الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

الاتفاقية الامنية : مخاطر منظورة وكوارث مطمورة

مسك الختام : دور الكذب في السياسة الامريكية

 

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

 

 يروي الجاحظ انه شاهد بغلا يركض خلف فقيه التف بطيلسان اخضر ظنا منه انه حزمة عشب

الجاحظ في ( رسالة البغال )

مسك الختام : دور الكذب في السياسة الامريكية

ان من يظن بان اكاذيب الادارة الامريكية التي استخدمتها غطاء لغزو العراق ، ككذبة امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل والصلة بالقاعدة والتي اعترفت الادارة الامريكية بانها كانت محض اكاذيب ، مجرد حالة استثنائية في السياسية الخارجية الامريكية ، يقع ضحية وهم كبير ، لان الكذب مكون اساسي في كل سياسة استعمارية ، بشكل عام ، لكنه يتميز في السياسات الاستعمارية الامريكية بانه نهج رسمي متبع ، ويعد ( مشروعا ) وطبيعيا كالتنفس بالنسبة للانسان ! وقبل ان نقدم الادلة المادية على ان الكذب مكون اساسي وعضوي في جوهر السياسة الامريكية لا بد من التذكير بالبيئة الاخلاقية والفلسفية لظاهرة الكذب في السياسة الامريكية .

ان اول مصدر للكذب في السياسة الامريكية هو الفلسفة التي سادت في امريكا وهي الفلسفة الراغماتية ، والتي تقول بانه لا توجد حقيقة مطلقة بل هناك حقيقة تتقرر وفقا للذات ومصالح الذات ومنافع الذات وملذات الذات ...الخ ، ولذلك فان الفرد هو من يقرر ما هو صواب او خطأ وليس القانون او القيم العامة او الواقع المعاش ، وان تحقيق المنفعة هو المعيار الحاسم في القرارات الانسانية . ووفقا لهذه الفلسفة فان النزعة الفردية الانانية هي المتحكمة في الاهداف والسلوك . والاهم والاخطر فان الفلسفة الامريكية ترى ان الشر والفساد مكونان طبيعيان  في البشر ، وليسا نتاج بيئة اجتماعية كما نؤمن نحن الاشتراكيون ، وان المطلوب تخفيفهما وضبطهما بالقوانين وليس القضاء عليهما ماداما جزء من طبيعة البشر !  هذه البيئة الفلسفية لا تنتج الا السلوك الاناني والوحشي لانها تطلق العنان لكل الرغبات وتحولها الى حافز   ( مشروع ) بالنسبة لصاحبها ، لانه هو من يقرر ما هو مفيد وماهو غير مفيد ، حتى لو الحقت الضرر بالاخر ! لكن تعدد الافراد واعتقاد كل واحد منهم انه على حق وغيره على خطأ ينتج اليات تنظم العلاقات بين اناس يتحفز كل واحد منهم لالتهام الاخر ، ومن اهمها الية الكذب والتضليل المبرمجين بدقة .

وتجسدت الثقافة القائمة في جوهرها على انتاج الكذب على نحو تلقائي في تعابير او امثال امريكية مشهورة مثل :

1 – لا يوجد انسان لا يمكن شراءه والفرق هو في الثمن .

في هذا المثل اسقطت الثقافة الامريكية اي رادع قيمي وجعلت من الانسان حيوانا يبيع نفسه لمن يدفع ، ومن يبيع نفسه يعرض قدرته العقلية على الكذب للبيع ، وبما انه يعرف انه يكذب تنغرس جرثومة عهر الضمير فيه مبكرا !

2 – اذا صدمت جدارا صلبا تراجع واذا صدمت جدارا هشا فتقدم .

هنا نرى النخبوي الامريكي عبارة خلد اعمى يتحرك في ظلام نفقه المظلم  ويتخذ من العوائق التي يصطدم بها اثناء المشي محددا لوجهته .

3 – اذا لم تستطع عض يد قبلها ( او صافحها ) .

هنا نرى جذور النزعة الانتهازية الامريكية .

4 – لا يوجد صديق دائم او عدو دائم بل توجد مصلحة دائمة .

اسقاط القيم واضح هنا لان الصلة بين البشر هو المصلحة وليس الصداقة والمبادئ والقيم والقانون .

في هذه الامثال الاربعة  وضعت قاعدة الانتهازية الاجتماعية والفردية وبرزت المصلحة الانانية كقوة طاغية ومحركة للفرد وليس القيم الاخلاقية والحقوق .

