الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

حزب الله وتصدير المقاومة والرموز ! 

 

 

شبكة المنصور

سعد داود قرياقوس

 

ما تتعرَّض له المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة من محاولات التحجيم ومصادرة الانجازات وتحريف الهويَّة ليست بالجديدة، بل ظاهرة رافقت الفعل المقاوم منذ انطلاقه في نيسان 2003. وإذا كنَّا نفهم دوافع حقد سلطة الاحتلال ومساعيها لتشويه هويَّة القوَّة التي أحبطت مشروعها وحوَّلته إلى شظايا متناثرة يصعب على إدارة بوش إو الإدارة الأمريكيَّة القادمة جمعها. وإذا كنَّا ندرك أسباب حقد عملاء الاحتلال على المقاومة وسعيهم إلى إلصاق شتَّى التهم بها، فالمقاومة بمشروعها الوطني المعبِّرعن إرادة شعب العراق قد نجحت في منع الحكومة العميلة من الحصول على أيِّ قدرمن الشرعيَّة الوطنيَّة. لكنَّنا نعجزعن فهم دوافع المواقف السلبية إزاء مقاومة شعبنا في العراق لكتَّاب وشخصيَّات تدَّعي الإيمان في خيار المقاومة العربيَّة ، فتقلِّل وقع انتصاراتها، وتشكِّك في هويَّتها، وفي كونها مشروعًا وطنيًّا جامعًا لكلِّ مكوِّنات المجتمع العراقي، ومعبِّرًاعن طموحاته في دحرالاحتلال ونيل حرِّيَّته واسترداد سيادتة.

 

مقال السيِّدة حياة حويك عطيَّة الموسوم: "أ سئلة  لم تطرح"، المنشور في عدَّة مدوَّنات عربيَّة منها مدوَّنة "الكادر"، يندرج بكلِّ أسف ضمن المساهمات التي لا يمكن وصفها إلاَّ بالسلبيَّة، لتضمُّنه قدرًا كبيرًا من الاستفزاز لشعور شعبنا في العراق وقواه الوطنيَّة، وبخسًا لجهود مكوِّن أساس من مكوِّناته، ومصادرة لحقوق المقاومين، وتجييرًا لإنجازاتهم، ومحاولة غير موفَّقة لرهن الانتصار الحتمي لشعب العراق بحركة سياسيَّة عربيَّة، وبشخصيَّة لا تمتُّ إلى المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة بصلة. طروحات استغربنا صدورها عن شخصيَّة ذي تجربة صحافيَّة طويلة وخبرة سياسيَّة كالسيِّدة عطيَّة!

 

من الضرورة أن نشير إلى أنَّ ما ورد في المقال لا يشكِّل حاله منفردة بل جانبًا من ظاهرة شاعت بين أوساط وشخصيَّات عاملة داخل الفضاء السياسي اللبناني. أصحاب هذا المزاج يسعون بحماس متحيِّز بعيد عن الموضوعيَّة إلى خلق استحقاقات لـ "حزب الله" اللبناني، وتجيير كافَّة التطوُّرات الإيجابيَّة في المنطقة لـ "الحزب" وحلفائه، وفي مقدِّمتهم النظام الإيراني. وإذا كان من حقِّ أنصار الحزب المذكور التمتُّع بهذه المزاجيَّة، والإشادة بانتصاراته التي أشدنا بجانب منها، لكن لا يحقُّ لهم تحريف طبيعة الصراع الدائر في أرض العراق، ولا يحقُّ لهم النيل من إنجازات المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة، والتشكيك في الالتزام الوطني لمكوِّنًا عراقيًّا أصيلاً. ولا يحقُّ لهم قطعًا خلق نجوميَّة زائفة وأدوارًا ملفَّقة لـ "حزب الله" في زخم المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة وإنجازاتها.

 

الفكرة المركزيَّة للمقال تكمن في محاولتها منح "حزب الله" دورًا في فعَّاليَّات المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة، ورهن هزيمة المحتل الأمريكي بقدرة هذا الحزب على "تثوير" مكوِّن أساس من مكوِّنات شعب العراق، وربط مقتل عماد مغنيَّة بهذا الدور!

