أحلام العصافير على طريق الحمير
عصفور كفل زرزور .....؟؟

 

 

شبكة المنصور

د. عبد الكاظم العبودي

 

دجلة الخالد لا يغير مجراه عن  حوض وادي الرافدين، ولا يترك قلبه الا خافقا ووفيا ونابضا بحب أبناء العراق الاحرار. وعلى ضفتيه تتوزع  أسماء ومحلات وعشائر والقاب أهلنا في الموصل وبغداد والكوت والعمارة بكل ساكنيها وبهويتها العراقية فقط . وهذه الحقيقة ، ربما لا يعرفها الامريكيون الغزاة رعاة البقر، وهم  معذورون لأنهم جهلة بحقيقة  تأريخ ارض وحضارة وشعب العراق .

 

أما الطائفيون والانفصاليون الكرد التابعون وحلفائهم المعتلفون في اسطبلات الجت الاخضر فلا عذر لهم ، فقد أثبتوا جهالتهم وجاهليتهم معا ، إضافة الى  رسوبهم وسقوطهم المريع في امتحانات التاريخ والجغرافية وحتى التربية الوطنية والدينية وتقريرالمصير. فهم قد أثبتوا   أنهم مجرد أدوات  استدمار وفي ذات الوقت  فهم  مُستحمَرون (أي مستعدون للاستحمار). وهذه القابلية للإستحمار تؤكدها جملة من الوقائع التي ارتكبوها بحق العراق  فحلت عليهم لعنة بابلية  بالطرد الابدي من أرض العراق جراء كثرة معاصيهم المنكرة وعقوقهم .

 

فبعد الاحتلال بدأت أحلام العصافير تزقزق حالمة ببناء جدر الامبراطورية الفارسية الجديدة من إيران الى تخوم كردستان.  وذهبت الاحلام المريضة بهم الى توزيع جنان العراق الى الوافدين الجدد معهم ومع الفلول العابثة بأرض العراق.  فانتظروا لحظة  بداية اشتعال لهيب الفتنة الطائفية بتدبير دبر بليل  بتفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء فاستخرجت العمائم السوداء مخططات الاحلام المريضة  لتزف لحن لعصافير الايرانية في رؤوسهم. واطربت نفسها لكي مزقزقة لحنها الطائفي بين اشجار بساتين الكرادة الشرقية وبدأت عصابات الموت التنفيذ للتمدد على ضفة دجلة اليسرى شمالا وجنوبا  وبمحاولة إعتبار نهر دجلة حدا فاصلا وانعزاليا  بين الرصافة والكرخ فأغلقوا جسر الاعظمية ونسفوا جسر الصرافية وابقوا جسر الجمهورية والمعلق واسطة عبور مع دويلة المنطقة الخضراء.

 

وهكذا اندفعت عصابات التمزيق الطائفي بالشروع في تطهير العديد من محلات الرصافة من ساكنيها العرب والسنة والشرفاء المقاومين للاحتلال وتم عزل الاعظمية بجدار اسمنتي على شاكلة  جدار الفصل الصهيوني في فلسطين.  عجزت تلك العقول القاصرة عن  فهم سر العراق الكبير وصيرورته التأريخية  بعد كل مجازر الدم الطهور المراق في شوارع  بغداد المنصور، واكتشفت بعد خراب كل قصور الوهم الطائفي ان بغداد عصية على التقسيم، وان أهلها مرابطون مؤمنون ومجاهدون ومقاومون على كلتا الضفتين.

 

وان دجلة الخالد يظل ضمانة الوحدة العراقية ونبعها الصافي. ودجلة وفي لمجراه وضفته اليسرى تبقى قلب العراق وجسر عبور الفتح فيه.  لهذا سقطت أحلام عبد الذلة حكيم اصفهان  وعصابات بدر والدعوة الصفوية من ان تجد عاصمة لكيان تحكمه العمائم .

 

ولقد تأكدوا ان  تهجير الملايين من حول ضفاف دجلة عربا كانوا ام اكرادا ، سنة  كانوا ام شيعة،  لا يخلق ذلك الفراغ الذي ارادوا ان يحلوا به ناعمين بعراق من دون أهله. وقد تأكدوا  ان العراق لا يستملك بتلك السهولة،  ولا يباع في سوق النخاسة،  لا في بورصة وول ستريت الامريكية ولا البازار الايراني . والارض العراقية لا توجد فيها مواطئ أقدام ثابتة للغزاة ولا لعملائهم سواء جاؤوا من الشرق أو الغرب.

