غير بعيد عن ناصر وعن الناصريّة ... ( معتز )

 

 

شبكة المنصور

طلال الصالحي

 

شهر  رمضان  قضى  ,  ولربما كان قد  انقضت أيامه  الثلاثين منذ أول يوم  دخل  فيه علينا  !  ,  أو كما  يعبّر عن  ذلك عند  البدء  بعمل  ما  , ففي المتوارث من  بديهيّات  منطق ملكة  الحدس  لدى العربي ابن البيئة  الريفية أو الصحراوية  ؛ مسلـّمة  , أنك  ما أن  تباشر  بأوّل خطوات  عمل  ما  حتى تقول أنه  انتهى ! " ومليون ميل تنتهي بخطوة واحدة .. تنتهي ... وليست  تبدأ  كما ذهب إلى ذلك المثل الصيني المعروف !" ... وحكاية   "البدوي" ؛ هي من الطرف المتداولة  لدى شريحة واسعة من  العراقيين من  قدماء أهالي المدن العراقية والأرياف  حول هذا الخصوص عادة ما كنا صغاراً نسمعها منهم  يرددونها  كبار السن  بعد  تناول وجبة  إفطار أوّل أيّام  رمضان ,  الحكاية تقول ؛ أن إعرابياً  بدوياً  كان قد تناول طعام الإفطار بعد  صيام  يوم شاق  وطويل  في أوّل  يوم   من  أيام   أحد  أشهر  رمضان , وبعد أن أتمّ  بما اكتفى به  من  طعام  "الفطور"  بما قسمه  الله  له ولعائلته  من  رزق  يتماشى وبيئتهم  المرتحلة  ؛ استند  بجنب  عكس  أحد كتفيه متمدّدا , هو وبعض أفراد  عائلته ,  متـّكئين على دزينة من  "المخاد" المعدّة  لكل واحدِ منهم سلفاً  كعادة أهل المضايف  في إعدادهم فرش حلقة  الجلوس  , وتحت  خيمته الوبر التي يحتمون  بسترها  ,  بدا منتشياً بجلسته  المريحة تلك ؛ تنفس  بشيء من الارتياح  وهو  يتناوب  الاتكاء والتربّع على فرشه ,  اعتدل  جالساً  أمام  موقد  دِلال القهوة  يختط بعصا  صغيرة  بين   أصابع يده  لاهياً  بمرح   يعبث ببطيء  يسرة ويمنة  برماد وبجمر كومة النار  المنبعثة  من  حطب الموقد ؛ ثم ليقول ؛ وهو يهمّ  ليرتشف بيده  الثانية  رشفة  من فنجان قهوته  ؛ إييييييييييييييييييييه  رمضان ...غدا  رمضان ! ...  ذهب  يوم , ولم  يتبقى منه إلاّ  تسعةٌ وعشرون  يوما  !! ....

 

لعل   شهر رمضان المبارك , وبدون  قصد منه بالطبع  , قدم  لنا الكثير من الأعمال التمثيلية "دراما" وغيرها  من التي تسرح  بخيال المشاهد العربي إلى "بطولات" معمولة ومصنوعة سلفاً  كـ"تعويض"  منه لواقع مأزوم من جميع  جوانبه  فقد  فيه أبناء الشعب العربي بأغلبهم  مقومات  الاستعداد النفسي والبدني الرجولي  الواجب استحضارها على الدوام  لمواجهة  أي خطر  يحيق بالوطن العربي ويعرض أعراضه وحرياته  وثرواته وأراضيه  للخطر الداهم على الدوام , خطر داهمنا  فعلاً ومنذ عقود  ويكرر مداهماته  في عقر  مجتمعاتنا  بل  ويتدرب في باحاتنا  المستباحة  استعداداً  لمواجهة  عقبات أخرى  لشعوب أخرى مستعصية عليه  !  خطر  بات  يأكل  ويشرب معنا  وينام  في  أسرّتنا  ويحلم  بدلنا ! واقع يختلف كليّاً عن واقع أجدادنا  في السنين  الغابرات  أيّام ما كان يقدم ذلك  السلف  أعمال رمضانيّة (  بطولية حقيقيّة ! )    لم يكن يعرف فيها  للتمثيل أو الحيل السينمائية  أو البطولات المزوّرة  والمزيّفة  أو الأبطال المزوّرين طريقاً  لثوابت  أخلاقه  أو أخلاق  أصول العرب الأقحاح الذين  تربّوا  على أسمى ما فيها  من قيم عالية  ! أيّام  ما كانت لديار العرب والمسلمين  هيبة  وقوة  تقطع أي  إصبع  أو  يد  قد تتجرّأ  وتمتد  إلى حدود تلك الديار العربية المترامية الأطراف  من المشرق إلى المغرب من أراضي العرب والمسلمين ......