 

ما الذي طرحته السيِّدة عطيَّة ؟

 

قدَّمت لنا الكاتبة تفسيرًا لمقتل عماد مغنيَّة احتوى قدرًا من عناصر الخيال واللاواقعيَّة، بإرجاع أسباب مقتله إلى "تدخُّل حزب الله في العراق"، وإلى الأدوار التي كانت مناطة به كمخلِّص لشعب العراق من براثن الاحتلال وقيادته لإلحاق الهزيمة بالمشروع الكوني الأمريكي!

 

لماذا قتل عماد مغنيَّة ؟

 

أكثر ما يثير الاستغراب في هذه المساهمة، استبعاد الكاتبة غير المباشر لاحتمالات التورُّط الإسرائيلي في اغتيال مغنيَّة لأسباب لبنانيَّة، وربطها اغتياله بتطوُّرات مستقبليَّة واقعة خارج الفضاء اللبناني. كان من المؤمَّل أن يلعب مغنيَّة دورًا قياديًّا في حسمها. أو كما عبَّرت عنه بصيغة استفسار: "هل هو شهيد الانتصارات الماضية المنجزة؟ ام هو شهيد تحوُّلات يمكن أن تؤدَّي إلى انتصارات ما تزال إرهاصاتها في بداياتها، في مكان آخر؟" لذا، فاغتيال مغنيَّة، وفقًا لما لمحت له الكاتبة، مرتبط بالتطوُّرات المستقبليَّة  للمشهد السياسي العراقي! كيف؟ تذكِّر السيَّدة عطيَّة بأن ساحة المواجهة الحاسمة التي "تحدِّد مصير الإمبراطوريَّة الأمريكيَّة هي ساحة العراق وليست ساحة المواجهة في لبنان وفلسطين، فهناك، أي، في ساحة العراق سيتقرَّر مصير المنطقة، ومصيرالإمبراطوريَّة، ومصير العالم"! هذه النتيحة لن تتحقَّق إلاَّ إذا وصلت "المقاومة العراقيَّة لان تكون سنيَّة- شيعيَّة ". كما وأنَّ فشل المشروع الأمريكي لن يتحقَّق إلاَّ بعد توفُّر شرط مهمٍّ، أو كما أخبرها من وصفته بـ "سياسي أوروبي كبير خبير بشؤون المنطقة" قبل سنتين في باريس: "لن يفشل الأميركيُّون في العراق، ولن يتحرَّرهذا البلد إلاَّ إذا تمَّ تثوير شيعته ضدَّ الاحتلال." السيِّدة عطيَّة لم تترَّدد في التلميح إلى أنَّ اغتيال مغنيَّة مرتبط بمشروع المقاومة في العراق، أو بمساعي تثوير "شيعته". ومرتبط أيضًا بـ "تدخُّل حزب الله في العراق". التدخُّل الذي تقدِّم لنا مؤشِّرات ثلاث على وجوده وتناميه:

 

الأوَّل، يكمن في "الأنباء والفيديوهات المصوَّرة التي بثَّتها وسائل إعلام متعدِّدة، ولا سيَّما قناة "المنار" عن عمليَّات هناك، سواء باسم "حزب الله" أو باسم تنظيمين آخرين (كان ثلاثتهم حضورًا في تشييع مغنيَّة)."

 

الثاني، تدخُّل "حزب الله" في مقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق، يستند على "حديث غورد براون عن الأسس الوحيدة التي تشير إلى دليل جديد لتورُّط "حزب الله" في دعم الإرهاب في العراق، عبرالتخطيط لاختطاف مسؤولين بريطانيِّين هناك، وتوازي ذلك مع تصريحات مسؤولين برلمانيِّين عراقيِّين عن مسؤوليَّة "حزب الله" في اختطاف خبراء بريطانيِّين من وزارة الماليَّة العراقيَّة في أيَّار2007."

