العالم .. امريكا الى اين ؟

 

 

شبكة المنصور

د فيصل الفهد

 

تفاقمت الأزمة المالية أثناء الأسابيع الأخيرة حيث،تتعاظم الأحداث في العالم ويتداخل بعضها مع الآخر إلى درجة قد يصعب على كثيرين فهمها بل وكيفية التعاطي مع إفرازاتها ، وهو ما انعكس في استيلاء بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على عدد من المؤسسات غير الحكوميه وهو ما قد يكلف دافعي الضرائب الأمريكيين مئات المليارات من الدولارات ـ فضلاً عن إفلاس عدد كبير غيرها. وهذه الإخفاقات المالية تعكس في النهاية ان الولايات المتحدة الآن في أوج أزمة مالية طاحنة، حيث يشهد الاقتصاد انحداراً شديداً نحو الركود، بينما بلغت السياسة النقدية بالفعل أقصى حدود الارتخاء، وأصيبت التحويلات المالية بالعجز والوهن. وهو موقف غير سار على الإطلاق بالنسبة للرئيس الأمريكي القادم أياً كان !


فالعالم اليوم وبسبب سياسة الولايا ت المتحدة الأمريكيّة الخرقاء أشبه بكرة ثلج  تتدحرج نحو الأسفل كلما كبر حجمها وزادت سرعتها وارتفع سقف نتائجها الكارثية ومنها ما بدأ يبرز للعيان وغيرها قادم لا محالة فالمجاعه زادت والامراض المستعصيه انتشرت والحروب الامريكيه ازدادت وتيرتها والخسائر البشريه والماديه ماانفكت تزداد ولعل احتلال العراق وافغانستان في مقدمة ما يجب اعتباره احد اهم اسس الازمات التي تعصف بالعالم .


قبل يام قليله خرج كالعاده احد المسؤلين الامريكان( وزير الخزانه ) ليعتذر للعالم معترفا ان سياسة حكومته الخرقاء كانت وراء هذه الاعاصير التي تضرب اطناب العالم فالامريكيين يشعلون النيران ويفجرون الاوضاع ثم يعتذروا ويطالبوا ضحاياهم ان يعالجوا كل الخسائر.


ان الحركات المكوكية للمسؤولين الأمريكيّين وعلى مختلف مستوياتهم في العالم تدلل في جانب مهم منها على حجم المأزق الذي تعيشه إدارة بوش ، فهذه الإدارة ومنذ 2001 أصابها الهوس واصبحت تمارس سياسات هي الأعنف في كلّ تاريخ الولايات المتحدة وكأن السيّد بوش وجوقة المحافظين الجدد الذين التفوا حوله أرادوا أن يغيروا بوصلة العالم باتباع أسلوب حرق المراحل ، والملفت للانتباه أنّ أغلب ما قامت بـه هذه الإدارة لم يكن يؤدي إلى تفاقم المشكلات الموجودة فحسب بل ويخلق مشاكل أشدّ صعوبة منها حتّى أصبح العالم اليوم عبارة عن مسرح كبير للأزمات بالغة التعقيد التي لم يجد المجتمع الإنساني حلاً لها في الأفق المنظور طالما يستمرّ السيّد بوش وإدارته على اتباع ذات النهج العدواني ضدّ الآخرين دون تفريق كبير بين حليف وصديق في الأمس وعدو اليوم أو غداً فالكل أهداف مشروعة للسياسة الأمريكيّة التي لايعلم إلاّ الله وحده إلى أين ستنتهي بالعالم .


وكان الهوس باستخدام القوة العسكريّة المفرطة قد اصبح عقيدة في سلم أولويات السيّد بوش رغم ثبوت فشلها وما آلت إليه نتائجها الكارثية ليس على العالم فقط وإنّما حتّى على الشعوب الأمريكيّة التي بدأت تكتوي بنار هذه السياسات الحمقاء أنّ الغريب في أمر هذا الرئيس وإدارته هو الإصرار على ارتكاب الأخطاء القاتلة حيث لم تتمكن الولايات المتحدة الأمريكيّة لحد الآن من حلّ أيّة معضلة رغم استعانتها بجهود حلفائها الذين هبّ أغلبهم لنجدتها رغماً عن أنوفهم أي أنّ السياسة الأمريكيّة أصبحت اليوم عبئاً على حلفائها وأصدقائها وعملائها وقسم كبير من هؤلاء لم يعد يدرك ما هو الدور المطلوب أن يؤديه لكي يجنّب نفسه ( ربما ) أدوار أخرى لعينة ستقصم ظهره ذلك لأنّه بات واضحاً للجميع أنّ نجاح الحلفاء والعملاء لأمريكا سيجير لها ، أمّا الفشل فسيكون حتماً من نصيب هؤلاء المغلوب على أمرهم .


معروف لأيّ إنسان عاقل أنّه في حالة فشله في أمر ما فإنّه يعيد تقويم الحالة ليكتشف أين هو موضع الإخفاق أو الخطأ لكي لا يكرره باتجاه تحقيق النجاح أو جزء مهم منه في المحاولة القادمة ومعروف أيضاً حتّى بالنسبة للطفل الصغير فإنّه عندما يضع إصبعه قريباً من النَّار فتؤذيه فإنّ هذا الطفل لن يكرر هذه المحاولة المؤلمة مرة أخرى أمّا السيّد بوش فإنّه  (ويا للمأساة) لم يستفد حتّى من هذه البديهية التي يلتزم بها حتّى الطفل..