 

شهر  رمضان الفائت  من هذا العام  الهجري , وفي هذا العام  على وجه التحديد ,  قدّم  لنا  دراما  ( سورية )  اكتسحت  من   أمامها  جميع  دراما  الأقطار العربية مجتمعةً  اكتساحاً  لم  تشهد  له  السنوات الماضية  مثيلاً ,  بل لم  تشهد  له الساحة العربية من قبل بمثل هذا الكم  الكبير والتنوع الزاخر  والأخـّاذ  من  "التمثيليات" السورية ( الهادفة ) الرائعة  بما  احتوته من  معاني هي من صميم الحياة  الاجتماعية  السورية  والتي هي بالتالي انعكاس  لما تعانيه   الحياة  السياسية والاجتماعية  في بقية  الأقطار العربية  حاليّاً  , ونقصد  بها الأقطار  العربية الغير بتروليّة بالطبع ! وتلك البساطة في التناول وذلك الأداء الرفيع  في  المستوى العالي  في  "التمثيل" لم  يشهد  له  الإعلام الدرامي العربي  بمثل  قابلياته وإمكانيّاته  المتطورة هذه ,  حتى  قد  وصلت  من الإتقان  والجودة  في  الأداء  التمثيلي  وفي الإخراج  وفي كافة  حلقاتهما المرتبطة  بهما ارتباطاً  عضويّاً  ؛ من إكسسوار إلى مونتاج إلى سيناريو ... الخ  وفي جوانب  مهمة  منها , ونرجوا  أن  لا نكون  مغالين ,  قد وصلت إلى  مستوى العالمية  ...

 

فمع  علامات الركود الفني بكافة أشكاله في منطقتنا والعالم  , والذي تزامنت  ظاهرتها  مع   علامات الساعة  التي  بشرت  بانهيار  المنظومة السوفيتية  وخصوصاً  مع بداية حرب الخليج الأولى , الحرب العدوانية الإيرانية  ضد  العراق ,  ثم  لتستمرّ  إيقاعات  انتشار  ظاهرة تلاشي  الابداع الفني  بعمومه ؛ مسرح سينما تشكيل  موسيقى .. الخ  في جميع  دول العالم  ولغاية  هذه اللحظات التي نشهد  فيها  قحط وخواء خزائن  الثقة  والمال  معاً  في الولايات المتحدة الأميركية  والمجتمع الغربي  بعمومه  ومن  ارتبط  بهم  من دول  كثيرة , حيث لا  أمل  لإبداع  يلوح  في الأفق  ملتزم  وحقيقي  بعد الآن  وفي ضل المنظومة العولميّة  الغربية   , خاصة  بعد  تفرق  قوة الاتحاد السوفييتي , ذلك  "العدو"  المستحث  على الدوام  لدول  الضد  والتي ندمت أشد الندم  هذه  الدول على  "ساعة السودة" التي  اصطنعوا  بها  عميلهم غرباتشوف  البرسترويكي ! ...

 