 

أما المؤشِّر الثالث، فيكمن في "ارتفاع واتِّضاح نبرة حسن نصر الله في خطبه الأخيرة، حول الالتزام بالمقاومة في العراق قوميًّا وأخلاقيًّا وسياسيًّا."

 

بعد تقديم هذه المؤشَّرات على "تدخُّل حزب الله في العراق "، فجَّرت الكاتبة  قنبلة "هوريشيميَّة " الحجم بكشفها سرًّا كان خافيًا على الكثيرين من متابعي ما يجري في أرض العراق! فالسرُّ الذي لم يعد سرًّا لها ولأنصار "حزب الله" يكمن في كون عماد مغنيَّة مسؤولاً عن تنفيذ التزام "الحزب" بالمقاومة العراقيَّة أو "المقاومة في العراق"، كما تصفها الكاتبة. ليس هذا فحسب، بل أنَّ مغنيَّة كان المشرف على عمليَّة "تثوير الشيعة "في العراق، وحقن مصل معادٍ الاحتلال بهذا المكِّون "المعوَّق وطنيًّا" من مكوِّنات شعبنا في العراق!

 

القنبلة "الهوريشميَّة " لم تكن الوحيدة التي فجَّرتها الكاتبة، فقد أبت إلاَّ أن تنهي مقالها بتفجير قنبلة "ناكازاكيَّة" التأثير، بإرجاعها أسباب اغتيال عماد مغنيَّة إلى تجاوزه "خطوط سايكس بيكو الحمراء والزرقاء" والليمونيَّة  أيضًا لتصميمه على نقل "تجربة لبنان إلى فلسطين والعراق"!

 

أين تكمن أوجه الخلل في طروحات السيَّدة عطيَّة ؟

 

لا نفرِّط بالصواب إذا ما ثبَّتنا غياب عناصر التحليل الصائب والحقيقة عن المقال باستثناء الإشارة إلى أنَّ مصيرالإمبرياليَّة الأمريكيَّة يعتمد على ما سيؤول إليه صراع المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة مع القوى المحتلَّة على اختلاف هويَّاتها وتحالفاتها.

 

لننظر أوَّلاً في الفهم الخاطئ لمكوِّنات المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة وهويَّتها. تقترح الكاتبة أنَّ انهيار المشروع الأمريكي- الصهيوني لن يتمَّ  إلاَّ "إذا وصلت المقاومة العراقيَّة لأن تكون سنيَّة- شيعيّة"، وأنَّ "الأمريكيون لن يفشلوا في العراق ولن يتحرَّر هذا البلد إلاَّ "إذا تمَّ تثوير شيعته ضدَّ الاحتلال"!

 

مضمون النصَّين واضح، ولا يحتمل أيَّ هامش من الاختلاف في التفسير. ما تودُّ الكاتبة إيصاله، هو أنَّ المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة بتركيبتها الراهنة لا تحمل مقوِّمات الشموليَّة، إذ أنَّها تفتقر إلى صفة تمثيل كلِّ مكوَّنات المجتمع العراق، لكونها "مقاومة سنيَّة"، غاب عنها "شيعة العراق" الذين يجب تحفيزهم أو ثويرهم حتَّى يلتحقوا بالمقاومة، الأمر الذي يؤدِّي إلى تهيئة شرطٍ أساس من شروط هزيمة الاحتلال!  

 

لا نقاش في أهمية الوحدة الوطنيَّة في هزيمة المحتلِّين. لكن التلميح إلى غياب مكوِّن أساس من مكوِّنات شعبنا في العراق عن ساحة المقاومة نهج خاطئ يعكس قصورًا في فهم مكوِّنات المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة، ويتتطابق مع ما تطرحه آلة الاحتلال الإعلاميَّة. السيِّدة عطيَّة من الذكاء والتجربة لتدرك أنَّ تمركز المقاومة آنيًّا في منطقة جغرافيَّة معيَّنة لأسباب موضوعيَّة، وعوامل تتعلَّق بطبيعة الصراع وتوزيع القوى لا يمنحها هويَّة الغالبيَّة السكانيَّة لمنطقة التمركز الوقتي أوَّلاَ. وثانيًا، أنَّ هنالك آلاف الشواهد والوقائع المادِّيَّة والجغرافيَّة التي تبرهن على انتشار المقاومة في كلِّ أرجاء العراق، وعلى مساهمة كلِّ مكوِّنات شعبنا في نشاطاتها. المقاومة الوطنيَّة اللبنانيَّة متركِّزة لأسباب معروفة في منطقة تتميَّز بتواجد مكثَّف لأبناء الطائفة الشيعيَّة، فهل يجعل ذلك منها مقاومة "شيعيَّة"؟ بالطبع لا. نحن لن نوافق على الاطلاق، واعتقد بأنَّ السيِّدة عطيَّة تشاركنا الرفض، بأن توصف المقاومة في لبنان بغير المقاومة الوطنيَّة اللبنانيَّة.