 

وكما عبر سعد ابي وقاص وجنده وصحبه  الفراتين الى المدائن وانتصر القعقاع بن عمرو  وهزم رستم وقبله البيرزان واتم الله نصر العرب والاسلام على ضفاف دجلة اليسرى عند المدائن . كان يسار دجلة موطأ أقدام الفاتحين للعبور الى ارض فارس ومنها الى اسيا البعيدة.

 

نعم يسار دجلة ظل كما هو دائما محطة ومنارة للتاريخ ، ورباط استغاثة ونخوة  لمن طلب الفتح والجهاد في سبيل الله . عبرته خيول سعد وعاصم بن عمرو ذو البأس ، وانتدب معهم أهل النجدات من بني ولاد وشرحبيل، والتقى الجمعان في واحدة من اكبر ملاحم التاريخ العربي . كان الناس والفرسان يعبرون النهر بخيولهم وأفراسهم،  ويتحدثون في عومهم من دون وجل امام تيار النهر الذي كان يتدفق كالبحر الغاضب ، تهتز امامهم فرائص شجعان وقادة وجيوش وفيلة كسرى. لم يحمي الفرس في تلك الليلة المباركة تحصنهم بالقصر الابيض، وفي إيوان كسرى. وتم العبور،  فعرض سعد وصحبه من أخيار العرب  الذين لبوا نداء الفتح  على الفرس اختيار واحدة من ثلاث شروط  من دون تفاوض.  اختار الفرس منهن الجزية.

 

ودخل سعد المدائن حتى انتهى الى حيث  ديوان كسرى فصلى ركعتين ثم تلا الاية الكريمة : (كم تركوا من جنات وعيون*  وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأرثناها قوما آخرين). [كان ذلك في شهر صفر لسنة 16 هـ ]. ومن هناك توالى الفتح الى الاهواز والى نهاوند وموقعة جلولاء التي حسم بها الامر وفيها اسرت بنت كسرى وحملت الى المدينة معززة مكرمة. كان يسار دجلة محررا وفاتحا الطريق لموجات الفتح المتتالية.

 

ودجلة ذاته اليوم وغدا، يبقى  في كل مرة يحمل الزحف الى يسار ضفته مددا،  ولم يخب في أي معركة خاضها الثوار.

 

واليوم  يبقى جسر الائمة شاهدا على بقاء دجلة رباطا للعابرين من اجل تحرير العراق. ودجلة يشهد على براءة الامام الاعظم والامام الكاظم من لعبة التقسيم الطائفي المقيتة . ظل الجسر موصولا بين الضفتين،  وبدأت أجزاء بغداد المفصولة بالجدر الطائفية الاسمنتية تسقط جدارا  إثر جدار  في الرصافة والكرخ وما بين الفضل وابي سيفين. لذا اعترف المملوك القابع على كرسي وزارة الاحتلال الرابعة بعظمة لسانه انه  "لا توجد بعد اليوم منطقة خضراء ولا منطقة حمراء في العراق" . وبهذا التصريح صدق المملوك مرة واحدة  طالما انه اقتنع ان المقاومة عبرت كل الضفاف، واجتازت كل الجدر الاسمنتية والخرسانات المسلحة.  ولم يبق أمامه وغيره سوى الهرب قبل توقيع اتفاقية الذل والخيانة. إن يسار دجلة عصي على العبور .

 

وعلى ذات الطريقة غنت واهمة عقول الزرازير الكرد عند الضفة اليسرى من دجلة الموصل  فاستباح الجناة حرمة النهر، بممارسة الذبح والقتل والتهجير القسري بحق اخوتنا المسيحيين والاشوريين الساكنين على يسار دجلة . حملة تطهير عرقي أخرى جاهلة لحقائق التاريخ والجغرافية ، حملة ساذجة مقترنة بوهم الوصول بعناصرهم الكردية ومرتزقتهم الى صندوق انتخابات مجالس المحافظات  بعد إخلاء الضفة الشرقية من النهر من ساكنيها ولايصال  جلاوزة البيشمركة عنوة في تمثيل اهل الموصل،  كي تصبح الموصل في نظرهم،  وفي ذهنية مخططاتهم الغبية، محافظة كردية لتضم الى كردستان الكبرى؟؟ .

 

ولكي يكون لهم  فيها موطأ قدم انتخابي لذا  أقدموا على تكرار نفس حماقة آل حكيم في  طرد أهل الرصافة من الضفة اليسرى لدجلة العراق الخالد في بغداد، وما فشل في بغداد طائفيا يراد تكراره  في الموصل قوميا ودينيا ضد المسيحيين على أيدي قادة الكرد ومطامعهم التوسعية .