 , تأتي  هذه الأعمال الدرامية السورية  في الوقت الحاضر  لتجد  لها  الصدى والقبول الواسعين   في جميع أنحاء الوطن العربي  ما  تذكرنا مساحة انتشارها الواسع  , إن  لم نقل أنها  تفوقت عليها ؛ بالأهداف السامية التي كانت عليها  السينما والدراما التلفزيونية أيام  المد الناصري العروبي الذي كان  قد  وظـّف الموروث  الهوليودي  في مصر أحسن توظيف  بعد أن روضه وامتطاه  نحو غايات وأهداف نبيلة تصب  في ذات القيم العروبية ورسالاتها  الخالدة   بغرض  إفشاء حالة الوعي القومي  بين أبناء الأمة العربية  ,  بعدما قدمت  مصر ناصر ملامح إعلام  تعبوي  ناهض على الرغم  من اختلاطه  بذهنيّة إنتاجيّة موروثة  حملت معها  , بعد  تمرحلها  المتعاقب , بعض من  الإسفاف  والمباشرة  والسطحية في الطرح , إلاّ  أنها  كانت على طريق  افتراش  إعلام درامي واعد  بقوّة  يمتلك أساسات هيكيلية  وآليّات إنتاجيّة  مهيّأة  سلفاً  تصلح  لأن تتغيّر نحو الأحسن  باستمرار وفق  تأسيس صحيح  لبنى تحتية  إعلامية  عربية  راسخة  تخدم  قضايا العرب وتسرع  في وحدتهم  المأمولة , وقد  بدأت  خطاها  فعلاً وقدمت الكثير  ,  فمثلاً على مستوى السينما , حيث شهدت الساحة العربية  الدراميّة الهادفة  في تلك  الحقب  سلسلة  أفلام  سينمائية وتلفزيونية  مصريّة  صبّت  أغراضها  في هذا المجال  الوعووي  ؛ صلاح الدين  ثلاث حكايات قنديل أم هاشم  زقاق المدق السمّان والخريف  اللص والكلاب يوميات نائب في الأرياف البوسطجي ثرثرة فوق النيل العصفور  رصيف نمرة خمسة  النظارة السوداء نحن لا نزرع الشوك شفيقة القبطية الأخوة الأعداء ... الخ , وفي التلفزيون مثلاً ؛ الرحيل خيال المآتة  ابن الحتة  .. الخ  إضافة للكثير من المسرحيات  ذات المغزى المباشر  ولكنها  كانت تحمل  سمات  بذور التغيير والانقلاب  الاجتماعي الواعد مثل مسرحيات عادل خيري  وفؤاد المهندس  والمسرحيات  الرائعة لأعمال المسرح القومي المصري , لا كما  هو عليه الوضع  المخزي  الحالي  للدراما السيمائية  والتلفزيونية والمسرحية المصريّة  والتي هبطت مستوياتها  للحضيض  وأسست  لانتكاس درامي مستقبلي  فاقع  ورهيب محشو  بكل ما هو زائف ورقيع  شائن وبالغ درجات التجهيل والتعمية  المقصودة  من الدراما المهلهلة والغاية  في الحسيّة الغرائزية  والسطحية  الاستغبائية والطوباوية المجّة  "أعمال عادل إمام  العولميّة  التي  لا تغيب  عن أعماله وأعمال تلاميذه من هذا الجيل بربغندا  من يربح المليون ! وبين الرائعة الملتزمة  الناصريّة الفنانة نادية لطفي كمقارنة دالّة"  وبكل ما هو   له  بصلة لأهداف الكارتل  الصهيوإعرابي  في هوليود  وغيرهم  من  نشطاء  ما بعد "كامب ديفيد" الجاهدين لاستعادة  "أملاكهم"  السينمائية  التي  كان قد  اختطفها  جمال عبد الناصر ثم  ليخترقوها مجدداً بدءً  في عهد  المقبور "السادات" ثم لتتبلور بعد  ذلك  بطريق  سالك ومفتوح  بعد  وصول  حسني مبارك  أو ما يمكننا  أن  نسميه بالملك  "فاروق"  الثالث !  والذي عادت  في عهده  الظلاميّ  بشكل  تام  , وبعد عمليات استنزاف مقصود لأعمدة  الدراما  المصريّة  أو لنقل ما تبقى منها  من عهد  جمال عبد الناصر ؛ ليعود  بعدها  "أنور وجدي"  وليلى بنت الفقراء  وليلى بنت الأغنياء  مجدداً ومعهم كل أنواع النرجسية  والشحن الطبقي تحت غطاء "النجومية"  وعادت الحياة الريفية  "النظيفة" والحالمة بمواويل "محلاها عيشت الفلاّّح" وعادت ملابس الغلابا  الفلاحين النظيفة والأنيقة والعمامة الناصعة البياض فوق  رؤوسهم!  وعادة "البقرة" التي كانت  عادة  ما يتم تنظيفها وغسلها وتشحيمها  قبل التصوير  وقبل تصوير بيئتها الريفية "النظيفة !" في تزييف هوليودي "فاروقي" جديد  ورهيب وإسقاطها من جديد على الحياة المصرية  الحاليّة المكابدة  وتحت  الخدعة  الصهيوإعرابية  التي  أعلنت في مصر قبل ست سنوات تقريباً  بشكل  مباشر ودون خوف أو وجل هذه المرّة  وبمكاشفة إعلامية حكوميّة  لا تقبل  الشك , حين ألبسوا الزيف  والواقع  الاجتماعي  المزري  رداء  شعار "من أجل سمعة  مصر !" بعد أن  كان قد مورس هذا الشعار فعليّاً  في السنين  التي قبلها بتواري وبوجل مخافة الافتضاح , إلى أن جاءت  اللحظات المناسبة  مع  اقتراب  غزو العراق ليُعلن  عنه ! ....

