العراق والمنطقه ونهاية مسرحية الانتخابات الامريكيه

 

 

شبكة المنصور

د فيصل الفهد

 

كان احتلال العراق وسيبقى لفتره ليست قصيره سببا اساسيا لكثير من الارتدادات العكسيه للحزب الجمهوري رغم وضوح كل صفحات المسوغات الواهيه لتلك الجريمه الا أن المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية جون ماكين تمسك بالعروة غير الوثقى عندما تماهى في موقفه مع الرئيس المنتهيه ولايته بوش لاسيما عندما اختزل كل شئ وراح يرمي بالكره على  القاعدة وهي عمليه تبسيط غبيه مبالغ فيها لطبيعة ماحدث ويحدث ومن هنا رأى كثيرين أن الهدف من هذا السلوك كان استغلال المشاعر التي ظهرت ضد القاعدة منذ أحداث 11 أيلول 2001.


وكانت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية قد علقت غير ذي مره على المقولة التي يتمسك بها ماكين عندما يريد أن يصف ما يجري في العراق بأن "القاعدة نشطة ولم تهزم بعد"، وكلما أراد أن يحط من قدر ودور الديمقراطيين على مطالبتهم بسحب القوات كان يحذر من أن "القاعدة ستفوز حينئذ".


وأكدت الصحيفة  أن ثمة جدلا يحتدم منذ بداية الحرب حول طبيعة التهديد في العراق، فصورت إدارة بوش القتال على أنه جزء من معركة على من أسمتهم الإرهابيين الإسلاميين، في حين أن معارضي الحرب اتهموا الإدارة بعدم التمييز بين مهاجميها في أحداث 11/أيلول 2001 والمقاومين المناهضين للاحتلال الأميركي في العراق وهذا ما دفع خبير الإرهاب الدولي بروس هوفمان بجامعة جورج تاون الى القول بإن "المشكلة الأساسية التي تواجهها بلاده في العراق تتلخص في أنه لا يوجد مركز جاذبية واحده كما كان الحال في الحرب الباردة، بل مجموعه من القوات المتنافسة".


وأضاف الخبير هوفمان قائلا "وهذا أكثر تجزئة مما يتخيله المرء، حيث إن هناك أجزاء متحركة ومستقلة ومتعددة، وعندما يكون هناك مثل هذا العالم من الشبكات فلن تستطيع أن تستخدم الحجم الواحد الذي يناسب الجميع".
ونبهت عديد من وسائل الاعلام الامريكيه إلى أن الكيان الذي يشير إليه ماكين وهو القاعدة في العراق لم يكن موجودا قبل غزو الولايات المتحدة لهذا البلد عام 2003.


ويشاطر كثير من الدارسين المتخصصين في شوؤن الاحتلال هذا الرأي حيث يؤكدون إن تعميم ماكين خطير جدا، ومنهم جوان كول وهو أحد منتقدي الحرب ومؤلف كتاب "الفضاء المقدس والحرب المقدسة: سياسات وثقافة وتاريخ الإسلام الشيعي" والذي قال "إن الولايات المتحدة لا تقاتل القاعدة بل تقاتل العراقيين".


 وكذا الحال بالنسبة لإيرا لأبيدوس الذي ساهم في تأليف كتاب "الإسلام، الحركات الاجتماعية والسياسية" الذي  قال إن الوضع الراهن في العراق يمكن أن يوصف "بحرب مدنية متعددة التيارات" تتألف فيها الحكومة من تيارات شيعية متنافسة، وهي مأزومة في علاقتها مع جماعة شيعية خارجية، في إشارة إلى جيش المهدي.


إن مشكلة المسؤلين الأمريكين تكمن في الرؤية المنقوصة بل والجهل لخصائص وطبيعة العراق وبوش  لم يقر لحد ألان بأن بلاده اصطدمت بجدار آخر في العراق, وإن كان أكد أن التعزيزات التي أضيفت للقوات الأميركية هناك العام الماضي ستسحب بحلول الصيف القادم رغم الوضع الأمني الهش في العراق والواقع أن جدرانا عدة تنتصب لتعوق إحراز أي تقدم في العراق بدءا بالإرهاق الأميركي من الحرب ومرورا بضعف الحكومة العراقية وانتهاء بمليشيات جيش المهدي الخارجة على القانون والمهمة الصعبة التي واجهت الكونغرس في الاونه الأخيره كانت في تحديد أي هذه "الجدران" يمكن تجاهله وأيها يتعين اقتحامه لتمهيد الطريق أمام سحب القوات الأميركية من العراق.