ان هذه الثقافة يتشرب بها الانسان وهو طفل فينشأ وهو يعتقد انها الحقيقة الشاملة والنمط الاخلاقي الوحيد الصحيح ، ومن ثم فانه يصبح جاهزا للقيام بكل ما يخدم مصالحه الخاصة حتى لو تم ذلك على حساب ومصالح الاخرين . وجسد هذا النمط على مستوى جماعي في بروز امريكا كدولة تسعى للسيطرة على ثروات الاخرين حتى لو تطلب ذلك ابادة الملايين من البشر ، دون احساس بالذنب او توبيخ الضمير ، لانه مدجن اصلا لخدمة المصلحة الانانية للفرد او للجماعة . والكذب هو ابرز اسلحة هذه الثقافة لانه من بين اهم وسائل خداع الضحية او الاخر واصطياده ، وهو مشروع عمليا حتى لو ادين نظريا ! ويجب هنا ان نذكّر بان مصدر هذه الفلسفة الاجتماعية هو طبيعة النظام الراسمالي الامريكي الذي نشأ في بيئة مهاجرين مختلفي الهويات والثقافات والتكوينات النفسية كما اشرنا ، لذلك فانه نظام راسمالي يشعر انه بلا جذور راسخة تحميه من السقوط ، فيلجأ واكثر من اي استعمار اخر ، واكثر من اي راسمالية اخرى ، لاستخدام اساليب هي الافظع والاكثر وحشية لاخضاع او ابادة الضحية لاجل الاستيلاء على ثرواته .

وما فعله النظام الراسمالي الامريكي بالهنود الحمر وهم السكان الاصليون لامريكا يعد انموذجا صارخا ومتطرفا للوحشية ، وهو ابادة اكثر من 95 % منهم ويقدر ب( 112 ) مليون انسان ، علما ان سكان اوربا وقت ابادة الهنود الحمر كان عددهم  52  مليون اوربي ، مما يعني ان الهنود الحمر لو لم يبادو لاصبح عددهم الان اكثر من 700 مليون انسان ! ان ما فعله المستعمر الابيض هو انموذج للقدرة الفائقة على التهام الاخرين وهم احياء لدى هانيبال ليكتر الامريكي ! وبعد الهنود الحمر شنت امريكا اكثر من عشرين حربا واعتداء على الاخرين ، وهو عدد من الحروب لم تشنه اي دولة اخرى ، وكان الهدف دائما هو نهب الثروات وابادة الملايين .

وبما ان تضليل الراي العام الامريكي والعالمي غير ممكن الا بالكذب فقد طورت امريكا افضل واذكى اساليب الكذب المنظم ، من اجل التخلص من المسائلة القانونية للكذاب اذا كان مسؤولا حكوميا ، ووضع كل مسؤول امريكي صغيرا كان او كبيرا ، وكل شخصية معروفة لاي سبب كان ، امام مثل او قول امريكي اخر وهو ( خالف القانون واكذب ولكن اذا امسك بك وانت تفعل ذلك فعليك ان تتحمل المسؤولية وحدك ونحن لا صلة لنا بك ) ، وتحكمت هذه القاعدة بتاريخ الكذب الرسمي الامريكي الحافل والفريد في تاريخ الكذب في العالم .  وفيما يلي امثلة عليها تفصح عن الدرجة المتدنية اخلاقيا لاغلب الساسة الامريكيين :

اولا : في السبعينيات من القرن الماضي تفجرت ( فضيحة ووتر جيت ) وهي عملية تجسس على بناية مقر الحزب الديمقراطي المنافس للرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون ، وحينما سئل نيكسون ان كان يعلم بعملية التجسس انكر علمه بها وكان الاستفسار دون قسم ، ولكن حينما اكتشف في سياق التحقيق بانه يعرف اجبر على الاستقالة ، لان الجميع تخلو عنه وفقا للقول السائد ( خالف القانون واكذب ولكن اذا امسك بك وانت تفعل ذلك فعليك ان تتحمل المسؤولية وحدك ونحن لا صلة لنا بك  ) . لقد اجبر نيكسون على الاستقالة وبقي هدفا للسخرية والاهانات حتى وفاته . وقد توحي هذه العقوبة بان القيم الاخلاقية قوية في امريكا بدليل ان رئيسا قد اطيح به لانه كذب ، لكن الواقع يقول بان الاجبار على الاستقالة كان دافعه براغماتي نفعي تنظميي وليس اخلاقيا لان الكذب على مستوى الرئيس يضع الدولة امام خطر كبير !