 

المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة، هي بكل تأكيد مقاومة شعبنا بكلِّ مكوِّناته، لكونها تعبِّر عن مصلحته الجمعيَّة. مقاومة تدعمها الغالبيَّة المطلقة من أبناء العراق بمختلف الوسائل والصيغ، ويرفدونها بكلِّ ما تحتاجه من عناصر الديمومة والانتصار. مقاومة وطنيَّة عراقيَّة شاملة لا تنحصر بطائفة أو عرق أو دين أو إقليم جغرافي.

 

الفجوة الثانية في المقال، تكمن في محاول الكاتبة خلق استحقاق سياسي ومقاوم لـ "حزب الله" في العراق وتلميحها إلى دور للحزب في المقاومة العراقيَّة، أو ما وصفته بـ "تدخُّل حزب الله في العراق"، وتقديمها ثلاث مؤشِّرات على هذا "التدخُّل"، لا يجتاز أيُّ منهما أبسط الاختبارات المنطقيَّة والموضوعيَّة.

 

قبل معالجة هذه المؤشِّرات، لنتأمَّل أوَّلاً استخدام الكاتبة المبهم لعبارة "تدخُّل" وتوظيفها بشكل يعكس مفهوم المساهمة أو المشاركة. فإذا كان استخدام عبارة "التدخُّل في العراق" الإيحاء بمساهمة "حزب الله" في المقاومة العراقيَّة، فقد جانبه الصواب قطعًا. الفجوة بين مفهومي "التدخُّل" والمساهة كبيرة وواضحة. نعم، هناك "تدخُّل" موثَّق لـ "حزب الله" في العراق، ولكن هذا "التدخُّل" لا يمتُّ إلى المقاومة بصلة، كما حاولت الكاتبه إيصاله للقارئ. "تدخُّل حزب الله" في العراق منصبٌّ على تدريب أفراد "قوَّات بدر" وعصابات "حزب الدعوة" إيرانيِّ المنشاء، ومجاميع ما يطلق عليه " جيش المهدي" على عمليَّات إرهاب المواطنين في مدن العراق الجنوبيَّة وإخضاعهم لسيطرة السيِّد الإيراني. أمَّا مساهمة "حزب الله" في فعَّاليَّات المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة، كما ألمحت له الكاتبة، ليست إلاَّ مغالطة لا تستند على أدلَّة يمكن قبولها. 

 

لنستعرض ما قدَّمه المقال "مؤشِّرات على دور لحزب الله في العراق". أوَّل تلك المؤشِّرات، اعتماد الكاتبة على ما تقِّدمه قناة "المنار" من أفلام تسجيليَّة عن عمليَّات لـ "الحزب" في العراق! تعلم الكاتبة قبل غيرها أنَّ هذا المعيار لا يمكن التعويل عليه، لأكثر من سبب. قناة "المنار" كما هو معلوم تمثِّل الخطاب السياسي والدعائي الرسمي لـ "حزب الله"، وأنَّ توجُّهها الإعلامي يخدم مصالح "الحزب" وتوجُّهاته. كما أنَّ نهجها في تناول الشأن العراقي تطغى عليه المعالجات الطائفيَّة المنحازة.