ان هذا الموقف كان وسيبقى يمثل هاجس لوسائل الإعلام الامريكيه المهمة وقد نشرت صحيفة كريستيان ساينس مونتور تحت عنوان: "حقائق العراق هي هي أيا كان الرئيس الأميركي"، إن أي رئيس جديد للولايات المتحدة سواء أكان جون ماكين أو باراك أوباما سيحدد مستوى "النجاح" الذي يراه كافيا للسماح بسحب القوات بطريقة تصحح أخطاء الحرب التي ارتكبت دون أن يضر ذلك بالمصالح العليا للولايات المتحدة.


لكن المحافظين الجدد لازالوا يحذرون من الضرر المحتمل في حالة أي حصول سحب "متعجل" للقوات ويشمل ذلك وقوع حمام دم طائفي في العراق لم يشهد له مثيل ونفوذ سلطوي جديد لإيران بالمنطقة وساحة عمليات جديدة لتنظيم القاعدة.... إن الصورة الحقيقية للسياسة الأمريكية قد بدت اليوم أكثر  وضوحا فأمريكا اليوم في وضع لاتحسد عليه و تتحسر على ذلك اليوم الذي قررت فيه مغامرتها الهستيرية فأمريكا اليوم بين مخالب الفرس و المقاومة العراقية الباسلة.... فالفرس بدهائهم و حنكتهم السياسية قد خلطوا أوراق أمريكا لإفشال المشروع الشرق أوسطي و المقاومة تقوم بواجبها الجهادي لتحرير العراق من الاحتلالين الأمريكي والإيراني و أتباعهم الخونة المنافقين

 

ان تكرار حديث المرشح "الجمهوري" جون ماكين، عن إمكانية استمرار الحرب في العراق حتى النصر، وإن تكلف ذلك مائة عام.وعليه فإن القضية الرئيسية التي استحوذت على  الحملة الانتخابية الرئاسية ألحاليه هي الخلاف حول فوائد الحرب، ومكاسب وخسائر استمرارها. ومع كل محالات التشويه والتضليل التي تمارسها الاداره الامريكيه لتعتيم صورة مايجري في العراق فإن مبررات الطرف المناهض لاستمرار الاحتلال الأمريكي للعراق وإنهاء العمليات القتالية الجارية فيه ، مقنعة بحد ذاتها ويعتقد عديد من المتابعين انه لابد من أن يترافق هذا الموقف مع جهود سياسية ودبلوماسية كبيرة، هدفها التخفيف من التداعيات الإقليمية الخطيرة لهذه الحرب التي تعمّد الرئيس بوش الذي يتهئأ لمغادرة منصبه شنها على أساس مبررات ديماغوجية واهية، بينما تمت إدارتها أسوأ ما تكون الإدارة.......وفيما لو سُئل المواطنون الأميركيون قبل ست  سنوات من الآن، ما إذا كانت الإطاحة بنظام صدام حسين، تستحق إزهاق أرواح عشرات آلالاف  من الجنود الأميركيان، واكثر من خمسون ألفاً من المصابين، إضافة إلى قرابة خمسة تريليونات من الدولارات التي أنفقت على الحرب حتى الآن ناهيك عن الضرر البالغ الذي ألحقته بمصداقية وشرعية أميركا دولياً. لكانت إجابتهم عن ذلك السؤال "كلا" قاطعة لا تلجلج فيها. ثم إن تكلفة الحرب لا تقف عند هذا الحد وحده. ذلك أنها ألهبت المشاعر المعادية للولايات المتحدة الأميركية على امتداد المنطقتين الشرق أوسطية والآسيوية، وفي الوقت ذاته مزقت الحرب أوصال المجتمع العراقي، وعززت النفوذ الإيراني في المنطقة.

 

تلك الحرب تمخضت عن مأساة قومية واعصار اقتصادي ليس لأميركا بل والعالم، ناهيك عن أفرازها لأزمة إقليمية لا يُعرف مداها. ولكل هذه الأسباب  وغيرها فإن وضع حد لها، هو من صميم خدمة المصالح القومية الامريكيه . بيد أن إنهاء الاحتلال الامريكي هناك، يتطلب أكثر من مجرد اتخاذ قرار عسكري. وضمن ما يتطلبه التوصل إلى ترتيبات مع اطرافا  غير الذين نصبتهم القوات الامريكيه يثق بها الشعب العراقي بشأن ايجاد آليات  لانسحاب عسكري امريكي من العراق يحفظ للامريكين بعض ماء الوجه ولوضع  اممي يمكن ان يقدم الدعم الطارئ للعراقيين في حال تعرض بلادهم لخطر خارجي- من قبل إيران مثلاً، كما يتطلب كذلك إيجاد السبل المناسبة لايجاد وضع دولي مساند لاعادة بناء العراق شكل حقيقي بعيدا عن الاكاذيب والاستهلاك الدعائي الذي تعودنا ان نسمعه من الامريكيين وحلفائهم طيلة السنوات الماضيه من عمر الاحتلال ...فكلما طال بقاء قوات الاحتلال في العراق، كلما تعذر قيام أي دولة عراقية قادرة على البقاء. والانسحاب سيجرد "القاعدة"وغيرها من مبررات استمرارها.