ثانيا : في التسعينيات ، اي بعد حوالي عقدين من الزمن ، تدهورت حتى القيم الامريكية السائدة وابرزها محاسبة المسؤول حينما يكذب ومعاقبته ، لان الرئيس الامريكي بل كلنتون لم يكتفي بالكذب وحده بل وجهت له رسميا تهم ثلاثة كبيرة وهي : -

1 - كذب وهو تحت القسم بعدم قول الحقيقة حينما تفجرت فضيحة مونيكا لوينسكي ، وهي ممارسة الرئيس الامريكي الجنس مع هذه العاملة في البيت الابيض ، وفي المكتب البيضاوي للرئيس وفوق طاولة الرئاسة بالذلت ! ثم لم يكتفي بذلك فوضع سيكاره في العضو التناسلي لمونيكا !!! كلنتون انكر ذلك ولكن حينما كشفت كذبته اضطر للاعتراف بانه كذب .

2 -  عرقلة تطبيق العدالة .

3 - استغل منصبه لاغراض خاصة !

 ورغم هذه التهم الثلاثة ، والتي تشكل كل واحدة منها عنصر ادانة اقوى بكثير من كذبة نيكسون ، الا ان التدهور الاخلاقي الذي ازداد على مستوى النخب الحاكمة ادى الى عدم معاقبة كلنتون ! لقد ازداد الانحطاط في امريكا خلال عقدين من الزمن لدرجة ان كلنتون لم يسلم من العقاب فقط بل ازدادات شعبيته ! وهو ما دفع الى التساؤل عن السر في الدلال والتساهل معه مقارنة بمعاقبة نيكسون حتى وفاته ، كما فعلت مجلة التايم الامريكية في نهاية عام 1998 او بداية عام 1999 على ما اذكر .

ثالثا : لم يكذب رئيس امريكي مثلما كذب جورج بوش الابن على الاطلاق ، وهناك اكثر من شبكة في الانترنيت تفضح اكاذيب بوش  ومظاهر غباءه ، ومنها ( شبكة دوبيا ) ، ودوبيا هو اسم بوش في مجال السخرية . وفي زمنه لفقت تهم اسلحة الدمار الشامل والصلة بالقاعدة وعشرات الاكاذيب الاخرى ضد العراق ، ولكن اشدها شهرة اكاذيب وزير خارجيته كولن باول الذي وقف في مجلس الامن حاملا قارورة صغيرة ولوح بها قائلا ( ان صدام حسين وضع في قارورة بهذا الحجم مواد سامة تكفي لقتل الملايين ) ، ثم عرض صور ، في قاعة مجلس الامن امام ملايين العالم الذي كان يتابع الخطاب ، لشاحنات متجولة التقطت من الفضاء لتبدو حقيقية ، وقال بثقة ( ان اسلحة الدمار الشامل العراقية تنقل في سيارات متحركة لتجنب العثور عليها ) ! ولكنه ما ان خرج من وزارة الخارجية حتى اعلن مباشرة انه يشعر بالعار لانه ردد اكاذيب مهدت لغزو العراق !

رابعا : ان تقليد نقد الذات وكشف الكذب لا يتم الا بعد الخروج من المسؤولية ، مثلما فعل كولن باول وقبله الرئيس الاسبق جيمي كارتر في كتابه حول القضية الفلسطينية ، والذي تضمن نقدا للسياسة الامريكية تجاه القضية الفلسطينية مع انه ( مهندس ) اسوأ اتفاقيتين وضعتا الاساس والبداية للتفريط بالحقوق العربية ليس في فلسطين فحسب بل في مصر ايضا ، وهما اتفاقيتي كامب ديفيد مع السادات . وهذا ايضا ما فعله ماكليلان الناطق باسم البيت الابيض مؤخرا بعد تقاعده بتاليف كتاب عن سياسة بوش الابن حول العراق ، والذي اعترف فيه بان الاكاذيب كانت احد اهم اساليب غزو العراق ، وانه كان يدافع عن هذه الاكاذيب بصفته ناطقا باسم البيت الابيض !