 

ثاني مؤشِّرات الكاتبة على وجود دور لـ "حزب الله" في العراق ليس أفضل من الأوَّل. تقدِّم لنا حديثًا لـ "غورد براون" عن تورُّط "حزب الله" في عمليَّات إرهابيَّة في العراق، و "تصريحات" لمسؤولين برلمانيِّين عراقيِّين عن مسؤوليَّة "حزب الله" في اختطاف خبراء بريطانيِّين من وزارة الماليَّة العراقيَّة في أيَّار2007 " دليلاً على وجود نشاط مقاوم لـ "حزب الله" في العراق! 

 

حديث "غورد براون" وتصريحات مَن وصفتهم بـ "مسؤولين برلمانيِّين عراقيِّين" لا يمكن التعامل معها بموضوعيَّة وبشكل جدِّي، واعتمادهما مؤشِّرًا على دور "حزب الله" في مقاومة الاحتلال. اختطاف خبراء بريطانيِّين ليس دليلاً ولا إثباتًا على كون هذه العمليَّات جزءًا من زخم مقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق ودحره . لا شكَّ في أنَّ كلَّ ما يُلحق ضررًا بمؤسَّسات سلطة الاحتلال العسكريَّة والمدنيَّة يساعد الجهد المقاوم، ولكن لا يمكن التعامل مع كلِّ جهد موجَّه ضدَّ تلك المؤسَّسات كمقاومة. ثمَّة الكثير من العمليَّات التي نُفِّذت ضدَّ وجود الاحتلال الأمريكي خدمة للمشروع الإيراني، ولتعزيز موقف النظام الإيراني التفاوضي في "بازار" تقسيم ثروة شعب العراق. طبيعة الاختطافات المشار إليها وأهدافها لا تختلف عن تلك التي شهدتها الساحة اللبنانيَّة في الثمانييَّات والتسعينيَّات من القرن الماضي، ونفَّذها "حزب الله" لحساب النظام الإيراني. عمليَّات الخطف المشار إليها في المقال موضوع البحث لا تمتُّ للمقاومة العراقيَّة بصلة، ولا يمكن اعتمادها مؤشرًّا على مساهمة "حزب الله" في المقاومة.

 

أمَّا ثالث تلك المؤشِّرات الذي قدَّمته لنا السيَّدة عطيَّة على دور "حزب الله" في العراق فيتمثل في   ما وصفته الكاتبة بـ: "ارتفاع واتضاح نبرة حسن نصر الله في خطبه الأخيرة حول الالتزام بالمقاومة في العراق: قوميًّا وأخلاقيًّا وسياسيَّا."

 

هنا أيضًا نختلف جذريًّا مع مضمون المقال. فموقف السيِّد حسن نصر الله من المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة، بكلِّ موضوعيَّة غير واضح النبرات، ويعاني من ضبابيَّة وتناقض كبير. نعم، السيِّد حسن نصر الله، صرَّح في أكثر من مناسبة رفضه التواجد الأمريكي في العراق، ودعى لمقاومته. لكن مصداقيَّة هذه التصريحات ينسفها موقف السيِّد وحزبه من الحكومة العميلة ومن الأحزاب والتنظيمات المساهمة في مشروع الاحتلال ولا سيَّما تلك التي تدور في الفلك الإيراني.  

 

ثمَّة تناقض كبير وازدواجيَّة في تعامل السيِّد حسن نصر الله وحزبه مع الموقف في العراق. فهو من جانب ضدَّ الاحتلال ويدعو لمقاومته عسكريًّا، لكن من جانب آخر يبدي تعاطفًا ملفتًا مع حكومة "المنطقة السوداء" العميلة، ويظهر تفهُّمًا كبيرًا لتعاون أطراف سياسيَّة تشاركه الولاء للمرجعيَّة الإيرانيَّة مع سلطة الاحتلال التي يدعو إلى مقاومتها!