 

بعد  هذه  المقدمة المقتضبة وبلمحات سريعة  والتي  لا بد منها   نأتي  لـ"معتز" أحد أبطال  المسلسل السوري الرمضاني  الرائع والأشهر "باب الحارة" , وكارزما معتز  في هذا المسلسل , وكبقية الأدوار المهمة الأخرى فيه ,  كارزما  مشخـصنة  ومدروسة  بعناية كافية  وتكاد  تكون مستقلة  عن "العكيد"  ذلك القبضاي  الشهم  , الذي يستخدم  عقله مع  عضلاته , بعكس  معتز   الذي يمثل  القيادة الصدامية أو الجهة التنفيذية  المباشرة , أو التلقائية التصرف أحياناً كثيرة  والتي  تشم  رائحة الخطورة  عن  بعد  فيعالجها  معالجة فورية عنيفة  وبرد  فعل منه سريع ضد كل من تسوّل له نفسه  المساس بـ"الحارة" وأهل الحارة !  , و "معتز"  شخصيّة  عروبيّة  "شامويّة"  أصيلة , أو هكذا  أراد  لها  كاتب المسلسل ؛ تمتلئ غيرة ونخوة وحميّة  وشهامة  وتعبّر أوضح  تعبير , معتز و العكيد ,  عن "عالم الفتوّات"  ذلك العالم  الذي  كانت بدايات ظهوره على أيّام  أحد  المتأخرين  من خلفاء بني العبّاس ( ... )  كما يذكر ذلك  المؤرخ "العزاوي"  في كتابه  "التاريخ السياسي العباسي العصور المتأخرة ....... وحتى سقوط الخلافة العباسية" بحسب ما أتذكر  شيء من عنوان ذلك  الكتاب...  حين  بادر  ذلك الخليفة بتأسيس  اللبنات الأولى  لمكوّن عصبوي  شعبي  خارج  نطاق الجيش النظامي  نستطيع أن نقارب مفهومه  بمفهوم الميليشيات الشعبية "الجيش الشعبي" المكوّن العسكري الدفاعي بشكله المعاصر ,   تقوم أسس  أهداف وضيفتها التعبوية  أوّلاً  وقبل كل  شيء  باختيار  مجنديها  من بين فئات الشعب  من خلال   "لجنة"  معنيّة مكلفة  وموثوق بها  , وأعمال  هذه اللجنة يشرف عيها الخليفة العباسي  نفسه  ولديها سمعة حسنة بين الجماهير "من خارج  دائرة وعّاض السلاطين بالطبع !"  سمّيت هذه الشريحة القتالية المستحدثة  بـ "فتوّة بغداد" ويشترط  بكل متطوّع من الشباب يريد أن ينتمي  لهذه القوة  "يتطوع" أن  يكون  أولاً  "صاحب دين وخلق رفيع"  وتقاس صحّة  تلك المعلومات بهذا الخصوص  من  خلال ما اشتهر  به  من التزام  خلقي عال  وبمقدار ما اشتهر عنه  ( الطاعة الكاملة  لوالديه )  وعلى  أن  يشهد  بذلك  أبناء منطقته  أو قريته ,  وأن يكون من المواظبين  على أداء صلاة الفجر ,  وأن يكون من  أصول عربية  لها أنسابها القبلية  المعروفة وأن يحفظ من القرآن سوره  السبع الأولى المعروفة  على الأقل "حفظاً وسلوكاً !" ومشهور بالمروءة والشجاعة ... الخ  من قيم   رجولية  اشتهر بها العرب قبل الإسلام  وبعده , وقد أنقذ الخليفة العباسي  بهذا  الجيش من الفتوة  أسوار بغداد  وحماها من  أهم  الهجمات  الخارجية الخطرة عليها  فأنقذها في  تلك الفترة من السقوط  بيد الغزاة ,  وقد انتشرت هذه "الظاهرة"  ظاهرة  الفتوّة  بعد ذلك  في أرجاء العالم الإسلامي  بعد  أن ذاع  صيتها الحسن وانطلقت أنسام  عطرها  الشافي  من بغداد ....