ان السؤال الذي لا بد ان يطرح هو : لم لا ينتقد اي مسؤول امريكي سياسات امريكا اويتوقف عن الدفاع عنها وهو في الحكم او الوظيفة ويدينها بشدة بعد ترك الوظيفة ؟ الجواب القاطع هو ان التأثير الحاسم في الحكم  في امريكا ليس بيد الرئيس ولا الكونغرس بل بيد مافيات راس المال الامريكي التي تصنع الرؤوساء واعضاء الكونغرس وحكام الولايات  وكل مسؤول كبير ، لخدمة اهدافها ، ولذلك نرى الجميع مطايا مطيعين ( لاتفاقية الجنتلمن ) – اي الاتفاقية غير المكتوبة - التي وافقوا عليها قبل انتخابهم او تعيينهم مقابل هذا الانتخاب او التعيين ما دامو في المسؤولية ، لكن بعضهم ومع عدم اعتراض المافيا يقوم بالنقد لاسباب عديدة ، منها امتصاص ردود الفعل السلبية على السياسات القائمة على الاكاذيب في اوساط معينة من الراي العام الامريكي والعالمي ، عبر هذا النقد الفردي غالبا وليس الرسمي لكامل الاخطاء او الجرائم . كما ان ثمة صيغة اخرى للاعتراف بالاكاذيب او الجرائم الامريكية تقوم على نقد حالة معينة في السياسات الامريكية بعد زوال من قاموا  بها واستحالة محاسبتهم لوفاتهم ، كما حصل في حالة الهنود الحمر حينما وجهت انتقادات لسياسات ابادتهم المنهجية بعد مئات السنين من حدوثها ! او كما حصل حينما اعتذر كلنتون وهو رئيس عن اجراء تجارب على السود بصورة لا انسانية وعدهم جرذان مختبر وقام بذلك امام مجموعة من الضحايا المتبقين دون ان تؤدي تلك الانتقادات سواء الرسمية او الشخصية للتوقف عن الاكاذيب لامرار السياسات الاجرامية .

خامسا : ويصل الانحطاط الاخلاقي ذروته بتأكيد اوساط رسمية او اكاديمية بان عمليات الابادة الجماعية والقتل والتعذيب التي تمت كانت ضرورية لفتح الطريق امام التقدم العلمي التكنولوجي واستغلال الثروات التي عجز السكان الاصليون عن استثمارها مع انها تعود للانسانية كلها ! ومن هذا المنطلق فان ابادة وتدمير الاخر هو عمل مذموم لكنه ضروري تاريخيا ، ولولاه كما يدعون لما نشأت امريكا دولة متقدمة وثرية على انقاض كيان بدائي هو كيان الهنود الحمر ، ولما نشأت دولتي جنوب افريقيا وزيمبابوي ولا قامت استراليا ، وفي المقدمة من كل ذلك لما قام الكيان الصهيوني في فلسطين على حساب سكانها الاصليين العرب ... الخ من هذا الكلام الاستعماري ، الذي يقوم على الاعتراف بالخطأ بعد فوات الاوان وتبريره وتسويقه على انه كان ضرورة تاريخية لفتح الطريق امام التطور والتقدم والحداثة ، رغم كل ما ترتب عليه من مأس ! وهنا يجب ان نتذكر بان هذا النقد لا يقترن بمحاسبة من ارتكب الجرائم اما لانه مات او لان منطق النقد قائم على انتقاد اساليب عمل دون ادانة العمل ذاته .

في ضوء ما تقدم فان الكذب في السياسة الامريكية ، ولدى النخب الامريكية ما هو الا مكون اساسي ، وليس ثانوي ، من الشخصية الاخلاقية للنخب الامريكية الحاكمة او المؤثرة في صنع القرار ، سواء في الشركة ، لان  داينمو وجوهر التجارة غالبا هو الكذب والخداع من اجل ترويج البضاعة ، او في التعامل مع الخارج ، لطمأنة الضحية و تجريده من حالة الدفاع الطبيعية ، وهي الاستعداد لمواجهة خطر اذا كان صريحا ، ومن دون الكذب لا تمر سياسات  ولا تنجح خطط مادامت الظاهرة الراسمالية تقوم في الجوهر على استغلال البشر في الداخل ، وعلى الغزو الاستعماري في الخارج من اجل النهب وابادة للملايين ، وهي اعمال اجرامية بكل المعايير الانسانية والقانونية والاخلاقية .