ان الاداره الامريكيه ترتكب من الأخطاء والجرائم ما يفوق الوصف، ففي الوقت الذي يطالب فيه الرئيس الأمريكي بمعاقبة حكومة السودان وتقديم الرئيس الصربي الأسبق للمحاكمة الدوليّة ومعاقبة قتلة الحريري ومحاربة الإرهاب و.. و.. و .. وإعدامهم الرئيس  صدام حسين  .. فإنّ هذا الرئيس الأمريكي لا يلتفت لحظة واحدة إلى كم هم ضحايا سياسته الحمقاء منذ 2001 وحتّى الآن ... أليسوا بالملايين ؟ ونسأل الأمم المتحدة وما يسمى بالمجتمع الدولي ( رغم أنّ الاثنين هما أذرع تحركها الأصابع الأمريكيّة ) من سيطالب بحق هؤلاء الضحايا ومن سينصفهم ومن سيرفع الحيف عمن تبقى من شعوبهم ومن سيوقف العدوان على من سيأتي عليهم الدور لاحقاً .


إنّ أطرافاً دوليّة ومراكز بحث أمريكية وعالمية بذلت ولا تزال جهوداً جبارة لتقديم العون والنصح والخطط لتلفت انتباه السيّد بوش وإدارته على ما يرتكبوه من أخطاء لاسيما في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان ودارفور والصومال فإنّ الرئيس الأمريكي لم يلتفت إلى الأمور الأساسية الواردة فيه رغم أنّها صممت لمصلحته .. ومحاولات الترقيع التي يتبعها السيّد بوش لم تجدي نفعا.


 لقد بات واضحاً أنّ إدارة بوش كانت مستعدة لتغيير العالم بل والقضاء عليه لكنها ليست مستعدة لأن تغيّر سياساتها العدوانية الحمقاء ضدّ الآخرين فالسياسات الأمريكيّة في العالم أضرمت النَّار فيه ولم يعد هناك مكان آمن فالقارات الخمس أصبحت مسرحاً للعمليات العسكريّة الأمريكيّة وعلى كلّ شعوب الأرض أن تفتش عن أصابع المخابرات المركزية الأمريكيّة في الحروب والصراعات والخصومات والاضطرابات أينما وجدت فالعراق تحوّل بفعل الاحتلال الأمريكي الإيراني إلى أرض محروقة لم يبق فيها أخضر ولا يابس وكذلك أفغانستان والصراع الفلسطيني الفلسطينيّ وكذلك بين اللبنانيين  وفي  السودان ومصر والمغرب والصومال والباكستان والهند وتركيا وانتشار العنف في أغلب دول آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية بل وحتّى في روسيا وربما في الصين ودول أخرى كثيرة ربما كان سيحدث فيهالاحقاً.


إنّ سياسة بوش في العراق ( الفوضى الخلاقة ) القائمة على أنهار الدم والجماجم رغم فشلها الذريع لم تجد آذاناً صاغية ولا عقل راجح في الإدارة الأمريكيّة لحدّ الآن بل العكس هو الصحيح والشعب العراقي أصبح حقلاً للتجارب والخطط التي يخرج فيها علينا السيّد بوش تختلف في مسمياتها إلاّ أنّها تعبّر عن حقيقة واحدة وهي إصرار على سلوك منهج الخطأ والقتل وآخرها ما أطلق عليه باستراتيجية بوش الجديدة التي بدأها قبل أشهر في العراق رغم أنّ بوش وكلّ أركان إدارته يعلمون أنّها فاشلة مثلها مثل كلّ مشروعهم الذي لم يجد طريقه للنجاح لا سيّما في العراق، وعلى من سيخلف السيّد بوش وإدارته ادراك أنّه لم يعد أمامهم من خيار إلاّ الركون إلى منطق العقل وتجاوز كلّ الأساليب العرجاء ورهاناتهم الخاسرة على ما يسعى بالعملية السياسية وأدواتها العقيمة ، ففي العراق اليوم حقيقة مطلقة واحدة وهي شعب العراق وإرادته الجبارة وقواه الوطنية ونزوعه للتحرر والاستقلال ويتجسد كلّ ذلك في مقاومته الوطنية طريقة للخلاص والحرية ولطرد الاحتلال ولذلك لا خيار أمام الإدارة الأمريكيّة  غير التوجّه إلى ممثلي الشعب العراقي ، فهم الطرف الوحيد الذي يمتلك مفاتيح حلّ قضية العراق ، لا حكومة المالكي العميلة ولا أيّ من أطراف اللعبة السياسية ، فالأوضاع في العراق بكلّ مساراتها  لابد وان تتجه لصالح الشعب العراقي ومقاومته ويكفي الإدارة الأمريكيّة ما أصابها من إخفاقات وعلى العقلاء إن كان هناك عقلاء فيها أن يعودوا إلى منهج الصواب ويتخلوا عن حماقاتهم وعنادهم الأجوف ويتحلوا بالشجاعة ويعترفون بأخطائهم ويقبلون بنتيجة المنازلة التي أصبح واضحاً أنّها حسمت للشعب العراقي ومن خلاله للإنسانية .


فهل أدرك الساسه الامريكان ذلك أم أنهم يحتاجون إلى المزيد الازمات من الهزائم والخسائر لجيوشهم المندحرة المكسورة واقتصادهم المنهار وانحسار لشعبية امريكا وظلامية صورتها  التي هي الآن في أسوأ حالاتها.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة  / ١٨ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٧ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م