 

وكل هذا يجب ان يترافق مع جانب اساسي  من المبادرات السياسية والدبلوماسية التي تهدف إلى تأمين العراق ضد أي مخاطر ومهددات محتملة. وهذا ما يستدعي فتح الحوار مع القادة العراقيين الحقيقيين،حول الاستقرار الإقليمي في المنطقة، اضافه الى كافة الدول المجاورة للعراق .....نقيض فزاعة الانسحاب التي يروج لها "الجمهوريون"، فإن من شأن الانسحاب العسكري من العراق، أن يجعله أكثر أمناً واستقراراً على المدى البعيد ثم إنه لا مناص من أن يكون الانسحاب العسكري من العراق سببا في تبديد التوترات الطائفية التي فرضها الاحتلال والتي حكمت علاقات المسلمين والتي ستستمر، نتيجة لاستمرار احتلال للعراق. وبالطبع فليس في مقدور أحد أن ينكر أن بقاء الاحتلال العسكري سيؤدي الى كثير من النتائج السلبيه. وضمن هذه النتائج انفصال أجزاء من العراق ً، كما هو حال إقليم  شمال العراق، وبعض المحافظات الجنوبية، إضافة إلى بعض المحافظات الغربيه. وهكذا فأن عدم الانسحاب يعني تشجيع المغامرين على المزيد من التنافس فيما بينهم لبسط سيطرتهم على المناطق التي تخصهم، ما يعني تأجيج نار النزاع الداخلي. بيد أن هذا أصبح لا مفر منه مبررات عملياته الإرهابية التي تشنها القوات الأجنبية والمليشيات ألعميله ضد العراقيين، وبذلك تكون الولايات المتحدة قد خسرت معركة مهمة من معاركها.

 

ومن شأن الانسحاب أن يُسهل مضي المبادرات الأوسع نطاقاً إزاء كافة الدول الإقليمية المجاورة، طالما أن هذه الدول تبدي تردداً إزاء الدخول في أي عمل مشترك مع واشنطن، متى ما واصلت هذه الأخيرة احتلالها للجار العراقي. وتتضمن هذه المبادرات، الدعوة لانعقاد مؤتمر إقليمي - عقب الإعلان عن الانسحاب في وقت ما من العام المقبل- يهدف إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي والسيطرة على الحدود وغيرها من الترتيبات الأمنية ذات الصلة، فضلاً عن مناقشة قضايا التنمية الإقليمية. ولا سبيل لحل اي من مشاكل المنطقه طالما يستمر العراق . بل الصحيح أنه كلما طال هذا الأمد، كلما تعذر قيام أي دولة عراقية قادرة على البقاء في المستقبل القريب المنظور. ثم إن في الانسحاب ما يؤدي إلى عزل تنظيم "القاعدة" وتجريده من اهم نقاط قوته بل يجب الانتباه الى ان المنطقه  أصبحت أكثر عرضة من ذي قبل لتداعيات النزاع الطائفي العابرة لحدودها من العراق، ومن هنا فإن المرجح لهذه الدول أن تبدي حماساً للمشاركة في مؤتمر كهذا. ويتضمن هذا الاحتمال تشجيع دول عديدة للمشاركة بتوفير ضمانات السلام، متى ما أصبح العراق خالياً من الاحتلال الأجنبي. وإلى جانب ذلك، يجب إطلاق برنامج خاص بإعادة تأهيل العراق، يهدف إلى مساعدته على استعادة عافيته، إضافة إلى تخفيف العبء الذي تحملته الدول العربية التي استضافت المهجرين العراقيين  كالأردن وسوريا على وجه الخصوص، حيث آوت لما يزيد على أربعة ملايين لاجئ عراقي.

 

وإذا كان الهدف الأعم لإستراتيجية الولايات المتحدة  في عهد الرئيس الجديد الرامية لتصحيح أخطائها المرتكبة خلال الأعوام السابقة، هو تهدئة منطقة الشرق الأوسط بدلاً من صب الزيت على نيرانه، فإن من شأن إحراز تقدم ملموس في حل النزاع الصهيوني- العربي الفلسطيني، أن يسهم بقدر كبير في تحقيق هذا الهدف. على أن إحراز هذا التقدم يطالب واشنطن بدفع الكيان الصهيوني إلى تقديم التنازلات اللازمة المفضية إلى الحل السلمي( إن كان حل سلمي حقيقي) وفيما لو تحقق هذا، فإنه سوف يكون خطوة كبيرة نحو الاستقرار الإقليمي في المنطقة. ولئن كانت إدارة بوش قد خاضت هذه المغامرة نتيجة التهور والطيش، فقد حان لعقلاء أمريكا أن يضعوا حداً مسئولا لها.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٠٥ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٠٣ / تشرين الثاني / ٢٠٠٨ م