وهنا وبعد هذا الشرح لدور الكذب في السياسة الامريكية علينا ان نتذكر ان امريكا تريد تتويج اكبر خطوة في تاريخها الاستعماري كله عبر سلسلة اكاذيب مدروسة بدقة ، وهي السيطرة الكاملة على كل منابع النفط في العالم من اجل استخدامه كاخطر اداة ابتزاز ظهرت في التاريخ الانساني لكافة الشعوب والامم ، لان النفط هو عماد الحياة العصرية ودمها ، كما قال هارولد براون وزير الدفاع الامريكي الاسبق وكما اكد مبدأ كارتر ، وهو الذي يقرر حركة الاقتصاد العالمي والتطور التكنولوجي واستقرار المجتمعات خصوصا المتقدمة .  لذلك وبسبب هذه القيمة الابتزازية القاتلة للنفط فان هدف السيطرة على كل منابعه ، وهي عملية لا تكتمل الا بغزو العراق بصفته مالك اكبر احتياطي نفطي ، يشكل شرطا حتميا ومسبقا لبقاء امريكا قوة مهيمنة على العالم ، وبدونه لن تستطيع مجاراة الدول الراسمالية لصاعدة فقط بل الاخطر ان امريكا سوف تتعرض لاليات التفكك الداخلي الحتمية نتيجة تفاقم ازمتها البنيوية . فهل نتوقع منها غير الكذب لتمرير ما تريد في اخطر معاركها في كل التاريخ الامريكي على الاطلاق وهي معركة العراق ؟

ومن يظن ان امريكا لن تكذب او تناور حول الاتفاقيتين النفطية والامنية اما جاهل او انه يريد تنفيذ ما تأمره به امريكا ، بل ان الكذب في حالة العراق وغزوه وقرار البقاء فيه يفرض على امريكا ممارسة اكبر حملات الكذب في كل تاريخها وتقوم هذه الحملات على تزوير الحقائق او خداع الناس بصيغ غامصة او مطاطة او بوعود كاذبة ، وقبل هذا او ذاك باستخدام سياسة شيطنة الضحية امام العالم لضمان سكوت الكثيرين على جريمتي الغزو والابادة .

الديمقراطية الليبرالية في العراق لماذا ؟

من يدقق في الخطوات الامريكية في العراق بعد غزوه سيلاحظ بوضوح كامل ان امريكا تريد بناء كيان سياسي في العراق يقوم على الفدرالية التي تستخدم مدخلا للكونفدرالية ، والقائمة على المحاصصة الطائفية والعرقية وليس على اساس جغرافي ، وفي هذا الاطار وبقوته فان الديمقراطية التي ورد ذكرها في الدستور الامريكي الصهيوني الذي وضعه نوح فليدمان ، هي ديمقراطية ليبرالية يراد فرضها في بلد لا تسمح كل معطيات تاريخه وواقعه الاجتماعي وثقافته الوطنية بقبولها ، فاذا كانت امريكا بالذات لم تسمح ببروز اكثر من حزبين رئيسيين ، هما الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري لاسباب معقولة ، فكيف تريد فرض نظام ديمقراطي ليبرالي يسمح بتحول العراق الى مسرح لتنافس وصراع مئات الاحزاب التي لا تقوم الا على اساس المصالح الفردية والفئوية ؟  ان المعنى الوحيد والهدف الابرز لفرض الديمقراطية الليبرالية على العراق هو تمزيقه بايادي عراقية وتحت غطاء الديمقراطية وحكم الشعب !

ان العراق لن يتقدم او يتحرر من امراضه ومشاكله الداخلية الا بسياسات مختلفة جذريا عن السياسات الاستعمارية الحالية ، وفي مقدمة ما يحتاج اليه هو نظام ديمقراطي شعبي وليس ليبرالي تقوده القوى الوطنية التي حررت العراق من الغزو بعد اجراء انتخابات حرة لا يشارك فيها من شارك في الغزو او دعمه بل تكون مقتصرة على من وقف ضد الغزو .

والسؤال الذ ي نختتم به الدراسة هو الاشارة للفقرة التي ذكرت تحت العنوان الرئيسي لها واقتبسناها من الجاحظ : من هو الفقية الذي ارتدى طيلسانا اخضر ؟ ومن هو البغل الذي ظنه حزمة عشب فركض وراءه ؟ وهل الحيوان الذي نتناوله في هذه الدرسة بغلا مع ان البغل عنيد ؟  ام حمارا اشتهر بالطاعة والصبر مهما تلقى من ضربات بحذاء صاحبه ؟ اليست الاتفاقية هي الطيلسان الاخضر ؟ وهل من يركض وراء التوقيع عليها هو البغل ؟ ام انه الحمار ؟ واستمرار لهذه التساؤلات يطرح التساؤل الاخير : هل يستطيع البغل الذي تحمّر ، اي صار حمارا ، اتخاذ القرار الصحيح مع انه امعة ومسير ويتحمل كافة اشكال الاهانات ؟

أنتهت الدراسة

 
النصف الاول من تموز – يوليو / 2008

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاحد /  17  رجــــب  1429 هـ

***

 الموافق   20  /  تمــوز / 2008 م