 

ولأن دجلة مرة أخرى عصي على العبور،  ولا يغير مجراه عن ارض الرافدين،  وهو الخافق بحب أهل العراق،  من زاخو الى جنوب الكويت،  فهو يسقط الانفصاليين مرة أخرى في  وحل مخططات الانفصال لاقامة دويلات الاحزاب والمليشيات الكسيحة وهوالضامن بكنسهم في طوفاناته عندما يفيض لحظة الثورة والتحرير.

 

ان الذي قادني الى مسميات تلك العقول الكردية والشيعية الفارسية الانفصالية وتشبيهها بعقول الزرازير او العصافير، لا الى تماثل  بيولوجي في بنية تلك الادمغة، ولا في قصر وغباء تجربة عقول تلك الطيور الوديعة؛ بل لبلادتها امام الطعوم التي تقدم اليها عند صيدها. ولأن حكمة العراقيين علمتني ان أقول المثل الذي صاغه أهلنا في مثل هذه الحوادث للعبرة مذكرين دائما بغباء الطيور التي يمكن اصطيادها باستدراجها الى الاقفاص وبحفنة حبوب تسقط في الفخاخ والشبك  المنصوبة لها .

 

بالأمس، وبعد أن أقر قانون الانتخابات للمحافظات من قبل مجلس الغمة  ونسي في ديباجته حقوقا للتمثيل لابناء الاقليات الدينية والقومية في المحافظات العراقية ، صرح أحد أبناء الحكيم الحالم في فيدرالية الجنوب : ان الانتخابات القادمة لمجالس المحافظات ستضمن للصابئة المندائيين في محمية الفيدرالية الجنوبية مقاعد خاصة  سنمنحها لهم  في مجالس محافظات الجنوب بترشيحهم  ضمن القوائم الشيعية؟.  وعندما ذكره أحدهم بأنهم  صابئة وغير مسلمين،  وأنهم عرب أقحاح رافضون للترشح مع الاعاجم،  ويصعب اقناعهم بقبول الترشيح في القوائم المزكاة سيستانيا . رد "سماحة"  المستحمر الحكيم:   إذن إجمعوهم قسريا  في  محافظة  من  محافظات  الاهوار لحاجتهم  للماء في طقوس التعميد الخاصة بهم  وسوف نمنحهم حكما ذاتيا يتمتعون به بسلطة خاصة بهم  سواء في مدينة العمارة او الناصرية .

 

وعلى نفس القياس صرح مستحمر كردي آخر اسمه سركيس أغا جان يحتل منصب وزير مالية دويلة  برزان المسعودة :  انه مستعد  لحل مشكلة المسيحيين المهجرين من الموصل وغيرهم  بالقمع  البيشمركي،  وجمعهم في مناطق معينة من كردستان او شرق الموصل والقوش او دهوك . وان القيادة الكردية توافق على منح المسيحيين والاشوريين وربما الكلدان معهم، حق اقامة كيان مستقل لهم شمال العراق، يتمتع بالحكم الذاتي، ضمن دويلة كردستان.

 

هذا الاغا خان،  وذاك الملا  أغا ،  كلاهما يحتاج الى ترجمان  في لحظة من لحظات آخر الازمان.  من انتم ايها الغلمان  لكي تمنحوا غيركم اقامة كيانات للاقليات الدينية والقومية في العراق؟  وكيف تمنحون الحكم الذاتي لمن تريدون عزله وتصفيته وطنيا؟. علي ان اقول لكم جميعا : ان كيانا اسمه وعنوانه  حكومة الاحتلال الرابعة بكل لواحقها و احزابها وعملائها وبرلمانها ومليشياتها وجيشها وشرطتها لم يحصلوا جميعا بعد على حق اقامة الحكم الذاتي لهم في  العراق،  سواء عند اطراف المنطقة الخضراء  او في مكاتب سفارة بوش في العراق او داخل السفارة الايرانية في الصالحية.

 

 واذا كان هؤلاء الاغبياء يعتقدون ان مجرد  طبع حوافرهم على ورق صك الاستحمار والانتداب  للامريكيين بتوقيع الاتفاقية الامنية مع فلول وبقايا القوات الامريكية المنسحبة من العراق يعطي او يكفل لهم ضمانة لبقاء كياناتهم الطائفية  والقومية  فأ قول لأذكرهم بسخرية المثل العراقي الحكيم في مثل هذه الحالة المضحكة المبكية التي يقول فيها  أهلنا الصابرين في العراق:

 

( عصفور كفل زرزور وإثنينهم  طيارة )

 

وان غدا لناظره قريب 

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ١٦ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٥ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م