 

السيِّد حسن نصر الله، يوفق بشكل مذهل بين دعوات تأييد للمقاومة وتفهُّمه لخيانة عملاء الاحتلال الأمريكي ووصف سلوكهم بالاجتهاد! أين الوضوح في الموقف والنبرة التي تتحدَّث عنها الكاتبة؟ كيف يمكن الجمع بين تأييد المقاومة وتبرير عمالة حكومة منصَّبة من سلطة احتلال لا يعترف السيِّد بشرعيَّته لا بل يدعو لمقاومته عسكريًّا؟

 

التفسير الذي قدَّمه السيِّد حسن نصر الله لعمالة عبد العزيز الحكيم والمالكي والجعفري، ونعته مواقفهم المذِّلة بـ "الاجتهاد"، موقف مرفوض وخاطئ لا يليق بمقاوم من طراز السيِّد نصر الله وحزبه! هل يوافق السيِّد أن توصف الأطراف والشخصيَّات اللبنانيَّة المتعاونة والمتعاملة مع الكيان الصهيوني بـ "المجتهدين"؟ وهل يقبل أن يتعامل معهم وفق هذا  الأساس؟  ثمَّ منذ متى غدت العمالة "اجتهادًا"؟

 

إنَّ بنية الاحتلال الأمريكي في العراق كما هو معروف، متكوِّنة من عقل الاحتلال وجسده، وتمثَّلهما القوَّات العسكريَّة الأمريكيَّة ومؤسَّساتها المدنيَّة وحلفاؤها، بالإضافة إلى أطراف الاحتلال المتجسِّدة في الحكومة العميلة ومؤسَّسات الدولة التي أنشأتها سلطة الاحتلال لخدمة مشروعها في العراق والمنطقة، وتنظيمات المليشيات الطائفيَّة والعنصريَّة وتنظيمات "الصحوات" العميلة. هذه البنية بأكملها، عقلاً وجسدًا وأطرافًا تبقى أهدافًا مشروعة للمقاومة. فلا يصحُّ استهداف قوَّات الاحتلال ومقاومتها، والتستُّر على رموزه وأدواته المحلِّيَّة، وحجب مقاومتهم. إشكاليَّة موقف السيِّد حسن نصر الله لا تكمن في دعوته لمقاومة القوَّات الأمريكيَّة وامتناعه عن الدعوة لمقاومة حكومة الاحتلال التي نصَّبها "الشيطان الأكبر" فحسب، بل في تشجيعة أطرافًا عراقيَّة للانخراط في عمليَّة الاحتلال السياسيَّة. لذا، الإشارة إلى "وضوح النبرة" في خطاب السيِّد حسن نصر الله والتزامه بالمقاومة، حديث غير موضوعي على الإطلاق، ولا يمكن التعويل عليه في تأسيس استحقاق لـ "حزب الله" في زخم المقاومة العراقيَّة.

 

لا شكَّ في أنَّ  أكثر ما في مضمون مقال السيِّدة عطيَّة استفزازً لشعور أبناء العراق الوطني، وطعنًا في كرامتهم الوطنيَّة، يكمن في تقديمها عماد مغنيَّة: "المخلِّص القادم" من جبال الأرز حاملاً خلاصة التجربة اللبنانيَّة لينقذ شعب العراق من محنة الاحتلال عن طريق تثوير" شيعته "! هذا الطرح، لا يحمل في طيَّاته استفزازًا ومهانة فحسب، بل هو بعيد عن الواقع بآلاف الأميال، ويخدم، للأسف، الخطاب السياسي والدعائي للمحتل. شعب العراق، وأولئك الذين أشار إليهم المقال تحديدًا ودعا إلى تثويرهم، ومع تقديرنا لتجربة "حزب الله" وبعيدًا عن "العصبيَّة المقاومة"، ليسوا في حاجة إلى مَن يضخَّ فيهم كراهية الاحتلال والمحتلِّين. فالتجربة  النضاليَّة لهذا الجزء من شعبنا في العراق ومقارعتة الغزاة والمحتلِّين موثَّقة ومعروفة. وتاريخه الوطني ودوره في إنهاء الاحتلال الأمريكي ودحر الأطماع التوسُّعيَّة الإيرانيَّة معروف وموثَّق أيضًا. الأهم من كلِّ ذلك، أنَّ دوره في إحباط مشروع الاحتلال الأمريكي  للعراق ورفض الحكومة العميلة معروف وموثَّق.  ومع احترامنا لتجربة المقاومة الوطنيَّة البنانيَّة واعتزازنا بانتصاراتها، إلاَّ أنَّ ظروف النضال وطبيعة الصراع في العراق وجغرافيته وحجم التحدِّيات واختلاف القوى المعادية وتعدُّدها تتباين كلِّيًا مع ظروف المقاومة البنانيَّة. لا جدال في أنَّ لكلِّ ساحة ضروراتها وتحدِّياتها وخصوصيَّاتها، وإن اشتركت في العديد من القواسم المشتركة.

