكن بعيداً عن املاءات الاحتلال،لأن اعتراضه الذي كان يبرز بين الفينة والاخرى،كان اعتراضاً خجولاً ولم يكن ذو تأثير وفعالية،كما الاعتراض الكلامي الذي كان يمارسه من كان يصنف نفسه بأنه ضد الاحتلال الاميركي من المكونات السياسية ذي التركيب البنيوي الشيعي.

 

ومع ان الاحتلال والقوى التي منحت صلاحية امساك مفاصل السلطة السياسية والامنية،سعت الى مشاركة سياسية لكل الاطياف السياسية الطائفية العراقية،الا ان عدم فعالية الحضور السياسي"للسنة" شكل مأزقاً وعاملاً حقيقياً لمن انيط بهم ادارة الحكم في ظل الاحتلال .

 

وبالتالي بدا جلياً،ان العراق لا يمكن ان يحكم وتستقر اوضاعه السياسية  الا اذا كان"للسنة" تمثيل سياسي فاعل في بلد يعاد تركيبه على اسس الطائفية السياسية.ولذا فإن مسيرة الحكم تعثرت لأن مكوناً اساسياً ما يزال بعيداً عن الانخراط الفعلي في صناعة وصياغة القرارات السياسية الكبرى.

 

المسألة الثالثة:  اذا،كانت مقاومة الاحتلال واجهت صعوبات لافتقار فعاليتها بشكل رئيسي على مناطق دون اخرى وغالبيتها يسكنها مكون بشري ذي انتماء طائفي محدد،واذا كانت العملية السياسية لحكم العراق واجهت وتواجه تعثراً وصعوبات بسبب ارتكازها بشكل رئيسي على ضلعين اساسيين فقط من مكونات الشعب في العراق،فإن العائق الثالث الذي يواجه اعادة تركيب العراق كياناً وطنياً موحداً،هو النزوع السياسي لدى الحالة السياسية الكردية بطرفيها البارزاني والطالباني،لتكريس واقع دستوري وقانوني يسير منحاه التصاعدي نحو تكريس انفصال "استقلالي".

 

وهذه الحالة السياسية الكردية التي تناغمت مع من اعتبر اكثرياً قبل الاحتلال وبعد المراحل الاولى منه،فإنها حاولت توظيف هذه العلاقة لتحسين مواقعها في هرمية ومفاصل السلطة من ناحية،وتكريس الحالة التي برزت ابان المراحل  الاولى من الاحتلال كحالة نهائية ورسم حدود الدولة المستقبلية،والاستناد الى هذين المعطيين،لتوسيع مناطق النفوذ والتأثير عبر امتلاك ورقة الفوز الكبرى التي من خلالها يمكن الضغط على الوضع العراقي الداخلي برمته كما على الوضع الاقليمي المحيط.ولهذا احتلت كركوك اهمية استثنائية في تجاذبات تأثير قوى الداخل والخارج.

 

ويبدو ان "الحالة السياسية" الكردية التي تناغمت مع من اعتبر قوة اكثرية،عادت تتصادم معه،لانه اعتبر نفسه معنياً بإعادة تركيب العراق كياناً وطنياً موحداً،اياًَ كانت متانة او رخاءه عرى وحدة  هذا الكيان.ولهذا نظراً الى قضية كركوك بانها القضية المفتاح  نحو السير بها الى اعادة توحيد العراق او الى السير طريق تفكيكه بما هي عنوان سياسي ستحدد مصير العراق،وان  بقاء العراق موحداً والاكراد جزء منه رهن بعدم تمكين الحالة السياسية الكردية ذات النزعة الانفصالية من جعل كركوك ضمن مديات السلطة السياسية الكردية.وانه اذا اصبح الخيار الحاسم لاكراد العراق في ظل الحالة السياسية المهيمنة  حالياً،هو خيار السير نمو الانفصال وهو خيار ليس محسوماً لانه محكوم بمقاومة عناصر الداخل العراقي وعناصر القوى الاقليمية المحيطة،فإن وحدة العراق ستكون محفوفة بمخاطر جدية،لأن العراق الموحد بعربه واكراده لن يبقى وحدة كيانية وطنية اذا ما سلخ اي جزء منه وخاصة شماله.

 

من هنا،فإن العراق ومن خلال المعطيات التي برزت وظهرت حتى الان،يتبين انه لن يحكم حكماً دون"السنة" في المدلول السياسي ولن تأخذ عملية تحريره مدياتها الكاملة والناجحة دون الانخراط الفعلي"للشيعة"وايضاً بالمدلول السياسي،ولن يتوحد توحداً وطنياً فعلياً دون يكون المكون الكردي عنصراً فاعلاً في اعادة  بناءهذا التكوين الوطني وبعد اسقاط اي خيار انفصالي تقسيمي لديه.

 

ومن هنا فإن الكلام عن استعادة العراق واحداً موحداً حراً متحرراً،لا يستقيم عبر تشخيص الواقع وحسب،بل بتوافر الاداة القادرة  على انجاز هذه المهمة الوطنية،والاداة القادرة هي تلك التي تكون عابرة للطوائف في تركيبها البنيوي وعابرة للمناطق في انتشارها الجغرافي.انها الاداة ذات التركيب الوطني كبنية تنظيمية،ومضموناً سياسياً وانتشاراً مناطقياً،وان المقاومة الوطنية بما تمثل وبما تحمله من مشروع سياسي تشكل ركيزته الاساسية لحمل لواء هذا المشروع الوطني والكبير،واليها يمكن ان يرفد كل فعل وطني يقاوم او يعارض الاحتلال وكل فعل وطني يقاوم ويعارض تطييف الحياة السياسية،وكل فعل وطني يقاوم ويعارض اي محاولة لسلخ اجزاء من العراق تحت مسميات مختلفة.

 

اما اذا بقي الرهان على القوى الطائفية وذات النزعة الانفصالية،فإن هذه القوى لن تتمكن من اعادة العراق بلداً موحداً حتى ولوخلصت النوايا او تلى بعض هؤلاء فعل الندامة،لأن القوى الطائفية هي تقسيمية بطبيعتها،ومن كان كذلك لا يمكنه ان يكون مؤهلاً ليشكل رافعة لمشروع وطني بأبعاد تحريرية ومضامين وطنية توحيدية.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٢٢ رمضــان ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٢ / أيلول / ٢٠٠٨ م