 

"معتز"  المقتضب الجبين  والمداوم على الإكفهرار ! ... "بالمنسبة ؛ فمثل هذه  الكارزما  عادة  ما  يتفاخر ويعتز بها  الشعب الألماني ويعتبرون  من يتصف  بها  هو الألماني الحقيقي!" ...معتز الذي لا يبتسم  بوجه  أحد  , حتى ولا  لأحدٍ ما من  أفراد  عائلته أو  لأحدٍ من أقاربه ؛ إلاً  ما  ندر !   هو عبارة عن كتلة حيوية من النشاط  الإيجابي , استطاع  كل من كاتب السيناريو والمخرج , مع الأداء البارع  للمتقمّص  للشخصية  الشعبية هذه  أن يلفتوا  إليها انتباه عناية  المشاهد العربي على  اختلاف  فئاتهم العمريّة  ,  لتلاقي , مع استمرار  عرض المسلسل  تجاوباً  وتعاطفاً كبيراً  من جمهور المشاهدين  العرب  كانعكاس  عن الحاجة المكبوتة والملحّة لديهم لاستحضار في داخل كل واحد منهم  مثل  تلك  الشخصيات "القبضايات" التي  باتت من دون أدنى شك  تفتقدها  مجتمعاتنا العربية , ونعني  خصال الشجاعة والإقدام فيها  , خاصة  عقب   التدجين  الأمني  والمخابراتي المكثف والمتواصل  لأفراد الشعوب العربية , في مصر على وجه الخصوص ؛ وفي بقية  الأقطار المعتدلة أيضاً  والمسلوبة الإرادة أصلاً , وبعد  سلسلة الإحباطات  والهزائم  ومسلسلات الذل والعار  التي  لفت صفاتها القبيحة  أقطار  الاعتدال والخذلان  هذه  والتي أركعت   شعوبها  وجعلت أفراد هذه  الشعوب  يسجدون  , كرهاً  ورغبة , وتنصت  وتستمع  بكل إذعان وخنوع  لكل ما يطلبه  منها  حكامها  الذين  يدّعون العروبة والإسلام , وهم أبعد  ما  يكونون  عنه , بعد  أن غاصت  هذه الأنظمة الطاغوتية  أكثر  فأكثر  لكل ما تطلبه  منها  الدوائر الصهيونية  , والدوائر الإعلامية منها  بالذات ,  في ممارسة  رذيلة  سياسة  "التنعيم"  التدريجي  والترطيب المستمر  للمكوّنات الأخلاقيّة  لشعوبهم  , وبالأخص عبر  الدراما المصرية  العارية من كل شيئ  له  صلة  بواقع  الأمة الحقيقي  وكذلك عبر  قنوات  آل  سعود  الذين  بلغت  درجات الفجور  فيها أعلى مستوياتها  وفاقت  بكثير  حتى القنوات الأوروبية المعروفة لدينا  بالحريّة  المنفلتة  ,  ليتسنى  بعدها  ولتسهل  على الغزاة  عملياتهم المتواصلة في استهداف هذه الشعوب  في الصميم   لتهيأتها  فيما  بعد   لتقبل  كل  بلاء   ولتقبل  كل  ما  له  صلة  بتحطيم   أيّة  قوّة  أو  هيبة  أو تقاليد  اجتماعية  متوارثة  متبقية  لديها  والتي  باتت  كما  نرى ويرى الجميع   شعوب  مغشيّ عليها باستمرار  ومخدّرة بأنواع  المخدّرات , الباردة منها  والحارّة , جرّاء الطرق المستمر للقنوات الإباحية  الغربية أيضاً والتي ملأت  دشـّاتها "الصحون"  فناء كل بيت عربي  وأشاعت في شبابهم وشاباتهم  أنواع  مترتبات ومتطلبات الحياة الغربية  في كل  شيء ؛ بدءاً من الملبس  والمأكل ,  وطرق التعامل  معهما ,  إلى طرق التفكير  وما يرجى من ورائها  , هذا  إضافة  للدوّامة  الكبيرة التي  تلف المواطن العربي  يوميّاً  وهو يلهث  وراء  لقمة عيشه التي  بالكاد  يستطيع اصطيادها , ولا يعلم  أنه اصطاد قمة  عيشه  وعي  عياله  إلاّ  بعد  أن يستريح  ليلاً  على وسادة النوم !  , عدى المواطن الخليجي  بالطبع  ومواطن أرض الحرمين ! ....

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاحد  / ٢٧ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٦ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م