 

 أخطر ما في تقديم مغنيَّة "منقذًا" محتملاً لشعب العراق، وربط مقتله بهذا الدور، يكمن في أنَّ هذا الطرح ينسجم مع مزاعم سلطة الاحتلال بأنَّ شعب العراق متعايش إيجابيًّا من النظام الجديد، وأنَّ مَن يقاوم التواجد الأمريكي والحكومة العراقيَّة هم الإرهابيُّون القادمون من خارج الحدود. لقد دفع شعب العراق ومقاومته ثمنًا باهظًا، وما تأخُّر مهام التحرير إلاَّ بسبب إصرار فئة على نسب المقاومة وقيادتها إلى جهات غير عراقيَّة. منح "حزب الله" دورًا في مسار المقاومة يساهم بكلِّ تأكيد في دعم مثل تلك الطروحات السلبيَّة.

 

لا شكَّ في أنَّ السيِّدة عطيَّة والكثيرين من الذين يسعون لخلق استحقاقات غير موضوعيَّة لـ "حزب الله" يدركون حجم التحديات التي يواجهها شعبنا في العراق وفصائل المقاومة وقواه الوطنيَّة المناهظة للاحتلال. كما يدركون بأنَّ العراق قد احتلَّ لأسباب عديدة، في مقدِّمتها مواقفه القوميَّة ومشروعه الوطني، وإصراره على البناء وتمسُّكه بحرِّيَّته واستقلاله وسيادته. احتُلَّ العراق لإزالة عائق مهمِّ أمام نجاح مشروع تغيير هويَّة المنطقة القوميَّة، وتحويلها من وطن عربيِّ إلى إقليم شرق أوسطي. احتُلَّ شعبنا بمشاركة عربيَّة ودوليَّة واسعة، فدُمِّرت دولته واستبيحت كرامته وهُدرت ثرواته وسُلبت مؤسَّساته، وحُطِّمت شواهد مساهماته الحضاريَّة. إنَّهم يدركون أيضًا بأنَّ شعبنا يواجه تحدِّيات جبَّارة، لكنَّها تليق به، فهو رغم الجراح والخسائر قادر على التعامل معها، وإلحاق الهزيمة بمشروع الاحتلال، واسترداد حرِّيَّته واستعادة سيادته. هذا قدره وهو له. شعب جبَّار بقدرته على الدفاع عن وجوده وهزيمة المحتلين والغزاة الطامعين عبر تاريخة العريق.

 

نختم بتقديم رسالة واضحة المضمون إلى مدَّعي الإيمان بخيار المقاومة: لا تزيدوا على أعباء شعبنا، ولا تحرِّفوا مسار مقاومتنا وتصادروا حقوقها وانتصاراتها. لن نصبر بعد الآن على مثل هذه الممارسات، وسنردُّ بقوَّة على كلِّ مَن تسوِّل له نفسه الإساءة إلى مقاوتنا. فهي  ليست ممثِّلنا الوطني الشرعي فحسب، بل أملنا الوحيد في استرداد حرِّيَّتنا المصادرة، وسبيلنا لإعادة بناء عراقنا الجميل الحر المزدهر. إنَّها ليست مجرد آليَّة عسكريَّة وبرنامج سياسي لدحر احتلال أجنبي، بل هي لنا الحبُّ والشرف والكرامة والمستقبل.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الخميس / ١٢ شعبان ١٤٢۹ هـ

***

 الموافق ١٤ أب / ٢٠٠٨ م